السيد فضل الله للمفكر المسلم البريطاني إجلال إمام والسفيرة البريطانية: الإسلام ضد العنف ويحترم العقل ويدعو إلى الحوار

السيد فضل الله للمفكر المسلم البريطاني إجلال إمام والسفيرة البريطانية: الإسلام ضد العنف ويحترم العقل ويدعو إلى الحوار

السيد فضل الله للمفكر المسلم البريطاني إجلال إمام والسفيرة البريطانية:

الإسلام ضد العنف ويحترم العقل ويدعو إلى الحوار


الحوار مع المفكر المسلم البريطاني، إجلال إمام، والسفيرة البريطانية، ووفد ورشة العمل المشترك مع مركز دراسات الفكر الإسلامي، استهلّه العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، بحديث عن الإسلام في قيمه الحضارية، وهذا نصّ الحديث والحوار:

الإسلام حركة حضارية

لا بد في البداية من أن نذكر أنّ الإسلام انطلق ليكون الإسلام الحضاري الذي ينفتح على العالم كله {وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ:28]، وعلى الرغم من أنّ الحضارة الإسلامية تختلف عن الحضارات الأخرى، ومنها الحضارة الغربية، إلا أنّها تلتقي معها في الجانب الإنساني. وهو ما أكده الإمام علي(ع) في رسالةٍ له إلى واليه على مصر مالك الأشتر، قال له فيها: "الناس صنفان؛ إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"، بمعنى أن علينا عندما نعيش المسؤولية، أن ندرك أن الناس الذين نتعاطى معهم، هم ممّن نلتقي معهم في الدين وإمّا ممّن نلتقي معهم في الإنسانية.

    الإسلام انطلق ليكون الإسلام الحضاري الذي ينفتح على العالم كله


وهناك نقطة أساسية يعالجها القرآن الكريم، وهي أن كل رسالات الأنبياء، منذ النبي إبراهيم(ع)، إلى موسى(ع) وعيسى(ع) وصولاً إلى النبي محمد(ص)، كلها قامت على أساس العدل العالمي بين الناس، فالله تعالى يقول في القرآن الكريم: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]، والقسط هو العدل. وهذا ما ينبغي أن تلتقي عليه كل الديانات، كما كل الحضارات الإنسانية.

لذلك نحن نعتقد أن العدل لا دين له، وأن الظلم لا دين له، وعندنا في تراث أئمة أهل البيت(ع) نصٌ يقول: "إن الله أوحى إلى نبي في مملكة جبار من الجبارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له: إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً". وعلى هذا الأساس، فنحن كمسلمين نرفض كل ظلم في العالم، ومنه ظلم المسلمين للكافرين، كما أننا ضد المسلمين الذين يتحركون بالإرهاب لقتل الأبرياء، لأن الإسلام ضدّ العنف، ولأنه يقبل الرأي الآخر، ويحاور من يختلف معه حتى في الدين. وهناك نقطة أخرى، وهي أن الإسلام يحترم العقل، ويعتبر أن العقل هو الأساس في سلامة الفكر، وقد أعطى العقل الحرية في أن يفكّر في ما يشاء، على أن يتحمل مسؤولية تفكيره.

إضافةً إلى ذلك، أكد الإسلام العلم كقيمةٍ معرفيةٍ وإنسانية، واعتبر أن قيمة كل إنسان هي بما يملكه من العلم، وقد ورد عن الإمام علي(ع) في ذلك قوله: "قيمة كل امرىء ما يُحسنه"، أي قلْ لي ما هي ثقافتك، وما هو علمك، أقل لك ما قيمتك. ولذلك، فإن الإسلام يدعو الناس إلى الأخذ بأسباب العلم، حتى يفهموا أسرار الكون، وحتى يفهموا الله تعالى، وهناك آية في القرآن تقول: {وقل ربِّ زدني علماً} [طه:114]، بمعنى أن على الإنسان أن لا يقف عند درجة معيّنة من العلم، بل أن يظل في خط تصاعدي إلى أن يبلغ أقصى درجات العلم.


    الإسلام أكد على العلم كقيمة معرفية إنسانية


فالإسلام هو ضدّ الجهل والتخلف وضد القبول بالأمر الواقع، وخصوصاً إذا كان الأمر الواقع ليس إنسانياً. ونحن ندعو إلى الحوار بين الحضارات؛ إلى حوار المسلمين مع المسلمين، وحوار المسلمين مع المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين، وندعو أيضاً إلى الحوار بين المسلمين والعلمانيين. فنحن نؤمن بالحوار في كل شيء، وأنه لا مقدسات في الحوار، نحن نقول إن الله حاور إبليس وحاور الملائكة، والأسلوب القرآني في الحوار لا يعتمد على قاعدة أنا مصيب وأنت مخطىء، بل ينطلق من قاعدة أنني قد أكون مصيباً وقد أكون مخطئاً، وقد تكون أنت مصيباً أو مخطئاً، فهناك حقيقة ضائعة بيننا، وعلينا أن نتعاون في رحلة البحث عنها، بأسلوب حوارٍ لا ذاتيات فيه، وإنما هي فكرة في مقابل فكرة.

