المرحلة السابقة إقليمية ـ دولية ولبنان كان ساحة
(1)
لم ينقطع التواصل والصداقة المزمنة مع المرجع الديني العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، الأبرز في التيارات الإسلامية الشيعية اللبنانية، لكن انعكاس هذين التواصل والصداقة في "الموقف هذا النهار" انقطع منذ حرب تموز 2006 ولأسباب عدة، منها ما يتعلق بانشغاله بمؤسساته الخيرية المتعددة التي "ظنتها" إسرائيل مراكز صاروخية لـ"حزب الله" فدمرتها مثلما دمّرت الجسور والمنشآت المدنية ومنازل الناس الآمنين في أكثر من منطقة لبنانية، ومنها ما يتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية التي سادت البلاد منذ ذلك التاريخ والتي يقتضي الإنصاف والصدق الإشارة إلى أن قراءتها لم تكن واحدة رغم الوحدة معه في مواقف أساسية كثيرة. وقد عبّر عن ذلك في مجلسه يوم عيد الفطر المبارك إذ قال، إن الاختلاف السياسي لا يفسد للود قضية ولا يعطل صداقة وثقة عمرهما نحو ربع قرن أو أكثر. وكان ردي: مولانا أنت لست صديقاً لي فقط بل مرجع كما لغيري في النزاهة وحرية التفكير وحرية الضمير. ومنها أخيراً ما يتعلق بوضعه الصحي الذي كان يسوء أحياناً لانكبابه على العمل بهمة ابن عشرين والذي رغم إزعاجاته لم يوح يوماً إليه والى محبيه بالكثير من القلق.
في اختصار كان لا بد من العودة إليه أو بالأحرى من إعادة إطلاع القراء على رؤيته إلى الحوادث الدائرة في لبنان والمنطقة والى تفسيره لها ولأسبابها ودوافعها وخلفياتها. كما كان لا بد من محاولة استشراف المستقبل معه، مستقبل الوطن الصغير، أي لبنان، ومستقبل الوطن الكبير، أي العالم العربي، ومستقبل الأمة، أي العالم الإسلامي، وكل ذلك انطلاقاً من اقتناع عندي وعند الناس بسعة إطلاعه ومعرفته، وبوفرة معلوماته ومعطياته، وقبل ذلك بإصراره الدائم على الاطلاع على كل كبيرة وصغيرة في هذا العالم الصغير بالكثير من قادته والكبير بأزماته والمشكلات.
كانت بداية العودة، سؤالاً عن الاتجاه الذي سيقود إليه "حزب الله" الطائفة الشيعية بعدما صار قائدها الفعلي في أعقاب صموده في حرب تموز 2006م أمام إسرائيل ومَنْعِها من الانتصار عليه وعلى لبنان وبعدما صارت هذه الطائفة الرقم الصعب في لبنان سواء بسبب نموها الديموغرافي السريع أو بسبب عسكرتها والدعم الواسع الذي تلقاه عبر الحزب من الخارج. وكانت البداية.
س: إلى أين يتجه حزب الله بلبنان، وإلى أين يتجه لبنان؟
ج: "عندما نتطلع إلى ما حصل في تموز 2006 نلاحظ أن المرحلة التي فرضت هذا الحدث لم تكن مجرّد مرحلة لبنانية يقودها حزب لبناني، وإنما كانت جزءاً من مشروع كبير للمنطقة، في محاولة تحجيم وضع معيّن وتكبير وضع آخر... لأننا عندما ندرس الخطوط السياسية لما خطّطت له أميركا للمنطقة قبل أحداث تموز، والتي تمحورت حول ترتيب المنطقة على صورة سياستها في ما يتعلق بمصالحها الاقتصادية من جهة، وباستراتيجيتها الأمنية والسياسية من جهة أخرى. والتي عبّرت عنها بمشروع الشرق الأوسط الكبير، نرى أن هذا المشروع لا يتناسب مع فريق لبناني يمتد في بعض مؤشراته إلى مساحة أكبر من لبنان، وهي المساحة العربية والإسلامية التي لا تزال فيها بقايا من الروح الرافضة للسياسة الاميركية والتي ربّما كانت من بقايا حركة عبد الناصر من جهة، وحركة الثورة الإسلامية في إيران من جهة أخرى.
هذا فضلاً عن الأحزاب اليسارية التي ضعفت ولكنها بقيت تتطلّع إلى أن يكون لها دور في هذا الخطّ السياسي المضاد للسياسة الاميركية في هذا المجال. وقد لاحظنا أن الإدارة الاميركية الحالية تحدّثت بشكل أكثر خطورة عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، عندما قال الرئيس بوش: "أن لبنان هو جزء من الأمن القومي الأميركي" ما يعني أن لبنان، هذا البلد الصغير، يتحرك في خطوطه السياسية المحلية وفي امتداداته الصراعية من خلال علاقة بعض الفرقاء اللبنانيين، سواء الملتزمين بالسياسة الإيرانية ـ السورية أو بالسياسة العربية المصرية ـ السعودية أو بالسياسة الدولية، يتحرك على أساس الصراعات المتعلقة بالمصالح حتى بين الحلفاء.
وأضاف: نحن نعرف أن هناك تحالفاً أوروبياً ـ أميركياً، ومع ذلك فإن أوروبا عندما تتدخل في لبنان فإنها تتدخل من أجل مصالحها وليس لمصلحة أميركا، وأيضاً أميركا عندما تتدخل، تتدخل لمصالحها وليس لمصلحة أوروبا وتحاول الضغط من خلال نفوذها على بعض المواقع هنا وهناك. وقد لاحظنا التجاذب بين السياسة الإيرانية والسعودية والتعقيدات التي حصلت بين السياسة السعودية والسورية، مع ملاحظة دور مصر التي ظهرت حائرة بين هذه المواقع السياسية، وكادت تفقد شخصيتها بالحجم الذي تمثله كأكبر دولة عربية، وكموقع إسلامي متقدّم وكذلك كموقع إقليمي أفريقي متقدم.
فالمرحلة التي مرّت لم تكن مرحلة لبنانية، بل كانت مرحلة إقليمية ـ دولية وكان دور لبنان هو دور الساحة التي تمنح هذا المحور شيئاً يسهّل له طريقه، وترفض دوراً لجهة أخرى في هذا المجال. ومن الطبيعي جداً أن وجود المقاومة التي كانت مقاومة فلسطينية ويسارية ولكنها تحوّلت مقاومة إسلامية وشيعية، بحسب المصطلح، أدى إلى التزام أميركا أكثر بإسرائيل أكثر وبشكل مطلق، حيث باتت سياستها الإسرائيلية تُحدِّد لها السياسة في المنطقة، وبما لا يبتعد عن مصالح أميركا.
ولكن بشكل عام أصبح هناك شبه انطباع عند الناس أنه إذا تعارضت السياسة الإسرائيلية والمواقف الاميركية، فإن هذه الإدارة قد تقدم الموقف المتعلّق بالسياسة الإسرائيلية على موقفها ـ مع فرضية وجود نوع من أنواع الاختلاف ـ ما بين السياستين... ولهذا فإن مسألة وجود المقاومة في لبنان سواء أقلنا إسلامية أم وطنية، وخصوصاً ارتباطها من ناحية السلاح والدعم السياسي بسوريا وإيران اللذين يمثلان الموقعين اللذين تعمل أميركا على تطويقهما، دفعا الأخيرة إلى محاولة منعهما من الامتداد وخصوصاً في لبنان.
سركيس نعوم
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 28 شوال 1429 هـ الموافق: 27/10/2008 م
المرحلة السابقة إقليمية ـ دولية ولبنان كان ساحة
(1)
لم ينقطع التواصل والصداقة المزمنة مع المرجع الديني العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، الأبرز في التيارات الإسلامية الشيعية اللبنانية، لكن انعكاس هذين التواصل والصداقة في "الموقف هذا النهار" انقطع منذ حرب تموز 2006 ولأسباب عدة، منها ما يتعلق بانشغاله بمؤسساته الخيرية المتعددة التي "ظنتها" إسرائيل مراكز صاروخية لـ"حزب الله" فدمرتها مثلما دمّرت الجسور والمنشآت المدنية ومنازل الناس الآمنين في أكثر من منطقة لبنانية، ومنها ما يتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية التي سادت البلاد منذ ذلك التاريخ والتي يقتضي الإنصاف والصدق الإشارة إلى أن قراءتها لم تكن واحدة رغم الوحدة معه في مواقف أساسية كثيرة. وقد عبّر عن ذلك في مجلسه يوم عيد الفطر المبارك إذ قال، إن الاختلاف السياسي لا يفسد للود قضية ولا يعطل صداقة وثقة عمرهما نحو ربع قرن أو أكثر. وكان ردي: مولانا أنت لست صديقاً لي فقط بل مرجع كما لغيري في النزاهة وحرية التفكير وحرية الضمير. ومنها أخيراً ما يتعلق بوضعه الصحي الذي كان يسوء أحياناً لانكبابه على العمل بهمة ابن عشرين والذي رغم إزعاجاته لم يوح يوماً إليه والى محبيه بالكثير من القلق.
في اختصار كان لا بد من العودة إليه أو بالأحرى من إعادة إطلاع القراء على رؤيته إلى الحوادث الدائرة في لبنان والمنطقة والى تفسيره لها ولأسبابها ودوافعها وخلفياتها. كما كان لا بد من محاولة استشراف المستقبل معه، مستقبل الوطن الصغير، أي لبنان، ومستقبل الوطن الكبير، أي العالم العربي، ومستقبل الأمة، أي العالم الإسلامي، وكل ذلك انطلاقاً من اقتناع عندي وعند الناس بسعة إطلاعه ومعرفته، وبوفرة معلوماته ومعطياته، وقبل ذلك بإصراره الدائم على الاطلاع على كل كبيرة وصغيرة في هذا العالم الصغير بالكثير من قادته والكبير بأزماته والمشكلات.
كانت بداية العودة، سؤالاً عن الاتجاه الذي سيقود إليه "حزب الله" الطائفة الشيعية بعدما صار قائدها الفعلي في أعقاب صموده في حرب تموز 2006م أمام إسرائيل ومَنْعِها من الانتصار عليه وعلى لبنان وبعدما صارت هذه الطائفة الرقم الصعب في لبنان سواء بسبب نموها الديموغرافي السريع أو بسبب عسكرتها والدعم الواسع الذي تلقاه عبر الحزب من الخارج. وكانت البداية.
س: إلى أين يتجه حزب الله بلبنان، وإلى أين يتجه لبنان؟
ج: "عندما نتطلع إلى ما حصل في تموز 2006 نلاحظ أن المرحلة التي فرضت هذا الحدث لم تكن مجرّد مرحلة لبنانية يقودها حزب لبناني، وإنما كانت جزءاً من مشروع كبير للمنطقة، في محاولة تحجيم وضع معيّن وتكبير وضع آخر... لأننا عندما ندرس الخطوط السياسية لما خطّطت له أميركا للمنطقة قبل أحداث تموز، والتي تمحورت حول ترتيب المنطقة على صورة سياستها في ما يتعلق بمصالحها الاقتصادية من جهة، وباستراتيجيتها الأمنية والسياسية من جهة أخرى. والتي عبّرت عنها بمشروع الشرق الأوسط الكبير، نرى أن هذا المشروع لا يتناسب مع فريق لبناني يمتد في بعض مؤشراته إلى مساحة أكبر من لبنان، وهي المساحة العربية والإسلامية التي لا تزال فيها بقايا من الروح الرافضة للسياسة الاميركية والتي ربّما كانت من بقايا حركة عبد الناصر من جهة، وحركة الثورة الإسلامية في إيران من جهة أخرى.
هذا فضلاً عن الأحزاب اليسارية التي ضعفت ولكنها بقيت تتطلّع إلى أن يكون لها دور في هذا الخطّ السياسي المضاد للسياسة الاميركية في هذا المجال. وقد لاحظنا أن الإدارة الاميركية الحالية تحدّثت بشكل أكثر خطورة عن مشروع الشرق الأوسط الكبير، عندما قال الرئيس بوش: "أن لبنان هو جزء من الأمن القومي الأميركي" ما يعني أن لبنان، هذا البلد الصغير، يتحرك في خطوطه السياسية المحلية وفي امتداداته الصراعية من خلال علاقة بعض الفرقاء اللبنانيين، سواء الملتزمين بالسياسة الإيرانية ـ السورية أو بالسياسة العربية المصرية ـ السعودية أو بالسياسة الدولية، يتحرك على أساس الصراعات المتعلقة بالمصالح حتى بين الحلفاء.
وأضاف: نحن نعرف أن هناك تحالفاً أوروبياً ـ أميركياً، ومع ذلك فإن أوروبا عندما تتدخل في لبنان فإنها تتدخل من أجل مصالحها وليس لمصلحة أميركا، وأيضاً أميركا عندما تتدخل، تتدخل لمصالحها وليس لمصلحة أوروبا وتحاول الضغط من خلال نفوذها على بعض المواقع هنا وهناك. وقد لاحظنا التجاذب بين السياسة الإيرانية والسعودية والتعقيدات التي حصلت بين السياسة السعودية والسورية، مع ملاحظة دور مصر التي ظهرت حائرة بين هذه المواقع السياسية، وكادت تفقد شخصيتها بالحجم الذي تمثله كأكبر دولة عربية، وكموقع إسلامي متقدّم وكذلك كموقع إقليمي أفريقي متقدم.
فالمرحلة التي مرّت لم تكن مرحلة لبنانية، بل كانت مرحلة إقليمية ـ دولية وكان دور لبنان هو دور الساحة التي تمنح هذا المحور شيئاً يسهّل له طريقه، وترفض دوراً لجهة أخرى في هذا المجال. ومن الطبيعي جداً أن وجود المقاومة التي كانت مقاومة فلسطينية ويسارية ولكنها تحوّلت مقاومة إسلامية وشيعية، بحسب المصطلح، أدى إلى التزام أميركا أكثر بإسرائيل أكثر وبشكل مطلق، حيث باتت سياستها الإسرائيلية تُحدِّد لها السياسة في المنطقة، وبما لا يبتعد عن مصالح أميركا.
ولكن بشكل عام أصبح هناك شبه انطباع عند الناس أنه إذا تعارضت السياسة الإسرائيلية والمواقف الاميركية، فإن هذه الإدارة قد تقدم الموقف المتعلّق بالسياسة الإسرائيلية على موقفها ـ مع فرضية وجود نوع من أنواع الاختلاف ـ ما بين السياستين... ولهذا فإن مسألة وجود المقاومة في لبنان سواء أقلنا إسلامية أم وطنية، وخصوصاً ارتباطها من ناحية السلاح والدعم السياسي بسوريا وإيران اللذين يمثلان الموقعين اللذين تعمل أميركا على تطويقهما، دفعا الأخيرة إلى محاولة منعهما من الامتداد وخصوصاً في لبنان.
سركيس نعوم
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 28 شوال 1429 هـ الموافق: 27/10/2008 م