إذا انطلقنا إلى القِيَم التي كان يحرّكها الإمام زين العابدين (ع) في الواقع، والتي كان يواجه فيها حتى أصحاب القوّة في زمانه، نجد من بين تلك المفردات، ما يرويه الإمام جعفر الصادق (ع): إنَّ عليّ بن الحسين (ع) تزوّج سريّة (أمة) كانت للحسن بن علي، فبلغ ذلك عبد الله بن مروان، فكتب إليه في ذلك كتاباً إنَّك صرتَ بعل الإماء، فكتب عليّ بن الحسين (ع): "إنَّ الله رفع بالإسلام الخسيسة، وأتمَّ به الناقصة، وأكرم به اللّؤم، فلا لؤم على مسلم، إنَّما اللؤم لؤم الجاهليَّة، وإنّ رسول الله (ص) أنكح عبده ونكح أمَتَه، حيث زوّج زينب بنت جحش وهي ابنة عمّته من عبده زيد وتزوَّجها بعد ذلك". فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد الملك، قال لمن عنده: "أخبروني عن رجل إذا أتى ما يصنع النَّاس لم يزده إلَّا شرفاً، قالوا: ذاكَ أميرُ المؤمنين، قال: لا والله، ما هو ذاك، قالوا: ما نعرف إلَّا أمير المؤمنين، قال: فلا والله ما هو بأمير المؤمنين، ولكنّه عليّ بن الحسين".
فلقد هزّت هذه الكلمات عمق (عبد الملك بن مروان) وكلّ وجدانه، وشعر بأنّ الإمام ارتفع من حيث تصوّر أنّه اتّضع، وتلك هي قيمة الإنسان الذي يعيش القيمة الإسلاميَّة في حياته، ليؤكِّدها وليجسِّدها، وليجعل من نفسه قدوةً للنَّاس في ذلك، حتّى لو كان العرف الاجتماعي على خلافِه، لأنَّ قضيَّة الإمام والمصلح والداعية ليست في أن يعيش مع قِيَم النَّاس إذا كانت منحرفة، ولكنَّ مسؤوليَّته أن يرتفع عن القِيَم المنحرفة ليعطي النَّاس النموذج الأمثل للقيمة الإسلاميَّة الرائعة.
كما يعطينا ذلك درساً في أن نخرج من كلّ هذه التقاليد والعادات التي تجعل الزواج مسألة خاضعة للطبقيّة الاجتماعيَّة نسباً ومالاً وما إلى ذلك، لنعرف الخطّ: "إذا جاءكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلَّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير" . هكذا قال رسول الله (ص) منطلقاً من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، فليس هناك شعب أكرم من شعب، ولا قبيلة أكرم من قبيلة، بل الأكرم هو الأقرب إلى الله تعالى في فكره وروحه وحياته.
وفي قصّة أخرى، تبدو قوّة الموقف وصلابته أمام عبد الملك بن مروان، فلقد بلغ عبد الملك أنَّ سيف رسول الله عنده عند الإمام السجّاد، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة، فأبى عليه، فكتب عبد الملك يهدِّده، وأنّه يقطع رزقه من بيت المال، فأجابه (ع): "أمّا بعد، فإنّ الله ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جلّ ذكره {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحجّ: 38]، فانظر أيّنا أولى بهذه الآية؟!" . ومن الطبيعي أنّه أراد أن يقول له إنَّك الأولى بهذه الآية، لأنّك عشت الكثير من الخيانة في حياتك، حيث تهدِّد الناس بقطع أرزاقهم إذا لم يستجيبوا لك، فأيّ خليفة هو هذا الَّذي يستغلّ مركزه في تهديد النَّاس بقطع أرزاقهم إذا حجبوا عنه أيّ شيء شخصيّ يريده.
هاتان القضيّتان تمثّلان كيف ينطلق الإمام (ع) من خلال العزّة الإسلاميَّة التي لا يسقط فيها أمام تهديد الخليفة مهما كان موقعه، وهو القائل في الدعاء: "واعصمني من أن أظنّ بذي عدمٍ خساسة، أو أظنّ بصاحبِ ثروةٍ فضلاً، فإنَّ الشريف من شرَّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك" .
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.
