29/10/2008

ما تقدّمه إيران إلى سوريا لا يقدّمه الآخرون(4)

ما تقدّمه إيران إلى سوريا لا يقدّمه الآخرون(4)

ما تقدّمه إيران إلى سوريا لا يقدّمه الآخرون(4)


س: يراد من سوريا الانفصال عن إيران الإسلامية، فهل هذا الأمر سهل على السوريين، وهل يملكون القدرة على تنفيذه؟

ج: في تصوّري، أن قضية انفصال سوريا عن إيران لا تملك أية واقعية، لأن سوريا استفادت ـ حتى من الناحية العسكرية والصناعية ـ من علاقتها بإيران وهي تعرف أنها لو انفصلت عن إيران فستفقد أية ورقة يمكن أن تلعب بها، وأن أميركا، وحتى أوروبا، ليست مستعدة لتعوّضها ما تحصل عليه من إيران، أو تمنحها الموقع المميز الذي يمكن أن يحقق لها الدور الكبير في المنطقة، باعتبار أن الكثيرين يقولون إن لسوريا دوراً مميزاً عن الأدوار العربية الأخرى من خلال بعض العناصر التي لا تملكها كالعنصر القومي الذي قد يمثّل الواجهة، وإن لم يمثّل عمقاً كبيراً في هذا المجال.

وإننا نعتقد أن أميركا وإسرائيل والدول الأخرى لا تفكر في انفصال إيران عن سوريا، لأنها ترى أن هذا الأمر غير واقعي، فهي لا تستطيع أن تعطي سوريا ما تقدمه إيران.

نعم هناك قضايا تتصل بلبنان تطلبها الدول الغربية وبعض الدول العربية من سوريا، وهي ألاّ تتدخل في الشأن اللبناني ـ كما يقولون ـ وفي تصوّري أن سوريا لن تتدخل في الشأن اللبناني بالطريقة التي كانت تتدخل فيها. ولكننا نعرف انه في أية دولة مجاورة لدولة أخرى، ولاسيما إذا كانت إحداهما دولة كبرى والثانية صغرى، لا يمكن أن تكون العلاقات فيما بينها حيادية مطلقاً في هذا المجال.

وأما ما يقوله بعض السياسيين عن رفض أن تكون السفارة السورية مركز عنجر وغير ذلك، فإننا نعرف أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا بد من أن تتحرك على أساس حماية مصالحها. ولهذا فليست المسألة كما كانت في الماضي، مع القول أن سوريا لن تكون بعيدة عن الواقع اللبناني بعد معرفة الجميع أن هناك تداخلاً بين الواقع السوري والواقع اللبناني، سواء على مستوى الأمن، بقطع النظر عما يتحدث به البعض عن الدور السوري في شمال لبنان بواقعية أو غيرها. لكن الواقع الموجود هو أن تداخلاً أمنياً واقتصادياً  بين لبنان وسوريا. لذلك عندما تُحدَّد الحدود سوف يعاني الكثيرون من السوريين واللبنانيين من مشكلات كثيرة وخصوصاً من المناطق الحدودية حيث ينطلق اقتصادها ووضعها وحتى حياتها اليومية من سوريا بالنسبة إلى لبنان، ومن لبنان بالنسبة إلى سوريا.

المطلوب أيضاً من سوريا هو أن تخفف ضغطها على العراق، وهو أمر من الممكن أن تصل سوريا وأميركا إلى نتائج بالنسبة إليه ولاسيما أن سوريا بدأت تعاني الإرهاب والتطرف الموجود في العراق، وذلك من خلال التكفيريين الذين إذا كانوا يعتبرون أن محاربة الشيعة تُعتبر هدفاً مقدّساً، فمن الطبيعي في نظرهم أن محاربة العلويين هي قضية أكثر قداسة عندهم.

س: لن تتخذ سوريا قراراً بالانفصال عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن في السياسة كل شيء ممكن، فما هو الثمن الذي ستدفعه سوريا في المقابل، وخصوصاً في لبنان بعدما أصبحت إيران دولة ذات نفوذ كبير فيه، بل اكبر من النفوذ السوري وأقوى؟ وكيف سيكون لبنان بالنسبة إلى سوريا في هذه الحال؟

ج: علينا أن نعرف شيئاً، وهو أن سوريا كدولة تريد أن تحمي نفسها، وان تأخذ موقعاً من مواقع القوة له، ولا يمكن أن تستغني عن أي موقع قريب منها، بقطع النظر عن طبيعة العلاقات بينها وبين هذا الموقع. ولذلك فإنني لا أتصور أن سوريا ـ في المستقبل المنظور ـ يمكن أن تنفصل في علاقاتها مع المقاومة. ونحن نعرف حجم الضغوط التي توجه إلى سوريا من ناحية المقاومة الفلسطينية، لأنها تجمع فصائلها في هذا المقام. فسوريا تعتبر أن هذه الفصائل ـ المقاومة الفلسطينية إن صح التعبير ـ تمثّل مركز قوة لها، لذلك من الصعب أن تقوم بضرب المقاومة الفلسطينية.

