في الإيلاء:
(الإيلاء) مصدر (آلى، يؤلي)، بمعنى: حَلَف؛ وهو في الشرع: (أن يحلف الرجل على ترك مجامعة زوجته الدائمة المدخول بها مدة تزيد عن أربعة أشهر أو دائماً، بهدف الإضرار بها). ولما كان مدار أحكامه على سعي الزوج لحرمان زوجته من حقها في الاستمتاع، وإلزام الشرع له بالوفاء لها أو بطلاقها إذا امتنع عن الوفاء وطالبته بالطلاق، فإنه يعتبر من مباحث وشؤون حق الاستمتاع، فينبغي ذكره معها، لا في باب مستقل كما جرى عليه الفقهاء. وفيما يلي تفصيل أحكامه في مسائل:
ـ الإيلاء نحو خاص من اليمين، ويعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه عدا أمرين:
الأول: لا يعتبر فيه أن يكون متعلقه راجحاً، فرغم أن المحلوف عليه هو ترك وطىء الزوجة من حيث هو حق لها، وبهدف الإضرار بها، فإنه ينعقد يميناً وتترتب عليه بعض آثاره.
الثاني: لا يأثم الحالف إذا حنث به، بل إنه يجب عليه الحنث به وفاءً للزوجة بحقها، لكن مع الكفارة.
ـ لا ينعقـد الإيــلاء ـ كمطلـق اليميـن ـ إلا باسـم الله تعالـى المختص به أو ما ينصرف إطلاقه إليه، ولا يعتبر فيه العربية، فضلاً عن اعتبار أن تكون العربية صحيحة وفصحى، وكذا لا يعتبر أن يكون اللفظ صريحاً في ترك الجماع، بل يكفي كل لفظ يفهم منه الحلف على ترك ذلك العمل، بمثل: «والله لا أجامعك»، أو «لا أمَسُّك»؛ بل يكفي قوله: «والله لا جمع رأسي ورأسك وسادة أو مخدة»، إذا قصد به ترك الجماع.
ـ لا بد لصدق الإيلاء بمعناه المصطلح من توفر العناصر التالية:
الأول: أن تكون الزوجة دائمة، فلا يتحقّق الإيلاء في المتمتَّع بها.
الثاني: أن تكون مدخولاً بها ولو دبراً، فلا إيلاء في غير المدخول بها.
الثالث: أن يكون المحلوف عليه ترك جماعها في الفرج، فلا يتحقّق في الحلف على ترك جماعها دبراً.
الرابع: أن تكون مدة الترك: إما مؤقتة بأربعة أشهر فصاعداً، أو كانت بحيث قد نَصَّ على كونه دائماً، أو حلف فاطلق كلامه من حيث المدة، فلم يذكرها، فإن حلف على ترك وطئها مدة هي أقل من أربعة أشهر لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، حتى لو كانت تتضرر بترك جماعها في تلك المدة.
الخامس: أن يكون هدفه من الحلف الإضرار بها، فلو كان حلفه لا بهذا الغرض، بل إما لغرض نافع لهما أو لأحدهما، أو بدون غرض البتة، لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح.
ـ إذا فقد الإيلاء أحد العناصر المذكورة في المسألة السابقة لم يكن إيلاءً بالمعنى المصطلح، فلا يترتب عليه ما سنذكره له من أحكام في هذا المبحث، بل يجري عليه ما سبق ذكره من أحكام اليمين إذا اجتمعت شروطه، ومن شروطه أنه لا ينعقد يميناً إلا إذا كان متعلقه راجحاً، فلو حلف أن يترك مجامعة زوجته لمدة أقل من أربعة أشهر لم ينعقد يمينه، لأن لها عليه حق الاستمتاع كلما طلبته، فيكون حلفه منافياً لحقها عليه فيبطل؛ وهكذا يراعى في سائر موارده شروط اليمين التي سبق ذكرها في مباحث النذر والعهد واليمين.
ـ يعتبر في (المؤلي) أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً، فلا يقع الإيلاء من الصغير والمجنون والمكره والهازل والسكران ومن اشتد به الغضب حتى سلبه قصده، بل ولا ممن لا يقدر على الجماع لجَبٍّ أو عننٍ بحيث لا يمكنه أن يحقق الجماع عند تخييره بينه وبين الطلاق بالنحو الذي سيأتي بيانه.
ـ إذا تم الإيلاء بالنحو الذي ذكرناه جاز له البقاء على يمينه وامتناعه إلى أربعة أشهر، فإن طلبته قبل ذلك جاز له الوفاء لها والحنث باليمين، فإن أجابها ـ حينئذ ـ فوطأها لزمته كفارة حنث اليمين دون أن يأثم في هذا الحنث، وهي نفس كفارة حنث اليمين، أي: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام؛ وكذا لو كان قد حلف على ترك الوطىء دائماً أو مطلقاً، فوطأها بعد ذلك.
هذا إذا رجع عن يمينه من نفسه، أما إذا بقي على امتناعه، فلا هو رجع إليها ولا هو يريد طلاقها وتخلية سبيلها، ولم تقدر على الصبر عليه، جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيستدعيه الحاكم الشرعي، ويحثه على إجابتها ويعظه حيث يكون آثماً بترك حقها، فإن لم ينفع وبقي على امتناعه، أَنْظَرَهُ أربعة أشهر تبدأ من حين الإيلاء، فإذا مضت مدة التربص، وكان قد رجع قبل مضيها فواقعها كان خيراً، وعليه كفارة حنث اليمين، وإن لم يرجع أجبره الحاكم على اختيارالرجوع أو الطلاق إن طلبته الزوجة وفضلته على الصبر على ما هي عليه، فإن فعل أحدهما كان خيراً، وإلا حبسه الحاكم وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما دون أن يجبره على أحدهما بعينه، فإن امتنع عن كليهما طلقها الحاكم، فيقع طلاقه رجعياً مع الدخول بها إن لم تكن يائسة، وإلا وقع بائناً.
ومهما كانت نتيجة المرافعة ومجرياتها فإنه حيث يرجع إلى زوجته فيواقعها في المدة التي حلف على ترك وطئها فيها يجب عليه كفارة الحنث باليمين، سواءً رجع إليها في مدة التربص التي عينها له الحاكم أو قبلها أو بعدها؛ وأما حيث يرجع إليها بعد انقضاء المدة التي حلف على ترك وطئها فيها فلا كفارة عليه لعدم الحنث، حتى لو كانت قد رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعي فظل يدافعه المؤلي حتى انقضت مدة الإيلاء.
ـ لا يتحقّق الرجوع عن الإيلاء إلا بالمواقعة للقادر عليها، فلو صادف عجزه عنها حين رغبته في الرجوع كفاه العزم على مواقعتها حين قدرته عليها في تحقّق الرجوع وإنهاء الترافع إن كان.
ـ يزول حكم الإيلاء إذا طلقها المؤلي طلاقاً بائناً، وليس للحاكـم عليه شيء بعد ما طلق؛ كما وأنه لو عقد عليهـا ـ ولـو أثنـاء عدتهـا ـ فواقعها لم يكن ذلك حنث منه لزوال حكم الإيلاء السابق بالطلاق البائن حتى من هذه الجهة. فيما لا يزول حكم الإيلاء بالطلاق الرجعي إلا بانقضاء عدتها، فلو راجعها في العدة عاد إلى الحكم الأول، فلزوجته المطالبة بحقها، وعليه كفارة الحنث عند مواقعتها.
ـ من المفيد إلفات النظر إلى أن ما ذكرناه في هذه التتمة من توقف إجراء حكم الإيلاء بالتخيير بين الرجوع عنه أو الطلاق على انقضاء أربعة أشهر على صدور الإيلاء، إن هذا الحكم لا ينافي حكمنا السابق في (مبحث حق الاستمتاع) بوجوب الاستجابة لها قبل ذلك عند حاجتها إلى العلاقة الجنسية، ولا سيما إذا خافت الوقوع في الحرام، وذلك لخصوصية الإيلاء وكونه استثناءً من ذلك الحكم العام الذي ينظم العلاقة الجنسية بين الزوجين ويضع لها حدودها. (أنظر المسألة: 755 وما بعدها).
ـ لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين إذا كان الزمان المحلوف على ترك الوطىء فيه واحداً.