المرجع السيد محمد حسين فضل الله:
إذا ارتدّ مسلم فلا شيء لنا عليه... ولا نحاسب من لا يؤمن بالله |
في الحلقة الرابعة من الحوار الشامل الذي أجرته مجلة "الشراع" مع سماحة المرجع الإسلامي العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، يتحدّث سماحته عن الحالة الإسلامية، وخصوصاً الانطلاقات الأولى للمقاومة الإسلامية في لبنان وجذور تأسيسها العربية، كما يتحدث عن مسألة التبشير الديني لدى المسلمين والمسيحيين.
الحالة الإسلامية في لبنان
س: بعد حوالي ربع قرن على قيام الحركة الإسلامية، كيف تصف واقعها اليوم انطلاقاً من لبنان، وأنتم أول من أطلق هذا المصطلح؟
ج: لقد تمثّلت الحركة الإسلامية في بداية نشأتها في لبنان بحزب الدعوة الذي انطلق في العراق ووصل إلى لبنان عبر مجموعة من الشخصيات المنتمية إليه، وقد استطاع هذا الحزب أن يستقطب مجموعةً من الشباب الذين انضمّوا إليه والتزموا به، ولكن هذا الحزب الذي كان يتحرك إسلامياً في الوسط الشيعي، لم يستطع أن يمتد فيه امتداداً كبيراً، لأن الظروف لم تتوافر لهذا الامتداد، ولكنه استطاع أن ينفتح على النخب الشبابية من المسلمين الشيعة، إلى أن انطلقت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة السيد الخميني(ره)، فانفتح هذا الوجود الإسلامي على الثورة الإسلامية، وتحول من حزب الدعوة إلى حزب ولاية الفقيه، إذا صحّ التعبير، وقد التقى هذا التحول بحاجة الجمهورية الإسلامية في إيران إلى فريق إسلامي يساند مسيرة الإمام الخميني(ره) ويناصرها ويؤكّدها. |
لذلك، لم يعد لحزب الدعوة وجود فاعل في لبنان، وانتقل التركيز بعدها على الحركة الجديدة التي اعتبرتها الجمهورية الإسلامية قاعدةً تتحرك من خلالها في لبنان، على اعتبار أن لبنان يمثّل الساحة التي تنفتح على الغرب كما ينفتح الغرب من خلالها على الشرق. وقد انفتحت المذاهب الإسلامية بشكل عام على الجمهورية الإسلامية على خلفية مناصرتها وتأييدها للمقاومة الفلسطينية ورفضها السياسة الأمريكية، وقد اندفع هؤلاء مع الثورة الإسلامية قبل أن تُشَنَّ الحرب عليها من خلال القوى الدولية والإقليمية المضادة للثورة.
ولذلك استطاعت الثورة الإسلامية من خلال إطلالة الإمام الخميني ومواكبته للأحداث وما قام به من تحركات، وخصوصاً في الهجوم الشهير على السفارة الأمريكية في طهران، استطاعت أن تحرّك الجو الإسلامي في المنطقة الذي كان جامداً، فجاء من بعث فيه الحركة، ثم شُنّت بعد ذلك الحرب على إيران، والتي كانت من ركائزها الأساسية الحرب الإعلامية التي صوَّرت الثورة الإسلامية في إيران على أنها ثورة شيعية وليست ثورةً إسلاميةً، لفصل المسلمين السنة عن هذه الثورة، إلى جانب إثارة المسألة الفارسية والعربية، لفصل العرب أيضاً عن تلك الثورة، وقد استطاعت هذه الحرب أن تدمّر العراق وإيران معاً، في لعبة دولية غربية عملت على إضعاف الثورة الإسلامية من جهة، وعلى تدمير العراق من جهة أخرى، خوفاً على إسرائيل من قوة العراق ومن امتداد الثورة إليه.
هذه التطورات السياسية والعسكرية والإعلامية استطاعت أن توجد قاعدةً إسلاميةً جديدةً في لبنان تمثلت بحزب الله، كانت خطّتها الأساسيّة مواجهة إسرائيل، وقد تمكن هذا الفريق الذي تدعمه إيران وانضمت سوريا إلى دعمه في الثمانينات، تمكّن من الوقوف على قدميه، ومن الدخول في تجربة المقاومة ضد إسرائيل، ما ترك تأثيره على الواقع السياسي اللبناني، واستطاع أيضاً بفعل مقاومته لإسرائيل وتأييده ودعمه للقضية الفلسطينية، أن يحصل على امتداد كبير في الساحة الإسلامية، حتى أصبح قوةً عسكريةً جهاديةً وسياسيةً كبيرةً، خصوصاً بعد أن استمرت هذه القوى الإسلامية وحدها في المقاومة إثر توقف قوى وأحزاب أخرى كان لها دور في العمل المقاوم، فتعزز موقعها، وأصبح لها موقع متقدم أكثر في لبنان بعد الانتصار الذي حققته على إسرائيل عام 2000م، وإخراج الاحتلال الإسرائيلي من معظم المناطق اللبنانية.
ولعلّ بعضهم قد يفكّر في أنّ هذه الحركة الإسلامية شُغلت أو انشغلت بالجانب الجهادي عن الجانب الثقافي، فلم تستطع أن تمتد في العالم الإسلامي من الناحية الثقافية، وخصوصاً بعد إثارة الجانب المذهبي والحساسيات اللبنانية التي حاولت أن تثير الفتنة المذهبية لحسابات داخلية ومحلية. |
ولكن هذه الحركة الإسلامية اللبنانية المنفتحة بحاجاتها العسكرية والاقتصادية على إيران وسوريا، تطورت لاحقاً، وأصبحت قوةً إقليميةً، وتمكنت من أن تحقق انتصاراً آخر على إسرائيل في حرب تموز/ يوليو عام 2006، اعترف به العدو الإسرائيلي نفسه.
ونحن نعتقد أن هذه الحركة الإسلامية استطاعت أن تأخذ قدراً من القوة، كما أن انتصاراتها أتاحت لها أن تنال تأييداً واسعاً في العالم العربي والإسلامي الذي كان يشعر بالإحباط أمام الهزائم التي ألحقتها به إسرائيل، ولهذا نرى أن هذا الفريق المقاوم، استطاع أن يعطي الواقع العربي والإسلامي عنفواناً جديداً أوحى بأن العرب يمكن لهم أن ينتصروا إذا أخذوا بأسباب القوة...
وهكذا أصبحت الحركة الإسلامية المتحركة في خط المقاومة الإسلامية رقماً صعباً في لبنان وحتى في المنطقة، إذ إنها دخلت الصراع ضد أمريكا والدول الغربية، حتى أصبحت السياسات الغربية بشكل عام، وبعض السياسات العربية، تطلب رأس المقاومة، وتصنّفها ضمن المنظمات الإرهابية، أو تصفها بأنها مقاومة مغامرة وغير عاقلة تربك الواقع والسياسات بالنسبة إلى بعض الدول العربية.
مقاومة إسلامية بجذور عربية
س: ما تفضلتم به من كلام عن البدايات الأولى لانطلاق المقاومة في لبنان، يدل على أن جذورها الفكرية والسياسية هي جذور عربية؟ |
ج: إنّ حزب الدعوة انطلق على يد مجموعة كانت تعيش في النجف الأشرف، ومن هذه المجموعة السيد محمد باقر الصدر، والسيد مهدي الحكيم ابن المرجع السيد محسن الحكيم، والتحق بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وكنا نحن أيضاً في هذه المجموعة، وكان من بينها أيضاً أبو حسن سبيتي الذي اغتالته الاستخبارات العراقية في الأردن، وعبد الصاحب دخيل، والشيخ عارف وغيرهم، وقد كانت مجموعةً مميزةً، واستطاعت أن تنفذ إلى لبنان، وكادت أن تنفذ إلى إيران أيضاً، لكن الظروف لم تسمح لها بذلك، وكان من مميزاتها أنها انفتحت على الوحدة الإسلامية في علاقاتها مع شخصيات إسلامية سنية، كالمرحوم الشيخ عبد العزيز البدري الذي أعدمه صدام حسين.
وقد قامت هذه الحركة بجهد ثقافي تمثل بالكتب التي أصدرها السيد محمد باقر الصدر مثل "فلسفتنا" و"اقتصادنا"، وبما أصدرناه نحن من كتب أيضاً، مثل "أسلوب الدعوة في القرآن"، وما أصدرته بعض الشخصيات الإسلامية الأخرى كالشيخ محمد أمين زين الدين. وكان النجف الأشرف بهذه الحركة يتهيّأ للقيام بدور قيادي وريادي بالانفتاح على العصر وعلى العالم، لكن الأحداث التي أطبقت على النجف حينها، منعت تحقق هذه الثورة الفكرية والثقافية، إذا صحّ التعبير، وحدّت من امتدادها، وكانت هذه الحركة الإسلامية تعتبر أن هناك مراحل للتحرك، فهناك المرحلة الثقافية، فالمرحلة السياسية، فالمرحلة الجهادية، ولكن الظروف التي حاصرتها منعتها من تحقيق ما أرادته.
س: في اعتقادكم، هل إن الظروف الحالية تسمح بالعودة إلى مثل هذا التخطيط في العمل الإسلامي على مستوى المنطقة؟
ج: من الطبيعي أن هذا الامتداد الذي كان يفكر فيه قادة تلك الحركة الإسلامية لم يتحقّق، بسبب التطورات والأحداث التي حصلت، وبسبب الظروف التي تغيرت، ولذلك بقي هذا الأمر في نطاق المقاومة الإسلامية في لبنان. كما أنّ من الحركات التي لم تستطع أن تحقق امتداداً، حركة "الأخوان المسلمين" في مصر، التي ترزح تحت ضغوط هائلة، وتعيش الحيرة بين الخطوط التي تتعايش مع النظام والدولة، والخطوط التي تصطدم بالدولة، وهذا ما نلاحظه في كل انتخابات برلمانية تحدث في مصر، إذ يشكو "الأخوان المسلمون" من أنهم يواجهون حرباً شعواء لإبعاد مرشحيهم عن الترشيح والنجاح الذي يمكن تحقيقه استناداً إلى ما لهم من شعبية واسعة، خصوصاً أنهم بدأوا يطرحون الاعتدال بدلاً من العنف في توجهاتهم.
وهناك أيضاً مواقع إسلامية محدودة صغيرة في الجزائر والمغرب، تعيش أيضاً تحت تأثير الضغوط الحكومية لجهة اتهامها بالإرهاب، وخصوصاً أن بعض الذين جاؤوا إلى هذه البلدان، قاموا بأعمال لا تبتعد عن التطرف والإرهاب، كما أنّ هناك مواقع أخرى تتحرك في خطوط إسلامية متفرقة في العالم الإسلامي. ولعل المشكلة الكبرى التي يعيشها هذا العالم، هو أنّ بعض الحركات الإسلامية التي نشأت تحت عنوان محاربة أمريكا أو الغرب، هي حركات متطرفة في تفكيرها، إذ إنها تكفّر المسلمين الذين يختلفون معها في الرأي، إضافةً إلى أنهم يعتبرون أن العنف هو الوسيلة في تحقيق المطالب.
وهذا ما لاحظناه مثلاً فيما حصل في أحداث11أيلول/ سبتمبر في أمريكا، والتي استفادت منها أمريكا أكثر مما استفاد منها العالم الإسلامي، بل إن تلك الأحداث أصابت العالم الإسلامي بالكثير من التعقيدات التي أفسحت في المجال لأمريكا لأن تمتد في كل مفاصله باسم الحرب على الإرهاب، وهي الحرب التي حين ندرس أعماقها وخلفياتها، نجد أنها في الحقيقة حرب على معارضي السياسة الأمريكية.
دور النجف القيادي
س: تحدثت عما كانت تتهيأ له النجف من دور قيادي، وكان من المتوقع بعد سقوط نظام صدام حسين أن تنتقلوا أنتم كأحد المراجع الشيعية الكبار إلى النجف، وكان متوقعاً للنجف أن يستعيد دوره كمرجعية دينية في العالم العربي، لكن أياً من الأمرين لم يحصل، لماذا؟ |
ج: أولاً، أنا ما أزال مستهدفاً من قِبَل الإدارة الأمريكية التي أطلقت حكماً عليّ بأنني إرهابي، حتى إنه في زمن كلينتون، تم إصدار قرار بتجميد أرصدتي في أمريكا، والتي لم تزد على سنت واحد! ولذلك فإنّ كثيراً من التصريحات التي حدثني عنها بعض أصدقائنا من الشخصيات اللبنانية، استناداً إلى لقاءاتهم مع مسؤولين أمريكيين، تؤكد أن الأمريكيين لا يزالون يعتبرونني في دائرة الإرهاب، كما أنني أواجه مسألة الخطر الإسرائيلي الذي يهددني بالتصفية، ولعل أوضح دليل على ذلك، أنهم قصفوا البيوت في حرب تموز/يوليو مرةً واحدةً، إلا بيتي، فقد قصفوه مرتين.
لذلك، فإن الذهاب إلى النجف فيه الكثير من الأخطار، ولكنني ما أزال على علاقاتي الواسعة مع القيادات الإسلامية في العراق، وأتلقى الكثير من الاستشارات والأسئلة، وأحاول أن أصحح ما أجده من خطأ يقع فيه بعضهم، وبعضهم يستمعون إلي، كما أن هناك امتداداً في مسألة المرجعية والتقليد في أكثر من منطقة من مناطق العراق، وقد بدأت بالقيام ببعض المشاريع الاجتماعية، كمشروع المبرات في بغداد، ومشروع إغاثة لثلاثة آلاف أسرة من الأيتام نقوم بمساعدتهم شهرياً.
مرجعية النجف
س: هناك من يقول إن خلافاتكم الفقهية العميقة مع بعض المراجع في النجف، وخصوصاً السيد علي السيستاني، هي سبب إضافي ورئيسي لعدم ذهابكم إلى النجف؟ |
ج: هذا ليس صحيحاً، لأن النجف مفتوحة لكل المرجعيات التي يمكن أن تدخل إليها، فهناك مراجع آخرون مثلاً، وهم موجودون إلى جانب السيد السيستاني، كما أننا نلاحظ أن السيد الخامنئي غير موجود في النجف، لكن له مكتب وممثلون عنه يتحركون باسمه في النجف.
س: ولماذا لم تستعد النجف دورها كمرجعية قيادية بعد بالشكل الذي كانت عليه؟
ج: لأنه ليس هناك شخصيات تنفتح على الموقع القيادي في العالم، كما كان الأمر بالنسبة إلى المرحوم السيد محسن الحكيم إلى حدٍ ما، والسيد محمد باقر الصدر الذي كان يتهيّأ ليقف في موقع القيادة.
التبشير الإسلامي والتبشير المسيحي
س: سبق وذكرت أن من حق أي إنسان أن يطرح أفكاره ويحاول أن يقنع الآخر باعتناق ما يدعو إليه ويعتقد به في إطار الحوار بين السنة والشيعة، فهل ينطبق هذا أيضاً على التبشير المسيحي بين المسلمين؟ |
ج: نحن لا نفكر بغير ما يفكر فيه المسيحيون، ففي أكثر من تصريح لشخصيات مسيحية، بمن فيهم بابا الفاتيكان، أنّ على الأكليروس المسيحي أن يعمل على الدعوة إلى الإيمان بالسيد المسيح على مستوى العالم، فهم كقياديين في عقيدتهم ـ وأقصد الكاثوليك ـ يعملون على أساس إدخال العالم كله في المسيحية، حتى إني قرأت أخيراً أن العلاقات متوترة بين الكاثوليك المتمثلين بالفاتيكان وبين بطريركية موسكو، والسبب، أن بطريركية موسكو تأخذ على الفاتيكان أنه يحاول التبشير في المناطق الأرثوذكسية، وهذا أمر لا يقبل به الأرثوذكس. إذاً هناك مشكلة في هذا المجال حتى داخل الواقع المسيحي. ولكنّ البعض يتحدث بشكلٍ سلبي عن الاهتمام بالدعوة العالمية إلى الإسلام، ولا يأخذ على المسيحيين مساعيهم الدائمة في التبشير بالمسيحية.
أما بالنسبة إلى الواقع الإسلامي، فنحن نلاحظ أن هناك حركةً واسعةً في العالم الإسلامي لطبع آلاف الكتب، ولمحاولة التبشير بالمذهب السني ضد المذهب الشيعي، ونحن نعرف أن هناك كثيراً من الدراسات والكتب التي تحاول تثقيف السنة بأن الشيعة ليسوا مسلمين، ولعل ما يشير إلى ذلك تعبير صديقنا الشيخ يوسف القرضاوي في أحد تصريحاته بأن "الشيعة هم فرقة مبتدعة"، أي تأخذ بالبدعة، والموقف الشرعي الإسلامي يؤكّد أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وغير ذلك مما يُنسب إلى الشيعة من تحريف القرآن، مع أن الشيعة يصرحون منذ أكثر من ألف عام بأنهم مجمعون على أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأن الله تكفّل بحفظه، وذلك قوله تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون}[الحجر/9]، وغير ذلك من إعلانهم عن رفضهم سبّ الصحابة وأمهات المؤمنين الذي صدرت فتاوى واضحة بتحريمه من العلماء الوحدويين الشيعة، وكنت أنا ممّن أصدر فتوى بتحريم الإساءة إلى الصحابة وأمهات المؤمنين.
لذلك هناك حرب تاريخية، وهي ليست جديدةًَ، في محاولة إقناع الشيعة أنفسهم بأن التشيع لا يمثل الخط الإسلامي الأصيل المتوازن، وأن التسنن هو الذي يمثل الإسلام. أما في مسألة التبشير الشيعي، والضجة التي أُثيرت حولها، فلا أجد لها مبرّراً واقعياً، قد تكون هناك بعض التجارب حصلت في هذا البلد أو ذاك، بحيث يقنع شيعي سنياً بالتشيع، أو يقنع سني شيعياً بالتسنن، ولكن الأمر ليس بالمستوى الذي عبّروا عنه بأنّه غزو.
ولا شك في أن هناك الكثيرين في الوسط الإسلامي الذي تتحرك فيه السياسة الدولية والإقليمية، يحاولون أن يثيروا حرباً ضد أصالة التشيع في الإسلام، حتى إنني قرأت بعض تصريحات صادرة عما يُسمى (جبهة علماء الأزهر)، وفيها الكثير من الأكاذيب التي لم يسمع بها أحد من الشيعة. وأنا لا أتصور أن هناك حرباً حقيقية بين السنة والشيعة، ولكن هناك تراكمات تاريخية وتعقيدات لدى بعض العلماء هنا والعلماء هناك، ولدى الوسط الشعبي في الجانبين، يستغلها الذين لا يريدون للمسلمين أن يتوحدوا، ولا للمنطقة الإسلامية أن تستقر.
س: هل تقبلون بالتبشير المسيحي لدى المسلمين؟
ج: نحن نعيش في مرحلةٍ أصبحت فيها الحرية الفكرية، سواء حرية التعبير أو التفكير أو الاعتقاد أو الحوار، هي قاعدة الحضارة والتقدم واحترام الإنسان في حقوقه الإنسانية. ولذلك لا أرى أية مشكلة في أن يحاور المسيحيون المسلمين، أو يحاور المسلمون المسحيين، أو أن يحاور السنة الشيعة أو العكس. ونحن كنا من دعاة الحوار، وتحدثنا في كتابنا "الحوار في القرآن" عن أنه من الممكن إطلاق الحوار مع الملحدين، والعلمانيين، واليهود، والمسيحيين، وأي فكر آخر، والقرآن الكريم هو الذي أطلق مسألة الحوار، إلى درجة أنه تحدث عن الاتهامات السيئة التي كانت توجّه إلى شخصية النبي(ص)، وهو ما لم ينقله لنا أي كتاب تاريخي، إذ وصفه مجتمع الجاهلية بأنه شاعر وكافر وساحر ومجنون... إلخ. ولذلك أقول إن الشخص المثقف لا يتعقد مما يقوم به أي فريق آخر في محاولة إقناع الآخرين برأيه أو بدينه أو بمذهبه.
حكم المرتدّ
س: وماذا لو أدى هذا الحوار إلى انتقال مسلم شيعي إلى ديانة أخرى؟ |
ج: نحن لا نرضى بذلك، وهذا طبيعي، ولكننا في قضية المرتد نقول إنه عندما ينتقل المسلم إلى دين آخر، فإن الطريقة الإسلامية ليست في أن يحكم عليه حكماً صارماً مباشراً وسريعاً، بل يستتاب، بمعنى أن نسأله عن سبب انتقاله من الإسلام إلى دين آخر، وما هي الأسس التي ارتكز عليها في تغيير دينه، فإن قدم إلينا المعطيات، فإننا نناقشه بطريقة علمية موضوعية إلى المستوى الذي نقنعه فيه بالعودة، وإذا لم نستطع أن نقنعه لأننا لا نملك حجةً تؤدي إلى الإقناع، فلا شيء لنا عليه.
س: وحكم المرتدّ؟
ج: لأنّ العصر الذي نعيش فيه هو عصر مملوء بالشبهات، فإن الارتداد الناشىء من الشبهات المعقدة الكثيرة يختلف عن الارتداد الساذج، ثم إن الارتداد بذاته لا يُطلق حكماً، إلا إذا أعلنه الشخص ودعا إليه.
س: يُطلق الحكم إذا اقترن الارتداد بالدعوة إليه؟
ج: إذا اقترن الارتداد بالدعوة إليه، عندها ينطلق الحكم على المرتد، لأنه لو افترضنا مثلاً أن أحدهم لا يؤمن بالله، فلا نحاسبه ما دام هو يأخذ بالنظام الإسلامي في بلد إسلامي يعيش فيه، ولكن عندما يحاول أن يحارب الفكر الإسلامي في داخل البلاد الإسلامية ليعبر عن رأيه، فهذا ممنوع في الإسلام، لأن ذلك يربك الوضع الإسلامي العام. |
حوار: زين حمود ـ أحمد الموسوي
|