المرجع محمد حسين فضل الله: المصالحات مطلب دولي وحاجة عربية ولا مشاكل داخلية حتى الانتخابات

المرجع محمد حسين فضل الله: المصالحات مطلب دولي وحاجة عربية ولا مشاكل داخلية حتى الانتخابات

المرجع محمد حسين فضل الله:

المصالحات مطلب دولي وحاجة عربية ولا مشاكل داخلية حتى الانتخابات


اعتبر المرجع الإسلامي العلامة السيد محمد حسين فضل الله ان ما جرى ويجري من مصالحات هو مطلب دولي وحاجة عربية وتوقع ألا يشهد لبنان من الآن وحتى الانتخابات النيابية أية مشاكل داخلية.

ورأى السيد فضل الله ان العدوان الأميركي على البوكمال لا علاقة له بالوضع اللبناني، وانه يعبر عن الاستراتيجية التي سيتبعها استمرار الاحتلال الأميركي للعراق بالسماح لأنفسهم بالتدخل في الجوار العراقي والرسالة الأولى كانت لسوريا.

ووصف السيد فضل الله مفتي مصر الشيخ علي جمعة بأنه رجل وحدوي من الدرجة الأولى ومن العلماء الواعين والساعين إلى التقريب بين المسلمين، كما أبدى تقديره لمواقف شيخ الأزهر الداعية إلى التعاون بين المسلمين والتي تؤكد ان لا فرق بين السنة والشيعة.

مواقف السيد فضل الله هذه وغيرها تتضمنها هذه الحلقة الثالثة من الحوار الشامل الذي أجرته معه ((الشراع)) عن أوضاع لبنان والعرب والمسلمين :

معادلة (لا عرب ولا عجم) في لبنان

س: المعروف أنّ صيغة لبنان عام 1943 قامت على معادلة ((لا شرق ولا غرب))، اليوم، الصيغة المطروحة هي ((لا عرب ولا عجم))، هل هذا صحيح أو لا؟ ثم إلى أي حدّ ترى هذه الصيغة صالحةً؟

ج: إنّ المسألة في تصوري،  ما تـزال تتحرك في إطار الصراع بين المحور الدولي الغربي والمحور الدولي الشرقي، الذي يتمثل الآن بالاتحاد الروسي، وربما تحسب الصين في هذه الدائرة، لأن المنطقة عندنا، سواء المنطقة العربية أو المنطقة الإيرانية، تتحرك في أبعادها السياسية في حدود المصالح الدولية. فالعالم العربي بأكثريته يلتزم السياسة الغربية، وفي مقدمها السياسة الأميركية، بينما نجد أن إيران وبعض الدول العربية المتمثلة بسوريا، تنفتح في حركتها السياسية وفي حركة المصالح الاقتصادية على الاتحاد الروسي والصين، والى حد ما على أميركا اللاتينية، التي بدأت تنحسر عن السياسة الاميركية بإدارتها الحالية على الأقل. فالمسألة إذاً ليست مسألة عرب وعجم، لأن العجم، إذا صح التعبير، لا يملكون قوةً إقليميةً واسعةً، أو دائرة تجاذب دولي واسعة، إلا في مواقع محدودة، كموقع المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، أو الموقع السوري من خلال التحالف القائم بين إيران وسوريا.

أما بالنسبة إلى العالم العربي الذي يغلب عليه انتماؤه إلى السياسة الغربية، والتي انفتحت على السياسة الإسرائيلية في بعض المواقع، فإنني لا أتصور أن هناك صراعاً حقيقياً بين هذه الدول العربية وبين إيران، إلا في بعض خطوط الإعلام، أما بالنسبة إلى الخطوط الأخرى، كالخطوط الاقتصادية، فهناك علاقات اقتصادية بين إيران وأكثر الدول العربية، بما فيها دول الخليج، وكذلك في الجانب الأمني، فليست هناك مشكلة أمنية بين إيران والدول العربية، ولاسيما دول الخليج، أو أي تأثير سياسي كبير من قبل إيران ضد هذه الدول، بل نرى أن المسؤولين الإيرانيين، كما بعض المسؤولين العرب، يتـزاورون وينسقون بعض المواقف في قضايا المنطقة أو في قضايا أخرى.

ولذلك فإنني أعتقد أن العالم العربي، وفي مقدّمه لبنان، يبقى ساحة للغرب وحلفائه، حتى إن مسألة الشرق التي قد تتمثل بالاتحاد الروسي، ليس لها دور كبير في لبنان. فمعادلة الشرق والغرب كانت أثناء الحرب الباردة زمن الاتحاد السوفياتي الذي كان يواجه الغرب، أما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فلم تعد هذه المعادلة قائمةً.

س: ولكن يبدو كأن المطلوب سياسياً في لبنان أن يتخلى البعض عن الدعم العربي مقابل أن يتخلى بعض آخر عن التحالف مع إيران؟

ج: لا أعتقد أن المسألة كما تصفها، لأن فريق 14 آذار/ مارس يمثل الفريق الذي ينفتح على الغرب كله، سواء كان أميركياً أو أوروبياً، أما انفتاحه على العرب، فهو على هامش انفتاحه على السياسة الغربية، وكذلك فإنّ فريق 8 آذار/مارس اختلطت فيه الخطوط الإسلامية المتمثلة بحزب الله، بالخطوط الأخرى المتمثلة ببعض القيادات السنية، وبعض الشخصيات المسيحية التي قد تنفتح على إيران ولكنها لا تعتبر حالةً إيرانية.

ولذلك، فإنّ مسألة تخلي هذا الفريق عن انتماءاته الدولية وذاك عن انتماءاته الإقليمية هي مسألة غير مطروحة، ولا يمكن لأي فريق من الفريقين أن يتقبلها، لأن مصدر القوة لأي من الفريقين هو في الانتماء الذي يميل إليه، وعندما يخسر أو يبتعد أي من الفرقاء عن انتماءاته الإقليمية، فإنه لن يبقى للبنان أي وزن، لأن وزن لبنان إنما هو في هذا النوع من الصراع بين الإقليمي والدولي.

س: ماذا يريد الشيعة اليوم؟ هل يريدون طائفاً جديداً أم صيغة مثالثةٍ كما تردد في بعض الأوساط الأوروبية، نقلاً عن مسؤولين إيرانيين زاروا باريس؟

ج: الشيعة في لبنان يريدون أن يكونوا مواطنين كما هم اللبنانيون الآخرون الذين يراد لهم أن يكونوا مواطنين لا طائفيين، لذلك فإنني لم أسمع، في متابعتي للأوضاع اللبنانية عموماً، والشيعية خصوصاً ـ وأنا لا أتكلم مذهبياً بل كفريق من الأفرقاء الذين يملكون موقعاً في لبنان ـ لم أسمع شيعياً يقول إن الشيعة يريدون موقعاً خاصاً يتميزون به عن اللبنانيين الآخرين، ولذلك فإنهم يتحدثون عن الطائف كما يتحدث أي لبناني آخر، وقد ساهموا في اتفاق الدوحة كما ساهم اللبنانيون الآخرون فيه، بينما سمعنا من فريق الموالاة مَن يتحدث عن ضرورة تغيير اتفاق الطائف، وعن إعادة النظر فيه لإصلاح ما فسد منه، أو لتغيير ما تفرضه حال التبدلات الدولية.

والحديث الدائم عما يريده الشيعة في لبنان، والذي قد يمتد أحياناً إلى الحديث عن شيعة العراق وشيعة الخليج، هو حديث يختـزن بعض الخلفيات التي تريد أن تصور الشيعة كما لو أنهم مخلوق مشوّه خطر على المنطقة كلها، بينما نعرف جميعاً أن الشيعة عاشوا الاضطهاد في كل المواقع التي أقاموا فيها، بحيث كانوا وما يزالون في بعض المناطق مواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة.

فالشيعة في العراق وفي لبنان وفي الخليج يريدون أن يكونوا مواطنين صالحين، يحصلون على حقوقهم، ويقومون بواجباتهم من خلال المواطنة، أما أن يكون للشيعة موقعهم الخاص كحكم ذاتي مثلاً، أو أن يكون لهم السيطرة المطلقة في العراق أو في أي أماكن أخرى، فهذا كلام غير صحيح، وينطلق من عقد وخلفيات عصبية مختـزنة بفعل التراكمات التاريخية في مسألة السنّة والشيعة، حتى إنّ بعض السنّة ما يزالون يكفّرون الشيعة، وقد قرأت أخيراً تصريحاً صادراً عن جبهة علماء الأزهر، وفيه أن الشيعة ليسوا مسلمين.

وهذه الذهنية في التكفير التي تضمنّها أيضاً البيان الذي صدر سابقاً عن 22 عالماً في السعودية، والذي يحمل المضمون نفسه، إنما تمتد في قلب العالم الإسلامي، وهي لا تريد للشيعة أن يندمجوا مع السنّة في الأمة الإسلامية، إنما تريد لهم أن يبقوا معزولين، حتى إنني سمعت كلاماً في بعض البلدان العربية يقولون فيه إنّ الشيعة مشركون، أما المسيحيون واليهود فهم أهل كتاب، ونتعامل معهم على هذا الأساس، أما الشيعة فهم كمشركي قريش.

السنة بين الوحدة والتعصّب

س: التقيتم مؤخراً بمفتي مصر الشيخ علي جمعة، هل سمعتم منه مثل هذا الحديث؟

ج: لا، مفتي مصر الشيخ علي جمعة، هو إنسان وحدوي من الدرجة الأولى، وهو من العلماء الواعين المنفتحين على القضايا الإسلامية، ومن الساعين إلى التقريب بين المسلمين، وقد تحدثنا معاً عن سبل الحوار والتقريب بين المسلمين، وقد أعجبت بهذا الرجل إعجاباً كبيراً. كما أنني أصدرت بياناً قدّرت فيه تصريح مفتي الديار السعودية الذي جاء فيه إنّ علينا ألا نتحدث عن الأخطاء، بل علينا أن نصحّح الأخطاء، كما أنني أقدر تصريح شيخ الأزهر الذي جاء فيه، أنه لا فرق بين السنة والشيعة، وأننا جميعاً مسلمون، وعلينا أن نتعاون في الشأن الإسلامي. ونحن عندما نتحدث عن تكفير الشيعة، فإنما نتحدث عن بعض الشخصيات أو المواقع ولا نتحدث عن كل السنة...

س: لكن أليس في الشيعة من هم في مثل هذا الاتجاه أو الذهنية التكفيرية؟

ج: بلى، فعندما نتحدث عن الجو العام، نجد أن هناك بعض الشيعة ممن يكفرون السنة، كما يكفّر بعض السنة الشيعة، وهناك من يكفر بعض الصحابة، وهذا كله مما رفضناه ونرفضه.

أداء الشيعة السياسي

س: واقع الدولة اللبنانية مأساوي، والأطراف الشيعية يتحملون مسؤولية ذلك كالآخرين، من خلال ما جرى من أحداث في الفترة الأخيرة، وهناك من يقول إن الشيعة يتحركون وفق معادلة تقول إما أن نكون في الدولة على غرار الآخرين، نحكم كما يحكمون ونملك كما يملكون وإما...؟؟

ج: هذا المنطق ليس واقعياً، ولعل ما يشير إلى عدم واقعيته، هو أنه عند المحاصصة في قضية تعيين الوزراء، تخلى الفريق الشيعي السياسي عن بعض حصته في الوزارة لفريق آخر ليس شيعياً. لذلك فإننا نرى أن الشيعة، حتى الفريق السياسي منهم، لا يتحدثون بطريقة ((إما أن نحكم وإما الطوفان))! بل أننا لو أجرينا استفتاءً في مناطق تواجد الشيعة، فنسمع جواباً في حدود التسعين في المئة، أن الشيعة يريدون أن يكونوا مواطنين كبقية المواطنين الآخرين، يتعايشون مع بقية الطوائف على أساس حقوق العيش المشترك والحقوق الوطنية لكل اللبنانيين.