إذا انطلقنا إلى القِيَم التي كان يحرّكها الإمام زين العابدين (ع) في الواقع، والتي كان يواجه فيها حتى أصحاب القوّة في زمانه، نجد من بين تلك المفردات، ما يرويه الإمام جعفر الصادق (ع): إنَّ عليّ بن الحسين (ع) تزوّج سريّة (أمة) كانت للحسن بن علي، فبلغ ذلك عبد الله بن مروان، فكتب إليه في ذلك كتاباً إنَّك صرتَ بعل الإماء، فكتب عليّ بن الحسين (ع): "إنَّ الله رفع بالإسلام الخسيسة، وأتمَّ به الناقصة، وأكرم به اللّؤم، فلا لؤم على مسلم، إنَّما اللؤم لؤم الجاهليَّة، وإنّ رسول الله (ص) أنكح عبده ونكح أمَتَه، حيث زوّج زينب بنت جحش وهي ابنة عمّته من عبده زيد وتزوَّجها بعد ذلك". فلمَّا انتهى الكتاب إلى عبد الملك، قال لمن عنده: "أخبروني عن رجل إذا أتى ما يصنع النَّاس لم يزده إلَّا شرفاً، قالوا: ذاكَ أميرُ المؤمنين، قال: لا والله، ما هو ذاك، قالوا: ما نعرف إلَّا أمير المؤمنين، قال: فلا والله ما هو بأمير المؤمنين، ولكنّه عليّ بن الحسين".
فلقد هزّت هذه الكلمات عمق (عبد الملك بن مروان) وكلّ وجدانه، وشعر بأنّ الإمام ارتفع من حيث تصوّر أنّه اتّضع، وتلك هي قيمة الإنسان الذي يعيش القيمة الإسلاميَّة في حياته، ليؤكِّدها وليجسِّدها، وليجعل من نفسه قدوةً للنَّاس في ذلك، حتّى لو كان العرف الاجتماعي على خلافِه، لأنَّ قضيَّة الإمام والمصلح والداعية ليست في أن يعيش مع قِيَم النَّاس إذا كانت منحرفة، ولكنَّ مسؤوليَّته أن يرتفع عن القِيَم المنحرفة ليعطي النَّاس النموذج الأمثل للقيمة الإسلاميَّة الرائعة.
كما يعطينا ذلك درساً في أن نخرج من كلّ هذه التقاليد والعادات التي تجعل الزواج مسألة خاضعة للطبقيّة الاجتماعيَّة نسباً ومالاً وما إلى ذلك، لنعرف الخطّ: "إذا جاءكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلَّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير" . هكذا قال رسول الله (ص) منطلقاً من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات: 13]، فليس هناك شعب أكرم من شعب، ولا قبيلة أكرم من قبيلة، بل الأكرم هو الأقرب إلى الله تعالى في فكره وروحه وحياته.
وفي قصّة أخرى، تبدو قوّة الموقف وصلابته أمام عبد الملك بن مروان، فلقد بلغ عبد الملك أنَّ سيف رسول الله عنده عند الإمام السجّاد، فبعث يستوهبه منه ويسأله الحاجة، فأبى عليه، فكتب عبد الملك يهدِّده، وأنّه يقطع رزقه من بيت المال، فأجابه (ع): "أمّا بعد، فإنّ الله ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جلّ ذكره {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحجّ: 38]، فانظر أيّنا أولى بهذه الآية؟!" . ومن الطبيعي أنّه أراد أن يقول له إنَّك الأولى بهذه الآية، لأنّك عشت الكثير من الخيانة في حياتك، حيث تهدِّد الناس بقطع أرزاقهم إذا لم يستجيبوا لك، فأيّ خليفة هو هذا الَّذي يستغلّ مركزه في تهديد النَّاس بقطع أرزاقهم إذا حجبوا عنه أيّ شيء شخصيّ يريده.
هاتان القضيّتان تمثّلان كيف ينطلق الإمام (ع) من خلال العزّة الإسلاميَّة التي لا يسقط فيها أمام تهديد الخليفة مهما كان موقعه، وهو القائل في الدعاء: "واعصمني من أن أظنّ بذي عدمٍ خساسة، أو أظنّ بصاحبِ ثروةٍ فضلاً، فإنَّ الشريف من شرَّفته طاعتك، والعزيز من أعزّته عبادتك" .
* من كتاب "النَّدوة"، ج 3.