جاء في كتاب "عيون أخبار الرّضا" عن الإمام الصّادق (ع) قال: "كان عليّ بن الحسين (ع) لا يسافر إلّا مع رفقةٍ لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خَدَم الرّفقة في ما يحتاجون إليه، فسافر مرّةً مع قوم، فرآه رجلٌ فعرفه، فقال لهم: أتدرون مَنْ هذا؟ فقالوا: لا، قال: هذا عليّ بن الحسين (ع)، فوثبوا إليه، فقبّلوا يده ورجله، وقالوا: يا بن رسول الله، تريد أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت منّا يدٌ أو لسانٌ، أمَا كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر؟ فما الّذي يحملك على هذا؟ فقال: إنّي كنت سافرْت مرّةً مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحقّ، فإنّي أخاف أن تعطوني مثلَ ذلك، فصار كتمان أمري أحبَّ إليَّ".
فأين هو الفرق بيننا وبينه (ع)؟ الفرق بيننا في ما نحصل عليه من امتيازات، أنَّ بعضنا إذا انتسب إلى رسول الله (ص) وحمل شجرة النَّسب بين يديه، فإنَّه يريد للناس أن يحملوه على ظهورهم، وأن يقدِّروه ويحترموه، ويكون البطّال وهم يشتغلون له.. أهل البيت (ع) لا يريدون ذلك لمن انتسب إليهم، والنبيّ (ص) لم يبعثه الله ليُحمَل أقاربه على ظهور النّاس وأعناقهم.. وهذا ما نطلُّ عليه من خلال سيرة الأئمة (ع)1.
ونقرأ في سيرته (ع) عن أحد الرواة كما (في الكافي)، وهو عيسى بن عبد الله، قال: "احتُضِر عبد الله، فاجتمع غرماؤه فطالبوه بدين لهم، فقال لا مال عندي أعطيكم"، وأنا في الطريق إلى الله "ولكن أرضوا بمن شئتم من ابني عمّي عليّ بن الحسين وعبد الله بن جعفر"، فأنا أطلب منهما أن يفيا ديني إذا قبلتم. "فقال الغرماء: عبد الله بن جعفر مليٌّ" رجل غنيّ، ولكنه "مطول" يماطل، فلا نستطيع أن نطمئنّ على ديوننا "وعليّ بن الحسين رجل لا مال له، صدوق"، إذا أعطانا موعداً فإنّه يصدق في ذلك "فهو أحبّ إلينا، فأرسل إليه وأخبره الخبر"، فكان جواب الإمام (ع): "أضمن لكم المال إلى غلّة" وقت موسم "ولم تكن له غلّه"، فلم يكن عنده بساتين. (قال) الرّاوي "فقال القوم: قد رضينا وضمنه".
وعندنا في الفقه الإماميّ، أن الإنسان إذا ضمن الدَّين برئت ذمّة المدين، وصارت ذمّة الضّامن هي المشغولة، ولم يعُد في عملية الضّمان شريكاً في الذمّة، ولأن الضمان يمثّل نقل المال من ذمّة إلى ذمّة أخرى: "فلما أتت الغلَّة، أتاح الله له المال فأوفاه".
وهناك قصّة أخرى مماثلة تتعلق بزيد بن أسامة بن زيد، عندما حضرته الوفاة، فجعل يبكي وهو قد عاش مسؤوليّة الدَّين الذي عليه، فكيف يترك دينه بعد وفاته ولم يفه، وكيف يقابل الله في ذلك؟! فقد روى أحدهم قال: "حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة، فجعل يبكي، فقال له عليّ بن الحسين (ع): ما يبكيك؟ قال: إنَّ عليّ خمسة عشر ألف دينار ولم أترك لها وفاءً"، ليس عندي تركة "فقال له عليّ بن الحسين: لا تبك، إنها عليّ وأنت منها بريء، فقضاها عنه".
هذا ما رواه المفيد في الإرشاد. والذي نستوحيه من الرواية أوّلاً: أن العنوان الكبير هو الكرم والعطاء الذي يمثّل أخلاقيّة أهل البيت (ع)، والذي صوَّرته الآية الكريمة: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}2.
كان الإمام زين العابدين (ع) قرآناً يتحرّك، فكان يحدّث عن العفو وكان يمارس العفو كأصفى وأعمق ما يكون، وكان يتحدَّث عن عتق العبيد وتحريرهم، وكان يبذل أكثر ماله في ذلك بعد أن يربّيهم تربية إسلاميّة، وبعد أن يرتفع بإنسانيَّتهم، وبعد أن يشعرهم بأنه هو وإيّاهم سواء، ليس له أيّ ميزة عليهم، وهو الذي له الميزة كلّها، وعلى الناس كافّة، من خلال قربه من الله تعالى3.
[1]في رحاب أهل البيت (ع)، ج 2.
[2]النّدوة، ج 10.
[3]النّدوة، ج4.
جاء في كتاب "عيون أخبار الرّضا" عن الإمام الصّادق (ع) قال: "كان عليّ بن الحسين (ع) لا يسافر إلّا مع رفقةٍ لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خَدَم الرّفقة في ما يحتاجون إليه، فسافر مرّةً مع قوم، فرآه رجلٌ فعرفه، فقال لهم: أتدرون مَنْ هذا؟ فقالوا: لا، قال: هذا عليّ بن الحسين (ع)، فوثبوا إليه، فقبّلوا يده ورجله، وقالوا: يا بن رسول الله، تريد أن تصلينا نار جهنّم لو بدرت منّا يدٌ أو لسانٌ، أمَا كنّا قد هلكنا إلى آخر الدّهر؟ فما الّذي يحملك على هذا؟ فقال: إنّي كنت سافرْت مرّةً مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله (ص) ما لا أستحقّ، فإنّي أخاف أن تعطوني مثلَ ذلك، فصار كتمان أمري أحبَّ إليَّ".
فأين هو الفرق بيننا وبينه (ع)؟ الفرق بيننا في ما نحصل عليه من امتيازات، أنَّ بعضنا إذا انتسب إلى رسول الله (ص) وحمل شجرة النَّسب بين يديه، فإنَّه يريد للناس أن يحملوه على ظهورهم، وأن يقدِّروه ويحترموه، ويكون البطّال وهم يشتغلون له.. أهل البيت (ع) لا يريدون ذلك لمن انتسب إليهم، والنبيّ (ص) لم يبعثه الله ليُحمَل أقاربه على ظهور النّاس وأعناقهم.. وهذا ما نطلُّ عليه من خلال سيرة الأئمة (ع)1.
ونقرأ في سيرته (ع) عن أحد الرواة كما (في الكافي)، وهو عيسى بن عبد الله، قال: "احتُضِر عبد الله، فاجتمع غرماؤه فطالبوه بدين لهم، فقال لا مال عندي أعطيكم"، وأنا في الطريق إلى الله "ولكن أرضوا بمن شئتم من ابني عمّي عليّ بن الحسين وعبد الله بن جعفر"، فأنا أطلب منهما أن يفيا ديني إذا قبلتم. "فقال الغرماء: عبد الله بن جعفر مليٌّ" رجل غنيّ، ولكنه "مطول" يماطل، فلا نستطيع أن نطمئنّ على ديوننا "وعليّ بن الحسين رجل لا مال له، صدوق"، إذا أعطانا موعداً فإنّه يصدق في ذلك "فهو أحبّ إلينا، فأرسل إليه وأخبره الخبر"، فكان جواب الإمام (ع): "أضمن لكم المال إلى غلّة" وقت موسم "ولم تكن له غلّه"، فلم يكن عنده بساتين. (قال) الرّاوي "فقال القوم: قد رضينا وضمنه".
وعندنا في الفقه الإماميّ، أن الإنسان إذا ضمن الدَّين برئت ذمّة المدين، وصارت ذمّة الضّامن هي المشغولة، ولم يعُد في عملية الضّمان شريكاً في الذمّة، ولأن الضمان يمثّل نقل المال من ذمّة إلى ذمّة أخرى: "فلما أتت الغلَّة، أتاح الله له المال فأوفاه".
وهناك قصّة أخرى مماثلة تتعلق بزيد بن أسامة بن زيد، عندما حضرته الوفاة، فجعل يبكي وهو قد عاش مسؤوليّة الدَّين الذي عليه، فكيف يترك دينه بعد وفاته ولم يفه، وكيف يقابل الله في ذلك؟! فقد روى أحدهم قال: "حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة، فجعل يبكي، فقال له عليّ بن الحسين (ع): ما يبكيك؟ قال: إنَّ عليّ خمسة عشر ألف دينار ولم أترك لها وفاءً"، ليس عندي تركة "فقال له عليّ بن الحسين: لا تبك، إنها عليّ وأنت منها بريء، فقضاها عنه".
هذا ما رواه المفيد في الإرشاد. والذي نستوحيه من الرواية أوّلاً: أن العنوان الكبير هو الكرم والعطاء الذي يمثّل أخلاقيّة أهل البيت (ع)، والذي صوَّرته الآية الكريمة: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا}2.
كان الإمام زين العابدين (ع) قرآناً يتحرّك، فكان يحدّث عن العفو وكان يمارس العفو كأصفى وأعمق ما يكون، وكان يتحدَّث عن عتق العبيد وتحريرهم، وكان يبذل أكثر ماله في ذلك بعد أن يربّيهم تربية إسلاميّة، وبعد أن يرتفع بإنسانيَّتهم، وبعد أن يشعرهم بأنه هو وإيّاهم سواء، ليس له أيّ ميزة عليهم، وهو الذي له الميزة كلّها، وعلى الناس كافّة، من خلال قربه من الله تعالى3.
[1]في رحاب أهل البيت (ع)، ج 2.
[2]النّدوة، ج 10.
[3]النّدوة، ج4.