كنا قد ذكرنا في شروط العوضين: "لزوم كونهما معلومي المقدار بنحو لا يوجب وقوع المتبايعين في الغرر"؛ ولكنَّ ما به يكون التقدير ـ وهو الوزن والكيل والمساحة والعد، والذي سنسميه (المقدار) ـ له أحكام خاصة من جهة نفس كونه (مقداراً)، سواء كان في المبيع أو في الثمن؛ لذا فإن ما يمكن قوله هنا إجمالاً وتمهيداً لما سيأتي هو ما يلي:
إنه يصح ـ إجمالاً ـ بيع كل سلعة بغير جنسها مطلقاً، سواء كان العوضان مشاهدين أو موزونين أو مقدرين بغير ذلك من أنواع المقادير، ومع التفاضل وبدونه؛كذلك فإنه يجوز ـ إجمالاً ـ بيع السلعة بمثلها إذا لم يكن العوضان معاً من المكيل ولا الموزون ولا من الذهب والفضة ومطلقاً أيضاً، أي سواء كانا معدودين أو ممسوحين أو مشاهدين، ومع التفاضل وبدونه، وإنما قلنا: "إجمالاً" في الموردين إلفاتاً لما سيأتي من الاستشكال في بيع النسيئة في مطلع المطلب الأول الآتي في هذا المبحث، (أنظر الوجه الثاني من المسألة: 779)؛ فإن كانا معاً من المكيل أو الموزون، أو كانا معاً من النقدين الذهب أو الفضة، فإن للعوضين حينئذٍ أحكاماً خاصة نذكرها في مطلبين: الأول: في بيع المكيل والموزون، وهو ما يصطلح عليه بـ(ربا المعاملة)، والثاني: في بيع الصرف؛ لكنه لما كان مدار الأحكام في بيع الصرف (النقدين) على كون الذهب والفضة من الموزون، فإنهما يلحقهما حكم المكيل والموزون عموماً لولا بعض الخصوصيات التي استدعت إفرادهما بمطلب مستقل، ومن هنا صح أن نعنون هذا المبحث الشامل لهذين المطلبين بعنوان واحد مشترك هو (ربا المعاملة).
والربا من كبائر المحرّمات، وقد أغلظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في النهي عنه وتشديد العقاب عليه بما هو مشهور ومعروف، وله موردان هما: ربا المعاملة وربا الدين، وقد اعتمدنا ما هو المعروف في نهج الفقهاء، فقدمنا ذكر ربا المعاملة في هذا الباب، وأخرنا ذكر ربا الدَّين إلى باب الدين الآتي إن شاء الله تعالى، انسجاماً مع ما في كل منهما من خصوصيات تستلزم إفراده بالذكر.