(اللِّعان) ـ في اللغة ـ مأخوذ من (لاعَنَ) من أفعال المشاركة، وأصله: (لَعَنَ) بمعنى: سبّ وشتم. وفي مصطلح الفقهاء هو: (تحالف الزوجين، أمام الحاكم الشرعي، بكيفية خاصة تتضمن لعن الكاذب، بهدف إثبات الزنى على الزوجة من قبل الزوج ورد هذه التهمة من قبل الزوجة)، وربما ينتج عنه نفي الولد المتولد من ذلك الزنى بحسب اعتقاد الزوج، فإن لم يقذفها بالزنى، ونفى كون الولد الذي تحمله ولداً له، لم يقبل منه هذا النفي في كل مورد يمكن إلحاقه به، فإن لم يمكن إلحاقه به فإنه ينتفي عنه تلقائياً بدون لعان.(أنظر المسألة: 804). ونظراً لترتب الحرمة الأبدية عليه بين الزوجين فإننا ذكرناه هنا تبعاً لما درج عليه الفقهاء، لكنْ على أنه ملحق، وذلك إشارة منَّا إلى أن موضعه ليس هنا بل إنه أقرب ما يكون في موضوعه إلى مباحث الزنى من باب الحدود؛ وكيف كان الأمر فإننا نفصِّله في مسائل على النحو التالي:
ـ لا يجوز للزوج أن يتهم زوجته بالزنى ويصرح بذلك ويقذفها به لمجرد الشك أو الظن المعتمد على بعض القرائن غير المفيدة للقطع، بل ولا على الشياع، ولا على إخبار من يثق بصدقه من الأشخاص؛ فإذا رأت عينه وجزم بحدوث الزنى بمشاهدة نفس الجماع جاز له التصريح بقذفها، لكنها إذا لم تعترف بالزنى، ولم يكن معه بيِّنة تشهد به، استحق حدَّ القذف إذا طلبت زوجته إيقاعه عليه، وحينئذ لا يَدفعُ عنه الحد إلا أن يشهد هو أربع مرات بزناها ويلعنَ نفسَه ـ في المرة الخامسة ـ إن كان كاذباً، فيثبت عليها الزنى وتستحق الحدَّ بهذه الشهادة التي تقوم مقام البيِّنة من الزوج بحق زوجته بخاصة، فإذا أصرت الزوجة على كذبه في شهادته، لزمها ـ لدرء الحد عنها ـ أن تشهد أربع شهادات أنه من الكاذبين، وأن تجعل ـ في المـرة الخامسـة ـ غضب الله تعالى عليها إن كان من الصادقين؛ وهذا هو اللعان الذي سنبين كيفيته لاحقاً.
ـ يعتبر في ثبوت اللعان أمور نذكرها كما يلي:
أولاً: يعتبر في ثبوت اللعان أن يكون الزوج القاذف بالغاً عاقلاً، فلا يعتد بقذف غير البالغ وإن كان مميزاً، ولا بقذف المجنون ولو كان أدوارياً إذا كان حين القذف في نوبة الجنون.
وكذا يعتبر فيه أن لا يكون معه بيِّنة يثبت بها الزنى، فإن كان معه بينة لزمته إقامتها ولا لعان. ويعتبر فيه ـ أيضاً ـ ادعاء المشاهدة، فلو لم يدع المشاهدة مع إمكانها منه، أو كانت غير ممكنة في حقه، كالأعمى، فقذفها بدون بيِّنة استحق الحد.
ثانياً: يعتبر في الزوجة المقذوفة أن تكون بالغة عاقلة سالمة من الصمم والخرس، وأن تكون زوجة مدخولاً بها، ولو كان متمتعاً بها على الأحوط وجوباً، وأن تكون غير مشهورة بالزنى. فإن قذف غير البالغة أو غير العاقلة أو غير المدخول بها، دون أن تكون له بيِّنة استحق حد القذف ولا لعان، وكذا ما لو قذف المرأة الأجنبية؛ وإذا قذف زوجته الخرساء حرمت عليه مؤبداً بدون لعان، وكذا الصمَّاء على الأحوط وجوباً؛ وإذا قذف زوجته المشهورة بالزنى فلا حد عليه كي يدفعه باللعان إذا كانت متجاهرة بالزنى، وإلا عزره الحاكم على قذفه إذا لم يدفعه عن نفسه بالبينة.
ـ لا يقع اللعان إلا أمام الحاكم الشرعي أو المنصوب من قبله، وصيغة الملاعنة وكيفيتها كما يلي:
1 ـ أن يبدأ الرجل فيقول: «أَشْهَدُ بالله أني من الصادقين في ما قلت في زوجتي فلانة»، أو: «... في هذه المرأة» أو نحو ذلك من الألفاظ التي تفيد تعيينها وتمييزها عن غيرها، فيكرر ذلك أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: «إن لعنة الله عليَّ إن كنتُ من الكاذبين».
2 ـ ثم تليه المرأة فتقول: «أشهد بالله أنه لمن الكاذبين في ما رماني به»، تكرره أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: «إن غضب الله عليَّ إن كان من الصادقين».
هذا، ورغم أنه يجوز أن تقال تلك الصيغة بغير العربية من اللغات المتداولة في بلد الملاعنة، فإنه يجب الاقتصار على نفس الصيغة إذا قالها باللغة العربية سوى في فقرة: «ما رماني به»، وفي فقرة: «زوجتي فلانة»، فإنه يجوز استبدالهما بكل ما يفيد معناهما وإن كان الأحوط استحباباً أن يقول الصيغة بتمامها بالعربية مع القدرة عليها. كما يجب أن يعين المرأة المقذوفة، وأن يأتي كل منهما بالشهادة الخاصة به بعد طلب الحاكم ذلك منه، فلو بادر قبل أن يأمره الحاكم به لم يُكتف بها. وأن تتقدم الشهادة على اللعن عند الرجل، وعلى الغضب عند المرأة. وأن يبدأ الرجل بشهادته قبل المرأة. وأن يكون كل منهما واقفاً ـ مع القدرة ـ حين إدلائه بالشهادات الخمس المطلوبة منه، دون حاجة لقيام الآخر.
كما يستحب أن يجلس الحاكم في مواجهة المتلاعنين مستدبر القبلة ليكونا مستقبلين لها. وأن يقف الرجل أمام الحاكم على يمينه، والمرأة كذلك على يساره. وأن يَعِظَهُما قبل اللعن والغضب. وأن يحضر من يستمع اللعان من الناس.
ـ إذا وقع اللعان الجامع للشروط ترتب عليه ما يلي:
أولاً: انفساخ عقد النكاح بينهما بمجرد وقوع الملاعنة دون حاجة إلى إنشاء صيغة معينة، ولزم الزوجَ أداءُ ما لَهَا في ذمته من مهر متأخر إذا كان مؤجلاً إلى أقرب الأجلين، أي: إلى حين مفارقتها بموت أو طلاق أو شبهه.
ثانياً: حدوث البينونة الدائمة بينهما، فلا تحلُّ له بعد ذلك بمراجعةٍ ولا بعقد جديد أبداً حتى لو تزوجت من غيره وطلقها زوجها الثاني.
ثالثاً: يسقط عن الزوج حد القذف، ويسقط عن الزوجة حد الزنى، وهو ما سبق ذكره في مستهل هذا المبحث.
ـ إذا كان الزوج كاذباً أو مشتبهاً في دعواه، فتراجع عن اتهامها بالزنى وكذَّب نفسه، فإن كان تراجعه بعد اللعان، لم تَزُلْ الحرمة الأبدية، ولم يُحَدَّ حد القذف، وإن كان أثناءه بطل اللعان واستحق حدَّ القذف.
كما أنه لا أثر لتصديق المرأة دعوى الرجل واعترافِها بالزنى أربع مرات بعد الملاعنة، فلا تزولُ الحرمةُ الأبدية ولا تُحَدُّ حد الزنى.