في بيع المكيل والموزون

في بيع المكيل والموزون
وهو يقع في مسائل:


م  ـ779: يختلف حكم الربا في البيع على وجهين، وتفصيلهما كما يلي:


الوجه الأول: في البيع نقداً، وحكمه يختلف باختلاف موارده على النحو التالي:


أ  ـ يجوز بيع المتحدين في الجنس من المكيل والموزون أحدهما بالآخر نقداً دون زيادة في أحدهما على الآخر، كبيع عشرين كيلواً من القمح بعشرين منه، سواء اتفقا في الصنف وفي الجودة والرداءة أو  اختلفا.


ب ـ  يجوز بيع المختلفين في الجنس أحدهما بالآخر نقداً، سواء كانا من المكيل والموزون أو كانا من غيرهما، وسواء بالزيادة أو بدونها، فيجوز مثلاً بيع عشرين كيلواً من القمح بعشرة كيلوات من الأرز نقداً، وهكذا غيره من أمثلة الموارد الأخرى مما هو أوضح منه.


ج ـ  لا يجوز بيع المتحدين في الجنس من المكيل والموزون نقداً مع الزيادة في أحدهما على الآخر، مثل أن يبيعه عشرين كيلواً من القمح باثنين وعشرين كيلواً منه، سواء كانا معاً من الموزون، كالمثال المتقدم، أو كانا من  المكيل، كأن يبيعه مُدَّيْن من القمح بمد ونصف منه، أو كان أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً، كأن يبيعه مداً يزن في بعض البلاد خمسة عشر كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه.


هذا، ولا فرق في الزيادة المذكورة في هذا الوجه الأول   بأنحائه الثلاثة  بين الزيادة العينية وبين الزيادة الحكمية، والزيادة العينية هي: (الزيادة المادية التي هي من جنس المبيعين أو من غير جنسهما، كالقمح والكتاب والثوب والنقود ونحوها من الأمور الخارجية المنظورة)، وأما الزيادة الحكمية فهي: (ما كانت  بخلاف ذلك، كالحقوق والأعمال ونحوها)، كأن يبيعه عشرين كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه نقداً مع تعهده بخياطة ثوبه مثلاً، أو تعهده بإعطائه حق المرور في ملكه إلى أرضه المجاورة مثلاً، ونحو ذلك من الأمور التي ليس لها أعيان خارجية.


الوجه الثاني: في البيع نسيئة، وحكمه  أيضاً  يختلف باختلاف موارده على النحو التالي:


أ ـ  يحرم بيع المتحدين في الجنس والمقدار نسيئة إذا كانا من المكيل أو الموزون، كأن يبيعه عشرين كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه مؤجلاً لشهر. لأن هذا التأجيل يُعدّ ميزة لأحدهما على الآخر و)زيادة حكمية(  تجعله رباً محرماً.


ب ـ  يشكل بيع المختلفين في الجنس من المكيل والموزون نسيئة، سواء اتحدا في المقدار، كأن يبيعه مائة كيلو من القمح مثلاً بمائة كيلو من الأرز لشهر، أو كانا مختلفين في المقدار، كأن باعه مائة كيلو من الأرز بمائةٍ وعشرين كيلواً من القمح لمدة شهر.


ج ـ  يشكل بيع المتحدين في الجنس من المعدود مع الزيادة العينية نسيئة، كبيع عشرين جوزة بخمس عشرة جوزة لشهر مثلاً.

وما عدا ذلك من موارد هذا الوجه جائز ما لم يحرم من جهة أخرى.


م ـ780: المعيار في كون الشيئين مثلين هو اتحادهما في الجنس والذات معاً، كما في كونهما معاً من القمح أو الغنم أو زيت الزيتون أو نحو ذلك، أو اتحادهما في الجنس دون الذات، كما في كون أحدهما من الغنم والآخر من الماعز، أو أحدهما من الحنطة والآخر من الشعير، أو نحو ذلك، فإذا اتحدا بهذا النحو كانا مثلين حتى لو لم يتفقا في الصفات، كالسمن والضعف، والجودة والرداءة، والصحة والمرض، والسماكة والرقة، وغير ذلك من الأوصاف التي تختلف باختلاف الأعيان.


م ـ781: قد ذكر الفقهاء أموراً يعرف بها اتحاد جنس الأشياء واختلافه، وذلك على النحو التالي:

1 ـ الحبوب كل واحد منها جنس، فالعدس والحمص والفول والأرز والقمح كل واحد منها جنس مختلف عن الآخر، نعم تعتبر الحنطة والشعير جنساً واحداً هنا في باب الربا رغم أنهما في الزكاة جنسان.


2 ـ  الحيوانات كل واحد منها جنس، فالوحشي يختلف عن الأهلي وإن كان لهما اسم  واحد، فالبقرة الأهلية جنس مختلف عن البقرة الوحشية، والحمار الأهلي جنس مختلف عن الحمار الوحشي، والبقر والغنم والإبل والغزال كل واحد منها جنس، نعم يعتبر الغنم والماعز جنساً واحداً، وكذا البقر والجاموس، وكذا ما يعرف من الإبل بـ (العراب) فإنه غير ما يعرف منها بـ (البخاتي).


وكل ما سمي من الطيور والأسماك باسم فهو جنس برأسه، فالعصفور غير الحمام، وهما غير الحجل، وهي غير الشقراق، نعم مثل الدوري والقبرة وأسود الرأس ونحوه مما هو من أصناف العصفور يعد جنساً واحداً، وكذا أصناف الحمام؛ وهكذا الأسماك كالبوري والعرموط  والشبوط ونحوها، فإن كل ما اختص منها باسم يعد جنساً برأسه، وهكذا سائر الأشياء.


3 ـ  اللحوم والأسمان والألبان والزيوت ونحوها مما هو نتاج منفصل لشي‏ء آخر أو معتصر منه تختلف باختلاف مصدرها، فيعد كل ما كان منها من جنس برأسه جنساً مستقلاً، فمثل لحم الغنم ولحم البقر جنسان، فيما يعد لحم الغنم ولحم الماعز جنس واحد، وهكذا اللبن والسمن؛ وكذا الزيوت، فإن زيت الزيتون غير زيت الذرة، وهما غير زيت السمسم، وهكذا تتعدد أجناسها بتعدد مصادرها النباتية.


أما حكم هذه الفروع مع أصولها فإن المرجع في صيرورة الفرع جنساً مستقلاً عن أصله هو العرف، فإذا كان الاختلاف بين ثمرة الزيتون وزيته على درجة من التباين يراهما فيها العرف شيئين مختلفين فهما شيئان مختلفان حينئذ، وذلك من قبيل الخل والعنب والسمسم وزيته، بل وسائر الزيوت وكثير من السوائل المعتصرة من مصادرها، كالورد ومائه وما أشبهه من النباتات المأخوذة سوائلها بالتقطير؛ فيما لا يرى العرف تبايناً بين الرمان وعصيره مثلاً، ولا بين الحليب والجبن، ولا بين القمح والطحين، وهكذا. هذا، ومما يعد من المثلين لحم الحيوان المذكى والحيوان من جنسه، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل.


ثم إنه إذا اتفق العرف على اعتبارهما مختلفين أو مثلين فلا إشكال، وأما إذا اختلفت نظرة العرف إليهما، فإن كان ذلك بين عرف هذا البلد وعرف ذاك البلد أخذ كل بلد بالعرف المتفق عليه عنده، وإن كان الاختلاف في عرف البلد الواحد فلا مفر من الاحتياط الوجوبي بمعاملتهما معاملة المثلين.

م ـ782: إذا اختلفت البلدان في ما تقدر به بعض الأشياء، فكان في بلد مقدراً بالوزن وفي آخر بالعد، كان لكل بلد حكمه؛ وأما إذا اختلف تقديره في البلد الواحد بين الوزن والعد مثلاً، فالأحوط وجوباً ترك بيعه بالتفاضل فيه وإن كان نقداً.


وإذا كان الشي‏ء الواحد في حال موزوناً وفي حال أخرى معدوداً، وذلك كالثياب، فإنها تباع بالوزن  مستعملة وتباع بالعدد جديدة، أو نحو ذلك، فإن لكل حالة حكمها، فيجوز بيع الجديدة بالمستعملة مع التفاضل نقداً، وكذا يجوز بيع الجديدة بالجديدة كذلك لأنها من المعدود، فيما لا يجوز بيع المستعملة بالمستعملة نقداً مع التفاضل لأنها من الموزون.


وإذا كان الأصل مما يوزن وفرعه المتحد معه في الجنس مما يعد، وذلك كالصوف المجتز من الحيوان والثياب المنسوجة من صوف غيره إن رآهما العرف جنساً واحداً، فإنه يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل، وهكذا أشباهه كالقطن والكتان والثياب المنسوجة منهما، وغير ذلك من موارد اتحاد الأصول مع فروعها عند اختلاف تقدير أحدهما عن الآخر.


م ـ783: إذا اختلف مقدار الموزون بين حالتي رطوبته وجفافه في مثل العنب والزبيب والرُّطب والتمر، فإنه لا شك في جريان ما تقدم من الأحكام عليه حال بيع الجاف منه بالجاف والرَّطب منه بالرطب، أما بيع الرَّطب بالجاف فهو غير جائز مع التفاضل، حتى لو لوحظ في التفاضل مقدار ما سينقص من الرَّطب عند جفافه بحيث يصير مساوياً للجاف عندئذٍ، وجائز على كراهة مع التماثل نقداً.


م ـ784: الأوراق النقدية المستحدثة في هذا الزمان معتبرة من المعدود، فلا يحرم بيع بعضها ببعضها الآخر متفاضلاً مع اختلاف الجنس نقداً أو نسيئة، فيجوز مثلاً بيع خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية مطلقاً؛ كذلك فإنه يجوز بيعها مع اتحادها في الجنس نقداً بالتفاضل، وأما نسيئة فإن  الاحتياط الوجوبي يقتضي تركه.


م ـ785: يحرم ربا المعاملة على الأحوط لزوماً على من استثناهم مشهور الفقهاء من الحكم بحرمة الربا، وهم:

أ ـ  الوالد وولده، فإنه لا يجوز لهما التعامل بالربا وأخذ أحدهما الزيادة من الآخر على الأحوط لزوماً، وذلك دون فرق في الولد بين الذكر والأنثى، والصغير والكبير، ومن كان من صلبه أو كان ولداً لابنه أو ابنته مهما تسلسلوا.

ب ـ  الزوج والزوجة، دائمة كانت أو  متمتعاً بها أو في عدة طلاق رجعي، فإنه لا يجوز لكل منهما أخذ الزيادة الربوية من الآخر على الأحوط لزوماً.

ج ـ  الكافر الحربي، فإنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ منه الربا على الأحوط لزوماً، بل ولا يجوز أن يعطيه إياه. أما الذمي فتحرم المراباة معه كالمسلم، لكن إذا عصى المسلم فتعامل معه بالربا جاز له أخذ الزيادة منه إذا كان الربا حلالاً في شريعته، وإلا لم يجز أخذها بدون رضاه، وكذلك كل شخص يُجوِّز ذلك في التزاماته الدينية أو القانونية.


م ـ786: يمكن التخلص من الربا بضم شي‏ء آخر على أحد العوضيين أو عليهما من غير جنسهما، وذلك على النحو التالي:

أ ـ  من أجل التخلص من الربا في بيع المثلين نقداً مع التفاضل، يمكنه أن يضم شيئاً من غير جنسهما إلى الطرف الناقص، ويقصد أن يكون في مقابل المقدار الزائد في الطرف الثاني، ومثاله: أن يبيعه عشرين كيلواً من القمح وكتاباً بخمسة وعشرين كيلواً منها نقداً.


ب ـ  من أجل التخلص من الربا في بيع المثلين نقداً أو نسيئة، ولو مع التفاضل، يمكنه أن يبيعه  مثلاً  عشرين كيلواً قمحاً وكتاباً بثلاثين كيلواً وكتابين، على أن يكون قصدهما جعل الكتاب مقابل الثلاثين من القمح وجعل الكتابين مقابل العشرين، أو بالعكس؛ والقاعدة فيه: أن يجعلا الضميمة في كل طرف في مقابل المثمن أو الثمن في الطرف الآخر.


ج ـ  ونفس الفرض (ب)  يمكن استخدامه للتخلص من الربا في البيع النقدي خاصة ولكن بصورة أخرى، وذلك في نفس المثال بأن يقصدا كون الكتاب في الطرف الناقص مقابل الكتابين والمقدار الزائد من الطرف الآخر.


ولكن يجب في المورد (ب) و(ج) المتقدمين أن يكون قصد كون الكتاب في قبال القمح جدياً، بل وأن يكون في إقدامهما على التورط في مثل هذه المعاملة قدرٌ من الضرورة العرفية المحقِّقة للقصد الجدي والمعذِّرة في اقتحام الشبهة، فإن لم يكن كذلك، بل كان هدفهما الحقيقي والجدي هو تملك القمح بالتفاضل، فيما يكون قصدهما من التعاقد على الكتاب تصحيح تملك القمح واقعاً دون أن تكون لملكية الكتاب أهمية تذكر، فلا تعتبر هذه المعاملة صحيحة حينئذٍ.


م ـ787: يختص ربا المعاملة بكل معاوضة بين عينين، سواء كانت بالبيع أو بالصلح، أو كانت بالمبادلة المحضة دون قصد العوضية والمعوضية، فكما يحرم الربا بالنحو المتقدم في البيع فإنه يحرم بالصلح بمثل أن يقول: "صالحتك على عشرين كيلواً من القمح بثلاثين منه"؛ فإن كانت المعاوضة بالصلح على غير العينين مباشرة، بل على أن يهبه عشرين من القمح مثلاً مقابل أن يهبه الآخر ثلاثين، لم يكن ذلك من الربا إذا قصدا الهبة جدياً، وكذا لو تم التعاوض بالتبارؤ، وهو يتحقق فيما لو كان لكل منهما مقدار من القمح مثلاً في ذمة الآخر فاتفقا على أن يبرأه من العشرين مداً من القمح التي له في ذمة صاحبه على أن يبرأه صاحبه من الثلاثين مداً التي له في ذمته، فإنه لا يكون ذلك ربا  أيضاً  إذا قصدا الإبراء جدياً.

هذا، فيما إذا كانت المعاملة معاوضة، أما المعاملات الأخرى، كالهبة ولو كانت معوضة والصدقة ونحوهما مما يمكن أن يجر للطرفين نفعاً متبادلاً، فلا يجري فيها الربا بالنحو المتقدم في المعاوضات.


م ـ 788: المعاملة الربوية باطلة إذا صدرت من العالم بحرمة الربا، فلا يتملك المال الربوي ولا يحل له التصرف فيه، وعليه إرجاعه لمن أخذه منه، مسلماً كان المأخوذ منه أو كافراً ذمياً، بل وحربياً على الأحوط وجوباً؛ نعم يكفي في تملكه له علمه برضا صاحبه بأن يتملكه رغم عدم استحقاق الآخذ له، وكذا يكفي في تملكه ما إذا كان صاحب المال غير مسلم وكان الربا حلالاً في شريعته أو في القوانين التي يلتزم بها. وأما الجاهل بحرمة الربا  حكماً أو موضوعاً  فإنه يتملك ما أخذه بالربا، ولا يجب عليه إرجاعه إلى المأخوذ منه، وعليه أن يقلع عن ذلك بعد علمه بالحرمة.


وهو يقع في مسائل:


م  ـ779: يختلف حكم الربا في البيع على وجهين، وتفصيلهما كما يلي:


الوجه الأول: في البيع نقداً، وحكمه يختلف باختلاف موارده على النحو التالي:


أ  ـ يجوز بيع المتحدين في الجنس من المكيل والموزون أحدهما بالآخر نقداً دون زيادة في أحدهما على الآخر، كبيع عشرين كيلواً من القمح بعشرين منه، سواء اتفقا في الصنف وفي الجودة والرداءة أو  اختلفا.


ب ـ  يجوز بيع المختلفين في الجنس أحدهما بالآخر نقداً، سواء كانا من المكيل والموزون أو كانا من غيرهما، وسواء بالزيادة أو بدونها، فيجوز مثلاً بيع عشرين كيلواً من القمح بعشرة كيلوات من الأرز نقداً، وهكذا غيره من أمثلة الموارد الأخرى مما هو أوضح منه.


ج ـ  لا يجوز بيع المتحدين في الجنس من المكيل والموزون نقداً مع الزيادة في أحدهما على الآخر، مثل أن يبيعه عشرين كيلواً من القمح باثنين وعشرين كيلواً منه، سواء كانا معاً من الموزون، كالمثال المتقدم، أو كانا من  المكيل، كأن يبيعه مُدَّيْن من القمح بمد ونصف منه، أو كان أحدهما مكيلاً والآخر موزوناً، كأن يبيعه مداً يزن في بعض البلاد خمسة عشر كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه.


هذا، ولا فرق في الزيادة المذكورة في هذا الوجه الأول   بأنحائه الثلاثة  بين الزيادة العينية وبين الزيادة الحكمية، والزيادة العينية هي: (الزيادة المادية التي هي من جنس المبيعين أو من غير جنسهما، كالقمح والكتاب والثوب والنقود ونحوها من الأمور الخارجية المنظورة)، وأما الزيادة الحكمية فهي: (ما كانت  بخلاف ذلك، كالحقوق والأعمال ونحوها)، كأن يبيعه عشرين كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه نقداً مع تعهده بخياطة ثوبه مثلاً، أو تعهده بإعطائه حق المرور في ملكه إلى أرضه المجاورة مثلاً، ونحو ذلك من الأمور التي ليس لها أعيان خارجية.


الوجه الثاني: في البيع نسيئة، وحكمه  أيضاً  يختلف باختلاف موارده على النحو التالي:


أ ـ  يحرم بيع المتحدين في الجنس والمقدار نسيئة إذا كانا من المكيل أو الموزون، كأن يبيعه عشرين كيلواً من القمح بعشرين كيلواً منه مؤجلاً لشهر. لأن هذا التأجيل يُعدّ ميزة لأحدهما على الآخر و)زيادة حكمية(  تجعله رباً محرماً.


ب ـ  يشكل بيع المختلفين في الجنس من المكيل والموزون نسيئة، سواء اتحدا في المقدار، كأن يبيعه مائة كيلو من القمح مثلاً بمائة كيلو من الأرز لشهر، أو كانا مختلفين في المقدار، كأن باعه مائة كيلو من الأرز بمائةٍ وعشرين كيلواً من القمح لمدة شهر.


ج ـ  يشكل بيع المتحدين في الجنس من المعدود مع الزيادة العينية نسيئة، كبيع عشرين جوزة بخمس عشرة جوزة لشهر مثلاً.

وما عدا ذلك من موارد هذا الوجه جائز ما لم يحرم من جهة أخرى.


م ـ780: المعيار في كون الشيئين مثلين هو اتحادهما في الجنس والذات معاً، كما في كونهما معاً من القمح أو الغنم أو زيت الزيتون أو نحو ذلك، أو اتحادهما في الجنس دون الذات، كما في كون أحدهما من الغنم والآخر من الماعز، أو أحدهما من الحنطة والآخر من الشعير، أو نحو ذلك، فإذا اتحدا بهذا النحو كانا مثلين حتى لو لم يتفقا في الصفات، كالسمن والضعف، والجودة والرداءة، والصحة والمرض، والسماكة والرقة، وغير ذلك من الأوصاف التي تختلف باختلاف الأعيان.


م ـ781: قد ذكر الفقهاء أموراً يعرف بها اتحاد جنس الأشياء واختلافه، وذلك على النحو التالي:

1 ـ الحبوب كل واحد منها جنس، فالعدس والحمص والفول والأرز والقمح كل واحد منها جنس مختلف عن الآخر، نعم تعتبر الحنطة والشعير جنساً واحداً هنا في باب الربا رغم أنهما في الزكاة جنسان.


2 ـ  الحيوانات كل واحد منها جنس، فالوحشي يختلف عن الأهلي وإن كان لهما اسم  واحد، فالبقرة الأهلية جنس مختلف عن البقرة الوحشية، والحمار الأهلي جنس مختلف عن الحمار الوحشي، والبقر والغنم والإبل والغزال كل واحد منها جنس، نعم يعتبر الغنم والماعز جنساً واحداً، وكذا البقر والجاموس، وكذا ما يعرف من الإبل بـ (العراب) فإنه غير ما يعرف منها بـ (البخاتي).


وكل ما سمي من الطيور والأسماك باسم فهو جنس برأسه، فالعصفور غير الحمام، وهما غير الحجل، وهي غير الشقراق، نعم مثل الدوري والقبرة وأسود الرأس ونحوه مما هو من أصناف العصفور يعد جنساً واحداً، وكذا أصناف الحمام؛ وهكذا الأسماك كالبوري والعرموط  والشبوط ونحوها، فإن كل ما اختص منها باسم يعد جنساً برأسه، وهكذا سائر الأشياء.


3 ـ  اللحوم والأسمان والألبان والزيوت ونحوها مما هو نتاج منفصل لشي‏ء آخر أو معتصر منه تختلف باختلاف مصدرها، فيعد كل ما كان منها من جنس برأسه جنساً مستقلاً، فمثل لحم الغنم ولحم البقر جنسان، فيما يعد لحم الغنم ولحم الماعز جنس واحد، وهكذا اللبن والسمن؛ وكذا الزيوت، فإن زيت الزيتون غير زيت الذرة، وهما غير زيت السمسم، وهكذا تتعدد أجناسها بتعدد مصادرها النباتية.


أما حكم هذه الفروع مع أصولها فإن المرجع في صيرورة الفرع جنساً مستقلاً عن أصله هو العرف، فإذا كان الاختلاف بين ثمرة الزيتون وزيته على درجة من التباين يراهما فيها العرف شيئين مختلفين فهما شيئان مختلفان حينئذ، وذلك من قبيل الخل والعنب والسمسم وزيته، بل وسائر الزيوت وكثير من السوائل المعتصرة من مصادرها، كالورد ومائه وما أشبهه من النباتات المأخوذة سوائلها بالتقطير؛ فيما لا يرى العرف تبايناً بين الرمان وعصيره مثلاً، ولا بين الحليب والجبن، ولا بين القمح والطحين، وهكذا. هذا، ومما يعد من المثلين لحم الحيوان المذكى والحيوان من جنسه، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل.


ثم إنه إذا اتفق العرف على اعتبارهما مختلفين أو مثلين فلا إشكال، وأما إذا اختلفت نظرة العرف إليهما، فإن كان ذلك بين عرف هذا البلد وعرف ذاك البلد أخذ كل بلد بالعرف المتفق عليه عنده، وإن كان الاختلاف في عرف البلد الواحد فلا مفر من الاحتياط الوجوبي بمعاملتهما معاملة المثلين.

م ـ782: إذا اختلفت البلدان في ما تقدر به بعض الأشياء، فكان في بلد مقدراً بالوزن وفي آخر بالعد، كان لكل بلد حكمه؛ وأما إذا اختلف تقديره في البلد الواحد بين الوزن والعد مثلاً، فالأحوط وجوباً ترك بيعه بالتفاضل فيه وإن كان نقداً.


وإذا كان الشي‏ء الواحد في حال موزوناً وفي حال أخرى معدوداً، وذلك كالثياب، فإنها تباع بالوزن  مستعملة وتباع بالعدد جديدة، أو نحو ذلك، فإن لكل حالة حكمها، فيجوز بيع الجديدة بالمستعملة مع التفاضل نقداً، وكذا يجوز بيع الجديدة بالجديدة كذلك لأنها من المعدود، فيما لا يجوز بيع المستعملة بالمستعملة نقداً مع التفاضل لأنها من الموزون.


وإذا كان الأصل مما يوزن وفرعه المتحد معه في الجنس مما يعد، وذلك كالصوف المجتز من الحيوان والثياب المنسوجة من صوف غيره إن رآهما العرف جنساً واحداً، فإنه يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التفاضل، وهكذا أشباهه كالقطن والكتان والثياب المنسوجة منهما، وغير ذلك من موارد اتحاد الأصول مع فروعها عند اختلاف تقدير أحدهما عن الآخر.


م ـ783: إذا اختلف مقدار الموزون بين حالتي رطوبته وجفافه في مثل العنب والزبيب والرُّطب والتمر، فإنه لا شك في جريان ما تقدم من الأحكام عليه حال بيع الجاف منه بالجاف والرَّطب منه بالرطب، أما بيع الرَّطب بالجاف فهو غير جائز مع التفاضل، حتى لو لوحظ في التفاضل مقدار ما سينقص من الرَّطب عند جفافه بحيث يصير مساوياً للجاف عندئذٍ، وجائز على كراهة مع التماثل نقداً.


م ـ784: الأوراق النقدية المستحدثة في هذا الزمان معتبرة من المعدود، فلا يحرم بيع بعضها ببعضها الآخر متفاضلاً مع اختلاف الجنس نقداً أو نسيئة، فيجوز مثلاً بيع خمسة دنانير كويتية بعشرة دنانير عراقية مطلقاً؛ كذلك فإنه يجوز بيعها مع اتحادها في الجنس نقداً بالتفاضل، وأما نسيئة فإن  الاحتياط الوجوبي يقتضي تركه.


م ـ785: يحرم ربا المعاملة على الأحوط لزوماً على من استثناهم مشهور الفقهاء من الحكم بحرمة الربا، وهم:

أ ـ  الوالد وولده، فإنه لا يجوز لهما التعامل بالربا وأخذ أحدهما الزيادة من الآخر على الأحوط لزوماً، وذلك دون فرق في الولد بين الذكر والأنثى، والصغير والكبير، ومن كان من صلبه أو كان ولداً لابنه أو ابنته مهما تسلسلوا.

ب ـ  الزوج والزوجة، دائمة كانت أو  متمتعاً بها أو في عدة طلاق رجعي، فإنه لا يجوز لكل منهما أخذ الزيادة الربوية من الآخر على الأحوط لزوماً.

ج ـ  الكافر الحربي، فإنه لا يجوز للمسلم أن يأخذ منه الربا على الأحوط لزوماً، بل ولا يجوز أن يعطيه إياه. أما الذمي فتحرم المراباة معه كالمسلم، لكن إذا عصى المسلم فتعامل معه بالربا جاز له أخذ الزيادة منه إذا كان الربا حلالاً في شريعته، وإلا لم يجز أخذها بدون رضاه، وكذلك كل شخص يُجوِّز ذلك في التزاماته الدينية أو القانونية.


م ـ786: يمكن التخلص من الربا بضم شي‏ء آخر على أحد العوضيين أو عليهما من غير جنسهما، وذلك على النحو التالي:

أ ـ  من أجل التخلص من الربا في بيع المثلين نقداً مع التفاضل، يمكنه أن يضم شيئاً من غير جنسهما إلى الطرف الناقص، ويقصد أن يكون في مقابل المقدار الزائد في الطرف الثاني، ومثاله: أن يبيعه عشرين كيلواً من القمح وكتاباً بخمسة وعشرين كيلواً منها نقداً.


