كتاب "فلسفة التّوحيد والنبوّة"، للمرحوم العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض)، في طبعته الرّابعة، العام 1984م، دار الجديد، دار التيّار، بيروت ـ لبنان.
مجموعة من العناوين العقيديّة العريضة والكبرى يحاول سماحة العلامة الشيخ محمد جواد مغنيّة(رض) مقاربتها بأسلوبه العلميّ الدّقيق، وذهنيّته الاجتهاديّة والعلميّة الرّصينة.
يبدأ الكتاب بعنوان "إثبات الخالق بمنطق الحسّ والعقل"، بعرض للظروف التاريخية والثقافية التي تتنازع الإيمان والإلحاد في نفس الإنسان، والّتي تضغط عليه في ظلّ قصور حتى من البعض من الطبقة الدينيّة في تشخيص الداء الاجتماعي والروحي والفكري الّذي يعيق إيمان الفرد والجماعة، ناهيك بانخداع الشباب ببعض العناوين والمدارس الماديّة.
ويعتبر الشّيخ مغنيّة أنَّ الإسلام دعا إلى تعلُّم العلوم الطبيعيّة وغيرها، ما دام الأساس خير الإنسانيّة وصالحها، وتعزيز شخصيّة الجماعة، بعيداً من المظاهر والمضاهاة والاستغراق في الحياة المادية.
ويتساءل الشيخ مغنيّة (رحمه الله): "هل الباعث للجيل على طلب العلم هو حبّ الاطّلاع ومعرفة الحقيقة، أم شيء آخر؟".. فالغالبيّة ـ للأسف ـ تطلب العلم للدنيا الماديّة، ولمظاهر العيش اللامسؤول.
ويلفت الشّيخ مغنية إلى كتاب الله وما فيه من حقائق وإشارات لطيفة عن حقيقة الوجود الّتي لا تنفتح معانيها تماماً إلا لكلّ ذي قلب ذكيّ ومنطق سليم، بعيداً من الانغلاق والجمود.
ويعود الشيخ مغنيّة إلى التساؤل: "هل إيمان الملايين من العلماء والعقلاء صواب أو خطأ؟".. لافتاً إلى أنّه ما على الإنسان إلا التفكّر في سبب وجوده ومصيره، فالنّظر في معرفة الله واجب باتفاق المسلمين..
ويعتبر الشيخ مغنيّة أنّ الفلسفة المثاليّة مناقضة للفطرة، لافتاً إلى أنّ الأمر ليس كما تدّعي بأنّ ما لا يدركه العقل مستحيل وجوده، لأنّ العالم الخارجيّ مستقلّ بوجوده عن إدراكات الإنسان، إضافةً إلى مناقشات أخرى لهذه المدرسة بأسلوب طيِّع وموضوعيّ متماسك.
ويؤكّد العلامة مغنيّة (رحمه الله)، أنَّ من المستحيل أن تكون المادّة واجباً للوجود، وعلّة أوليّة لنفسها ولغيرها، وسبباً للحياة والانسجام والنظام، باعتبار أنّ المادّة متحوّلة ومتغيِّرة وسريعة الحركة والتغيير.
كما ويردّ الشيخ مغنيّة على الفلسفة التجريبية التي ترى أنّ الحقيقة فقط هي ما نحسّه أو نراه أو نختبره، بأنّ الخبرة الفطرية والشهادة الحسية والبداهة العقليّة طرق أولية لتأكيد صدقية العقيدة، فالعبرة بدليل العقيدة والنظريّة، لا بنوعها وغيبيّتها أو حسيّتها، فالإيمان بالله من منطق بديهيّات الفطرة والعقل والحسّ. كذلك العلم، فإنه يدعو في غاياته الشريفة والنهائية إلى الإيمان بالله الّذي ليس هو ثمرة للوهم والتقليد، وإنما لمنطق الحسّ والعقل وشهادة البصر والبصيرة.
العنوان الثاني من الكتاب، البحث عن صفات الله تعالى، وأهمّها وحدانيّته ونفي الشّرك عنه. ويشرح الشّيخ مغنيّة الصفات الذاتيّة لله، والتي تُضاف إلى الله بما يليق بعظمته وجلاله، وما علينا سوى الإيمان والسّكوت عما سكت الله عنه، منعاً من الضلال والتيه، فالله تعالى صفاته عين ذاته..
ويناقش سماحته بعض الإشكالات المثارة حول هذه المسائل الدقيقة، ناهيك بمسألة الخير والشّرّ في الإنسان، والأقوال حولها، وضوابط هذه المسألة ومعاييرها.
ويعرِّج بعد ذلك على بحث فلسفة الاختيار، وما يتفرّع عنها من مسائل "القضاء والقدر"، و"التّسيير والتّخيير"، و"نسبة الهداية والضّلال إلى الخالق".
ثم يأتي الشيخ مغنيّة على عرض فلسفة النبوّة بعد عرضه لفلسفة التوحيد، وما تفرّع عنها من عناوين مهمّة لا تزال تشغل بال الكثيرين، فتحدَّث عن البعثة، وعن النبيّ الأكرم(ص)، والقرآن، ومعاجز الأنبياء، بأسلوب سهل وفيه كلّ المنطق والحجّة.
كتابٌ غنيّ بعناوينه ومعلوماته الكثيفة، وفيه الكثير من الاستشهادات لمفكّرين وعلماء، بحيث يشكِّل هذا الكتاب زاداً ومعيناً لمن أراد الاستيضاح عن مباحث عقيديّة شائكة عمل سماحة الشّيخ على تبسيطها.
رحم الله الشيخ مغنية، ووفّاه أجور العلماء الصّابرين.