فضل الله: ليبدأ أوباما من داخل بلاده بسحب قوانين "الاعتقال النفسي" التي طاولت المسلمين |
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه بعض العناوين التي أثارها الرئيس الأميركي أخيراً، جاء فيه:
لقد تركت زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة أكثر من انطباع، في أن شيئاً ما بدأ يتغير في الولايات المتحدة الأميركية، وفي حركة الإدارة الجديدة، ولكنَّ مفاعيل هذا الشيء، وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقة بالعالم العربي والإسلامي لم تتجاوز الخطاب واللغة التي اتسمت بطابع تصالحي، ولكنها بقيت في سياق العموميات التي أحسن الرئيس الأميركي بثها للآخرين، والتي بعث من خلالها برسائل ود للعالمين العربي والإسلامي، من دون أن نتلمّس أية آثار أو نتائج عملية لها إلى الآن...
إن الحديث عن أن الولايات المتحدة الأميركية ليست في حال حرب مع الإسلام، هو حديث جميل، ولكن تترتب عليه سلوكيات ينبغي أن تبدأ عجلتها بالانطلاق، وخصوصاً داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، والتي تشعر فيها الشريحة الإسلامية الكبيرة بأن كل فرد منها متهم حتى يثبت العكس... فإذا كان الرئيس الأميركي في صدد إقفال معتقل "غوانتانامو"... فعليه أن يسارع إلى فك أسر المسلمين داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وأن يخرجهم من دائرة الاعتقال النفسي، ومن الملاحقة القانونية على فرضية الاشتباه التي يعرف الجميع كيف تنطلق بها الأجهزة الأميركية من خلفيات غير إنسانية، وخصوصاً أن الكثير من هؤلاء المسلمين تركوا بلادهم تحت ضغط قوانين الطوارئ والملاحقات الاستخبارية، قاصدين بلاداً اعتقدوا أنها تحمل عناوين الحرية والديمقراطية، وإذا بها تتعامل معهم وفق قوانين العالم الثالث التي وضعها أباطرة وحركتها ديكتاتوريات، اعترف الرئيس الأميركي السابق "بوش" بأن بلاده عملت على حمايتها لما يزيد على 60 سنة.
وإذا كان الرئيس الأميركي "أوباما" يحث بلاده ودول الاتحاد الأوروبي على التعامل مع المسلمين كأصدقاء وجيران وشركاء في التصدي للظلم، فعليه أن يبرهن عن احترامه لهذه الصداقة من خلال سعيه العاجل لسحب القوانين التي تبرر ملاحقتهم ومطاردتهم العشوائية في بلاده. كما أن التزامه المعلن بالعمل ضد الظلم، يفرض عليه أن يرفض الظلم الإسرائيلي المتمثل بالاحتلال وممارساته الوحشية في فلسطين المحتلة، وأن يوقف تزويد هذا الكيان بأسلحة الإبادة التي تُقتل بها شعوبنا في كل يوم، بما فيها القنابل العنقودية التي تلاحق الأطفال والنساء والشيوخ في كل حقول الجنوب وبساتينه ووديانه... والحال أن منظمة العفو الدولية تحدثت في بيان لها قبل أيام عن حصول إسرائيل على شحنة ضخمة من الأسلحة التي أرسلتُ إليها من الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يلقي ظلالاً من الشك على استعداد أوباما للتدخل لمنع إسرائيل من شن عدوان جديد يمكن أن يشمل جرائم حرب وخرقاً للقانون الدولي على غرار ما فعلت في غزة... كما جاء في بيان المنظمة.
لقد استمعنا إلى الرئيس الأميركي وهو يطرح نظريته في العمل على جعل العالم خالياً من السلاح النووي، وأن المسؤولية الأخلاقية تقع على عاتق بلاده لكونها القوة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح... ولكن السؤال هو عن كيفية "صرف" هذا الكلام، وهل إن أمريكا نفسها مستعدة للتخلي عن طموحاتها الإمبراطورية والشروع في تفكيك ترسانتها النووية حتى يُصار إلى إقناع الآخرين بسلوك الخيار نفسه؟ وهل إن تخلي وزارة الدفاع الأميركية عن برامج تسلحية معينة سيكون مقدمةً لمنع صفقات الأسلحة من عبور المحيطات وصولاً إلى كيان العدو، أو أن المسألة هي مجرد ذرٍّ للرماد في العيون، وحتى يُقال إن ثمة طروحات إنسانية جاءتنا من أميركا ولم تلق الصدى المطلوب في العالم؟
إننا نعتقد أن على إدارة الرئيس الأميركي أن تباشر بوضع استراتيجيات عملية حول العناوين التي أطلقها أوباما، وأن تنطلق في برامج وخطط تنفيذية لترجمتها، وأن تقنع العالم الإسلامي من خلال الأفعال لا الأقوال فحسب، بأنها ليست قوة احتلال، وأنه لا طمع لها بالثروات العربية والإسلامية، وأنها ستقف ضد الاحتلال باعتباره أفظع حالات الظلم وأعلى مراتب الإرهاب، وأن سياستها الخارجية سوف تقوم على الاستماع إلى الجميع والموازنة في اتخاذ القرارات، لا على أساس الإملاءات التي تجعل رسائل الود العملية تذهب إلى إسرائيل ورسائل الود الكلامية تذهب إلى العرب والمسلمين الذين لم يحصلوا على موقف أميركي واحد يتحرك في خط العدل بخصوص قضاياهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
لقد باشر الرئيس الأميركي سلوكيات خطابية أطربت الكثيرين في بلادنا، وبقي عليه أن يباشر الخطوات العملية التي لا يكتفي فيها بإرسال شحنات عاطفية وانفعالية من المنابر والمنصات الإسلامية، بينما ترسل بلاده الشحنات العسكرية الضخمة إلى إسرائيل...
ونحن نعتقد أن على العالم العربي والإسلامي، من خلال طلائعه الواعية، وأوساطه المسؤولة، ألا يكتفي بالاستماع إلى الآخرين، بل أن يمارس دوره في تقديم الدراسات والبحوث للأميركيين وغيرهم في كيفية بناء السلام الحقيقي بين شعوبنا، لأننا أمة السلام والحوار التي تتطلع إلى بناء صداقات متينة مع كل شعوب العالم، وتعمل ـ بوحي من مبادئها ومفاهيمها ـ على الوقوف ضد الظلم والظالمين، بصرف النظر عن هويتهم وانتماءاتهم وأهدافهم.
|