س: ولكن الآخرين يقولون الأمر نفسه، مع فارق وجود السلاح في يد الشيعة؟

ج: إن الذين يطرحون مسألة سلاح المقاومة، يطرحونها من باب الإصرار على أنّ هذا السلاح يمثل خطراً على بقية اللبنانيين، ويستشهدون على ذلك بأحداث 7 أيار/ مايو، ولكننا نعرف أن ظروفاً معقدة أحاطت بمسألة 7 أيار/ مايو، وما يزال شعار المقاومة في استراتيجيتها هو مواجهة العدوان الإسرائيلي، لا الدخول في النـزاعات الداخلية، وما يدل على ذلك، مسألة المصالحات التي يقودونها الآن.

س: هناك جدل حول صلاحيات نائب رئيس الحكومة، فهل تؤيد مسألة فتح الباب أمام هكذا نقاشات، وخصوصاً أنه سبق وطرح موضوع استحداث نائب للرئيس وإسناده إلى الشيعة؟

ج: هذه مسألة لها بُعدان؛ طائفي وانتخابي، ولا أعتقد أنها تمثل الخطورة بالطريقة التي صورها الإعلام، فلو منحنا نائب رئيس الوزراء غرفةً مثلاً ليمارس فيها عمله، خصوصاً في حال غياب رئيس الحكومة، كما هي حالة كل نائب رئيس مع رئيسه، فلا أعتقد أن ذلك يمثل هدماً للهيكل، لكن الوضع اللبناني الانتخابي والطائفي الآن، يحاول أن يجعل من الحبة قبة.

س: على وقع ما جرى ويجري من مصالحات، كيف تستشرف الوضع في لبنان قبل أشهر من الانتخابات النيابية؟

ج: إنّ الأوضاع الدولية تحاول أن تبتعد عن الضغط على لبنان بالطريقة التي كانت تضغط بها، لأن العالم المرتبط بالمحور الأميركي يعيش الآن مشكلة تبديل الرئيس والإدارة الأميركية، كما أن الأزمة المالية العالمية أصبحت تشغل كل العالم، ولذا نلاحظ أن هناك بعض الأجواء التي أحاطت ربما ببعض السياسات الدولية في علاقاتها مع العالم العربي، جعلت مسألة المصالحات التي تتحرك في لبنان، مطلباً دولياً وحاجة عربية، بعد السلبيات التي أصيب بها المحور الدولي والمحور العربي، ولذا لا أتصور أن لبنان سوف يعاني من أي مشاكل داخلية من الآن وحتى الانتخابات.

الغارة على البوكمال رسائل متعددة الجهات

س: الغارة الأميركية على منطقة البوكمال السورية، قيل إنها رد على الحشود السورية على الحدود اللبنانية، ما رأيكم في ذلك؟

ج: لا علاقة للوضع اللبناني بالعدوان على سوريا، لأن المشكلة التي تعيشها أميركا الآن هي العراق، من خلال الجدل الذي يدور حالياً حول الاتفاقية الأمنية التي يرفضها الكثير من العراقيين، وترفضها إيران كما ترفضها سوريا، ولذلك فإن أميركا أرادت أن تبعث برسالة إلى سوريا، بأنها قد تتدخل بشكل مباشر لمعالجة الأمور بنفسها، ولكن أميركا في عملياتها العسكرية، التي تقول إنها تستهدف الإرهابيين، تقع في مطب قتل المدنيين، كما حصل ويحصل في أفغانستان وباكستان والعراق، وكما حصل الآن في سوريا، إذ يعرف كل الناس أن الذين قتلوا هم مواطنون عاديون وعمّال بناء.

لذلك أتصور أن العمل العسكري يمثل رسالة إلى سوريا بأن تضبط حدودها، ونحن نعرف أن ضبط الحدود هو مسؤولية الدولة المحتلة، لأنه إذا كانت سوريا تستطيع أن تضبط حدودها الطويلة، فكيف لا يمكن للقوات الأميركية والقوات المتعددة الجنسية أن تضبط تلك الحدود، إضافة إلى الجيش العراقي. وهي أيضاً رسالة موجهة إلى العراق، ومفادها أن أميركا في تخطيطها وفي استراتيجية وجودها على أرضه، سوف تأخذ حريتها في التدخل في دول الجوار، وهذه أول رسالة لدولة مجاورة وهي سوريا، عدا عن أن المقصود أيضاً بذلك هو إعطاء بعض القوة لحركة المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية.

حوار زين حمود ـ أحمد الموسوي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 05 ذو القعدة 1429 هـ  الموافق: 03/11/2008 م

المرجع محمد حسين فضل الله:

المصالحات مطلب دولي وحاجة عربية ولا مشاكل داخلية حتى الانتخابات


اعتبر المرجع الإسلامي العلامة السيد محمد حسين فضل الله ان ما جرى ويجري من مصالحات هو مطلب دولي وحاجة عربية وتوقع ألا يشهد لبنان من الآن وحتى الانتخابات النيابية أية مشاكل داخلية.

ورأى السيد فضل الله ان العدوان الأميركي على البوكمال لا علاقة له بالوضع اللبناني، وانه يعبر عن الاستراتيجية التي سيتبعها استمرار الاحتلال الأميركي للعراق بالسماح لأنفسهم بالتدخل في الجوار العراقي والرسالة الأولى كانت لسوريا.

ووصف السيد فضل الله مفتي مصر الشيخ علي جمعة بأنه رجل وحدوي من الدرجة الأولى ومن العلماء الواعين والساعين إلى التقريب بين المسلمين، كما أبدى تقديره لمواقف شيخ الأزهر الداعية إلى التعاون بين المسلمين والتي تؤكد ان لا فرق بين السنة والشيعة.

مواقف السيد فضل الله هذه وغيرها تتضمنها هذه الحلقة الثالثة من الحوار الشامل الذي أجرته معه ((الشراع)) عن أوضاع لبنان والعرب والمسلمين :

معادلة (لا عرب ولا عجم) في لبنان

س: المعروف أنّ صيغة لبنان عام 1943 قامت على معادلة ((لا شرق ولا غرب))، اليوم، الصيغة المطروحة هي ((لا عرب ولا عجم))، هل هذا صحيح أو لا؟ ثم إلى أي حدّ ترى هذه الصيغة صالحةً؟

ج: إنّ المسألة في تصوري،  ما تـزال تتحرك في إطار الصراع بين المحور الدولي الغربي والمحور الدولي الشرقي، الذي يتمثل الآن بالاتحاد الروسي، وربما تحسب الصين في هذه الدائرة، لأن المنطقة عندنا، سواء المنطقة العربية أو المنطقة الإيرانية، تتحرك في أبعادها السياسية في حدود المصالح الدولية. فالعالم العربي بأكثريته يلتزم السياسة الغربية، وفي مقدمها السياسة الأميركية، بينما نجد أن إيران وبعض الدول العربية المتمثلة بسوريا، تنفتح في حركتها السياسية وفي حركة المصالح الاقتصادية على الاتحاد الروسي والصين، والى حد ما على أميركا اللاتينية، التي بدأت تنحسر عن السياسة الاميركية بإدارتها الحالية على الأقل. فالمسألة إذاً ليست مسألة عرب وعجم، لأن العجم، إذا صح التعبير، لا يملكون قوةً إقليميةً واسعةً، أو دائرة تجاذب دولي واسعة، إلا في مواقع محدودة، كموقع المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، أو الموقع السوري من خلال التحالف القائم بين إيران وسوريا.

أما بالنسبة إلى العالم العربي الذي يغلب عليه انتماؤه إلى السياسة الغربية، والتي انفتحت على السياسة الإسرائيلية في بعض المواقع، فإنني لا أتصور أن هناك صراعاً حقيقياً بين هذه الدول العربية وبين إيران، إلا في بعض خطوط الإعلام، أما بالنسبة إلى الخطوط الأخرى، كالخطوط الاقتصادية، فهناك علاقات اقتصادية بين إيران وأكثر الدول العربية، بما فيها دول الخليج، وكذلك في الجانب الأمني، فليست هناك مشكلة أمنية بين إيران والدول العربية، ولاسيما دول الخليج، أو أي تأثير سياسي كبير من قبل إيران ضد هذه الدول، بل نرى أن المسؤولين الإيرانيين، كما بعض المسؤولين العرب، يتـزاورون وينسقون بعض المواقف في قضايا المنطقة أو في قضايا أخرى.

ولذلك فإنني أعتقد أن العالم العربي، وفي مقدّمه لبنان، يبقى ساحة للغرب وحلفائه، حتى إن مسألة الشرق التي قد تتمثل بالاتحاد الروسي، ليس لها دور كبير في لبنان. فمعادلة الشرق والغرب كانت أثناء الحرب الباردة زمن الاتحاد السوفياتي الذي كان يواجه الغرب، أما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، فلم تعد هذه المعادلة قائمةً.

س: ولكن يبدو كأن المطلوب سياسياً في لبنان أن يتخلى البعض عن الدعم العربي مقابل أن يتخلى بعض آخر عن التحالف مع إيران؟

ج: لا أعتقد أن المسألة كما تصفها، لأن فريق 14 آذار/ مارس يمثل الفريق الذي ينفتح على الغرب كله، سواء كان أميركياً أو أوروبياً، أما انفتاحه على العرب، فهو على هامش انفتاحه على السياسة الغربية، وكذلك فإنّ فريق 8 آذار/مارس اختلطت فيه الخطوط الإسلامية المتمثلة بحزب الله، بالخطوط الأخرى المتمثلة ببعض القيادات السنية، وبعض الشخصيات المسيحية التي قد تنفتح على إيران ولكنها لا تعتبر حالةً إيرانية.

ولذلك، فإنّ مسألة تخلي هذا الفريق عن انتماءاته الدولية وذاك عن انتماءاته الإقليمية هي مسألة غير مطروحة، ولا يمكن لأي فريق من الفريقين أن يتقبلها، لأن مصدر القوة لأي من الفريقين هو في الانتماء الذي يميل إليه، وعندما يخسر أو يبتعد أي من الفرقاء عن انتماءاته الإقليمية، فإنه لن يبقى للبنان أي وزن، لأن وزن لبنان إنما هو في هذا النوع من الصراع بين الإقليمي والدولي.

س: ماذا يريد الشيعة اليوم؟ هل يريدون طائفاً جديداً أم صيغة مثالثةٍ كما تردد في بعض الأوساط الأوروبية، نقلاً عن مسؤولين إيرانيين زاروا باريس؟

ج: الشيعة في لبنان يريدون أن يكونوا مواطنين كما هم اللبنانيون الآخرون الذين يراد لهم أن يكونوا مواطنين لا طائفيين، لذلك فإنني لم أسمع، في متابعتي للأوضاع اللبنانية عموماً، والشيعية خصوصاً ـ وأنا لا أتكلم مذهبياً بل كفريق من الأفرقاء الذين يملكون موقعاً في لبنان ـ لم أسمع شيعياً يقول إن الشيعة يريدون موقعاً خاصاً يتميزون به عن اللبنانيين الآخرين، ولذلك فإنهم يتحدثون عن الطائف كما يتحدث أي لبناني آخر، وقد ساهموا في اتفاق الدوحة كما ساهم اللبنانيون الآخرون فيه، بينما سمعنا من فريق الموالاة مَن يتحدث عن ضرورة تغيير اتفاق الطائف، وعن إعادة النظر فيه لإصلاح ما فسد منه، أو لتغيير ما تفرضه حال التبدلات الدولية.

والحديث الدائم عما يريده الشيعة في لبنان، والذي قد يمتد أحياناً إلى الحديث عن شيعة العراق وشيعة الخليج، هو حديث يختـزن بعض الخلفيات التي تريد أن تصور الشيعة كما لو أنهم مخلوق مشوّه خطر على المنطقة كلها، بينما نعرف جميعاً أن الشيعة عاشوا الاضطهاد في كل المواقع التي أقاموا فيها، بحيث كانوا وما يزالون في بعض المناطق مواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة.

فالشيعة في العراق وفي لبنان وفي الخليج يريدون أن يكونوا مواطنين صالحين، يحصلون على حقوقهم، ويقومون بواجباتهم من خلال المواطنة، أما أن يكون للشيعة موقعهم الخاص كحكم ذاتي مثلاً، أو أن يكون لهم السيطرة المطلقة في العراق أو في أي أماكن أخرى، فهذا كلام غير صحيح، وينطلق من عقد وخلفيات عصبية مختـزنة بفعل التراكمات التاريخية في مسألة السنّة والشيعة، حتى إنّ بعض السنّة ما يزالون يكفّرون الشيعة، وقد قرأت أخيراً تصريحاً صادراً عن جبهة علماء الأزهر، وفيه أن الشيعة ليسوا مسلمين.

وهذه الذهنية في التكفير التي تضمنّها أيضاً البيان الذي صدر سابقاً عن 22 عالماً في السعودية، والذي يحمل المضمون نفسه، إنما تمتد في قلب العالم الإسلامي، وهي لا تريد للشيعة أن يندمجوا مع السنّة في الأمة الإسلامية، إنما تريد لهم أن يبقوا معزولين، حتى إنني سمعت كلاماً في بعض البلدان العربية يقولون فيه إنّ الشيعة مشركون، أما المسيحيون واليهود فهم أهل كتاب، ونتعامل معهم على هذا الأساس، أما الشيعة فهم كمشركي قريش.

السنة بين الوحدة والتعصّب

س: التقيتم مؤخراً بمفتي مصر الشيخ علي جمعة، هل سمعتم منه مثل هذا الحديث؟

ج: لا، مفتي مصر الشيخ علي جمعة، هو إنسان وحدوي من الدرجة الأولى، وهو من العلماء الواعين المنفتحين على القضايا الإسلامية، ومن الساعين إلى التقريب بين المسلمين، وقد تحدثنا معاً عن سبل الحوار والتقريب بين المسلمين، وقد أعجبت بهذا الرجل إعجاباً كبيراً. كما أنني أصدرت بياناً قدّرت فيه تصريح مفتي الديار السعودية الذي جاء فيه إنّ علينا ألا نتحدث عن الأخطاء، بل علينا أن نصحّح الأخطاء، كما أنني أقدر تصريح شيخ الأزهر الذي جاء فيه، أنه لا فرق بين السنة والشيعة، وأننا جميعاً مسلمون، وعلينا أن نتعاون في الشأن الإسلامي. ونحن عندما نتحدث عن تكفير الشيعة، فإنما نتحدث عن بعض الشخصيات أو المواقع ولا نتحدث عن كل السنة...

س: لكن أليس في الشيعة من هم في مثل هذا الاتجاه أو الذهنية التكفيرية؟

ج: بلى، فعندما نتحدث عن الجو العام، نجد أن هناك بعض الشيعة ممن يكفرون السنة، كما يكفّر بعض السنة الشيعة، وهناك من يكفر بعض الصحابة، وهذا كله مما رفضناه ونرفضه.

أداء الشيعة السياسي

س: واقع الدولة اللبنانية مأساوي، والأطراف الشيعية يتحملون مسؤولية ذلك كالآخرين، من خلال ما جرى من أحداث في الفترة الأخيرة، وهناك من يقول إن الشيعة يتحركون وفق معادلة تقول إما أن نكون في الدولة على غرار الآخرين، نحكم كما يحكمون ونملك كما يملكون وإما...؟؟

ج: هذا المنطق ليس واقعياً، ولعل ما يشير إلى عدم واقعيته، هو أنه عند المحاصصة في قضية تعيين الوزراء، تخلى الفريق الشيعي السياسي عن بعض حصته في الوزارة لفريق آخر ليس شيعياً. لذلك فإننا نرى أن الشيعة، حتى الفريق السياسي منهم، لا يتحدثون بطريقة ((إما أن نحكم وإما الطوفان))! بل أننا لو أجرينا استفتاءً في مناطق تواجد الشيعة، فنسمع جواباً في حدود التسعين في المئة، أن الشيعة يريدون أن يكونوا مواطنين كبقية المواطنين الآخرين، يتعايشون مع بقية الطوائف على أساس حقوق العيش المشترك والحقوق الوطنية لكل اللبنانيين.

س: ولكن الآخرين يقولون الأمر نفسه، مع فارق وجود السلاح في يد الشيعة؟

ج: إن الذين يطرحون مسألة سلاح المقاومة، يطرحونها من باب الإصرار على أنّ هذا السلاح يمثل خطراً على بقية اللبنانيين، ويستشهدون على ذلك بأحداث 7 أيار/ مايو، ولكننا نعرف أن ظروفاً معقدة أحاطت بمسألة 7 أيار/ مايو، وما يزال شعار المقاومة في استراتيجيتها هو مواجهة العدوان الإسرائيلي، لا الدخول في النـزاعات الداخلية، وما يدل على ذلك، مسألة المصالحات التي يقودونها الآن.

س: هناك جدل حول صلاحيات نائب رئيس الحكومة، فهل تؤيد مسألة فتح الباب أمام هكذا نقاشات، وخصوصاً أنه سبق وطرح موضوع استحداث نائب للرئيس وإسناده إلى الشيعة؟

ج: هذه مسألة لها بُعدان؛ طائفي وانتخابي، ولا أعتقد أنها تمثل الخطورة بالطريقة التي صورها الإعلام، فلو منحنا نائب رئيس الوزراء غرفةً مثلاً ليمارس فيها عمله، خصوصاً في حال غياب رئيس الحكومة، كما هي حالة كل نائب رئيس مع رئيسه، فلا أعتقد أن ذلك يمثل هدماً للهيكل، لكن الوضع اللبناني الانتخابي والطائفي الآن، يحاول أن يجعل من الحبة قبة.

س: على وقع ما جرى ويجري من مصالحات، كيف تستشرف الوضع في لبنان قبل أشهر من الانتخابات النيابية؟

ج: إنّ الأوضاع الدولية تحاول أن تبتعد عن الضغط على لبنان بالطريقة التي كانت تضغط بها، لأن العالم المرتبط بالمحور الأميركي يعيش الآن مشكلة تبديل الرئيس والإدارة الأميركية، كما أن الأزمة المالية العالمية أصبحت تشغل كل العالم، ولذا نلاحظ أن هناك بعض الأجواء التي أحاطت ربما ببعض السياسات الدولية في علاقاتها مع العالم العربي، جعلت مسألة المصالحات التي تتحرك في لبنان، مطلباً دولياً وحاجة عربية، بعد السلبيات التي أصيب بها المحور الدولي والمحور العربي، ولذا لا أتصور أن لبنان سوف يعاني من أي مشاكل داخلية من الآن وحتى الانتخابات.

الغارة على البوكمال رسائل متعددة الجهات

س: الغارة الأميركية على منطقة البوكمال السورية، قيل إنها رد على الحشود السورية على الحدود اللبنانية، ما رأيكم في ذلك؟

ج: لا علاقة للوضع اللبناني بالعدوان على سوريا، لأن المشكلة التي تعيشها أميركا الآن هي العراق، من خلال الجدل الذي يدور حالياً حول الاتفاقية الأمنية التي يرفضها الكثير من العراقيين، وترفضها إيران كما ترفضها سوريا، ولذلك فإن أميركا أرادت أن تبعث برسالة إلى سوريا، بأنها قد تتدخل بشكل مباشر لمعالجة الأمور بنفسها، ولكن أميركا في عملياتها العسكرية، التي تقول إنها تستهدف الإرهابيين، تقع في مطب قتل المدنيين، كما حصل ويحصل في أفغانستان وباكستان والعراق، وكما حصل الآن في سوريا، إذ يعرف كل الناس أن الذين قتلوا هم مواطنون عاديون وعمّال بناء.

لذلك أتصور أن العمل العسكري يمثل رسالة إلى سوريا بأن تضبط حدودها، ونحن نعرف أن ضبط الحدود هو مسؤولية الدولة المحتلة، لأنه إذا كانت سوريا تستطيع أن تضبط حدودها الطويلة، فكيف لا يمكن للقوات الأميركية والقوات المتعددة الجنسية أن تضبط تلك الحدود، إضافة إلى الجيش العراقي. وهي أيضاً رسالة موجهة إلى العراق، ومفادها أن أميركا في تخطيطها وفي استراتيجية وجودها على أرضه، سوف تأخذ حريتها في التدخل في دول الجوار، وهذه أول رسالة لدولة مجاورة وهي سوريا، عدا عن أن المقصود أيضاً بذلك هو إعطاء بعض القوة لحركة المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية.

حوار زين حمود ـ أحمد الموسوي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 05 ذو القعدة 1429 هـ  الموافق: 03/11/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية