وفيه مسائل:
ـ يجوز للزوج أن يستمتع بزوجته بجميع الاستمتاعات التي يرغبانها ما عدا جماعها في الدبر، فإن الأحوط وجوباً تركه، ولا سيما مع عدم رضاها، سواءً في حالتي حيضها ونفاسها أم في غيرهما. وذلك في جميع الحالات والأوقات عدا ما سبق ذكره من الموارد، وهي أربعة: الأول: في حالة إحرامهما ـ أو إحرام أحدهما ـ للحج أو للعمرة. الثاني: في حالتي حيض الزوجة أو نفاسها. الثالث: أثناء الصيام إجمالاً. الرابع: أثناء الاعتكاف. فيحرم في الموردين الأول والرابع جميع الاستمتاعات بها بشهوة، ويحرم في الموردين الثاني والثالث الجماع بخاصة، وذلك بالتفصيل الذي تقدّم منا في كتابيْ: دليل مناسك الحج والجزء الأول من فقه الشريعة. هذا، وكما يجوز الاستمتاع بها عن قرب بالمباشرة، فإنه يجوز الاستمتاع بها عن بعد بمثل النظر إليها بشهوة، أو بمحادثتها بالهاتف والتلذذ بسماع صوتها، حتى يحدث بسببهما القذف، شرط أن لا يساعد الرجل نفسه بيده بالنحو الذي يعتبر فيه استمناءً محرماً.
ـ يجب على الزوجة أن تفي لزوجها بحقه في الاستمتاع بها بالنحو المذكور في المسألة السابقة، حتى لو كانت غير راغبة في الاستمتاع حين رغبته فيه، ما عدا الموارد التالية:
الأول: ما لو اشترطت عليه عدم تمكينه من نفسها في جميع الاستمتاعات أو في بعضها، إما صريحاً أو ضمناً، ومن ذلك ترك تمكينه خلال فترة ما بعد العقد وقبل زفافها، وهي المعبَّر عنها في بعض البلاد بــ (فترة الخطوبة)، فإنه يكفي في عدم تمكين الزوجة من نفسها فيها ما لو استقر تباني العرف على عدم التمكين، بحيث صار ذلك حاضراً في ذهن المتعاقدين حين التعاقد، ويصير ذلك شرطاً ضمنياً ملزماً له في سقوط حقه عنها والاقتصار في الاستمتاع بها على الحدود الموافقة للشرط. أما سقوط نفقتها خلال فترة الخطوبة فهو أيضاً تابع للشرط الصريح أو الضمني، على ما تقدم ذكره. (أنظر المسألة: 730).
الثاني: أن يمنعها من ذلك، المرض، فإن كانت هي المريضة جاز لها الامتناع بالمقدار الذي يحجزها عنه المرض، ولزمها التمكين من نفسها في الباقي؛ وإن كان هو المريض فليس لها أن تمنعه نفسها إلا حيث تخاف انتقال العدوى إليها إذا كان مرضه معدياً.
الثالث: أن يكون الزوج غير قادر على الإنفاق عليها، أو ممتنعاً عنه مع قدرته عليه، فيجوز لها أن تمنعه نفسها حتى ينفق عليها هو بنفسه أو من خلال وكيله المفوض من قِبَلِه بالإنفاق عليها، فلا يكفي في لزوم التمكين ما لو بذل لها وليه نفقتها أو تبرع بها متبرع، سواء كان تبرعه لها لسد حاجتها، أو كان تبرعه عن زوجها ـ من دون تفويض منه ـ لمساعدته على الإنفاق عليها. كما أن لها الإمتناع إذا لم يدفع لها معجَّل مهرها.
الرابع: أن يكون ما يريده منها من أنواع الاستمتاع غير مألوف، فإنه رغم جواز جميع أنواع الاستمتاعات ـ ما عدا جماعها في الدبر على الأحوط وجوباً ـ لا يجب على الزوجة تمكين زوجها من نفسها ليستمتع بها بماهو غير مألوف ولو لم يكن مؤذياً لها، كما أنها لا يجب عليها فعل ما يوجب له المتعة من الأعمال الجنسية غير المألوفة. نعم ينبغي لها أن تطاوعه في رغباته من باب حسن العشرة وحفظ المودة بالنحو الذي يرضيهما.
ـ لا يكفي في تحقّـق (تمكيـن) الزوجـة بذلهـا لنفسهـا ـ بالنحـو السابق ـ ولو بعد المناكدة والامتنـاع، بل لا بـد ـ قبـل ذلـك ـ من (جهوزيتها) بأمرين:
الأول: أن يجدها زوجها إلى جواره حيث يريدها، فلا يجوز لها الخروج من بيته في الأوقات والحالات التي يرغب بوجودها إلى جانبه ولو لم يكن يريدها جنسياً، كأوقات راحته وعطلته ومبيته ونحوها، إلا أن يأذن لها بمفارقته، وهو ما يصطلح عليه بـ (الخروج المنافي لحق الاستمتاع)، وذلك بالمعنى الذي يتجاوز الاستمتاع الحسي الجنسي إلى الأنس بحضورها؛ وأما حيث لا يحتاجها زوجها فإنه يجوز لها الخروج من بيته بدون إذنه لشؤونها المختلفة حتى لو كان موجوداً في البيت لكنه منصرف عنها في قراءةٍ أو مجالسةِ ضيوفٍ أو نحوهما مما لا يكون خروجها في مثله منافياً لحقه في الاستمتاع.
الثاني: أن لا يظهر منها من الأعمال أو الأقوال، بل ولا يظهر على ملامحها وهيئتها، ما يوجب نفور الزوج منها وانصرافه عنها، بحيث تكون تلك المنفرات نوعاً من الإمتناع غير المباشر من قبل الزوجة من تمكين نفسها. بل إنه قد وردت الأحاديث باستحباب أن تتزين المرأة لزوجها وتتودد له وتعرض نفسها عليه.
ـ رغم أن المرأة غير ملزمة بالإنجاب من زوجها فليس لها أن تلزمه بالعزل عنها، وذلك لما فيه من منافاة لحقه في الاستمتاع، إلا أن تشترط عليه العزل.
ـ لا فرق في ما ذكرناه من حق الزوج في الاستمتاع بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها، إلا في الخروج من بيته بإذنه، فإنه مختص بالدائمة لوجوب المساكنة في الزواج الدائم، دون المؤقت، ويترتب على ذلك أنه لا يجب على المتمتع بها المكث عنده ليأنس بها بعد انقضاء متعتهما الحسية، ولو كانت الفترة قصيرة، لأنه من لوازم المساكنة وهي غير واجبة عليها.
ـ ليس للزوج حق آخر على زوجته غير (حق الاستمتاع) بالنحو الذي ذكرناه، فلا يجب عليها خدمته ولا غيرها من سائر الأمور المتعلقة به أو بأسرته أو داره، كما أنه لا يملك أن يمنعها من الإنصراف لشؤونها المتعلقة بنفسها ومالها وأهلها وولدها وعلاقاتها العامة ما دامت غير منافية لحقه المذكور. نعم، ينبغي لها ويستحب منها أن تُصفيَهُ وُدَّها وتُولِيَهُ ثقتها وتشركَهُ في أمورها وتستأذنَه في المهم منها، وذلك تحقيقاً لمزيد من المودة والتعاون بينهما؛ كما يستحب لها أن تعينه على أموره، وتخدمه في نفسه وداره وعائلته وأولاده، بالنحو الذي تقدر عليه.