ويراد به بيع المعدنين الثمينين الذهب والفضة بغض النظر عن كونهما نقدين أو ليسا بنقدين، بما في ذلك ما لو كانا حلياً مصوغة، وكذا بغضّ النظر في النقدين منهما عن كونهما مسكوكين أو غير مسكوكين، وعن كونهما متداولين في حركة التبادل التجاري أو غير متداولين، وعن كونهما مما يباع بالوزن أو بالعدِّ مثلاً؛ إذ إنهما قد لوحظا في ما سوف نذكره من أحكام لهما بما لهما من صفة الذهبية والفضية مجردة عن تلك الخصوصيات، ثمناً كان أحدهما أو مثمناً، رغم أن الوضع التاريخي لهما قد كرسهما كنقدين ملحوظين بمقدارهما الموزون، ورغم أن بيع الصرف ينصرف إلى ما كان نقداً من هذين المعدنين بسبب سيادة وغلبة معدني الذهب والفضة في عالم النقد قديماً على غيرهما من المعادن.
أما تفصيل أحكام بيع الصرف فهو يقع في مسائل:
م ـ789: لا يجوز بيع الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، مع الزيادة ـ وزناً أو عدداً ـ في أحدهما عن الآخر، حتى لو كان الناقص مصوغاً حلياً، سواء في ذلك البيع نقداً، أو نسيئة بطريق الأولى؛ وكذا لا يجوز بيع أحدهما بالآخر مع الزيادة وزناً أو عدداً وبدونها إذا كان البيع نسيئة، دون ما لو كان البيع نقداً، فإنه يجوز مطلقاً. وكذلك يجوز بيع النقد الذهبي بأجزاء منه، كبيع الليرة الرشادية المعروفة في هذا الزمان بنصفين منها، أو بأربعة أرباع منها، حتى لو اختلف وزن الأجزاء مجتمعة عن وزن الكل زيادة أو نقيصة، لأن الظاهر أنه معتبر في زماننا هذا من المعدود لا من الموزون، فلا يضر بيعه مع التفاضل.
م ـ790: لا بد في بيع الصرف من التقابض قبل الافتراق عن مجلس العقد، سواء بيع الذهب أو الفضة بمثله أو بيعه بالآخر، فلو تفرقا ولم يتقابضا بطل البيع، ولو تم القبض في البعض صح فيه وبطل في الجزء الذي لم يقبض، بل إنه لا بد من التقابض حتى في صورة ما لو كان أحدهما قد ضم إلى النقد غيره، كما لو باعه درهماً وكتاباً بدرهمين، فإنه إن لم يتقابضا يبطل البيع في النقد ويصح في الضميمة، وهي الكتاب في المثال. هذا، ولو فرض أنهما خرجا عن مجلس العقد مصطحبين، فلا بد من تقابضهما قبل التفرق أيضاً.
م ـ791: إذا تعاقدا بالتخابر الهاتفي أو بالكتابة فلا بد من التقابض أيضاً، وذلك إما بأن يوصل كل منهما العين إلى الآخر قبل العقد، أو يوكل من يقبض صاحبه عنه عند التعاقد، وإلا لم يصح البيع.
م ـ792: رغم أن القبض شرط في صحة بيع الصرف لكن الإقباض ليس واجباً على كل واحد من المتبايعين حتى لو أقبضه صاحبه، ومعنى ذلك أن لكل منهما أن يتسبب ببطلان البيع وإلغاء أثر العقد بامتناعه عن إقباض ما بيده لصاحبه؛ بل إن عقد البيع في الصرف لا يحقق الانتقال قبل القبض بنفس القوة التي يحدثها العقد في بيع غير الصرف، ولذا فإن نماء المبيع أو الثمن ومنافعه المتحققة قبل القبض هي للمالك الأول، أي لمن انتقل عنه لا لمن انتقل إليه.
م ـ793: تختص شرطية التقابض في الصرف بالبيع، فلو تمت المعاوضة في الصرف بالصلح لم يجب فيه التقابض.
