وفيه مسائل:
ـ رغم أنه يجب على المكفول أن يبادر إلى إبراء ذمته مما عليه لصاحب الحق عند استحقاقه ومطالبته به، فإنه حيث لا يبادر المكفول إلى الوفاء يجب على الكفيل التوسّل بكلّ وسيلة مشروعة من أجل تحقيق مضمون الكفالة، وذلك على النحو التالي:
أولاً: إذا كانت الكفالة تعهداً بالإحضار، وكان المكفول موجوداً في مكان التسليم، معلوم المكان، مستجيباً للكفيل، وجب على الكفيل إحضاره وجعله بين يدي صاحب الحق وتمكينه منه، فإذا أحضره بهذا النحو برأت ذمته وانحلت كفالته، وصار تحصيل الحق منه تكليفَ صاحب الحق لا الكفيل. وأما إذا امتنع الكفيل عن إحضاره مع قدرته عليه، كان لصاحب الحق أن يرفع أمره للحاكم الشرعي، فيحبس الحاكمُ الكفيلَ حتى يتعهد بإحضاره ويحضره، أو يدفع ما عليه من حق لصاحبه إن كان مما يمكن للغير دفعه عنه، كالحقوق المالية، فإذا دفع برأت ذمته وانحلت كفالته.
أما إذا سعى الكفيل لإحضاره فامتنع المكفول عن الاستجابة، جاز له ـ بل وجب عليه ـ إجباره مع القدرة، ولو بالاستعانة بالظالم إذالم يكن فيها مفسدة أعظم.
هذا إذا كان معلوم المكان، أما إذا كان غائباً عن بلده، منقطع الأخبار، ولا يُرجى الظفر به، لم يُلزم كفيلُ النفس بأداء ما عليه من مال، إلا أن يكون متمكناً من إحضاره ـ بعد المطالبة به ـ فتهاون في إحضاره حتى فُقد خبرُه، أو كان صاحبُ الحق قد شرط عليه الأداء عنه عند فقده.
ثانياً: إذا كانت الكفالة تعهداً بالدفع عنه عند عدم وفائه، وقد حلَّ أجل الوفاء بالحق على المكفول، فلم يف بما عليه عجزاً أو تمرداً، وجب على الكفيل أداء ما عليه من ماله، فإن لم يدفع كان لصاحب الحق إجباره على الدفع بكل وسيلة مشروعة، بما في ذلك الاستعانة بالظالم إذا انحصر أداء الحق به ولم يترتب عليها مفسدة أعظم.
ـ إذا أمسك الكفيلُ المكفول المتمنع لإحضاره إلى صاحب الحق، فجاء آخر فخلصه منه، وجب على المخلِّص العمل على الإمساك به وتسليمه، فإن خيف فوت المخلِّص جاز للكفيل أن يحبسه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه من الحق؛ ولو فرض أن المكفول كان قاتـلاً عمـداً ـ والحالـة هذه ـ وجب على المخلِّص إحضاره ليُقتص منه، أو يحبس المخلِّص بالنحو المذكور آنفاً إلى أن يحضره، أو يرضى منه الولي بالدية؛ أما صاحب الحق فإن له في هاتين الحالتين أن يرجع على الكفيل، ثم يرجع الكفيل على المخلص. ويثبت نفس الحكم في صورة ما لو كان المُمْسِكُ به هو صاحب الحق نفسه فخلصه منه آخر، فإن لصاحب الحق أن يرجع على المخلِّص بالنحو الذي ذكر.
ـ إذا كان المكفول غائباً، واحتاج إحضاره إلى بذل مال، وجب على الكفيل تحمله من ماله دون أن يرجع به على المكفول أو على صاحب الحق، إلا أن يشترط الكفيلُ كونَه على أحدهما، أو يكون البذل بطلب من المكفول فيتحمله الطالب حينئذ.
ـ إذا لم يعين المتعاقدان بلد التسليم فمقتضى الإطلاق إحضاره إلى البلد الذي تم فيه التعاقد، فلا يكفي إحضاره إلى غيره إلا مع التعيين صريحاً أو مع القرينة الصارفة عن مقتضى الإطلاق.
ـ إذا لم يَحضر المكفولُ ـ تمرداً أو لغيْبة ـ فدفع عنه الكفيل ما كان عليه من حق مالي للمكفول له، وجب على المكفول تحمل ذلك في صورة ما لو كان قد رضي بكفالته له وبأدائه عنه، بل وفي صورة ما لو كان قد طلب منه الأداء عنه حين الاستحقاق دون أن يكون قد سبق منه الرضى بالكفالة؛ وأما إذا لم يكن قد طلب منه الأداء عنه حين الاستحقاق ـ سواءً كان قد طلب منه الكفالة قبل ذلك أو لـم يطلب ـ لم يتحمل المكفول ما بذله الكفيل إلا أن يكون طلبُه الكفالةَ مُتضمِّناً وظاهراً في تحمل وتعويض ما سيدفعه عنه الكفيل، فيلزم المكفول ـ حينئذ ـ بالتعويض على الكفيل، رغم أنه لم يكن قد طلب منه الأداء عنه.
ـ يجوز أن يجعل صاحب الحق على الكفيل شرطاً مالياً إذا لم يُحضر المكفول في حالات معينة، مثل كفالة المطلوب بحق غير مالي، كالمطلوب بقصاص ونحوه؛ وكذا يجوز أن يجعل الكفيل ذلك على نفسه، دون فرق بين أن يقول: «علي (كذا) إن لم أحضره» وبين أن يقول: «إذا لم أحضره فعلي (كذا)».
ـ يجوز للكفيل أن يأخذ مالاً من المكفول في قبال قيامه بهذه الخدمة، ويصح اعتبار طلب ذلك المال وقبول المكفول به على نحو الجعالة بينهما أو الإجارة، وذلك دون فرق بين ما لو كان الكفيل جهة أو مؤسسة مالية وبين ما لو كان شخصاً.
ـ تنحل الكفالة وتسقط بأمور:
الأول: بالقيام بمؤداها، وهو إحضار المكفول.
الثاني: ببراءة ذمة المكفول مما عليه من الحق، وذلك بأدائه، أو بإبرائه منه.
الثالث: بانتقال الحق من المكفول له إلى غيره، ببيع أو صلح أو حوالة أو غيرها، وذلك لأن الشخص الآخر المنتقل إليه الحق لا يقوم مقام المكفول له في استحقاق الكفالة، إلا أن يكون وارثاً فلا تنحل الكفالة ـ حينئذ ـ بموت صاحب الحق وانتقال الحق إلى ورثته.
الرابع: بموت المكفول أو سقوطه عن قابلية الإحضار بغياب عقله بمثل الجنون والإغماء الدائم ونحوهما. نعم إذا ابتنت الكفالة على أداء الكفيل للحق عند تعذر الإحضار فلا تبطل الكفالة حينئذ، بل يجب عليه أداء الحق إن تعذر أداؤه من ماله أو تركته.
الخامس: بموت الكفيل، فإن ورثته لا يتحملون عنه ما تكفل به مورثهم حال حياته.
السادس: بإسقاط المكفول له حقه في الكفالة.