كي نبقى أوفياء لمسيرة المرجع فضل الله

كي نبقى أوفياء لمسيرة المرجع فضل الله
قد يصعب على الإنسان أن يكون مجرّداً من مشاعره وعواطفه عندما يتحدّث عن مزايا أبيه أو عمّن يُحبّ، ولكن مع السيّد، وفي موقف الوفاء له، لا بدَّ من مجاهدة الذّات لمقاربة هذه الشخصيّة بإنصاف وتجرّد، وهو ما تعلّمناه منه. فالسيّد، كما أعرفه وتعرفونه، كان يدعو إلى أن يكون ميزان تقييم الشّخصيّات والأفكار دقيقاً وحسّاساً، كميزان الذّهب، وإلى أن يخرج الإنسان من حسابات ذاته، حيث لا غلوّ في الحبّ أو البغض.

وأنا هنا، أشهد، ومن موقع معايش له وقريب منه، أنّ الأبوّة عند السيّد تجاوزت حدود عائلته الصّغيرة، فأنا لم أرَ أنّ أبوّته لي ولأخوتي تختلف عن أبوّته لكلّ الناس الذين عاشوا معه وحتّى الذين التقوه.. في تلقّيهم لكلّ هذا الفيض من الحنوّ والتّشجيع والرّعاية والاهتمام والأمل والتّفاؤل...

ولأنَّ المقام لا يتّسع، فإنَّ ما يمكن التوقّف عنده هو خطاب السيّد الذي تميّز بالعقلانيّة والواقعيّة والانفتاح والشموليّة، إذ خاطب كلّ الناس؛ خاطب عقولهم وإنسانيّتهم، ولم يتحدّث إلى غرائزهم الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة.

لم يقتصر خطاب السيّد على فئة من المجتمع؛ فقد دخل إلى دنيا الشّباب، ودنيا المرأة، وحتى دنيا الأطفال، وتحدّث إلى المثقّفين بلغتهم، كما تحدّث إلى الناس، كلٌّ بحسب مستواه. وهو في خطابه، خرج عن كلّ الشكليّات التي يفرضها موقعه الدّيني المتميّز... وحتى عند تصدّيه لموقع المرجعيّة وما تفرضه من بروتوكولات، رفض السيّد هذا البروتوكول، وبقي كما هو.

كان صادقاً في خطابه، مقتدياً برسول الله الّذي {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}، فلا ازدواجيّة في الشخصيّة، بحيث يختلف ظاهرها عن باطنها، وهو الذي قال: "أنا لا أتحدث في السرّ ما أستحي به في العلن"... وكان يعلن بكلّ جرأة ما يؤمن به، معتقداً أنّ الحقيقة التي يصل إليها ليست ملكاً له، إنما هي ملك للناس والحياة، وعليه أن يعلنها حتى لو كلّفه ذلك تضحيات وردود فعل، وكان يرى أن هذه ضريبة عليه أن يدفعها كما دفعها الرّسل والأنبياء من قبله، ففي منظوره، لا مجاملة في الحقّ، والحقّ أولى بأن يتّبَع.. حتى لو لم يترك له صديقاً. كان حكيماً في قول الحقّ، لكن بلا تنازل وأنصاف حلول. ولأنّ السيّد كان كذلك، استطاع أن يخترق بخطابه الحواجز الطائفيّة والمذهبيّة، وأن يتجاوز حدود المكان، ليصل إلى الإنسان، كلّ إنسان.

ومن هذا المنطلق، لم يستطع السيّد، ومن موقع التزامه بالحقّ كما يراه؛ الحقّ مع الله، والحقّ مع الناس، أن يتقبّل الكثير من التصوّرات السّائدة على المستوى الاعتقادي والتشريعي، فلم يكن يراها ديناً أنزله الله، بل اجتهاداً إنسانياً تحكمه معايير الخطأ والصواب، حتى لو اكتسب قوّة المشهور. وكان يردّد أمام الّذين عابوا عليه أنّه خالف المشهور أو آراء الكثير من العلماء والفقهاء الكبار، أنّ عقولهم ليست من ذهب وعقولنا من حديد.. فنحن نجلّهم ونحترمهم، ولكن هذا لا يعني أن نقبل كلّ ما طرحوه من آراء وأفكار، وخصوصاً أنّ الكثير منها هو نتاج المستوى الثقافي الذي بلغوه في تلك المرحلة، وطبيعة الظّروف التي عاشوها...

لقد جاءت آراء السيّد التجديدية في العقيدة والتّشريع والشعائر، ثمرة رؤية شاملة تستند إلى القرآن والسنّة الصحيحة، وذلك في ضوء قراءته التحدّيات العاصفة الآتية من كلّ حدب وصوب، والتي كانت تهزّ أكثر من أساس اعتقادي أو فقهي أو فكري بناه اجتهاد القدماء، وخصوصاً في القضايا التي تمسّ الإنسان في عقله وعلمه وحريته وكرامته وعلاقته مع الآخر، كما تمسّ الأمّة في قضاياها الكبرى وفي علاقاتها مع الأمم الأخرى.

وعلى هذا الأساس، تميّز بدعوته إلى احترام إنسانيّة الإنسان، بعيداً عن كلّ الخصوصيّات، وجسّد ذلك عمليّاً في الفتاوى، حين رفض كلّ الأحاديث الّتي تسيء إلى كرامة الإنسان، أيّ إنسان، وأطلق فتاواه انطلاقاً من هذه الكرامة والحرمة.

وعندما دعا إلى الأخذ بالعلم، لم يكن ذلك شعاراً، فقد أدخله في التّشريع، وخصوصاً في تحديد مواقيت بداية الشّهور، وغير ذلك من القضايا العلميّة. وعندما دعا إلى الحوار، مارسه عمليّاً، ورفض حوار الدّيكور أو الشّكل، أو الحوار الّذي يتمّ لحساب الواقع السياسي، بل دعا إلى الحوار الجدّيّ، ومارسه مع كلّ المواقع المحليّة والعالميّة، وتشهد على ذلك كتبه في الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، والحوار الإسلامي ـ المسيحي، والحوار الإسلامي ـ العلماني، مما أغنى به ساحة الحوار، وحوّله إلى واقع، حتى بات عنوان الحوار لا يذكر إلا واسم السيّد يقترن به.

أمّا حرصه على الوحدة الإسلاميّة، فلا يضاهيه فيه أحد، فقد كانت همّه وهاجسه، فخطب وكتب وحاور، وأصدر الفتاوى، ووجّه النّداءات والدّعوات للمسلمين، بأن لا يسيئوا إلى مقدّسات بعضهم البعض، ووضع ذلك في نطاق المحرّمات، مؤكّداً أنّ ما يجمع المسلمين هو أكثر بكثير مما يفرّقهم.. وهو من قال إنّ نقاط اللّقاء بين المسلمين أكثر من 90 في المئة، فيما لا يجوز أن تطغى النّسبة الباقية على مساحة اللّقاء الواسعة.

وقد سعى بكلّ جهده إلى إخراج الساحة الإسلاميّة من الهواجس والمخاوف، من خلال تأمين فرص اللّقاء بين كلّ مواقعها.. حتى تحوّل إلى واحد من صمّامات الأمان التي تمنع اندلاع فتنة مذهبيّة أو زيادة اشتعالها.

وهذه الصورة؛ صورة التلاقي، هي ما أراده في علاقة المسلمين بالمسيحيّين، عندما تحرك لصناعة مشروع مشترك عنوانه العمل لإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقيّة، التي هي هدف الرسالات، وتعزيزها اجتماعيّاً وإعلاميّاً وثقافيّاً، مما تحتاج إليه الحياة في كلّ الظروف.

لقد كان السيّد يعي جيّداً أهمية التنوّع الديني والمذهبي في بلادنا، وحساسيّته في الوقت نفسه؛ فعلى مستوى "الأهميّة"، كان يؤكّد مقولة أنّ الأديان والمذاهب جاءت لخدمة الإنسان، ولم يأتِ الإنسان لخدمة الأديان، مشدّداً على ضرورة تحريك كلّ القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة التي تحملها الأديان، لينبعث منها أجمل ما فيها من المحبّة والخير والرّحمة والعطاء والإيثار، بدل ما نشهده من حقد ديني وطائفي ومذهبي، هو في الجوهر غريب عنها ومعادٍ لها. وعلى مستوى الحساسيّة الدينيّة، وما قد تولّده على صعيد الاجتماع السياسي من انقسامات وعصبيّات، ركّز على المشترك الإنساني، داعياً إلى دولة الإنسان التي تستجيب لدعوات الأديان جميعها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، بعيداً عن نظام الطائفيّة السياسيّة، ودويلات الطوائف التي يراد لها أن تمزّق أوطاننا وأمّتنا.

وعلى الرّغم من أنه كان يعيش في خضمّ هذا الكمّ الهائل من الهموم، فقد أولى العناية الكبيرة للتخفيف من آلام الناس الفقراء والأيتام والمستضعفين، ورفع الجهل، والقضاء على التخلّف، فكان دوره ريادياً في ما بناه من المؤسَّسات الثقافية والصحيّة، ودور الأيتام والمعوّقين، والتي أعطاها بعداً إنسانيّاً عندما جعلها تحت عنوان "جمعية المبرات الخيرية".

ولم يقف السيّد عند ذلك، بل أطلق فتاواه في القضايا العامّة، وخصوصاً في مقاومة إسرائيل، وفي إجازته الحقوق الشرعية الماليّة لهذه المقاومة، واعتبار أن التعامل مع الكيان الصهيوني حرام، وفي مواجهة أميركا ومقاطعة بضائعها عندما احتلّت العراق وأفغانستان.

إنّ الوفاء للسيّد هو أن ننزل إلى ساحته؛ ساحة خطابه العقلانيّ الحواريّ المنفتح، الّذي تحتاج إليه ساحاتنا، الَّتي يراد لها أن تضجّ بالفتن والصّراعات المنتقلة، أن نستكمل معالم هذا الخطاب في المساحات الّتي لم يتناولها، وفي التطوّرات المستجدّة، وذلك في ضوء منهجه ورؤيته، وأن لا نبقي هذا الخطاب في الصالونات والمؤتمرات، بل أن نتحرك في ساحة الحياة الواسعة التي تحتاج منّا إلى الكثير، كي لا نخسر وحدتنا وقوّتنا وثرواتنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا.

قد يصعب على الإنسان أن يكون مجرّداً من مشاعره وعواطفه عندما يتحدّث عن مزايا أبيه أو عمّن يُحبّ، ولكن مع السيّد، وفي موقف الوفاء له، لا بدَّ من مجاهدة الذّات لمقاربة هذه الشخصيّة بإنصاف وتجرّد، وهو ما تعلّمناه منه. فالسيّد، كما أعرفه وتعرفونه، كان يدعو إلى أن يكون ميزان تقييم الشّخصيّات والأفكار دقيقاً وحسّاساً، كميزان الذّهب، وإلى أن يخرج الإنسان من حسابات ذاته، حيث لا غلوّ في الحبّ أو البغض.

وأنا هنا، أشهد، ومن موقع معايش له وقريب منه، أنّ الأبوّة عند السيّد تجاوزت حدود عائلته الصّغيرة، فأنا لم أرَ أنّ أبوّته لي ولأخوتي تختلف عن أبوّته لكلّ الناس الذين عاشوا معه وحتّى الذين التقوه.. في تلقّيهم لكلّ هذا الفيض من الحنوّ والتّشجيع والرّعاية والاهتمام والأمل والتّفاؤل...

ولأنَّ المقام لا يتّسع، فإنَّ ما يمكن التوقّف عنده هو خطاب السيّد الذي تميّز بالعقلانيّة والواقعيّة والانفتاح والشموليّة، إذ خاطب كلّ الناس؛ خاطب عقولهم وإنسانيّتهم، ولم يتحدّث إلى غرائزهم الطائفيّة والمذهبيّة والسياسيّة.

لم يقتصر خطاب السيّد على فئة من المجتمع؛ فقد دخل إلى دنيا الشّباب، ودنيا المرأة، وحتى دنيا الأطفال، وتحدّث إلى المثقّفين بلغتهم، كما تحدّث إلى الناس، كلٌّ بحسب مستواه. وهو في خطابه، خرج عن كلّ الشكليّات التي يفرضها موقعه الدّيني المتميّز... وحتى عند تصدّيه لموقع المرجعيّة وما تفرضه من بروتوكولات، رفض السيّد هذا البروتوكول، وبقي كما هو.

كان صادقاً في خطابه، مقتدياً برسول الله الّذي {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}، فلا ازدواجيّة في الشخصيّة، بحيث يختلف ظاهرها عن باطنها، وهو الذي قال: "أنا لا أتحدث في السرّ ما أستحي به في العلن"... وكان يعلن بكلّ جرأة ما يؤمن به، معتقداً أنّ الحقيقة التي يصل إليها ليست ملكاً له، إنما هي ملك للناس والحياة، وعليه أن يعلنها حتى لو كلّفه ذلك تضحيات وردود فعل، وكان يرى أن هذه ضريبة عليه أن يدفعها كما دفعها الرّسل والأنبياء من قبله، ففي منظوره، لا مجاملة في الحقّ، والحقّ أولى بأن يتّبَع.. حتى لو لم يترك له صديقاً. كان حكيماً في قول الحقّ، لكن بلا تنازل وأنصاف حلول. ولأنّ السيّد كان كذلك، استطاع أن يخترق بخطابه الحواجز الطائفيّة والمذهبيّة، وأن يتجاوز حدود المكان، ليصل إلى الإنسان، كلّ إنسان.

ومن هذا المنطلق، لم يستطع السيّد، ومن موقع التزامه بالحقّ كما يراه؛ الحقّ مع الله، والحقّ مع الناس، أن يتقبّل الكثير من التصوّرات السّائدة على المستوى الاعتقادي والتشريعي، فلم يكن يراها ديناً أنزله الله، بل اجتهاداً إنسانياً تحكمه معايير الخطأ والصواب، حتى لو اكتسب قوّة المشهور. وكان يردّد أمام الّذين عابوا عليه أنّه خالف المشهور أو آراء الكثير من العلماء والفقهاء الكبار، أنّ عقولهم ليست من ذهب وعقولنا من حديد.. فنحن نجلّهم ونحترمهم، ولكن هذا لا يعني أن نقبل كلّ ما طرحوه من آراء وأفكار، وخصوصاً أنّ الكثير منها هو نتاج المستوى الثقافي الذي بلغوه في تلك المرحلة، وطبيعة الظّروف التي عاشوها...

لقد جاءت آراء السيّد التجديدية في العقيدة والتّشريع والشعائر، ثمرة رؤية شاملة تستند إلى القرآن والسنّة الصحيحة، وذلك في ضوء قراءته التحدّيات العاصفة الآتية من كلّ حدب وصوب، والتي كانت تهزّ أكثر من أساس اعتقادي أو فقهي أو فكري بناه اجتهاد القدماء، وخصوصاً في القضايا التي تمسّ الإنسان في عقله وعلمه وحريته وكرامته وعلاقته مع الآخر، كما تمسّ الأمّة في قضاياها الكبرى وفي علاقاتها مع الأمم الأخرى.

وعلى هذا الأساس، تميّز بدعوته إلى احترام إنسانيّة الإنسان، بعيداً عن كلّ الخصوصيّات، وجسّد ذلك عمليّاً في الفتاوى، حين رفض كلّ الأحاديث الّتي تسيء إلى كرامة الإنسان، أيّ إنسان، وأطلق فتاواه انطلاقاً من هذه الكرامة والحرمة.

وعندما دعا إلى الأخذ بالعلم، لم يكن ذلك شعاراً، فقد أدخله في التّشريع، وخصوصاً في تحديد مواقيت بداية الشّهور، وغير ذلك من القضايا العلميّة. وعندما دعا إلى الحوار، مارسه عمليّاً، ورفض حوار الدّيكور أو الشّكل، أو الحوار الّذي يتمّ لحساب الواقع السياسي، بل دعا إلى الحوار الجدّيّ، ومارسه مع كلّ المواقع المحليّة والعالميّة، وتشهد على ذلك كتبه في الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، والحوار الإسلامي ـ المسيحي، والحوار الإسلامي ـ العلماني، مما أغنى به ساحة الحوار، وحوّله إلى واقع، حتى بات عنوان الحوار لا يذكر إلا واسم السيّد يقترن به.

أمّا حرصه على الوحدة الإسلاميّة، فلا يضاهيه فيه أحد، فقد كانت همّه وهاجسه، فخطب وكتب وحاور، وأصدر الفتاوى، ووجّه النّداءات والدّعوات للمسلمين، بأن لا يسيئوا إلى مقدّسات بعضهم البعض، ووضع ذلك في نطاق المحرّمات، مؤكّداً أنّ ما يجمع المسلمين هو أكثر بكثير مما يفرّقهم.. وهو من قال إنّ نقاط اللّقاء بين المسلمين أكثر من 90 في المئة، فيما لا يجوز أن تطغى النّسبة الباقية على مساحة اللّقاء الواسعة.

وقد سعى بكلّ جهده إلى إخراج الساحة الإسلاميّة من الهواجس والمخاوف، من خلال تأمين فرص اللّقاء بين كلّ مواقعها.. حتى تحوّل إلى واحد من صمّامات الأمان التي تمنع اندلاع فتنة مذهبيّة أو زيادة اشتعالها.

وهذه الصورة؛ صورة التلاقي، هي ما أراده في علاقة المسلمين بالمسيحيّين، عندما تحرك لصناعة مشروع مشترك عنوانه العمل لإعادة الاعتبار للقيم الأخلاقيّة، التي هي هدف الرسالات، وتعزيزها اجتماعيّاً وإعلاميّاً وثقافيّاً، مما تحتاج إليه الحياة في كلّ الظروف.

لقد كان السيّد يعي جيّداً أهمية التنوّع الديني والمذهبي في بلادنا، وحساسيّته في الوقت نفسه؛ فعلى مستوى "الأهميّة"، كان يؤكّد مقولة أنّ الأديان والمذاهب جاءت لخدمة الإنسان، ولم يأتِ الإنسان لخدمة الأديان، مشدّداً على ضرورة تحريك كلّ القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة التي تحملها الأديان، لينبعث منها أجمل ما فيها من المحبّة والخير والرّحمة والعطاء والإيثار، بدل ما نشهده من حقد ديني وطائفي ومذهبي، هو في الجوهر غريب عنها ومعادٍ لها. وعلى مستوى الحساسيّة الدينيّة، وما قد تولّده على صعيد الاجتماع السياسي من انقسامات وعصبيّات، ركّز على المشترك الإنساني، داعياً إلى دولة الإنسان التي تستجيب لدعوات الأديان جميعها في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، بعيداً عن نظام الطائفيّة السياسيّة، ودويلات الطوائف التي يراد لها أن تمزّق أوطاننا وأمّتنا.

وعلى الرّغم من أنه كان يعيش في خضمّ هذا الكمّ الهائل من الهموم، فقد أولى العناية الكبيرة للتخفيف من آلام الناس الفقراء والأيتام والمستضعفين، ورفع الجهل، والقضاء على التخلّف، فكان دوره ريادياً في ما بناه من المؤسَّسات الثقافية والصحيّة، ودور الأيتام والمعوّقين، والتي أعطاها بعداً إنسانيّاً عندما جعلها تحت عنوان "جمعية المبرات الخيرية".

ولم يقف السيّد عند ذلك، بل أطلق فتاواه في القضايا العامّة، وخصوصاً في مقاومة إسرائيل، وفي إجازته الحقوق الشرعية الماليّة لهذه المقاومة، واعتبار أن التعامل مع الكيان الصهيوني حرام، وفي مواجهة أميركا ومقاطعة بضائعها عندما احتلّت العراق وأفغانستان.

إنّ الوفاء للسيّد هو أن ننزل إلى ساحته؛ ساحة خطابه العقلانيّ الحواريّ المنفتح، الّذي تحتاج إليه ساحاتنا، الَّتي يراد لها أن تضجّ بالفتن والصّراعات المنتقلة، أن نستكمل معالم هذا الخطاب في المساحات الّتي لم يتناولها، وفي التطوّرات المستجدّة، وذلك في ضوء منهجه ورؤيته، وأن لا نبقي هذا الخطاب في الصالونات والمؤتمرات، بل أن نتحرك في ساحة الحياة الواسعة التي تحتاج منّا إلى الكثير، كي لا نخسر وحدتنا وقوّتنا وثرواتنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية