ـ لا يعتبر استيـلادُ المـرأة وإنجابُهـا الوَلَـد ـ مع الإمكـان ـ حقاً واجباً على المرأة تجاه زوجها بمقتضى عقد الزواج، بل إن الإنجـاب ـ في الجملة ـ واجب على المرأة كشرط ضمني ملحوظ عند تعاقد الزوجين، بحيث لو لم يشترطه الزوج صريحاً قبل التعاقد أو أثناءه كفى في لزومه ذلك التباني الضمني عليه، إلا أن تصرح المرأة باشتراط عدم الإنجاب، ويقبله الزوج؛ نعم، لا يقتضي ذلك الشرطُ الضمنيُّ لزوم استمرار الزوجة في الإنجاب على ما يوافق رغبة الزوج، بل إن لها الحق في أن تحدد المرات التي تنجب فيها بما يوافق رغبتها لا رغبة زوجها، إلا أن يشترط أحدهما على الآخر عدداً معيناً ويقبله الآخر، فيُلزمُ به حينئذ. هذا إذا كان الزوج راغباً في الإنجاب، أما إذا كان غير راغب فيه فليس لها إلزامه إن كانت هي الراغبة، كما أنه لا يحق له منعها من الحمل إن رغبت فيه، ولا يحق له أن يلزمها باستخدام موانع الحمل.
ـ لا يجوز للرجـل ـ ولا للمرأة ـ أن يفعل في نفسه ما يستلزم التعطيل الدائم للقدرة على الإنجاب ولو بعد ما أنجب ولداً أو أكثر، فضلاً عما لو فعله ابتداءً قبل أن يولد له. وعليه فإنه لا يجوز لأحد الزوجين أو لكليهما ـ ولو مع التراضي ـ أن يجري ما يصطلح عليه طبياً بــ (قطع الأنابيب أو ربطها) أو (استئصال الرحم أو المبيض) أو غير ذلك مما له علاقة بالتناسل، إذا أدى فقده إلى فقد القدرة على الإنجاب، نعم لا مانع منه عند الاضطرار وبالنحو الذي يتوافق مع الضرورة.
أما ما عدا ذلك من وسائل منع الحمل التي لا تستلزم إجهاض الجنين بعد إنعقاد نطفته واستقرارِه في الرحم، فإنه يجوز استخدامها في ذاتها من أجل تحديد نسل الأفراد، بل أو الأمة إذا اقتضت الضرورة العامة ذلك مما يُرجع في تفصيله إلى نظر الحاكم الشرعي وأهل الخبرة؛ شرط أن لا يكون فيها ضرر يجب تجنبه، وأن لا يستلزم استخدامها كشف الرجل عورته على الطبيب الرجل أو المرأة، ولا كشف المرأة عورتها على الطبيب الرجل دون المرأة، إلا مع الضرورة المبيحة لإرتكاب المحرم.
ـ إذا كان أحد الزوجين عقيماً، ولم يكن ذلك العقم مما ينبغي علاجه لدواعٍ صحية أخرى، بغض النظر عن مانعيته من الإنجاب، لم يجز للرجل ارتكاب ما يحرم عليه فعله من أجل التداوي للإنجاب، كالاستمناء بغير يد الزوجة، وكشف العورة على من يجب عليه سترها عنه، وغير ذلك، وكذا لا يجوز للمرأة كشف عورتها على الطبيب الرجل من أجل هذه الغاية، وإن جاز كشفها على المرأة الطبيبة؛ نعم يجوز للمرأة ـ عند الإنحصار ـ كشف العورة على الطبيب الرجل، إذا كان في ترك العلاج الذي يرجى معه الإنجاب تهديد لمستقبل حياتها الزوجية بالطلاق ونحوه، ويكون في ذلك حرج شديد عليها، فيجوز لها ـ حينئذ ـ بمقدار الضرورة، وكذا يجوز للرجل علاج العقم وارتكاب ما يحرم بسببه بالنحو المذكور إذا كان في تركه حرج عليه، كما هو الغالب.
ـ إذا انعقدت نطفة الجنين واستقرت في الرحم لم يجز إسقاطه من الرحم، سواءً انعقدت نطفته من نكاح أو من سفاح، وسواءً عُلم أنَّه خَلْقٌ سوي أو مشوه أو لم يُعلم، وسواءً كان قد ولجته الروح أو لم تلجه، وسواءً في ذلك ما لو كان الذي أسقطه أمَّه أو غَيْرَها، وبطلب من أحد والديه أو كليهما أو من دونه، لكافر كان الجنين أو لمسلم، وفي بلد تسمح قوانينه بالإجهاض أو لا تسمح، ما عدا موردين:
الأول: أن يكون في بقاء الجنين هلاك الأم أو ضرر شديد يشبه الهلاك، كالشلـل أو الجنـون أو العمـى أو نحوهـا مـن الأمـراض الخطيـرة، فيجـوز لها ـ حينئذ ـ إسقاطه وحفظ نفسها، بل يجب عليها ذلك. ومن ذلك ما لو خافت المرأة على نفسها القتل بسبب بعض العادات المستحكمة في مجتمعها، وتوقف دفع القتل على إسقاطه؛ وذلك من دون فرق بين ما لو كان قد ولجته الروح أو لم تلجه.
الثاني: أن يكون في بقاء الجنين حرج شديد على المرأة بسبب العار الذي سوف يلحقها، ويكون على درجة من الشدة أنه يربك حياتها ويهدد استقرارها بنحو بالغ، لكن لا يجوز إسقاطه في هذه الحالة إلا قبل ولوج الروح فيه، فإن ولجته الروح حرم إسقاطه رغم ذلك ما دامت لا تخشى القتل.
أما لو أصاب الرجلَ حرجٌ بسبب حمل ذلك الجنين، كما لو كان من زوجة مُتمتَّع بها، ويحرجه إنكشاف أمره أمام أهله أو زوجته، فإن مثل هذا الحرج لا يبرر إسقاط الجنين، ولو كان ما يزال علقة.
ـ في كل مورد جاز فيه للمكلف إسقاط الجنين فإنه يجوز للطبيب ارتكابه ما دام واثقاً بكون المكلف معذوراً فيه، لكنَّ ذلك لا يعفيه من دفع الدية، إلا أن يشترط على طالب الإجهاض تحملها عنه، كما سنعرض له لاحقاً.
ـ إذا تسبب شخص بإسقاط الجنين، إما بالمباشرة، بأن فعلت الأم بنفسها أو فعل غيرها بها ما يوجب إسقاط الجنين، بمثل ضربها على بطنها أو دفعها بقوة لتقع ويسقط جنينها أو بوضع دواء في فمها أو بإدخال آلة فيها أو غير ذلك من الأسباب الموجبة للإجهاض، وإما بالقيام بما ينتج عنه الإجهاض مما يعد كالمباشرة، وذلك كأن يحفر لها حفرة لتسقط فيها، أو يزين لها شرب دواء موجب للإجهاض دون أن تعلم بأثره ذلك، أو نحو ذلك مما يكون السبب فيه أقوى من المباشر، إذا تسبب شخص بالإجهاض بهذا النحو وجب عليه دفع دية الجنين التي سنبينها، سواءً كان عن عمد والتفات أو بدون تعمد ولا التفات، كالذي يحدث في حالة النوم أو الخطأ، وسواءً كان من أحد الأبوين أو من أجنبي، وسواء في ذلك الطبيب الذي يطلب منه الأبوان ذلك أو غيره، وسواءً في ذلك ما لو كانت الأم معذورة في إسقاطه أو غير معذورة؛ نعم إذا كانت الأم معذورة فاشترط عليها الطبيب تحمل الدية عنه سقطت عنه.
ـ إذا كان الحمل (نطفة) فأسقط، فديته عشرون ديناراً ذهبياً، وإن كان (علقة) فديته أربعون ديناراً، وإن كان (مضغة) فديته ستون ديناراً، وإن كان قد نشأ عظم فثمانون ديناراً، وإن كسي لحماً فمئة دينار، وإن ولجته الروح فديته ألف دينار إن كان ذكراً، وخمسمئة دينار إن كان أُنثى.
أما الفترة التي يكون فيها نطفة فهي أربعون يوماً منذ انعقاده، ثم يكون علقة أربعين يوماً، ثم يكون مضغة أربعين يوماً.
أما مقدار الدينار الشرعي فهو ما يساوي نصف ليرة عثمانية ذهباً رشادياً، فَينظُر قيمتَها حين دفع الدية بعملة بلده إن رغب في دفعها منها ويدفعها.
ـ تدفع الدية لورثة الجنين، وهم أبواه، بالدرجة الأولى مع حياتهما وإمكان توريثهما، فإن كان الجاني في إسقاطه هو أحدهما، وكان غير معذور ولا مخطئاً، انفرد الآخر بجميع الدية، وإن كانت أمه هي الجانية، وكان أبوه ميتاً، ورثه سائر أقربائه على حسب طبقات الميراث.
وفي جميع الحالات فإنه يجوز لمن له الدية أن يسامح الجاني بها، فتسقط عنه حينئذ، فإن كان غير معذور كان عاصياً لله تعالى، وتلزمه التوبة والاستغفار عسى أن يغفر الله له ويتوب عليه.