وعلى هذا الأساس، نقول إن الحوار إنما هو بين الناس الذين يؤمنون بالحوار، أما الظالمون فلا حوار معهم {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} [العنكبوت:46]، لأن الظالم لا يقبل بالحوار، وإنما يريد أن يفرض قوته على الآخر. ومن هنا، فإن مشكلتنا مع إسرائيل ليست مشكلة المسلمين مع اليهود، أو مشكلة الإسلام مع اليهودية، إنما هي مشكلة المظلوم مع الظالم، وتلك هي مشكلتنا مع الاستعمار الذي يحتل بلاد المسلمين وغير المسلمين، وهي أيضاً مشكلتنا مع العولمة التي تستغل الفقراء لمصلحة الأغنياء.

الهوية الإسلامية في الغرب

المفكر الإسلامي البريطاني إجلال إمام: أتيت قبل يومين إلى لبنان، ونحن نقوم بورشات عمل وحوارات مع أناس من مذاهب مختلفة. أمس، كانت الورشة في الشمال، واليوم في بيروت، ونودّ أن نشارككم في شيء منها: في أوروبا هناك حوالي 25 مليون مسلم، ولأول مرة في تاريخ أوروبا يصل المسلمون إلى هذا العدد، ونحن نؤمن بأن نجاحنا يكمن في أننا قبلنا بأوروبا كوطنٍ لنا، وقبلنا بأن نكون جزءاً من الشعب الأوروبي، وأن نقوم بكل ما يمكننا القيام به لتحقيق رفاهية أوروبا، انطلاقاً من مسؤوليتنا الأخلاقية والدينية، وهذا ما سيؤدّي إلى أن يكون هناك حوار جديد أساسه أنه ليس هناك شرق وغرب، بل هناك عالم واحد يعيش فيه المسلمون وغير المسلمين.

    مشكلتنا مع إسرائيل ليست مشكلة المسلمين مع اليهود أو مشكلة الإسلام مع اليهودية إنما هي مشكلة الظالم مع المظلوم


ونحن الآن في أوروبا وفي بريطانيا نعيد تأكيد هويتنا مسلمين وأوروبيين بريطانيين، وهذا ما نؤكّده بوطنيتنا وبديننا، كما أننا نعيد تفسير ما نؤمن به بناءً على ما نعيشه، حتى بعض مقدساتنا، ونحن نواجه في هذا المجال تحديات كبيرة جداً، ومنها تحديات ثقافية، خصوصاً ممّن هم من بلدان شرقية، لأن هؤلاء يأتون بقيم تتناقض مع القيم الغربية، ما يحدث تصادماً، ولكن هذا ما نسعى لنتغلّب عليه، فأنا أبي من بنغلادش وأمي أيضاً، وزوجتي وأولادي سيكونون بريطانيين وبنغلادشيين ومسلمين، وهذا هو الشكل الجديد للهوية، ونحن نأمل بأن يقبل العالم الإسلامي بهذه الهوية وأن نكون جزءاً من المجتمع المسلم، وعندما نتكلم مع العالم، يجب أن لا ننسى أن هناك مسلمين أيضاً في الغرب.

السيد: نحن نقدّر دائماً لكثير من الإدارات الغربية استقبالها المسلمين، وخصوصاً الذين يحصلون على الجنسية الأوروبية أو الجنسية الأمريكية من قِبَل تلك الإدارات، أو الذين يحصلون على الإقامات الطويلة لأنهم لا يستطيعون أن يحصلوا على العيش الكريم في بلدانهم التي يسيطر عليها الحكم الديكتاتوري. ونحن في رسائلنا التي نرسلها إلى المسلمين في الغرب، نقول لهم إنّ عليهم أن يحافظوا على نظام وأمن البلد الذي يعيشون فيه، لأنّنا نعتبر أنه عندما يذهب المسلم إلى أي بلدٍ غربي، فهناك عهد بينه وبين إدارة البلد الذي يقيم فيه، بأن لا يسيء إلى نظامه، وعليه أن يفي بالعهد، وأن لا يخالف القوانين التي تمثل النظام العام للناس كلهم. وأيضاً نقول لهم إنّ عليهم أن يعيشوا قضايا المجتمع الذي هم جزء منه، مع بقائهم على هويتهم الإسلامية.     على المسلمين في الغرب أن يعيشوا قضايا المجتمع الذين هم جزء منه مع بقائهم على هويتهم الإسلامية

ولذلك، لا مشكلة بين أن يكون الإنسان مسلماً أو بريطانياً أو فرنسياً أو أمريكياً... في السابق كان يُقال إن هناك دار حرب ودار سلم، الآن ليس هناك دار حرب ودار سلم، هناك شعوب مختلطة من المسلمين وغير المسلمين، وليس هناك انفصال بين الدارين. ونحن ندعو إلى أن تكون العلاقة بين الناس علاقة إنسان بإنسان، لا علاقة شرقي بغربي، أو غربي بشرقي. هناك كلمة للإمام علي(ع) يقول فيها: "ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك"، فعليك أن تلتزم بالبلد الذي يحمي إنسانيتك، لأن الوطن ليس صنماً تعبده، ولكنه مكان يحفظ لك حقوقك.

ونحن ندعو إلى أنسنة الوطن، ونقف ضد كل عمل يمارسه الإرهاب في أي موقع من المواقع، ولذلك كنا ضد ما حدث في 11أيلول، وما حدث في إسبانيا وفي بريطانيا، وقد أنكرنا ذلك إنكاراً شديداً في الإعلام العام، لأننا نعتقد أن الإرهاب لا يمثل أي دين من الأديان، وأن الذين يربطون بين الدين والإرهاب لا يفهمون معنى الدين.     الإرهاب لا يمثل أي دين من الأديان وأن الذين يربطون بين الدين والإرهاب لا يفهمون معنى الدين

ومن هنا، نحن ضد المسلمين الذين يؤمنون بأن العنف هو الذي يمكن أن يحقق لهم أهدافهم، كما أننا كنّا نقول لبعض الأحزاب الموجودة في البلاد الإسلامية، إنّ أحزابكم تقوم على العصبية، أي أنّهم يقبلون بكل ما يقرره الحزب، ولكننا نلاحظ في بريطانيا، مثلاً، أن بعض المنتمين إلى حزب العمال يصوِّتون لحزب المحافظين، وأن بعض المنتمين إلى حزب المحافظين يصوِّتون لحزب العمال، لأن القضية ليست عصبية حزبية، لكنها مصلحة الوطن.

ونحن نعتقد أنه من مسؤولية المسلمين في بريطانيا وفي فرنسا وغيرهما، أن يفهِّموا الشعب هناك معنى الإسلام، وأنّ ما يقوم به بعض المسلمين لا يمثل الإسلام، كما عندما يقوم بعض المسيحيين بخطأٍ ما، فإنّ ذلك لا يمثل المسيحية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليهود. ولذا لا يجوز أن نحمل الإسلام والمسلمين كأمة مسؤولية ما يقوم به بعض المسلمين من أخطاء وانحرافات، كما لا يجوز أن نحمِّل المسيحية مسؤولية ما يقوم به بعض المسيحيين، أو أن نتهم الغرب كلّه بأنه سيّىء بسبب ما تقوم به بعض إدارات الدول الغربية التي تحسب نفسها على الغرب. بل إننا نشكر الكثير من الشعوب الغربية التي احتضنت المسلمين الذين لم يستطيعوا العيش الكريم في بلادهم.

ونحن نقدر العمل الذي تقومون به في بريطانيا وغيرها، على ألاّ يقتصر ذلك على النخبة، بل لا بد من أن ينزل إلى الواقع الشعبي، لأن المشكلة هي أن بعض الشعوب، سواء البريطانية أو الفرنسية، أصبحت تخاف من المسلمين، ولذا قد تمارس بعض أنواع العنف ضدّهم بشكل خاص، كما حدث بالنسبة إلى الشاب القطري في بريطانيا. لذلك لا بد من أن نثقف الشعوب الغربية بالمعنى الإنساني للإسلام، وأن نقول لهم: كما إنّ ما يقوم به بعض الغربيين في حروبهم ضد المسلمين لا يمثل كل شعوب الغرب، كذلك ما يقوم به بعض المسلمين من إساءةٍ إلى الأمن في الغرب، لا يمثّل كل الإسلام والمسلمين. نحن نعرف أن الجريمة في أمريكا ربما تفوق كل ما في البلدان الأخرى من الجرائم، فإذا كان هناك طالب يقتل زملاءه أو معلميه وأساتذته، فهل نقول إن كل الأمريكيين كذلك؟ كما أن الإدارة الأمريكية الحالية التي احتلت العراق وأفغانستان، لا تمثل كل الشعب الأمريكي، وهناك كثير من الرأي العام الأمريكي يرفض ما تقوم به الإدارة.

 

  لا بد من أن نثقّف الشعوب العربية بالمعنى الإنساني للإسلام


وهكذا بالنسبة إلى الشعب البريطاني الذي لا يوافق بأجمعه على سياسة رئيس الحكومة البريطانية، سواء الرئيس السابق أو الرئيس الحالي، كما أن هناك معارضة لسياسة الرئيس الحالي، والذي أصبح يعيش مشكلة قد يستفيد منها حزب المحافظين.

وعلى كلٍ، نحن نرحّب بك، ونعتبرك داعيةً إسلامياً حضارياً، يمكن لك أن تقوم بدور كبير في بريطانيا مع الشعب البريطاني، وأن تنصح المسلمين بأن يكونوا مواطنين صالحين في بريطانيا، وتنصح الحكومة البريطانية أيضاً، بأن لا تصدر القوانين التي تضيق فيها على المسلمين كما تفعل أمريكا الآن، وقولوا للغربيين، إن الإسلام في القرآن يدعونا إلى أن نكون أصدقاء العالم، فالله تعالى يقول: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} [فصّلت:34]، فالإسلام يريدنا أن نكون أصدقاء العالم دون أن نتخلى عن هويتنا الإسلامية.

المفكّر الإسلامي: نحن ندعو الله أن يمنّ على هذا الجزء من العالم بالاستقرار...

لبنان وإيران

السيد: نحن يهمنا سلام العالم، والسلام لا يقوم إلا على أساس العدل، بأن نعطي لكل شعب حقه، لأنّ الظلم هو الذي يدمّر العالم، وهو أكثر خطراً من القنبلة الذرية. نحن نتحدث الآن، في الغرب وفي الشرق، عن السلاح النووي، ولكننا لا نتحدث عن السلاح الأخلاقي المضاد، وقد كنت أعتقد أن بريطانيا تتميز بخبرة سياسية تاريخية ودبلوماسية حتى في مواقفها السياسية المضادة، ولكنّنا الآن نجد أن الرئيس براون لم يعد دبلوماسياً في كثيرٍ من القضايا، كما في موقفه من المشروع النووي الإيراني الذي تؤكد إيران عبر أكثر من مسؤول ديني أنّه مشروع سلمي، لذلك فإنّ هذا الإصرار على العقوبات وما إلى ذلك، لعلّه ليس دقيقاً، أمّا بالنسبة إلى بلير، فهو يقول بأنه يعمل لمصلحة إسرائيل.

السفيرة البريطانية: منذ ثلاث سنوات حاولنا مناقشة إيران حول برنامجها.

السيد: ما دامت القضية تقوم على النوايا وعلى الأشياء الخفية، فأعتقد أنه من الضروري جداً إبقاء الحوار.

السفيرة: أعتقد أن الحوار سيستمر.

السيد: الحوار ضرورة، ولهذا نجد أن الاتحاد الأوروبي الآن في (فيينّا) أصبح أقلّ حدّة.

السفيرة: على الإيرانيين أن يتعاونوا أيضاً مع الأمم المتحدة...

السيد: صحيح، لكن عندما تكون هناك مصلحة دولية، فإنّ أية دولة تحاول أن تحافظ على أسرارها العسكرية، ولأن وكالة الطاقة النووية، وبحسب اتهام إيران لها، تحاول أن تنفذ إلى بعض الأشياء التي تمثل أسراراً عسكريةً لإيران، فهذا ما لا تسمح به أي دولة من الدول، لأن الأسرار العسكرية هي أسرار مهمة بالنسبة إليها.

السفيرة: أعتقد أن التعاون معها سيستمر، ولكن كما قلت، إن على الإيرانيين أن يردوا أيضاً...

السيد: أتصور أن الإيرانيين أمام هذا الوضع السياسي المضاد، والذي يحاول أن يثير المشاكل في داخل إيران، وخصوصاً فيما تتحرك به إسرائيل في الضغط على أمريكا وغيره، أصبحوا يعيشون الخوف والقلق من التعامل مع الآخرين، وكما أن الأوروبيين والأمريكيين يحاسبون إيران على نواياها، فهي تريد أن تحاسب الغرب على نواياه أيضاً، وهذا من حقها كدولة.

السفيرة: لكن الخسارة للبنان إذاً...

    الظلم هو الذي يدمّر العالم، وهو أكثر خطراً من القنبلة الذرية


السيد: أما بالنسبة إلى لبنان، فلبنان صُنع طائفياً ليبقى ولايات غير متحدة، ولذا ترين الآن أن اللغة الموجودة لدى السياسيين ليست ما هي مصلحة لبنان، ما هي مصلحة المسيحيين، ما هي مصلحة السنة، ما هي مصلحة الشيعة، ما هي مصلحة الدروز؟ لأن لبنان لم يؤسس على أساس المواطنة ككل الدول في العالم، وإنما أُسِّس على أساس طائفي، بحيث تشعر كل طائفة بأنها مستقلة ولها سياسيوها ومناطقها ولها رجال دينها وما إلى ذلك، وهذا الذي يخلق الحساسيات ويمنع المصالحة الحقيقية، لأن المصالحة تكون من فوق ولا تكون من تحت في هذا الموضوع.

ولذلك، فإن أية هزة أو أي شيء يحدث، قد يُربك الوضع في لبنان، ولكنني أعتقد أن لبنان لن يدخل في حرب أهلية، ولكن يبقى في حرب سياسية، أنا كنت أقول كما قلت سابقاً في أيام الحرب: هناك ثلاث لاءات تحكم لبنان، (لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار).

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 شوال 1429 هـ  الموافق: 28/10/2008 م

السيد فضل الله للمفكر المسلم البريطاني إجلال إمام والسفيرة البريطانية:

الإسلام ضد العنف ويحترم العقل ويدعو إلى الحوار


الحوار مع المفكر المسلم البريطاني، إجلال إمام، والسفيرة البريطانية، ووفد ورشة العمل المشترك مع مركز دراسات الفكر الإسلامي، استهلّه العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، بحديث عن الإسلام في قيمه الحضارية، وهذا نصّ الحديث والحوار:

الإسلام حركة حضارية

لا بد في البداية من أن نذكر أنّ الإسلام انطلق ليكون الإسلام الحضاري الذي ينفتح على العالم كله {وما أرسلناك إلا كافةً للناس بشيراً ونذيراً} [سبأ:28]، وعلى الرغم من أنّ الحضارة الإسلامية تختلف عن الحضارات الأخرى، ومنها الحضارة الغربية، إلا أنّها تلتقي معها في الجانب الإنساني. وهو ما أكده الإمام علي(ع) في رسالةٍ له إلى واليه على مصر مالك الأشتر، قال له فيها: "الناس صنفان؛ إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"، بمعنى أن علينا عندما نعيش المسؤولية، أن ندرك أن الناس الذين نتعاطى معهم، هم ممّن نلتقي معهم في الدين وإمّا ممّن نلتقي معهم في الإنسانية.

    الإسلام انطلق ليكون الإسلام الحضاري الذي ينفتح على العالم كله


وهناك نقطة أساسية يعالجها القرآن الكريم، وهي أن كل رسالات الأنبياء، منذ النبي إبراهيم(ع)، إلى موسى(ع) وعيسى(ع) وصولاً إلى النبي محمد(ص)، كلها قامت على أساس العدل العالمي بين الناس، فالله تعالى يقول في القرآن الكريم: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25]، والقسط هو العدل. وهذا ما ينبغي أن تلتقي عليه كل الديانات، كما كل الحضارات الإنسانية.

لذلك نحن نعتقد أن العدل لا دين له، وأن الظلم لا دين له، وعندنا في تراث أئمة أهل البيت(ع) نصٌ يقول: "إن الله أوحى إلى نبي في مملكة جبار من الجبارين، أن ائتِ هذا الجبّار وقل له: إني إنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإني لن أدع ظلامتهم ولو كانوا كفاراً". وعلى هذا الأساس، فنحن كمسلمين نرفض كل ظلم في العالم، ومنه ظلم المسلمين للكافرين، كما أننا ضد المسلمين الذين يتحركون بالإرهاب لقتل الأبرياء، لأن الإسلام ضدّ العنف، ولأنه يقبل الرأي الآخر، ويحاور من يختلف معه حتى في الدين. وهناك نقطة أخرى، وهي أن الإسلام يحترم العقل، ويعتبر أن العقل هو الأساس في سلامة الفكر، وقد أعطى العقل الحرية في أن يفكّر في ما يشاء، على أن يتحمل مسؤولية تفكيره.

إضافةً إلى ذلك، أكد الإسلام العلم كقيمةٍ معرفيةٍ وإنسانية، واعتبر أن قيمة كل إنسان هي بما يملكه من العلم، وقد ورد عن الإمام علي(ع) في ذلك قوله: "قيمة كل امرىء ما يُحسنه"، أي قلْ لي ما هي ثقافتك، وما هو علمك، أقل لك ما قيمتك. ولذلك، فإن الإسلام يدعو الناس إلى الأخذ بأسباب العلم، حتى يفهموا أسرار الكون، وحتى يفهموا الله تعالى، وهناك آية في القرآن تقول: {وقل ربِّ زدني علماً} [طه:114]، بمعنى أن على الإنسان أن لا يقف عند درجة معيّنة من العلم، بل أن يظل في خط تصاعدي إلى أن يبلغ أقصى درجات العلم.


    الإسلام أكد على العلم كقيمة معرفية إنسانية


فالإسلام هو ضدّ الجهل والتخلف وضد القبول بالأمر الواقع، وخصوصاً إذا كان الأمر الواقع ليس إنسانياً. ونحن ندعو إلى الحوار بين الحضارات؛ إلى حوار المسلمين مع المسلمين، وحوار المسلمين مع المسيحيين واليهود والهندوس والبوذيين، وندعو أيضاً إلى الحوار بين المسلمين والعلمانيين. فنحن نؤمن بالحوار في كل شيء، وأنه لا مقدسات في الحوار، نحن نقول إن الله حاور إبليس وحاور الملائكة، والأسلوب القرآني في الحوار لا يعتمد على قاعدة أنا مصيب وأنت مخطىء، بل ينطلق من قاعدة أنني قد أكون مصيباً وقد أكون مخطئاً، وقد تكون أنت مصيباً أو مخطئاً، فهناك حقيقة ضائعة بيننا، وعلينا أن نتعاون في رحلة البحث عنها، بأسلوب حوارٍ لا ذاتيات فيه، وإنما هي فكرة في مقابل فكرة.

وعلى هذا الأساس، نقول إن الحوار إنما هو بين الناس الذين يؤمنون بالحوار، أما الظالمون فلا حوار معهم {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} [العنكبوت:46]، لأن الظالم لا يقبل بالحوار، وإنما يريد أن يفرض قوته على الآخر. ومن هنا، فإن مشكلتنا مع إسرائيل ليست مشكلة المسلمين مع اليهود، أو مشكلة الإسلام مع اليهودية، إنما هي مشكلة المظلوم مع الظالم، وتلك هي مشكلتنا مع الاستعمار الذي يحتل بلاد المسلمين وغير المسلمين، وهي أيضاً مشكلتنا مع العولمة التي تستغل الفقراء لمصلحة الأغنياء.

الهوية الإسلامية في الغرب

المفكر الإسلامي البريطاني إجلال إمام: أتيت قبل يومين إلى لبنان، ونحن نقوم بورشات عمل وحوارات مع أناس من مذاهب مختلفة. أمس، كانت الورشة في الشمال، واليوم في بيروت، ونودّ أن نشارككم في شيء منها: في أوروبا هناك حوالي 25 مليون مسلم، ولأول مرة في تاريخ أوروبا يصل المسلمون إلى هذا العدد، ونحن نؤمن بأن نجاحنا يكمن في أننا قبلنا بأوروبا كوطنٍ لنا، وقبلنا بأن نكون جزءاً من الشعب الأوروبي، وأن نقوم بكل ما يمكننا القيام به لتحقيق رفاهية أوروبا، انطلاقاً من مسؤوليتنا الأخلاقية والدينية، وهذا ما سيؤدّي إلى أن يكون هناك حوار جديد أساسه أنه ليس هناك شرق وغرب، بل هناك عالم واحد يعيش فيه المسلمون وغير المسلمين.

    مشكلتنا مع إسرائيل ليست مشكلة المسلمين مع اليهود أو مشكلة الإسلام مع اليهودية إنما هي مشكلة الظالم مع المظلوم


ونحن الآن في أوروبا وفي بريطانيا نعيد تأكيد هويتنا مسلمين وأوروبيين بريطانيين، وهذا ما نؤكّده بوطنيتنا وبديننا، كما أننا نعيد تفسير ما نؤمن به بناءً على ما نعيشه، حتى بعض مقدساتنا، ونحن نواجه في هذا المجال تحديات كبيرة جداً، ومنها تحديات ثقافية، خصوصاً ممّن هم من بلدان شرقية، لأن هؤلاء يأتون بقيم تتناقض مع القيم الغربية، ما يحدث تصادماً، ولكن هذا ما نسعى لنتغلّب عليه، فأنا أبي من بنغلادش وأمي أيضاً، وزوجتي وأولادي سيكونون بريطانيين وبنغلادشيين ومسلمين، وهذا هو الشكل الجديد للهوية، ونحن نأمل بأن يقبل العالم الإسلامي بهذه الهوية وأن نكون جزءاً من المجتمع المسلم، وعندما نتكلم مع العالم، يجب أن لا ننسى أن هناك مسلمين أيضاً في الغرب.

السيد: نحن نقدّر دائماً لكثير من الإدارات الغربية استقبالها المسلمين، وخصوصاً الذين يحصلون على الجنسية الأوروبية أو الجنسية الأمريكية من قِبَل تلك الإدارات، أو الذين يحصلون على الإقامات الطويلة لأنهم لا يستطيعون أن يحصلوا على العيش الكريم في بلدانهم التي يسيطر عليها الحكم الديكتاتوري. ونحن في رسائلنا التي نرسلها إلى المسلمين في الغرب، نقول لهم إنّ عليهم أن يحافظوا على نظام وأمن البلد الذي يعيشون فيه، لأنّنا نعتبر أنه عندما يذهب المسلم إلى أي بلدٍ غربي، فهناك عهد بينه وبين إدارة البلد الذي يقيم فيه، بأن لا يسيء إلى نظامه، وعليه أن يفي بالعهد، وأن لا يخالف القوانين التي تمثل النظام العام للناس كلهم. وأيضاً نقول لهم إنّ عليهم أن يعيشوا قضايا المجتمع الذي هم جزء منه، مع بقائهم على هويتهم الإسلامية.     على المسلمين في الغرب أن يعيشوا قضايا المجتمع الذين هم جزء منه مع بقائهم على هويتهم الإسلامية

ولذلك، لا مشكلة بين أن يكون الإنسان مسلماً أو بريطانياً أو فرنسياً أو أمريكياً... في السابق كان يُقال إن هناك دار حرب ودار سلم، الآن ليس هناك دار حرب ودار سلم، هناك شعوب مختلطة من المسلمين وغير المسلمين، وليس هناك انفصال بين الدارين. ونحن ندعو إلى أن تكون العلاقة بين الناس علاقة إنسان بإنسان، لا علاقة شرقي بغربي، أو غربي بشرقي. هناك كلمة للإمام علي(ع) يقول فيها: "ليس بلد أولى بك من بلد، خير البلاد ما حملك"، فعليك أن تلتزم بالبلد الذي يحمي إنسانيتك، لأن الوطن ليس صنماً تعبده، ولكنه مكان يحفظ لك حقوقك.

ونحن ندعو إلى أنسنة الوطن، ونقف ضد كل عمل يمارسه الإرهاب في أي موقع من المواقع، ولذلك كنا ضد ما حدث في 11أيلول، وما حدث في إسبانيا وفي بريطانيا، وقد أنكرنا ذلك إنكاراً شديداً في الإعلام العام، لأننا نعتقد أن الإرهاب لا يمثل أي دين من الأديان، وأن الذين يربطون بين الدين والإرهاب لا يفهمون معنى الدين.     الإرهاب لا يمثل أي دين من الأديان وأن الذين يربطون بين الدين والإرهاب لا يفهمون معنى الدين

ومن هنا، نحن ضد المسلمين الذين يؤمنون بأن العنف هو الذي يمكن أن يحقق لهم أهدافهم، كما أننا كنّا نقول لبعض الأحزاب الموجودة في البلاد الإسلامية، إنّ أحزابكم تقوم على العصبية، أي أنّهم يقبلون بكل ما يقرره الحزب، ولكننا نلاحظ في بريطانيا، مثلاً، أن بعض المنتمين إلى حزب العمال يصوِّتون لحزب المحافظين، وأن بعض المنتمين إلى حزب المحافظين يصوِّتون لحزب العمال، لأن القضية ليست عصبية حزبية، لكنها مصلحة الوطن.

ونحن نعتقد أنه من مسؤولية المسلمين في بريطانيا وفي فرنسا وغيرهما، أن يفهِّموا الشعب هناك معنى الإسلام، وأنّ ما يقوم به بعض المسلمين لا يمثل الإسلام، كما عندما يقوم بعض المسيحيين بخطأٍ ما، فإنّ ذلك لا يمثل المسيحية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليهود. ولذا لا يجوز أن نحمل الإسلام والمسلمين كأمة مسؤولية ما يقوم به بعض المسلمين من أخطاء وانحرافات، كما لا يجوز أن نحمِّل المسيحية مسؤولية ما يقوم به بعض المسيحيين، أو أن نتهم الغرب كلّه بأنه سيّىء بسبب ما تقوم به بعض إدارات الدول الغربية التي تحسب نفسها على الغرب. بل إننا نشكر الكثير من الشعوب الغربية التي احتضنت المسلمين الذين لم يستطيعوا العيش الكريم في بلادهم.

ونحن نقدر العمل الذي تقومون به في بريطانيا وغيرها، على ألاّ يقتصر ذلك على النخبة، بل لا بد من أن ينزل إلى الواقع الشعبي، لأن المشكلة هي أن بعض الشعوب، سواء البريطانية أو الفرنسية، أصبحت تخاف من المسلمين، ولذا قد تمارس بعض أنواع العنف ضدّهم بشكل خاص، كما حدث بالنسبة إلى الشاب القطري في بريطانيا. لذلك لا بد من أن نثقف الشعوب الغربية بالمعنى الإنساني للإسلام، وأن نقول لهم: كما إنّ ما يقوم به بعض الغربيين في حروبهم ضد المسلمين لا يمثل كل شعوب الغرب، كذلك ما يقوم به بعض المسلمين من إساءةٍ إلى الأمن في الغرب، لا يمثّل كل الإسلام والمسلمين. نحن نعرف أن الجريمة في أمريكا ربما تفوق كل ما في البلدان الأخرى من الجرائم، فإذا كان هناك طالب يقتل زملاءه أو معلميه وأساتذته، فهل نقول إن كل الأمريكيين كذلك؟ كما أن الإدارة الأمريكية الحالية التي احتلت العراق وأفغانستان، لا تمثل كل الشعب الأمريكي، وهناك كثير من الرأي العام الأمريكي يرفض ما تقوم به الإدارة.

 

  لا بد من أن نثقّف الشعوب العربية بالمعنى الإنساني للإسلام


وهكذا بالنسبة إلى الشعب البريطاني الذي لا يوافق بأجمعه على سياسة رئيس الحكومة البريطانية، سواء الرئيس السابق أو الرئيس الحالي، كما أن هناك معارضة لسياسة الرئيس الحالي، والذي أصبح يعيش مشكلة قد يستفيد منها حزب المحافظين.

وعلى كلٍ، نحن نرحّب بك، ونعتبرك داعيةً إسلامياً حضارياً، يمكن لك أن تقوم بدور كبير في بريطانيا مع الشعب البريطاني، وأن تنصح المسلمين بأن يكونوا مواطنين صالحين في بريطانيا، وتنصح الحكومة البريطانية أيضاً، بأن لا تصدر القوانين التي تضيق فيها على المسلمين كما تفعل أمريكا الآن، وقولوا للغربيين، إن الإسلام في القرآن يدعونا إلى أن نكون أصدقاء العالم، فالله تعالى يقول: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم} [فصّلت:34]، فالإسلام يريدنا أن نكون أصدقاء العالم دون أن نتخلى عن هويتنا الإسلامية.

المفكّر الإسلامي: نحن ندعو الله أن يمنّ على هذا الجزء من العالم بالاستقرار...

لبنان وإيران

السيد: نحن يهمنا سلام العالم، والسلام لا يقوم إلا على أساس العدل، بأن نعطي لكل شعب حقه، لأنّ الظلم هو الذي يدمّر العالم، وهو أكثر خطراً من القنبلة الذرية. نحن نتحدث الآن، في الغرب وفي الشرق، عن السلاح النووي، ولكننا لا نتحدث عن السلاح الأخلاقي المضاد، وقد كنت أعتقد أن بريطانيا تتميز بخبرة سياسية تاريخية ودبلوماسية حتى في مواقفها السياسية المضادة، ولكنّنا الآن نجد أن الرئيس براون لم يعد دبلوماسياً في كثيرٍ من القضايا، كما في موقفه من المشروع النووي الإيراني الذي تؤكد إيران عبر أكثر من مسؤول ديني أنّه مشروع سلمي، لذلك فإنّ هذا الإصرار على العقوبات وما إلى ذلك، لعلّه ليس دقيقاً، أمّا بالنسبة إلى بلير، فهو يقول بأنه يعمل لمصلحة إسرائيل.

السفيرة البريطانية: منذ ثلاث سنوات حاولنا مناقشة إيران حول برنامجها.

السيد: ما دامت القضية تقوم على النوايا وعلى الأشياء الخفية، فأعتقد أنه من الضروري جداً إبقاء الحوار.

السفيرة: أعتقد أن الحوار سيستمر.

السيد: الحوار ضرورة، ولهذا نجد أن الاتحاد الأوروبي الآن في (فيينّا) أصبح أقلّ حدّة.

السفيرة: على الإيرانيين أن يتعاونوا أيضاً مع الأمم المتحدة...

السيد: صحيح، لكن عندما تكون هناك مصلحة دولية، فإنّ أية دولة تحاول أن تحافظ على أسرارها العسكرية، ولأن وكالة الطاقة النووية، وبحسب اتهام إيران لها، تحاول أن تنفذ إلى بعض الأشياء التي تمثل أسراراً عسكريةً لإيران، فهذا ما لا تسمح به أي دولة من الدول، لأن الأسرار العسكرية هي أسرار مهمة بالنسبة إليها.

السفيرة: أعتقد أن التعاون معها سيستمر، ولكن كما قلت، إن على الإيرانيين أن يردوا أيضاً...

السيد: أتصور أن الإيرانيين أمام هذا الوضع السياسي المضاد، والذي يحاول أن يثير المشاكل في داخل إيران، وخصوصاً فيما تتحرك به إسرائيل في الضغط على أمريكا وغيره، أصبحوا يعيشون الخوف والقلق من التعامل مع الآخرين، وكما أن الأوروبيين والأمريكيين يحاسبون إيران على نواياها، فهي تريد أن تحاسب الغرب على نواياه أيضاً، وهذا من حقها كدولة.

السفيرة: لكن الخسارة للبنان إذاً...

    الظلم هو الذي يدمّر العالم، وهو أكثر خطراً من القنبلة الذرية


السيد: أما بالنسبة إلى لبنان، فلبنان صُنع طائفياً ليبقى ولايات غير متحدة، ولذا ترين الآن أن اللغة الموجودة لدى السياسيين ليست ما هي مصلحة لبنان، ما هي مصلحة المسيحيين، ما هي مصلحة السنة، ما هي مصلحة الشيعة، ما هي مصلحة الدروز؟ لأن لبنان لم يؤسس على أساس المواطنة ككل الدول في العالم، وإنما أُسِّس على أساس طائفي، بحيث تشعر كل طائفة بأنها مستقلة ولها سياسيوها ومناطقها ولها رجال دينها وما إلى ذلك، وهذا الذي يخلق الحساسيات ويمنع المصالحة الحقيقية، لأن المصالحة تكون من فوق ولا تكون من تحت في هذا الموضوع.

ولذلك، فإن أية هزة أو أي شيء يحدث، قد يُربك الوضع في لبنان، ولكنني أعتقد أن لبنان لن يدخل في حرب أهلية، ولكن يبقى في حرب سياسية، أنا كنت أقول كما قلت سابقاً في أيام الحرب: هناك ثلاث لاءات تحكم لبنان، (لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار).

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 29 شوال 1429 هـ  الموافق: 28/10/2008 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية