رأى أن الظروف باتت مناسبة لإقامة تشكّلات سياسية شعبية تخدم قضايا الشعوب
فضل الله: تداعي الأمم المتحدة وفشل عدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي يفرض البحث عن البدائل
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تطرّق فيه إلى تداعي المنظمات الدولية والإقليمية وضرورة البحث عن بدائل لها، وجاء فيه:
يشهد العالم في هذه الأيام انهيارات متلاحقة تصيب نظامه الاقتصادي، ذلك النظام الذي جرى ترتيبه على قياسات دول جعلت همها الأول والأخير الهيمنة على مصادر الطاقة والثروات والسيطرة على المواقع المالية والنقدية العالمية عبر شركاتها العابرة للقارات، وآلتها التكنولوجية التي سُخّرت لتعميم هذه الهيمنة وتلك السيطرة بطريقة جنونية عجائبية.
ولكن هذا السقوط الاقتصادي سبقه سقوط سياسي ليس على مستوى آلية الممارسة السياسية فحسب، بل على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، التي انطلقت ـ في الأساس ـ تحت عنوان مواجهة الظلم اللاحق بحقّ الشعوب، وتوفير أفضل الفرص لبيئة إنسانية عالمية يسودها السلام، وتنعدم فيها الحروب والاحتلالات، لتنطلق العلاقات الدولية والإقليمية في سياق العدالة التي تُحفظ فيها حقوق الشعوب وتصان فيها كرامات الأمم...
لقد شهدنا في العقود الأخيرة، وفي السنوات الأخيرة، وخصوصاً في عهد الإدارة الأمريكية المحافظة، تداعياً مستمراً للأمم المتحدة التي خضعت من خلال مجلس الأمن في قراراته ومن خلال السياسة العامة للمنظمة في شكل عام للقيادة الأمريكية، الأمر الذي جعل عجلة الحروب تسبق عجلة السلام، حيث أن الإدارة الأمريكية اجتاحت الأمم المتحدة قبل أن تبدأ عملية الغزو الدامي في احتلالها لأفغانستان والعراق وفي استباحتها للقانون الدولي والشرائع الدولية واتفاقيات جنيف وغيرها من القوانين التي تسالمت عليها الدول.
وإلى جانب هذا الانهيار الذي أصاب الأمم المتحدة في حركتها وأسقط هيبتها وتوازنها في عيون الشعوب، شهدنا تداعي منظمة "عدم الانحياز" بعد شعار الحياد الإيجابي الذي طرحته في أثناء الحرب البادرة، حيث باتت قراراتها باردة وباهتة، وخصوصاً بعدما دخلت الكثير من دولها في دائرة هذا المحور الدولي أو ذاك، فباتت تمثل منظمة الدول المنحازة ويغلب على الكثير من دولها الارتباط بعجلة السياسة الأمريكية حتى تحولت إلى رافعة للاستراتيجية الأمريكية في العالم، ولاسيما في العالم الثالث، وذلك من خلال مؤتمراتها التي لم تستطع قراراتها أن تحرك مضمونها السياسي والاقتصادي إلا من خلال الورق الذي كتب فيها والاحتفالات الاستعراضية التي يجتمع فيها المنتسبون إليها.
أما منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد اختفت السياسة الأمريكية وراء الكثير من خلفياتها في جهد أمريكي متواصل لإيجاد محور إسلامي تابع للمحور الأمريكي، للإيحاء بأن الأمة الإسلامية تدعم مقررات هذا المحور وتسير في فلكه مع حفظ ماء الوجه في بعض الشعارات الإسلامية أو في طرح عناوين القضايا الإسلامية على جدول أعمالها بطريقة رسمية كلاسيكية، الأمر الذي أسقط مضامين هذه القضايا، وخصوصاً القضية الفلسطينية، وأفسح في المجال لمزيد من الاختراق الأمريكي على مستوى القمة في ظلّ المحاولات المتصاعدة لاختراقات متعددة الوجه والهدف على مستوى القاعدة، الأمر الذي ساهم في تعميق الجراحات الدامية في احتلال العراق وأفغانستان وإشاعة الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية في السودان والصومال وباكستان وصولاً إلى محاولات الضغط المتواصلة على سوريا وإيران ولبنان... فأفرغت منظمة المؤتمر الإسلامي من مضمونها وإن بقيت كتجمع يجذب إليه الدول الإسلامية الأعضاء في هذه المناسبة السياسية أو تلك.
أما الجامعة العربية التي انتقلت من الحاضنة البريطانية إلى الحاضنة الأمريكية، فقد لمسنا في حركة الكثير من موظفيها مراعاة لهذه الدولة العربية الفاعلة، أو لذاك المحور العربي الذي قد يتشكّل تحت سيل الضغوط الأمريكية، ووجدناها تذهب في حركتها الدبلوماسية والسياسية إلى حيث تريد بعض الدول العربية الخاضعة للإملاءات الأمريكية، فتحولت إلى جامعة التناقضات العربية، كما انخرط بعض مسؤوليها في لعبة المشاكل العربية أو التبعية لهذا الزعيم أو ذاك في نطاق التوظيفات الجديدة للمال العربي، فتعقدت الأوضاع العربية أكثر بعدما استولت القضايا الشخصية والمصالح الآنية على قضايا الأمة ومشاريعها الكبرى. وقد رأينا طريقة إدارتها لبعض الأزمات مؤخراً سواء بالنسبة إلى تهجير المسيحيين من العراق أو في الاعتداء الأمريكي الأخير على سوريا بما يؤكد ضعفها وعجزها وانكفاءها.
إننا في الوقت الذي نستمع لمواقف تدعو إلى تغيير جذري في النطاق الاقتصادي والمالي العالمي، وإلى دعوات مماثلة إلى صياغة نظام سياسي عالمي جديد، أكثر عدالةً على أنقاض النظام الحالي المتداعي، ندعو إلى حركة جديدة على مستوى المنظمات الإقليمية أو الدولية، فإذا كانت المنظمات القائمة لا تزال تمثل ضرورة لتجميع الدول في نطاق مؤتمرات تخفف من حدّة الانقسام أو تصنع واقعاً شكلياً من الانسجام، فإننا لن ندعو إلى الخلاص الكلي من هذه المنظمات التي فشلت ـ إلى حدٍ كبير ـ في تأدية رسالتها، ولكنا ـ في الوقت نفسه ـ ندعو إلى قيام جامعة الشعوب العربية ومنظمة الشعوب الإسلامية وإلى تحالف الشعوب المستضعفة بهيئاتها الشعبية وحركاتها التحررية في مواجهة محاور الاستكبار ومواقع الظلم العالمي، وخصوصاً الأمريكي والصهيوني.
إننا، وفي ظل الأزمات الكبرى التي تعصف بالعالم في هذه الأيام، ومع بروز حراك دولي جديد وتموضع جديد في المسارات السياسية العالمية، نرى أن الفرص تبدو مناسبة للمباشرة بخطوات عملية وجديّة لإحداث تشكّلات سياسية شعبية فاعلة تخدم قضايا الشعوب المستضعفة وخصوصاً شعوبنا العربية والإسلامية، وتواجه النفوذ الاستكباري في بلادنا في سياق خطة تتكامل فيها المواقع وتتوزع فيها الجهات المتعددة الأدوار، وصولاً إلى قيام واقع عالمي جديد يمهّد لصناعة عالم حر ومستقل تنطلق فيه قوة الشعوب في مواجهة الإمبراطورية الأمريكية التي توزع الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية على العالم كله مستغلةً إمكاناتها الذاتية وضعف الآخرين ورضوخهم لحركتها الاستكبارية الظالمة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 4-11-1429 هـ الموافق: 02/11/2008 م
رأى أن الظروف باتت مناسبة لإقامة تشكّلات سياسية شعبية تخدم قضايا الشعوب
فضل الله: تداعي الأمم المتحدة وفشل عدم الانحياز والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي يفرض البحث عن البدائل
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تطرّق فيه إلى تداعي المنظمات الدولية والإقليمية وضرورة البحث عن بدائل لها، وجاء فيه:
يشهد العالم في هذه الأيام انهيارات متلاحقة تصيب نظامه الاقتصادي، ذلك النظام الذي جرى ترتيبه على قياسات دول جعلت همها الأول والأخير الهيمنة على مصادر الطاقة والثروات والسيطرة على المواقع المالية والنقدية العالمية عبر شركاتها العابرة للقارات، وآلتها التكنولوجية التي سُخّرت لتعميم هذه الهيمنة وتلك السيطرة بطريقة جنونية عجائبية.
ولكن هذا السقوط الاقتصادي سبقه سقوط سياسي ليس على مستوى آلية الممارسة السياسية فحسب، بل على مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، التي انطلقت ـ في الأساس ـ تحت عنوان مواجهة الظلم اللاحق بحقّ الشعوب، وتوفير أفضل الفرص لبيئة إنسانية عالمية يسودها السلام، وتنعدم فيها الحروب والاحتلالات، لتنطلق العلاقات الدولية والإقليمية في سياق العدالة التي تُحفظ فيها حقوق الشعوب وتصان فيها كرامات الأمم...
لقد شهدنا في العقود الأخيرة، وفي السنوات الأخيرة، وخصوصاً في عهد الإدارة الأمريكية المحافظة، تداعياً مستمراً للأمم المتحدة التي خضعت من خلال مجلس الأمن في قراراته ومن خلال السياسة العامة للمنظمة في شكل عام للقيادة الأمريكية، الأمر الذي جعل عجلة الحروب تسبق عجلة السلام، حيث أن الإدارة الأمريكية اجتاحت الأمم المتحدة قبل أن تبدأ عملية الغزو الدامي في احتلالها لأفغانستان والعراق وفي استباحتها للقانون الدولي والشرائع الدولية واتفاقيات جنيف وغيرها من القوانين التي تسالمت عليها الدول.
وإلى جانب هذا الانهيار الذي أصاب الأمم المتحدة في حركتها وأسقط هيبتها وتوازنها في عيون الشعوب، شهدنا تداعي منظمة "عدم الانحياز" بعد شعار الحياد الإيجابي الذي طرحته في أثناء الحرب البادرة، حيث باتت قراراتها باردة وباهتة، وخصوصاً بعدما دخلت الكثير من دولها في دائرة هذا المحور الدولي أو ذاك، فباتت تمثل منظمة الدول المنحازة ويغلب على الكثير من دولها الارتباط بعجلة السياسة الأمريكية حتى تحولت إلى رافعة للاستراتيجية الأمريكية في العالم، ولاسيما في العالم الثالث، وذلك من خلال مؤتمراتها التي لم تستطع قراراتها أن تحرك مضمونها السياسي والاقتصادي إلا من خلال الورق الذي كتب فيها والاحتفالات الاستعراضية التي يجتمع فيها المنتسبون إليها.
أما منظمة المؤتمر الإسلامي، فقد اختفت السياسة الأمريكية وراء الكثير من خلفياتها في جهد أمريكي متواصل لإيجاد محور إسلامي تابع للمحور الأمريكي، للإيحاء بأن الأمة الإسلامية تدعم مقررات هذا المحور وتسير في فلكه مع حفظ ماء الوجه في بعض الشعارات الإسلامية أو في طرح عناوين القضايا الإسلامية على جدول أعمالها بطريقة رسمية كلاسيكية، الأمر الذي أسقط مضامين هذه القضايا، وخصوصاً القضية الفلسطينية، وأفسح في المجال لمزيد من الاختراق الأمريكي على مستوى القمة في ظلّ المحاولات المتصاعدة لاختراقات متعددة الوجه والهدف على مستوى القاعدة، الأمر الذي ساهم في تعميق الجراحات الدامية في احتلال العراق وأفغانستان وإشاعة الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية في السودان والصومال وباكستان وصولاً إلى محاولات الضغط المتواصلة على سوريا وإيران ولبنان... فأفرغت منظمة المؤتمر الإسلامي من مضمونها وإن بقيت كتجمع يجذب إليه الدول الإسلامية الأعضاء في هذه المناسبة السياسية أو تلك.
أما الجامعة العربية التي انتقلت من الحاضنة البريطانية إلى الحاضنة الأمريكية، فقد لمسنا في حركة الكثير من موظفيها مراعاة لهذه الدولة العربية الفاعلة، أو لذاك المحور العربي الذي قد يتشكّل تحت سيل الضغوط الأمريكية، ووجدناها تذهب في حركتها الدبلوماسية والسياسية إلى حيث تريد بعض الدول العربية الخاضعة للإملاءات الأمريكية، فتحولت إلى جامعة التناقضات العربية، كما انخرط بعض مسؤوليها في لعبة المشاكل العربية أو التبعية لهذا الزعيم أو ذاك في نطاق التوظيفات الجديدة للمال العربي، فتعقدت الأوضاع العربية أكثر بعدما استولت القضايا الشخصية والمصالح الآنية على قضايا الأمة ومشاريعها الكبرى. وقد رأينا طريقة إدارتها لبعض الأزمات مؤخراً سواء بالنسبة إلى تهجير المسيحيين من العراق أو في الاعتداء الأمريكي الأخير على سوريا بما يؤكد ضعفها وعجزها وانكفاءها.
إننا في الوقت الذي نستمع لمواقف تدعو إلى تغيير جذري في النطاق الاقتصادي والمالي العالمي، وإلى دعوات مماثلة إلى صياغة نظام سياسي عالمي جديد، أكثر عدالةً على أنقاض النظام الحالي المتداعي، ندعو إلى حركة جديدة على مستوى المنظمات الإقليمية أو الدولية، فإذا كانت المنظمات القائمة لا تزال تمثل ضرورة لتجميع الدول في نطاق مؤتمرات تخفف من حدّة الانقسام أو تصنع واقعاً شكلياً من الانسجام، فإننا لن ندعو إلى الخلاص الكلي من هذه المنظمات التي فشلت ـ إلى حدٍ كبير ـ في تأدية رسالتها، ولكنا ـ في الوقت نفسه ـ ندعو إلى قيام جامعة الشعوب العربية ومنظمة الشعوب الإسلامية وإلى تحالف الشعوب المستضعفة بهيئاتها الشعبية وحركاتها التحررية في مواجهة محاور الاستكبار ومواقع الظلم العالمي، وخصوصاً الأمريكي والصهيوني.
إننا، وفي ظل الأزمات الكبرى التي تعصف بالعالم في هذه الأيام، ومع بروز حراك دولي جديد وتموضع جديد في المسارات السياسية العالمية، نرى أن الفرص تبدو مناسبة للمباشرة بخطوات عملية وجديّة لإحداث تشكّلات سياسية شعبية فاعلة تخدم قضايا الشعوب المستضعفة وخصوصاً شعوبنا العربية والإسلامية، وتواجه النفوذ الاستكباري في بلادنا في سياق خطة تتكامل فيها المواقع وتتوزع فيها الجهات المتعددة الأدوار، وصولاً إلى قيام واقع عالمي جديد يمهّد لصناعة عالم حر ومستقل تنطلق فيه قوة الشعوب في مواجهة الإمبراطورية الأمريكية التي توزع الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية على العالم كله مستغلةً إمكاناتها الذاتية وضعف الآخرين ورضوخهم لحركتها الاستكبارية الظالمة.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 4-11-1429 هـ الموافق: 02/11/2008 م