م ـ794: إذا كان أحد العوضين ديناً في ذمة الآخر فباعه إياه بنقد آخر، من جنسه أو من غير جنسه، كفى قبض الدائن ما يدفعه إليه المدين ثمناً، ولم يحتج المدين إلى قبض ما في ذمته ما دام حاضراً عنده ولو اعتباراً.
نعم إذا باع الدائن ماله في ذمة زيد على غيره، وليكن هو سعيداً مثلاً، فإنه لا بد من قبض سعيد لما في ذمة زيد، بل إنه حتى لو وكل سعيد زيداً بأن يقبض ما في ذمته نيابة عنه لم يغنِ ذلك التوكيل عن لزوم إخراج زيد لما في ذمته وتشخيصه في نقد معين وقبضه وكالة عن سعيد.
م ـ795: إذا اشترى زيد عشرة دنانير مثلاً بمائة درهم، ثم باعها قبل قبضها لسعيد، لم يصح البيع الأول حتى يقبض زيد ما اشتراه قبل التفرق، أما البيع الثاني فإنه محكوم بالبطلان على كل حال، أي حتى لو قبض سعيد بعد ذلك ما اشتراه من زيد قبل التفرق.
م ـ796: يجوز بيع أحد النقدين بجنسه مع الزيادة إذا جعل مع الآخر ضميمة ذات مالية معتد بها وإن كانت في قيمتها أقل بكثير من الزيادة الموجودة في الآخر، فيصح أن يبيعه عشر ليرات ذهبية إنكليزية مع كتابٍ معين بخمس عشرة ليرة رشادية ذهبية.
هذا، ولما كان الشائع في سك النقود إضافة معدن النحاس مع الذهب حتى يشتد، وإضافة معدن الرصاص مع الفضة، وهي الإضافة التي يصطلح عليها بـ(الغش)، لكنه غش مقبول وضروري من الناحية الصناعية، فإن هذا المقدار من النحاس الموجود في النقد لا يصلح ضميمة مبررة للزيادة في النقد الآخر الذي من جنسه، بنحو يعتبر فيه المتعاقدان أن الزيادة هنا مقابل كمية النحاس الموجودة هناك في داخل تلك الليرات أو الدنانير، وذلك لأنه لا مالية له، كما أن لحاظه كضميمة ليس بجدي.
م ـ797: لا بأس في بيع الشيء المحلى بالذهب أو بالفضة بنقد من جنس الحلية، كالكتاب والسبحة والسيف ونحوها، حتى لو كانت الحلية أقل من الذهب النقدي، بل ولا يجب على مشتري السيف مثلاً أن يقصد كون الزائد من الثمن في مقابل الآلة، وذلك لأن الملحوظ في المبيع هو ا لآلة المحلاة لا الحلية التي عليها.
م ـ798: قد ذكرنا في أول مسألة من هذا المبحث ما يفيد بأن كون أحد المعدنين الثمينين مصوغاً حلية لا يبرر جعل النقد الذي في مقابله أزيد منه إذا كان من جنسه، بل ومن غير جنسه إذا كان البيع نسيئة، بقصد أن يكون الزائد في مقابل الصياغة؛ وزيادة على ذلك نقول:
لا يجوز أن يبيع مثقالاً ـ مثلاً ـ من الذهب الخالص بمثقال من الذهب )المغشوش( بشرط أن يصوغ له خاتماً، حتى لو قصدا كون )صياغة الخاتم( في مقابل ما يزيد في الذهب الخالص عن النقد الذهبي المغشوش؛ نعم، يجوز أن يطلب منه صياغة خاتم على أن تكون ) جعالة( هذا العمل وأجرته أن يبيعه مثقالاً من الذهب الخالص بمثقال من الذهب المغشوش، ولكن شرط أن يكون ذلك على سبيل القصد الجدي؛ كذلك فإنه يجوز أن يبيعه ـ مثلاً ـ مثقالاً من فضة غير مصوغٍ بمثقال منها مصوغٍ خاتماً، إذ لا تعتبر الصياغة في الآخر زيادةً ربوية.
م ـ799: النقود المعدنية من غير الذهب والفضة المتداولة في هذا الزمان تعتبر من المعدود لا من الموزون، فيجوز بيع نقد منها بالآخر مع الزيادة حتى لو كانت من جنس واحد، وكذا يجوز صرفها إلى أبعاضها مع التفاضل، فيصح بيع المارك والجنيه ونحوهما من القطع المعدنية بنصفين منها أو أربعة أرباع حتى لو كان وزن تلك الأجزاء والأبعاض مجتمعة أكثر من وزن القطعة الواحدة من فئة )المارك( مثلاً؛ كذلك فإنه لا يشترط التقابض في بيعها قبل التفرق عن مجلس البيع.
وأما العملة الورقية المتداولة في زماننا هذا، بل والغالبة في التداول النقدي، فلا إشكال ـ مطلقاً ـ في بيع بعضها ببعض مع التفاضل؛ بل ولا يشترط فيها التقابض في مجلس العقد، حتى لو كان رصيد تلك العملة الورقية ذهباً.
فائدة فيها مسائل:
م ـ800: إذا كان له في ذمة غيره نقدٌ ذهبيٌ معيّن، كالليرة العثمانية، فطلب منه تحويلها ليرة إنكليزية، أو ليرات عثمانية من فئة الربع ليرة، أوأجزاءً أخرى من الليرة العثمانية أو غيرها، أو كان له في ذمته أجزاء من الليرة الذهبية فطلب تحويلها إلى نقد ذهبي من فئة الليرة، وما أشبه ذلك، فإذا قبل المديون طلب الدائن تحول ما في ذمته إلى ما طلبه منه، ولزم ذلك (التحويل) عليهما، ولم يكن لأحدهما التراجع عنه إلا برضا الآخر.
م ـ801: من اشتغلت ذمته لآخر بنقد معين من الذهب أو الفضة، كأن اقترض منه عشرين ليرة رشادية، أو كان مهراً لزوجته، أو جعله ثمناً في البيع، فتغير سعره حين الوفاء به عما كان عليه حين اشتغال الذمة به، لم يكن عليه إلا نفس النقد، زادت قيمته أو نقصت، فإن أراد قيمته من العملات الأخرى فليس له عليه إلا قيمته الحالية مهما كانت قليلة أو كثيرة.
م ـ802: لا يجوز تزوير العملات الورقية والمعدنية المتداولة في زماننا هذا في ظل النظام النقدي العالمي المتعارف، كما لا يجوز التعامل بها في البيع والشراء، بل يجب التصدي لفاعل ذلك عالماً متعمداً ونهيه عن هذا المنكر بكل وسيلة محققة للارتداع بالنحو الذي يذكر في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يجب إلفات الجاهل إلى حرمته ومنعه من الجري على مقتضى جهله رغم كونه معذوراً.
وكذلك الحكم في النقد الذهبي أو الفضي ـ رغم قلة التعامل بهما ـ وبخاصة ما لو كان التزوير أو الغش كبيراً بالغاً حدّ تغير الحقيقة وانعدام عنصر الذهب أو الفضة منه؛ نعم يذكر الفقهاء كلمة ( الغش) في فتاواهم ويريدون به في النقدين كونهما ممزوجين بمقدار من معدن آخر، كالنحاس في الذهب والرصاص في الفضة، مما هو مقصود عند سك النقود ومعلوم ومقبول في عرف الناس، وذلك في مقابل النقد المسكوك من الذهب الخالص، إن مثل هذا ) الغش( المقصود منه معناه اللغوي لا الأخلاقي كان جائزاً ومقبولاً، وهو جائز فعلاً، حيث يكون رائجاً ومقصوداً، سواء كان معلوماً عند المتعاملين به أو مجهولاً، فإن لم يكن رائجاً فهو عمل محرم وغش ممقوت.