ب ـ  من أجل التخلص من الربا في بيع المثلين نقداً أو نسيئة، ولو مع التفاضل، يمكنه أن يبيعه  مثلاً  عشرين كيلواً قمحاً وكتاباً بثلاثين كيلواً وكتابين، على أن يكون قصدهما جعل الكتاب مقابل الثلاثين من القمح وجعل الكتابين مقابل العشرين، أو بالعكس؛ والقاعدة فيه: أن يجعلا الضميمة في كل طرف في مقابل المثمن أو الثمن في الطرف الآخر.


ج ـ  ونفس الفرض (ب)  يمكن استخدامه للتخلص من الربا في البيع النقدي خاصة ولكن بصورة أخرى، وذلك في نفس المثال بأن يقصدا كون الكتاب في الطرف الناقص مقابل الكتابين والمقدار الزائد من الطرف الآخر.


ولكن يجب في المورد (ب) و(ج) المتقدمين أن يكون قصد كون الكتاب في قبال القمح جدياً، بل وأن يكون في إقدامهما على التورط في مثل هذه المعاملة قدرٌ من الضرورة العرفية المحقِّقة للقصد الجدي والمعذِّرة في اقتحام الشبهة، فإن لم يكن كذلك، بل كان هدفهما الحقيقي والجدي هو تملك القمح بالتفاضل، فيما يكون قصدهما من التعاقد على الكتاب تصحيح تملك القمح واقعاً دون أن تكون لملكية الكتاب أهمية تذكر، فلا تعتبر هذه المعاملة صحيحة حينئذٍ.


م ـ787: يختص ربا المعاملة بكل معاوضة بين عينين، سواء كانت بالبيع أو بالصلح، أو كانت بالمبادلة المحضة دون قصد العوضية والمعوضية، فكما يحرم الربا بالنحو المتقدم في البيع فإنه يحرم بالصلح بمثل أن يقول: "صالحتك على عشرين كيلواً من القمح بثلاثين منه"؛ فإن كانت المعاوضة بالصلح على غير العينين مباشرة، بل على أن يهبه عشرين من القمح مثلاً مقابل أن يهبه الآخر ثلاثين، لم يكن ذلك من الربا إذا قصدا الهبة جدياً، وكذا لو تم التعاوض بالتبارؤ، وهو يتحقق فيما لو كان لكل منهما مقدار من القمح مثلاً في ذمة الآخر فاتفقا على أن يبرأه من العشرين مداً من القمح التي له في ذمة صاحبه على أن يبرأه صاحبه من الثلاثين مداً التي له في ذمته، فإنه لا يكون ذلك ربا  أيضاً  إذا قصدا الإبراء جدياً.

هذا، فيما إذا كانت المعاملة معاوضة، أما المعاملات الأخرى، كالهبة ولو كانت معوضة والصدقة ونحوهما مما يمكن أن يجر للطرفين نفعاً متبادلاً، فلا يجري فيها الربا بالنحو المتقدم في المعاوضات.


م ـ 788: المعاملة الربوية باطلة إذا صدرت من العالم بحرمة الربا، فلا يتملك المال الربوي ولا يحل له التصرف فيه، وعليه إرجاعه لمن أخذه منه، مسلماً كان المأخوذ منه أو كافراً ذمياً، بل وحربياً على الأحوط وجوباً؛ نعم يكفي في تملكه له علمه برضا صاحبه بأن يتملكه رغم عدم استحقاق الآخذ له، وكذا يكفي في تملكه ما إذا كان صاحب المال غير مسلم وكان الربا حلالاً في شريعته أو في القوانين التي يلتزم بها. وأما الجاهل بحرمة الربا  حكماً أو موضوعاً  فإنه يتملك ما أخذه بالربا، ولا يجب عليه إرجاعه إلى المأخوذ منه، وعليه أن يقلع عن ذلك بعد علمه بالحرمة.


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية