[عندما] نطلّ على الإسراء، نرى أنَّ الإسراء حركة في خطّ إغناء المبعث من خلال إغناء الرسول ثقافيّاً، لأنَّ هناك مسألة ثقافيَّة تنطلق ممّا يقرأه الإنسان في الوحي، وهناك مسألة ثقافية تنطلق ممّا يقرأه الإنسان في الكون وفي آفاق الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}، حتى يقرأوه بعيونهم، ثم ليقرأوه بعد ذلك بعقولهم، لأنَّ العين طريق القلب، فهي تهيِّئ لنا الموادّ الخام لنصنعها بعقلنا وثقافتنا.
فالله تعالى يريد لنا أن نعيش في الآفاق لنرى آياته: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصّلت: 53]، فلقد عاش النبيّ في مكّة، وكانت كل آفاقه الجغرافية تتمثّل في رحلته من مكّة إلى الشَّام في تجارة أو تجارتين، ولكنّه كان يحتاج إلى أن يعرف الآفاق الأبعد، لأنّ رسالته كانت رسالة كونية وشمولية، وهذا ما عبّر الله عنه بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء: 1].
ومن الطبيعي أن يكونَ النبيّ الذي يحمل الكتاب الَّذي يدعو الناس إلى أن يروا كتاب الله في الآفاق، أن يرى آيات الله في السَّاحة التي تمثّل مجمع النبوّات، وساحة حركة الروحانيات، فقيمة (المسجد الأقصى)، أنّه المسجد الذي يعيش أنفاس الأنبياء الذين كانوا يتحرّكون فيه، فلا بدَّ للنبيّ الخاتم أن يعيش على الطبيعة حركة ساحة الرّسالات، وإذا صحَّ الحديث أنّه أمّ الأنبياء في بيت المقدس عندما أسري به إلى هناك، فإنّ معنى ذلك أنَّ الله أراد أن يريه آياته في الأنبياء ليلتقي بهم، حتى يجمع كلّ تجاربهم، ويتعرَّف كلّ آفاقهم، ليبدأ تجربته ودعوته من خلال أن يجمع كلَّ الأنبياء في شخصه، وكلَّ روحهم في روحه، وكلّ تطلّعاتهم في تطلّعاته، وكلَّ تجاربهم في تجاربه.
ثم ينطلق (الإسراء) ليكون إسراءً إلى آيات الله في السَّماء، فلقد أجمع المسلمون على أنّ معراجه (ص) كان معراجاً بالجسد ومعراجاً بالروح، حيث رأى من آيات ربّه الكبرى في الكون الأرضي وفي الكون السماوي، ممّا يحتاج أن يعلّمه للناس فكراً من خلال ما عرفه عياناً، كما ورد في أحاديث المعراج.
ومن هنا، كانت مسألة الإسراء الأرضيّ والسماويّ تتّصل بتثقيف النبيّ (ص) الَّذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، والَّذي كان يثبّته بكلّ وسائل التثبيت ومواقعه، ولذا ارتبط خطّ الإسراء بحركة خطِّ المبعث، إذ لم يكن مجرَّد معجزة تكريمية تشريفية لرسول الله (ص)، فإنّ الله قد أعطاه الشرف كلّ الشرف، والكرامة كلّ الكرامة، فلا يحتاج في زيادة شرفه إلى إسراء يشرّفه أكثر، أو معراج يشرّفه أكثر، لأنّ الشرف هو هبة الله ولطفه الَّذي أعطاه كلّه، فلا يحتاج إلى شيء ماديّ في حركة الشرف.
وهكذا يلتقي المبعث والإسراء في خطٍّ واحد هو خطّ الرّسالة في حركة الرّسول، من أجل أن ينفتح أكثر، ولكي يعيش التجربة بنحو أوسع، وحتى ينفتح على الآفاق كلّها، لتنطلق رسالته من موقع الرَّسول الذي أعطاه الله علم الكون في حركة رسالته التي تمثّل الرسالة الكونية الشاملة، وأنّها للإنسان كلّه وللزمن كلّه.
وهذا هو الفرق بين رسول الله (ص) وبين بقية الأنبياء (ع) الذين لم يعطهم الله الفرصة في هذه التجربة، لأنَّ رسالتهم كانت محدودة الزّمن، وربّما في الأُفق أيضاً. أمّا الرّسالة التي تتحرّك في الزمن كلّه وفي الآفاق كلّها، فتحتاج إلى مثل ذلك.
*من كتاب "النّدوة"، ج 2.
[عندما] نطلّ على الإسراء، نرى أنَّ الإسراء حركة في خطّ إغناء المبعث من خلال إغناء الرسول ثقافيّاً، لأنَّ هناك مسألة ثقافيَّة تنطلق ممّا يقرأه الإنسان في الوحي، وهناك مسألة ثقافية تنطلق ممّا يقرأه الإنسان في الكون وفي آفاق الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}، حتى يقرأوه بعيونهم، ثم ليقرأوه بعد ذلك بعقولهم، لأنَّ العين طريق القلب، فهي تهيِّئ لنا الموادّ الخام لنصنعها بعقلنا وثقافتنا.
فالله تعالى يريد لنا أن نعيش في الآفاق لنرى آياته: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصّلت: 53]، فلقد عاش النبيّ في مكّة، وكانت كل آفاقه الجغرافية تتمثّل في رحلته من مكّة إلى الشَّام في تجارة أو تجارتين، ولكنّه كان يحتاج إلى أن يعرف الآفاق الأبعد، لأنّ رسالته كانت رسالة كونية وشمولية، وهذا ما عبّر الله عنه بقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء: 1].
ومن الطبيعي أن يكونَ النبيّ الذي يحمل الكتاب الَّذي يدعو الناس إلى أن يروا كتاب الله في الآفاق، أن يرى آيات الله في السَّاحة التي تمثّل مجمع النبوّات، وساحة حركة الروحانيات، فقيمة (المسجد الأقصى)، أنّه المسجد الذي يعيش أنفاس الأنبياء الذين كانوا يتحرّكون فيه، فلا بدَّ للنبيّ الخاتم أن يعيش على الطبيعة حركة ساحة الرّسالات، وإذا صحَّ الحديث أنّه أمّ الأنبياء في بيت المقدس عندما أسري به إلى هناك، فإنّ معنى ذلك أنَّ الله أراد أن يريه آياته في الأنبياء ليلتقي بهم، حتى يجمع كلّ تجاربهم، ويتعرَّف كلّ آفاقهم، ليبدأ تجربته ودعوته من خلال أن يجمع كلَّ الأنبياء في شخصه، وكلَّ روحهم في روحه، وكلّ تطلّعاتهم في تطلّعاته، وكلَّ تجاربهم في تجاربه.
ثم ينطلق (الإسراء) ليكون إسراءً إلى آيات الله في السَّماء، فلقد أجمع المسلمون على أنّ معراجه (ص) كان معراجاً بالجسد ومعراجاً بالروح، حيث رأى من آيات ربّه الكبرى في الكون الأرضي وفي الكون السماوي، ممّا يحتاج أن يعلّمه للناس فكراً من خلال ما عرفه عياناً، كما ورد في أحاديث المعراج.
ومن هنا، كانت مسألة الإسراء الأرضيّ والسماويّ تتّصل بتثقيف النبيّ (ص) الَّذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، والَّذي كان يثبّته بكلّ وسائل التثبيت ومواقعه، ولذا ارتبط خطّ الإسراء بحركة خطِّ المبعث، إذ لم يكن مجرَّد معجزة تكريمية تشريفية لرسول الله (ص)، فإنّ الله قد أعطاه الشرف كلّ الشرف، والكرامة كلّ الكرامة، فلا يحتاج في زيادة شرفه إلى إسراء يشرّفه أكثر، أو معراج يشرّفه أكثر، لأنّ الشرف هو هبة الله ولطفه الَّذي أعطاه كلّه، فلا يحتاج إلى شيء ماديّ في حركة الشرف.
وهكذا يلتقي المبعث والإسراء في خطٍّ واحد هو خطّ الرّسالة في حركة الرّسول، من أجل أن ينفتح أكثر، ولكي يعيش التجربة بنحو أوسع، وحتى ينفتح على الآفاق كلّها، لتنطلق رسالته من موقع الرَّسول الذي أعطاه الله علم الكون في حركة رسالته التي تمثّل الرسالة الكونية الشاملة، وأنّها للإنسان كلّه وللزمن كلّه.
وهذا هو الفرق بين رسول الله (ص) وبين بقية الأنبياء (ع) الذين لم يعطهم الله الفرصة في هذه التجربة، لأنَّ رسالتهم كانت محدودة الزّمن، وربّما في الأُفق أيضاً. أمّا الرّسالة التي تتحرّك في الزمن كلّه وفي الآفاق كلّها، فتحتاج إلى مثل ذلك.
*من كتاب "النّدوة"، ج 2.