ويمكن من خلال بعض التطورات السياسية الموجودة في المنطقة، أن تضغط بعض الضغوط على هذا أو ذاك، وخصوصاً أنها لا تزال تنفتح على السلطة الفلسطينية. أما قضية أن سوريا ترى أن إيران هي أكثر نفوذاً منها في لبنان، فلا أتصور أن المسألة بهذا الحجم، لأن إيران أساساً لا تملك وحدها الساحة اللبنانية بل تملك موقعاً من مواقعها، كما أن سوريا لا تملك كل الساحة اللبنانية وحدها. فهناك توازن بين الموقع السوري والموقع الإيراني، وخصوصاً أن المقاومة تلتقي مع سوريا وإيران معاً التقاءً واقعياً.

س: هل يختل التوازن الداخلي في لبنان عندما يلتقي الموقعان السوري والإيراني، بين الفريق اللبناني المؤيّد لهما والفريق اللبناني الآخر الذي يعارضهما ويؤيد عواصم أخرى؟

ج: علينا ألا ننسى أن الفريق اللبناني الآخر يملك علاقات عربية تتمثل بالسعودية ومصر والأردن وغيرها. فهناك نوع من أنواع الوضع الذي يتبادل كل فريق مع الفريق الآخر بعض مواقع القوة في هذا المجال. إن هذا الانفتاح للمقاومة على سوريا وإيران يقابله انفتاح للأفرقاء اللبنانيين الآخرين على هذه الدولة الغربية والإقليمية أو العربية...

س: لكن برز في الأشهر الستة الأخيرة عدم وجود تكافؤ بين الفريقين اللبنانيين المتقابلين أو المتصارعين، ولأسباب لم تكن داخلية فقط؟

ج: من حيث السلاح ليس هناك تكافؤ، ولكن عندما تتحرك بعض العلاقات السياسية التي تفرضها الظروف الموضوعية التي تحيط بالمنطقة وفي الخطوط العربية والدولية، فإنها تخفف من التأثيرات السلبية لاختلال هذه الموازين في قضية السلاح.

سركيس نعوم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 01 ذو القعدة 1429 هـ  الموافق: 30/10/2008 م

ما تقدّمه إيران إلى سوريا لا يقدّمه الآخرون(4)


س: يراد من سوريا الانفصال عن إيران الإسلامية، فهل هذا الأمر سهل على السوريين، وهل يملكون القدرة على تنفيذه؟

ج: في تصوّري، أن قضية انفصال سوريا عن إيران لا تملك أية واقعية، لأن سوريا استفادت ـ حتى من الناحية العسكرية والصناعية ـ من علاقتها بإيران وهي تعرف أنها لو انفصلت عن إيران فستفقد أية ورقة يمكن أن تلعب بها، وأن أميركا، وحتى أوروبا، ليست مستعدة لتعوّضها ما تحصل عليه من إيران، أو تمنحها الموقع المميز الذي يمكن أن يحقق لها الدور الكبير في المنطقة، باعتبار أن الكثيرين يقولون إن لسوريا دوراً مميزاً عن الأدوار العربية الأخرى من خلال بعض العناصر التي لا تملكها كالعنصر القومي الذي قد يمثّل الواجهة، وإن لم يمثّل عمقاً كبيراً في هذا المجال.

وإننا نعتقد أن أميركا وإسرائيل والدول الأخرى لا تفكر في انفصال إيران عن سوريا، لأنها ترى أن هذا الأمر غير واقعي، فهي لا تستطيع أن تعطي سوريا ما تقدمه إيران.

نعم هناك قضايا تتصل بلبنان تطلبها الدول الغربية وبعض الدول العربية من سوريا، وهي ألاّ تتدخل في الشأن اللبناني ـ كما يقولون ـ وفي تصوّري أن سوريا لن تتدخل في الشأن اللبناني بالطريقة التي كانت تتدخل فيها. ولكننا نعرف انه في أية دولة مجاورة لدولة أخرى، ولاسيما إذا كانت إحداهما دولة كبرى والثانية صغرى، لا يمكن أن تكون العلاقات فيما بينها حيادية مطلقاً في هذا المجال.

وأما ما يقوله بعض السياسيين عن رفض أن تكون السفارة السورية مركز عنجر وغير ذلك، فإننا نعرف أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول لا بد من أن تتحرك على أساس حماية مصالحها. ولهذا فليست المسألة كما كانت في الماضي، مع القول أن سوريا لن تكون بعيدة عن الواقع اللبناني بعد معرفة الجميع أن هناك تداخلاً بين الواقع السوري والواقع اللبناني، سواء على مستوى الأمن، بقطع النظر عما يتحدث به البعض عن الدور السوري في شمال لبنان بواقعية أو غيرها. لكن الواقع الموجود هو أن تداخلاً أمنياً واقتصادياً  بين لبنان وسوريا. لذلك عندما تُحدَّد الحدود سوف يعاني الكثيرون من السوريين واللبنانيين من مشكلات كثيرة وخصوصاً من المناطق الحدودية حيث ينطلق اقتصادها ووضعها وحتى حياتها اليومية من سوريا بالنسبة إلى لبنان، ومن لبنان بالنسبة إلى سوريا.

المطلوب أيضاً من سوريا هو أن تخفف ضغطها على العراق، وهو أمر من الممكن أن تصل سوريا وأميركا إلى نتائج بالنسبة إليه ولاسيما أن سوريا بدأت تعاني الإرهاب والتطرف الموجود في العراق، وذلك من خلال التكفيريين الذين إذا كانوا يعتبرون أن محاربة الشيعة تُعتبر هدفاً مقدّساً، فمن الطبيعي في نظرهم أن محاربة العلويين هي قضية أكثر قداسة عندهم.

س: لن تتخذ سوريا قراراً بالانفصال عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن في السياسة كل شيء ممكن، فما هو الثمن الذي ستدفعه سوريا في المقابل، وخصوصاً في لبنان بعدما أصبحت إيران دولة ذات نفوذ كبير فيه، بل اكبر من النفوذ السوري وأقوى؟ وكيف سيكون لبنان بالنسبة إلى سوريا في هذه الحال؟

ج: علينا أن نعرف شيئاً، وهو أن سوريا كدولة تريد أن تحمي نفسها، وان تأخذ موقعاً من مواقع القوة له، ولا يمكن أن تستغني عن أي موقع قريب منها، بقطع النظر عن طبيعة العلاقات بينها وبين هذا الموقع. ولذلك فإنني لا أتصور أن سوريا ـ في المستقبل المنظور ـ يمكن أن تنفصل في علاقاتها مع المقاومة. ونحن نعرف حجم الضغوط التي توجه إلى سوريا من ناحية المقاومة الفلسطينية، لأنها تجمع فصائلها في هذا المقام. فسوريا تعتبر أن هذه الفصائل ـ المقاومة الفلسطينية إن صح التعبير ـ تمثّل مركز قوة لها، لذلك من الصعب أن تقوم بضرب المقاومة الفلسطينية.

ويمكن من خلال بعض التطورات السياسية الموجودة في المنطقة، أن تضغط بعض الضغوط على هذا أو ذاك، وخصوصاً أنها لا تزال تنفتح على السلطة الفلسطينية. أما قضية أن سوريا ترى أن إيران هي أكثر نفوذاً منها في لبنان، فلا أتصور أن المسألة بهذا الحجم، لأن إيران أساساً لا تملك وحدها الساحة اللبنانية بل تملك موقعاً من مواقعها، كما أن سوريا لا تملك كل الساحة اللبنانية وحدها. فهناك توازن بين الموقع السوري والموقع الإيراني، وخصوصاً أن المقاومة تلتقي مع سوريا وإيران معاً التقاءً واقعياً.

س: هل يختل التوازن الداخلي في لبنان عندما يلتقي الموقعان السوري والإيراني، بين الفريق اللبناني المؤيّد لهما والفريق اللبناني الآخر الذي يعارضهما ويؤيد عواصم أخرى؟

ج: علينا ألا ننسى أن الفريق اللبناني الآخر يملك علاقات عربية تتمثل بالسعودية ومصر والأردن وغيرها. فهناك نوع من أنواع الوضع الذي يتبادل كل فريق مع الفريق الآخر بعض مواقع القوة في هذا المجال. إن هذا الانفتاح للمقاومة على سوريا وإيران يقابله انفتاح للأفرقاء اللبنانيين الآخرين على هذه الدولة الغربية والإقليمية أو العربية...

س: لكن برز في الأشهر الستة الأخيرة عدم وجود تكافؤ بين الفريقين اللبنانيين المتقابلين أو المتصارعين، ولأسباب لم تكن داخلية فقط؟

ج: من حيث السلاح ليس هناك تكافؤ، ولكن عندما تتحرك بعض العلاقات السياسية التي تفرضها الظروف الموضوعية التي تحيط بالمنطقة وفي الخطوط العربية والدولية، فإنها تخفف من التأثيرات السلبية لاختلال هذه الموازين في قضية السلاح.

سركيس نعوم

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 01 ذو القعدة 1429 هـ  الموافق: 30/10/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية