المقاومة ليست خاضعة لقرارات إيرانية (3)
س: ما رأيكم في كلام البعض في لبنان أن إسرائيل لم تنتصر وكذلك المقاومة وأنه دفعة على الحساب لأميركا وغير أميركا؟
ج: هذا الكلام يدل على وجود عقدة من انتصار المقاومة. وأكاد أقول إن المشكلة أن العرب ومنهم فريق من اللبنانيين أدمنوا الهزيمة ويخافون أن يكونوا قوة ويحققوا انتصاراً.
س: ما يجري في المنطقة هو مواجهة إقليمية ودولية يمثل لبنان إحدى ساحاتها البارزة، واللبنانيون بما فيهم المقاومة جزء منها، وإذا اقتضت هذه المواجهة حرباً، فهل يستطيع "حزب الله" أن يقول لا للاشتراك فيها رغم إنها قد تكون على حساب لبنان؟ وهل يقبل اللبنانيون دماراً واسعاً، بل أوسع هذه المرة من دمار 2006؟
ج: هذه الفرضية تجريدية وليس لها أي واقعية، لأننا عندما ندرس المرحلة الدولية قياساً على تلك التي كانت خلال حرب تموز نجد أن الإدارة الاميركية الحالية تلفظ أنفاسها الأخيرة، حتى أن كثيرين يخشون ألا يبقى من الخطوط التي تمثّل مصالحها أي شيء في حال خسارة الحزب الجمهوري الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتصار الحزب الديموقراطي. ونحن كنا نتابع التصريحات الاميركية التي تتحدث عن رفض أية حرب إسرائيلية ضد إيران. حتى إننا قرأنا في تصريحات الإسرائيليين أن أميركا منعتهم من أن يقصفوا المشروع النووي الإيراني، ما يعني انه ليست هناك حرب في المنطقة.
أيضاً وجود بعض الأجواء لقيام علاقات أميركية ـ إيرانية، وإن كانت غير سريعة، فإنّ أمريكا، وخصوصاً الديموقراطية، قد تفكّر أن مصلحتها تكمن في مفاوضة إيران المستعدة للمفاوضات بشروط تنسجم مع مواقعها الاستقلالية والسيادية. وأما سوريا، فقد استطاعت اختراق الحواجز التي وضعت بينها وبين أوروبا.
ونحن نرى سولانا يزور سوريا ويتحدث بلهجة مختلفة مشيداً بالعلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا. وهو تحدث أيضاً عن مسألة ترسيم الحدود والعلاقة الاميركية ـ السورية من جهة العراق، وهذا طبيعي لإظهار أن أميركا لم تغير موقفها من سوريا لأن المسألة تتصل وتتحرك بشكل تدريجي، وخصوصاً مع لقاء رايس – المعلم في أميركا. إن هذه الأجواء في المنطقة، إضافة إلى التصريحات الصادرة عن بعض وزراء خارجية الدول العربية التي تعيش عقدة ومشكلة مع سوريا توحي بأن الفرصة القريبة لإعادة العلاقات، كما أن الأزمة المالية التي هزّت أميركا وأوروبا والعالم، بما فيه العربي، توحي بالأمر نفسه.
هذا الواقع يقابله الواقع اللبناني المنطلق من المصالحات التي لا عمق لها لأنها لم تنطلق من حالة عادية لبنانية، بل من خلفيات دولية وعربية. فعندما نلاحظ هذا الجو في المصالحات والفوضى الموجودة في السياسة اللبنانية وخصوصاً داخل المناطق المسيحية ـ الإسلامية التي تتجه الآن إلى ترتيب البيت الإسلامي ومعالجة مسألة 7 أيار، نجد أن المرحلة لا تحمل أية بوادر للحروب لا حرب إقليمية ولا حرب لبنانية – لبنانية في هذا المجال. لذلك فإنّ فرضية وقوع حرب وماذا سيفعل "حزب الله" في هذه الحال هي فرضية تجريدية، وخصوصاً أننا نعرف أن حزب المقاومة لا يفكر في إيجاد ظروف حرب استباقية. فهو يعرف انه قد يحقق شيئاً من الانتصار في أي حرب، لكنه يعرف أيضاً أن ذلك سيدمّر لبنان وبما قد لا يتحمله الشعب اللبناني وحتى الجنوبي.
صحيح أن هناك صين قوية وروسيا قوية، ولكنهما لا تزالان تحاذران تعقيد علاقاتهما مع أميركا، لأنّ مصالحهما لا تزال في الساحة الاميركية من الناحية الاقتصادية وغيرها". حتى أن القوة الصينية والقوة الدولية ستتأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية الكبيرة كما أن فورة النفط التي مكنت أصحاب القوة الثانية، أي روسيا، من الارتياح والعودة إلى ممارسة سياسة الدولة العظمى المواجهة لأميركا قد تهدأ مع انخفاض الأسعار.
س: المصالحات التي جرت الآن، قد يكون سببها انتظار المحورين الإقليمي والدولي لتطوراتٍ عدة وعدم حاجتهما إلى دماء اللبنانيين ودمار بلادهم في هذه المرحلة، لأن ذلك قد يعطل مشاريعها في المنطقة، لكن السؤال غير التجريدي هو: ماذا إذا انتهت فترة الانتظار ولم تكن نتائجها في مستوى طموحات إيران؟ ماذا تفعل؟ فهل "حزب الله" جزء من مشروع إيران أم لا؟ وهل سوريا حليفة لإيران الإسلامية أم لا؟ وفي ظل تحالف كهذا هل يمكن "حزب الله" تجنب الاشتراك في حرب أو مواجهة تقررها إيران أو سوريا أو تشنّانها رداً على استهداف عسكري لهما ضد أميركا وإسرائيل وغيرهما؟
ج: بداية، من الطبيعي أن علاقة المقاومة بإيران ليست علاقة العبد بالسيد، وليست الجهة التي تنتظر الأوامر عندما تخوض حرباً أو تنطلق إلى السلم. وقد نقل إلينا من بعض المطلعين على الوضع في إيران أن أعلى موقع في إيران قال لمسؤولين تنفيذيين ألا يتدخلوا في قرارات "حزب الله" لأنه بلغ الرشد السياسي. فالمقاومة الإسلامية في لبنان ليست مقاومة إيرانية، ولكن هناك علاقات طبيعية لا تجعل المقاومة خاضعة لقرارات إيرانية. إضافة إلى أن السياسة الإيرانية سواء الإصلاحية أو المحافظة تشير إلى الرشد السياسي لدى الإيرانيين والتي تحاذر إيجاد أية ظروف لأي حرب، حتى أن ما نشر أخيراً في وسائل الإعلام من أن إيران تسعى إلى حرب استباقية ضد إسرائيل، هو كلام للاستهلاك وليس واقعياً في هذا المقام.
فهذه المسألة ليست واردة في الحساب لا لجهة المقاومة ولا لجهة إيران. فإيران تعرف أن خوض المقاومة أي حرب في الظروف الحاضرة سوف يؤدي إلى نتائج سلبية عليها، وخصوصاً فيما يتعلق بالمسألة الشعبية وغيرها، لأن الأميركيين والإسرائيليين استوعبوا الدرس الذي تعلموه من حرب تموز. ولهذا فهم يبحثون عن تجربة ودروس أخرى قد تكون أكثر قسوة في هذا المقام.
أما موضوع سوريا فإني أتصور أن سوريا فتحت على إسرائيل وإن كان الانفتاح بشكل غير مباشر، وإسرائيل تتحدث بلسان وزير دفاعها عن ضرورة التحرك من اجل إيجاد صلح مع سوريا... وهو ما جعل سياسة الإدارة الأميركية أكثر قرباً من الجو السوري، باعتبار أن أميركا تربط حركتها السياسية بالسلام الإسرائيلي في المنطقة. إن سوريا وإيران لا تملكان الآن ظروفاً أو خطة تجعلهما تتحركان في أية حرب جديدة.
وأعتقد أن الانتخابات الاميركية الرئاسية، إذا نجح الديموقراطيون فيها، سوف تجعل المرحلة المقبلة في المنطقة سلمية لا حربية، باعتبار أن الرأي العام الأميركي ومعه الحلف الأطلسي بقيادة أميركا يشعران الآن بالإحباط أمام الهزيمة التي يواجهان مفاعيلها في أفغانستان، وكذلك في العراق الذي أرادت أميركا الحصول على اتفاق امني معه بشروطها قبل انتهاء الولاية الدولية لقواتها فيه والذي قد لا يتم في شكل سريع.
إن هذا الواقع يمكن أن يتحرك مع ملاحظة دخول الصين على خط أفريقيا وربما على خط المنطقة، ومحاولة روسيا استعادة مواقعها التي كانت تملكها أيام الاتحاد السوفياتي من قبيل تحالفها مع سوريا وإيران وانطلاقها نحو المياه الدافئة.
إن هذه المرحلة ليست مرحلة حرب لوقت طويل، لأنه ليست هناك أية مصالح اقتصادية أو أمنية أو سياسية تسمح بالجنون الذي كان يمارسه بوش، والذي أدى إلى إسقاطه وإسقاط العنفوان الأميركي.
سركيس نعوم
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 30 شوال 1429 هـ الموافق: 29/10/2008 م