ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنَّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر * ذلك هو الفوز العظيم}، ويقول سبحانه وتعالى:{زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب* قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرة ورضوانٌ من الله والله بصير بالعباد}.
رضا الله هو النعيم والسعادة
يؤكد الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات، أن حصول الإنسان المؤمن على رضوان الله هو النعيم الذي ليس فوقه نعيم، وهو السعادة التي ليس فوقها سعادة، فنحن نقرأ في الآيتين اللتين تلوناهما، الحديث عن متاع الحياة الدنيا، ثم الحديث عن الجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وعن المساكن الطيبة في جنات عدن، ثم يعقِّب الله على ذلك بقوله: {ورضوان من الله أكبر}، أي أن رضوان الله هو أكبر من كل متاع الحياة الدنيا وأكبر حتى من الجنة، لأن الإنسان الذي يعيش مع الله، ويتعرف عظمته ونعمه، وينفتح على كل ذلك العالم الروحي الذي لا يبلغ الإنسان مداه، قد يشعر أن رضوان الله عليه هو الذي يملأ عقله وقلبه وحياته بالسعادة، ولذلك كانت كل دعوات القرآن الكريم، أن يحصل الإنسان على رضا الله، لأن رضاه ـ تعالى ـ هو الذي يحقق له الكرامة في الدنيا والآخرة، وهو الذي يملأ قلبه بالحب والخير.
وقد ورد في أكثر من حديث عن أئمة أهل البيت(ع)، الحديث عمّا يبلغ الإنسان به رضا الله، فقد ورد في الحديث عن علي(ع): "ثلاثٌ يبلغن بالعبد رضوان الله؛ كثرة الاستغفار ـ أن تستحضر ذنوبك في كل وقت فيما مضى، وكل ما أذنبته في الحال، في البيت والشارع والمحل.. ، ليكون الاستغفار هو الذكر الذي ينطلق معك في كل أوضاعك ـ وخفض الجانب ـ أي التواضع، في بيتك ومع الناس ـ وكثرة الصدقة ـ كلٌّ بحسب إمكاناته ، فإنّ الصدقة تطفىء غضب الرب، ويحصل الإنسان من خلالها على رضوان الله.
سخط النفس
وفي حديث عن وصية لقمان لابنه: "يا بنيّ، من يرد رضوان الله يسخط نفسه إليه ـ أي أن الإنسان قد يشتهي أشياء محرّمة، فتدفعه نفسه إلى مواقف محرمة، أو علاقات محرمة، أو كلمات محرمة، بحيث ترتاح نفسه إذا قام بها، ولكنّ الله لا يرضى منه بذلك، فقد يعيش الإنسان الصراع بين رضا نفسه ورضا ربه، فمن أسخط نفسه برضا ربه فقد حصل على رضوان الله، ومن أسخط ربه برضا نفسه فقد حصل على سخط الله ـ ومن لا يسخط نفسه لا يرضي ربه".
وقد جاء في أكثر من حديث على لسان الأنبياء، أن موسى قال: يا رب، دلّني على أمرٍ فيه رضاك عني أعمله، فأوحى الله إليه: إن رضاي في كرهك ـ أي ما تكره من نفسك ـ وأنت ما تصبر على ما تكره ـ أي أن الإنسان إذا أسخط نفسه وأكرهها على القيام ببعض الأعمال التي ترضي الله وامتنع عن معصيته، فإنه بذلك يحصل على رضا الله، وهكذا ـ قال: يا رب دلّني عليه، قال: فإن رضاي في رضاك بقضائي"، إذا رضيت بقضاء الله ممّا أنزله من بلاء، فإن ذلك يحقق رضا الله ـ سبحانه ـ في ذلك كله.
ونقرأ في الأحاديث: "أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله"، وقال علي(ع): "وأوصاكم ـ أي الله ـ بالتقوى، وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه"، ثم قال: "هيهات، أبمثل هذه الأعمال تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه، هيهات، لا يخدع الله عن جنته، ولا تنال مرضاته إلا بطاعته".
التوازن بين رضا الله ورضا الناس
إن الله أراد للإنسان أن يوازن بين رضا الناس ورضا الله، لأن الكثيرين منا يعتبرون الحياة الدنيا كل شيء، وأنها نهاية المطاف، وأن النجاح والسعادة في تحقُّقهما في الدنيا، لذلك، فإننا نجعل كلّ همّنا في كثير من أمورنا أن يرضى الناس عنا؛ أن يرضى الأغنياء والوجهاء وأصحاب السلطة وأصحاب الشهوات واللذات، لأننا محتاجون إلى ما يقدمونه إلينا من مالهم ووجاهتهم ومواقع سلطتهم على حساب رضا الله، مقدّمين بذلك رضا الناس وشهواتهم ولذاتهم على رضا الله.
وقد ورد عن رسول الله(ص) وعن الأئمة(ع): "من طلب مرضاة الناس بما يسخط الله كان حامده من الناس ذامّاً ـ أي أن هذا الحمد الذي ينطلق في البداية، يتحوّل إلى ذمّ في النهاية، لأن الناس يرون أنه عصى خالقه وربه وأطاع المخلوق ـ ومن آثر طاعة الله بغضب الناس، كفاه الله عداوة كل عدوّ، وحسد كل حاسد، وبغي كل باغٍ، وكان الله ـ عز وجل ـ له ناصراً وظهيراً .. عندما تنفتح على الله، فإنّ قوة الله فوق قوة المخلوقين، ورعايته فوق رعايتهم، وإعزازه فوق إعزازهم :"من اتّقى الله يُتّقى، ومن أطاع الله يُطاع، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين، ومن أسخط الخالق، فقمنٌ أن يحلّ به سخط المخلوقين"، أي أنك إذا أسخطت ربك، فإن الله قد يلقي في قلوب المخلوقين الذين فضّلتهم على الله السخط عليك.
وقد كتب أمير المؤمنين(ع) إلى محمد بن أبي بكر: "إن استطعت أن لا تسخط ربك برضا أحد من خلقه فافعل ـ حاول في كل المواقف، إذا ما وقفت بين رضا الناس ورضا الله، أن لا تسخط الله برضا أحد من خلقه ـ فإن في الله ـ عز وجل ـ خلفاً من غيره ـ أتخاف إذا أسخطت الخلق أن تفقد بعض حاجاتك وفرصك، فالله هو وليّ الحاجات والفرص كلها.. ارجع إليه واطلب رضاه، فإنه هو الذي يعطيك ذلك كله ـ وليس في شيء غيره خلف منه"، فإن الله إذا أراد أن يمنعك من شيء فلن يستطيع أحد أن يعطيك، وإذا أراد أن يعطيك شيئاً فلن يستطيع أحد أن يمنعك.. يا من يكفي من كل شيء ولا يكفي منه شيء.
وعلينا أن ننطلق في هذا الاتجاه لنربّي أنفسنا على ذلك، وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين(ع) في حديثه عن صفات المتقين: "عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم".. عندما تقف بين الكبير والصغير، بين الحقير والعظيم، فمن تقدّم؟! من الطبيعي أن تقدم الكبير والعظيم، ومشكلتنا أننا لا نعرف الله في مواقع عظمته، ولذلك تمتلىء قلوبنا بعظمة المخلوقين وتفرغ من عظمة الله تعالى، ونخاف من المخلوقين ما لا نخافه من الله، ونرغب منهم ما لا نرغب منه تعالى، والله هو مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممّن يشاء، ويعزّ من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.
الابتعاد عن الأهواء
وأراد أحد الأئمة(ع) أن يؤكد للإنسان أن يدرس حقيقته، لأنّ الناس لا ميزان لهم في عملية المدح والذم، فهم ينطلقون غالباً من شهواتهم وتعقيداتهم ووساوسهم. وهذا ما أشار إليه علي(ع) في وصيته لابنه الحسن(ع): "فما قيامك لقوم إن كنت عالماً عابوك ولم يحترموا علمك، وإن كنت جاهلاً تركوك لجهلك، وإن طلبت العلم قالوا متكلّف متعمّق، وإن تركت طلب العلم قالوا عاجزٌ غبيّ، وإن تخففت لعبادة ربك قالوا متصنّع مرائي، وإن لزمت الصمت قالوا أبكم، وإن نطقت قالوا مهزار، وإن أنفقت قالوا مسرف، وإن اقتصدت قالوا بخيل، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك ـ قاطعوك ـ، وإن لم تعتد بهم كفّروك، فهذه صفة أهل زمانك".
وشكا علقمة، أحد أصحاب الإمام الصادق(ع)، إلى الصادق من ألسنة الناس، فقال(ع): "إن رضا الناس لا يُملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحجج الله(ع)" .. ألم ينسبوا إلى نبيّنا محمد(ص) أنه شاعر مجنون، وما قالوا في الأوصياء أكثر من ذلك، إن ألسنة الناس التي تتناول ذات الله ـ تعالى ذكره ـ بما لا يليق بذاته، كيف تحبس عن تناولكم ما تكرهونه؟!!
إن قيمة الحياة في إنسانية الإنسان هي أن يؤمن بمبدأ، وأن يكون له دين، ويلتزم بخط، وبذلك يحترم الإنسان نفسه ومصيره، لأن الإنسان عندما يحدّق بالناس ليرضى عنه فلان وفلان، فإنه لا يستطيع أن يرتكز على قاعدة، ولا يقف على أساس، لأن الناس يختلفون في أفكارهم، وفي لذاتهم وشهواتهم ومواقفهم، لذلك فليحاول الناس أن يرضوا ربهم .. صانع وجهاً واحداً يكفك الوجوه.
إن نبيّنا(ص) عندما ذهب إلى الطائف ورماه مشركو الطائف ولاحقوه بالسباب والشتائم، خرج من بلدهم وأسند ظهره إلى شجرة، ودعا ربّه: "إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي". لا قيمة للناس، إنهم يموتون ويقفون أمام الله غداً، ولكنّ الله هو الباقي والدائم والحيّ، وهو الذي تقف بين يديه غداً: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.
الالتزام بطاعة الله
فلنحاول ـ أيها الأحبة ـ ونحن لا نزال في الحياة، تتردّد أنفاسنا، وتحيا أعضاؤنا، فلنحاول، ونحن في الصحة قبل السقم، وفي الحياة قبل الموت، أن نرتّب أشغالنا مع الله، وأن نحضّر لكل سؤال جواباً، وأن نفكر في المصير، لأن هؤلاء الناس الذين ترضونهم بسخط الله، سوف لن يرضوا عنكم إذا لم تستسلموا لهم في كل شيء، ورضا الله فوق ذلك. إذا أردت العزة منهم فإن العزة بيد الله، وإذا أردت القوة منهم فإن القوة لله جميعاً، وإذا أردت الغنى منهم، فإن الغنى من الله في كل الأمور.
أيّها الأحبة، إن الإمام الحسن(ع) قال: "من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته"، وقال زين العابدين(ع): "اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك، وأقبلت بكلي عليك، وصرفت وجهي عمّن يحتاج إلى رفدك، وقلبت مسألتي عمّن لا يستغني عن فضلك، ورأيت أن طلب المحتاج إلى المحتاج سفهٌ من رأيه، وضلّة من عقله، فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، وراموا الثروة من سواك فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضعوا، فصحّ بمعاينة أمثالهم، حازمٌ وفّقه اعتباره، وأرشده إلى طريق صوابه اختياره".
لقد قضينا في شهر رمضان ليله ونهاره، في الصيام والقيام والدعاء والابتهال، ووقفنا بين يدي الله نطلب مرضاته، فلا تضيعوا شهر رمضان، احبسوه في عقولكم حتى تكون رمضانية في معنى الرسالة، ولا تخرجوه من قلوبكم، حتى يبقى رمضان في قلوبكم سرّ المحبة لله ولأوليائه، لا تخرجوه من حياتكم، إنما هو عيدٌ لمن قبل الله صيامه وقيامه، وقد قال علي(ع): "وكلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد". حوّلوا أيامكم أعياداً، بالطاعة والمحبة وبالخير والعيش مع الله في كل مواقع الحياة، ولا شيء إلا الله، هو وحده، ولا شيء إلا رضاه، وكل السعادة في رضاه.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتّقوا الله وتحركوا في مواقع رضاه، وانطلقوا في الحياة على أساس أن تفكروا أنها مسؤوليتكم أمام الله. لكلّ منا موقع، وعليه أن ينظم موقعه بحسب ما يريد الله منه، ولكلّ منا موقف ودور، وعلى كلّ منا أن يحدّد موقفه ودوره في خط الله.
والله يريد للإنسان أن يصلح أمره وأمور الناس من حوله، فلنفكر دائماً، قبل أن نقول الكلمة، أو نقوم بالعمل، وقبل أن نتخذ موقفاً، وقبل أن نأكل أو نشرب أو نتلذّذ، ما هو رضا الله في ذلك كله.. أن نفكر أننا مسؤولون عن ذلك كله.
اجعلوا الإيمان يشرق في قلوبكم، وينمو في عقولكم، ويتحرك في حياتكم، إن المؤمن لا يفكر إلا بالله، وعندما يفكر بالناس فإنه يفكر بهم من طريق الله. إذا أردت أن تُدخِل أحداً في قلبك فأدخله من خلال محبة الله، وإذا أردت أن تتبع أحداً في حياتك، ففكّر كيف يسير بك إلى مرضاة الله.
لقد أراد الله لنا أن نحبه، نعشقه، نذوب بين يديه، ننسحق، نسجد، نعفّر جباهنا في الأرض تواضعاً له وخشيةً منه، نحني ظهورنا بالركوع، حتى نعيش هذه العبودية له، ونكون الأحرار أمام الكون كله والناس كلهم.
إن مشكلة الكثير من الناس أنهم الأحرار أمام الله والعبيد أمام خلقه، فمنّا من تستعبده شهوته، ومنا من يستعبده ماله، ومنا من يستعبده المستكبرون والظالمون والأقوياء.
إن علينا أن نعيش العبودية لله فلا نرى غيره، {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلاّ الله وكفى بالله حسيباً}، من خلال محبتنا لله، وخضوعنا له، وتوحيدنا له، نستطيع أن نكون الأحرار أمام العالم كله، وأن نؤكد حريتنا أمام المستكبرين والظالمين والمترفين، ليكون كل إنسان حراً في عقله وقلبه وحياته، وأن نعيش الحب لكل الناس، حتى لو أبغضنا الآخرون، وقد جاء في حديث علي(ع): "احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك"، لأن الإنسان الذي يحب في الله ويبغض في الله، هو الإنسان الذي يرضى الله عنه ويحبه.
علينا أن نزرع الحب في قلوبنا وفي حياتنا، وأن نزرعه عندما نختلف لنتحاور في ما اختلفنا عليه، وعندما نتنازع، لنحوّل نزاعنا إلى وسيلة من وسائل التفاهم.
أيها الأحبة، إن الحياة قصيرة قصيرة، لا تتحمّل حقداً ولا بغضاً ولا عداوة من كلّ أحد، وعلينا من خلال ذلك أن نقف ضد المستكبرين والظالمين وصانعي المشاكل والمآسي للإنسان، لأن الله لا يحب كل هؤلاء.. إنّ علينا أن نتحرك في هذا الاتجاه، ومن خلال ذلك علينا أن نعي جيداً كيف يدبّر لنا المستكبرون الخطط التي تسقط حياتنا، فماذا هناك؟!
الواقع العربي.. تعقيدات وأزمات
لا تزال الصورة في الموقف العربي أمام إسرائيل هي صورة الأنظمة التي لا تملك الالتزام بشعاراتها ومواقفها في ساحة التحديات، فهي تقدم التنازلات في كل يوم وذلك بالتخلي عن وحدة القضية العربية، وعن الموقف العقائدي لتحرير فلسطين، ليتفرغ كل بلد لمهماته الخاصة، وليستسلم كل فريق لتعقيداته العربية في مواجهة بلد عربي آخر، ما عطل أي تضامن عربي، أو أي تنسيق بين العرب في القضايا الكبيرة، وهذا ما جعل العرب يدخلون مرغمين في عملية التسوية، ممزقين لاهثين، فمنهم من أسقط الموقف كلياً بالصلح المنفرد، ومنهم من قدم التنازلات ودفع الثمن مقدماً من دون الحصول على شيء، ومنهم من دخل مع العدوّ من ألف شبّاك في مشاريع التطبيع منتظرين الفرصة للدخول إليه من الباب الواسع.. وبقي الشعب الفلسطيني يغرق في أزماته المتلاحقة بفعل قيادته المنحرفة المرتبكة.. وتُركت سوريا في خط مواجهة العدوّ تحت تأثير الضغوط الهائلة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبقي لبنان في خط المقاومة ضد الاحتلال، في الوقت الذي يتحرك العدوّ بكل أسلحته في عملية عدوان مستمر.
في التسوية قوة لإسرائيل
لقد عملت اللعبة الأمريكية ـ الإسرائيلية على إبقاء التسوية كخيار للمرحلة.. أما المظاهرات الأخيرة لليهود في فلسطين المحتلة والرافضة للانسحاب، فهي دليل إضافي يثبت للعالم أن الحقد اليهودي والعنصرية الإسرائيلية لا تزالان تمثلان الوجه البشع لإسرائيل.
إن المستقبل لن يتحرك في اتجاه السلام حتى لو نجحت التسوية، لأن الشعوب العربية لا تزال تعيش القهر السياسي والأمني والاقتصادي أمام الواقع السياسي الجديد الذي ترعاه أمريكا وتخطط له إسرائيل، حتى تحول الكيان الصهيوني إلى قوة عظمى في المنطقة أشبه بأمريكا صغيرة، بحيث تفرض شروطها الأمنية والسياسية والاقتصادية على الواقع العربي كله في مرحلة التسوية وما بعدها، وهذا هو الذي نتمثله في هذه المرحلة في عملية الشد والجذب في المفاوضات السورية - الإسرائيلية، وفي أسلوب النفاق الأمريكي في حركة أمريكا في المفاوضات.. وهذا ما سوف يواجه الموقف اللبناني في المستقبل القريب.
إننا نؤكد أن التسوية مهما كانت النتائج لن تحمل قوة للعرب ، وأن العرب لن يحققوا التوازن في الموقف إلا إذا اكتشفوا سر وحدتهم وتضامنهم في مواجهة الموقف الجديد الذي سوف يتولى التوقيع الأخير على الهزيمة العربية في ساحة الصراع.. وعليهم أن يعرفوا جيداً أن أمريكا سوف تستمر في عملية التمييع والتضييع، لأن هدفها الأول والأخير هو الأمن الإسرائيلي ضد كل أمن عربي وإسلامي. ولا بد أن يكون التعامل معها على أساس أنها ليست الصديق ولا الحليف ولا الوسيط النزيه، بل هي العدو والخصم في جميع الاتجاهات.
بين نجاحات المقاومة وملفات الداخل
وليس بعيداً من ذلك، نجد أن العدوان الإسرائيلي لا يزال مستمراً على الجنوب، ولكن المقاومة تكبر في كل يوم وتتصلب وتواجه التحديات، لتصنع أكثر من هزيمة للعدو والعملاء في أكثر من موقع، حيث نجد أن من نتائج جهادها الترحيب بعودة الأسرى وانتظار تحرير الجميع، أما في الداخل، فتنفتح الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية في الساحة السياسية، لأن هذه الطائفية هي التي تختصر تاريخ الحروب اللبنانية الداخلية، من خلال الثغرات المتنوعة التي تفتح للبنان في كل يوم جرحاً جديداً وتخلق له مشكلة جديدة.. ويبقى الانتظار للخطة الاقتصادية التي تنكبّ فيها الدولة على معالجة المشاكل الشعبية المعيشية على صعيد الأولويات، ويبقى النداء للبنانيين جميعاً أن يتوحدوا على قضاياهم المصيرية في مواجهة الاحتلال والتعقيدات السياسية القادمة من بعيد، فإن ذلك هو الذي يخفف من الخسائر القادمة إذا لم نستطع أن نحصل على الأرباح.
ليكن كل مواطن خفيراً في مواجهة خطط العدوّ، وليكن الشعب كله سدّاً منيعاً أمام كل فتنة قادمة، ولتكن المحبة هي الروح التي تخفق في كل قلب وتنبض في كل شعور. |