السيد فضل الله لصحيفة "أريشتايمز" التايمز الإيرلندية:
استغلال السياسيين للدين هو الذي يعقد العلاقات بين الشعوب الذين تختلف أديانهم
العلاقة بين السنة والشيعة، نظرية ولاية الفقيه، حقوق المرأة، حقوق الطفل، الانتخابات النيابية المقبلة، محاور المقابلة التي أجرتها صحيفة "أريشتايمز" التايمز الإيرلندية، مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نصّ الحوار:
العلاقة بين السنة والشيعة
س: أود أن أبدأ الحوار بالحديث عن العلاقة بين السنة والشيعة؟
ج: تنطلق العلاقة بين السنة والشيعة من خلفيات تاريخية تختلف فيها وجهات النظر حول من هو الخليفة بعد الرسول(ص)، فالشيعة يرون أن النبي(ص) قد عيّن الإمام علياً لخلافته بأمر من الله، والسنة يرون أن المسلمين انتخبوا في ظروف معينة أبا بكر، ومن بعده عمر، ثم عثمان، ثم علياً(ع). وقد دخل هذا الخلاف في بعض الخطوط الإسلامية في مصادر الشريعة الإسلامية، ثم امتدّ إلى الساحة الإسلامية نتيجة تطور السلطات التي كانت مع الفريق السني، ما أدى إلى وجود بعض المشاكل الثقافية والأمنية التي استغلت سياسياً من قِبَل الذين يريدون الاستفادة من إثارة المشاكل بين السنة الشيعة، كما أدى هذا الخلاف إلى وجود عصبيات مغلقة، جعلت بعض السنة يكفرون الشيعة، ولربما جعلت بعض الشيعة يكفرون السنة.
هناك محاولات لتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي ، باعتبار أن الثوابت العقيدية الإسلامية مشتركة بينهما
هذه المسألة أدّت إلى إيجاد أوضاع قلقة وصعبة في العالم الإسلامي، غير أن هناك محاولات لتقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة، باعتبار أن الثوابت العقيدية الإسلامية مشتركة بينهما، وإنما الخلاف هو في بعض الخطوط التفصيلية في الجوانب الثقافية والشرعية. ونحن نرى أنّ السياسة الأمريكية، التي تحاول السيطرة على العالم الإسلامي عن طريق بعض المسؤولين فيه ممّن يخضعون لسياستها، قد ساهمت في تطوير هذه التعقيدات والعصبيات بما حوّلها إلى أوضاع أمنية سيئة، كما يحدث في العراق، وكما يُراد له أن يحدث في لبنان وفي السعودية وفي بعض دول الخليج. ولعل هذه المشاكل المتصلة ببعض الخطوط الدينية في العقيدة، تشبه ما حدث في التاريخ بين الأرثوذكس والكاثوليك في بعض ما اختلفوا فيه. وربما كان ما حدث في إيرلندا بين فريق مسيحي وفريق مسيحي آخر، قريباً من هذا الجو في الجانب الديني. فالمشكلة في أي خلاف ديني، أن التعددية التي قد تدخلها العصبية الحادة، قد تخلق مشاكل للمجتمع أكثر من أي مشاكل أخرى، ولربما تتحول إلى مشاكل سياسية يستغلها السياسيون، فينسون الجانب الثقافي ليستغرقوا في الجوانب السياسية.
وقد نجد هناك من يتحدث عن أن الدين يعقِّد العلاقات بين الشعوب الذين تختلف أديانهم، ولكن الواقع هو أن الدين لا يمثل مشكلة للذين ينتمون إليه، بل إن استغلال الدين من قِبَل السياسيين أو من قِبَل الذين لا يفهمون القضايا الروحية التي تتمثل بالدين هو أساس المشكلة.
ونحن من موقعنا الديني، لا نزال نتحرك من أجل التقريب بين المذاهب للوصول إلى الهدف الكبير، وهو الوحدة الإسلامية، كما أننا نؤمن بحوار الأديان وحوار الحضارات، وقد أصدرت قبل عشرين سنة تقريباً، كتاب "تأملات في الحوار الإسلامي ـ المسيحي"، لأنّنا نرى أن الحوار هو الذي يقرب العقل من العقل، والقلب من القلب، وهو الذي يساعد كل فريق على أن يفهم وجهة نظر الفريق الآخر، لأن كثيراً من المشاكل التي تحدث بين الأديان، سببها أن هذا الفريق الديني لا يفهم بدقة وجهة نظر الفريق الآخر، والعكس أيضاً كذلك.
ولذلك فإننا نعتقد أن الحوار هو المنهج الإنساني لتقريب الناس بعضهم من بعض، سواء في الإطار الديني أو العلماني أو السياسي، أما العنف فلا يمكن أن يحل مشكلة أبداً، بل إنه يزيد المشاكل تعقيداً، وهذا ما نراه في تجارب العنف التي حصلت في سيطرة الدول الكبرى على دول العالم الثالث، أو في المشاكل السياسية داخل بعض البلدان، كما في المشاكل التي حصلت في إيرلندا وغيرها، حيث عاش الشعب المأساة، وسقط الكثير من القتلى من دون أية نتيجة، حتى إذا وصل الأمر إلى الحوار انحلت المشاكل.
الحوار هو المنهج الإنساني لتقريب الناس بعضهم من بعض سواء في الإطار الديني أو العلمائي أو السياسي
ولذلك، فإن الإسلام يدعو إلى الحوار بين الشعوب، وإلى أن ينطلق المسلمون من أجل أن يحولوا أعداءهم إلى أصدقاء، ليربحوا صداقة العالم، وليتعاونوا مع العالم الذي يختلف معهم على أساس السلام، ومن هنا كانت التحية التي تنطلق من المسلم عندما يلتقي بالإنسان الآخر هي السلام، حيث يبادر بكلمة "السلام عليكم"، ليؤكد له أن علاقته به هي علاقة سلام لا علاقة حرب، ولكن هناك بعض الناس، سواء من المسلمين أو من المسيحيين، لا يفهمون القيم الروحية التي تدعو إلى تقارب الشعوب بعضها مع بعض، وتعاونها على بناء عالم حر جديد يعيش المحبة والرحمة.
ولذلك، نحن لا نرى أنّ هناك مشكلة حقيقية بين الغرب والشرق، إلا فيما يقوم به الغرب من فرض سيطرته على الشرق واستغلال موارده الاقتصادية، ومحاولته السيطرة على قراراته السياسية. ونحن نعرف أن الكثير من المسلمين يعيشون في الغرب، لأنهم لم يجدوا العيش الكريم والأمن في بلادهم، ولكن هناك بعض الناس المتطرفين في الغرب يحاولون تعقيد علاقات المسلمين المقيمين هناك بالشعوب الغربية، وربما يؤدي ذلك إلى وجود تطرف من بعض المسلمين ضد المتطرفين من بعض الغربيين.
نظرية ولاية الفقيه
س: أود أن أعرف رأيكم في مسألة ولاية الفقيه؟
ج: ولاية الفقيه هي نظرية فقهية تقوم على أن للفقيه الحق في أن يحكم المنطقة التي يعيش فيها بعد أن ينتخبه الشعب بطريقة غير مباشرة، ليكون هو الحاكم الذي يحكم المجتمع كله مع مستشارين في الاختصاصات التي يحتاجها الحكم والحكومة.، ولكن الفقيه لا يمثل الشخص الذي يملك السيطرة المطلقة، ولمجلس الخبراء المنتخَب من الأمة أن يراقب خطوات الولي الفقيه، حتى إذا أخطأ، كان من صلاحية هذا المجلس عزله.
الولي الفقيه لا يمثل الشخص الذي يملك السيطرة المطلقة
س: ولكن مولانا، أنت قلت إن لمجلس الخبراء حق إقالة الولي الفقيه؟
ج: نعم، له الحق في ذلك إذا انحرف الولي الفقيه عن الخط، أو إذا أراد أن يحكم بشكل ذاتي، أو إذا تحول إلى شخصية دكتاتورية. ولكن ولاية الفقيه، بحسب القانون الموجود في إيران، تعني أن للولي الفقيه الحق في أن يعطي الشرعية لكل المؤسسات، سواء مؤسسة رئاسة الجمهورية، أو مؤسسة المجلس النيابي، أو مؤسسة مجلس الوزراء، ولكن قراراته لا بد من أن تنطلق من خلال المستشارين الذين يملكون الخبرة فيما يريد أن يتخذه من قرارات. ولكنّي أؤكّد أن هذه النظرية الفقهية كانت وما زالت مثاراً للجدل بين علماء المسلمين الشيعة، فهناك الكثير من علماء المسلمين الشيعة حتى في إيران لا يوافقون عليها.
س: بماذا تختلف أنت عنهم؟
ج: هم يرون أن الفقيه لا يملك السلطة المطلقة، ولكنه يملك تصحيح المسار إذا انحرفت الدولة عن شرعية الإسلام، أما أنا، فإنني لا أؤمن بنظرية ولاية الفقيه المطلقة، إلا إذا توقفت مصلحة الأمة بشكل عام على أن يتصدى الولي الفقيه للأمور، ولكنه لا يملك الولاية المطلقة على كل حال.
حقوق المرأة والطفل
أنا لا أؤمن بنظرية ولاية الفقه، إلا إذا توقفت مصلحة الأمة بشكل عام على أن يتصدى الولي الفقيه للأمور
س: سمعت أنكم من المصلحين فيما يتعلق بحقوق النساء وحقوق الأطفال، هل لكم أن تعلقوا على ذلك؟
ج: نحن نعتبر أن للأطفال حقاً على آبائهم وأمهاتهم وعلى المجتمع كله، فلا يجوز اضطهاد الطفل، حتى إنه لا يجوز للأب أو للأم أن يضربا طفلهما، بل يجب عليهما أن يعملا على رعاية حياته الجسدية والفكرية والروحية، وليس للأب أن يتصرف في كل أوضاع الطفل إلا بما فيه مصلحة له في إنسانيته وطفولته، وفي كل ما يساهم في نشأته نشأة صالحة يتحول من خلالها إلى مواطن صالح منتج واعٍ مثقّف.
وهناك مسألة جزائية تتعلّق بالأطفال، فلو أن الأب أو الأم أخطأ فضربا الولد حتى احمرت يده، أو أن المعلم في المدرسة ضرب الولد حتى احمرت يده، فإن على من يفعل ذلك أن يدفع مبلغاً من المال للولد تعويضاً له عما أصابه من الألم، وهذه يسمونها دية، ونحن أطلقنا فتوى بتحريم الضرب في تأديب للأطفال.
ليس للأهل أن يتصرفوا في أوضاع الطفل إلا بما فيه مصلحة له في إنسانيته وطفولته
أما فيما يتعلق بالمرأة، فهي كالرجل تماماً، ولها الحقوق ذاتها من الناحية الإنسانية، فلها الحق في أن تتعلم حتى تصل إلى أعلى درجات العلم، ولها أن تشارك في المسؤوليات العامة الاجتماعية والسياسية، فتنتخب وتنتخب في كل المجالات، ولها الحق في أن تقوم بإدارة الدولة فيما تصلح له من الإدارة.
ونحن نرى أنّ المرأة تتساوى مع الرجل في مستوى العقل، وأن القرآن الكريم لم يتحدث عن ضعف المرأة، وإنما تحدث عن ضعف الإنسان بشكل عام، رجلاً كان أو امرأةً، وأراد له أن يحول هذا الضعف إلى قوة، من خلال العلم والتفكير والتدرب وما إلى ذلك. كما أن المرأة شخصية قانونية مالية مستقلة، ولها الحق في أن تحرك إمكاناتها المالية من دون أن يكون لزوجها أو لأبيها أو لأخيها أو لأولادها حق التصرف في أموالها أو في منعها من التصرف فيها إلا برضاها.
ونحن لا نعتبر أن عقد الزواج بين المرأة والرجل يمنح الرجل السلطة على المرأة إلا فيما تلتزم به المرأة في عقد الزوجية، كما أن للمرأة أيضاً الحق فيما يلتزم به الرجل من التزامات، فهو عقد كبقية العقود، يخضع للالتزامات المشتركة بين الطرفين، فعلى المرأة أن تفي بالتزاماتها التي تعهدت بها للرجل عندما يطالبها بذلك، وعلى الرجل أن ينفذ أيضاً التزاماته التي تعهد بها للمرأة ولها أن تطالبه بها. فالتزامات الإنسان هي التي تحدد حقوق الآخرين عليه، وفي الحياة الزوجية، جعل الإسلام من حق المرأة على الرجل أن يقوم بالإنفاق عليها وتأمين حاجاتها، وكذلك الإنفاق على الأولاد، ولم يحمِّل المرأة شيئاً في الحياة الزوجية سوى ما جعله من حقٍّ للرجل عليها في الجانب الجنسي عند حاجته إلى ذلك، ولكن في الظروف الطبيعية التي لا يمثل الجانب الجنسي اضطهاداً لها وذلك بأن تكون مريضة أو بأن تكون في حالة نفسية سيئة، أما مسألة الطلاق فمن الطبيعي أن الله جعل للرجل الحق فيه، ولكنه، في المقابل، أعطى المرأة هذا الحق إذا اشترطت ذلك في ضمن العقد، أو إذا كان الرجل لا يقوم بالتزاماته العقدية، فإن للسلطة الشرعية حينها أن تطلق المرأة حتى بدون رضى الرجل.
المرأة تتساوى مع الرجل في مستوى العقل، وهي شخصية قانونية مالية مستقلة ولها الحق أن تحرك إمكاناتها المالية
ولم يجعل الإسلام لأي شخص الحق في العنف الجسدي والعنف النفسي ضد المرأة، سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً، وإذا حاول أحد هؤلاء الاعتداء على المرأة بطريقة العنف الجسدي، فلها الحق في الدفاع عن نفسها، تماماً كما لو كان هناك شخص أجنبي يريد الاعتداء عليها، وقد أصدرنا فتوى عامة بأن للمرأة الحق في الدفاع عن نفسها إذا حاول الرجل أن يعتدي عليها اعتداءً جسدياً، بحيث يضر بسلامتها الجسدية.
لم يجعل الإسلام لأي شخص الحق في العنف الجسدي أو النفسي ضد المرأة
الانتخابات النيابية القادمة
س: كيف ترى المصالحات التي تجري بين اللبنانيين؟ وهل تعتقد أن الانتخابات ستمر بسلام؟
ج: أنا أتصور أن المصالحات القائمة تمثل حركة لقائية من فوق، ولكنها قد تترك تأثيرها على القاعدة الشعبية، لأن الزعامات الطائفية والمذهبية هي التي تترك تأثيرها على أتباعها في إثارة القضايا العصبية فيما بين اللبنانيين. ولذلك، فإنني أتصور من الممكن أن تترك هذه المصالحات تأثيرات إيجابية في الواقع السياسي اللبناني. ولكن المشكلة هي أن لبنان لا يزال ساحة لكل المخابرات الدولية، فهناك الكثير من الدول، سواء كانت دولاً عربية أو إسلامية، أو دولاً غربية، تحاول أن تجد في الساحة اللبنانية مناطق نفوذٍ لها من أجل إدارة صراعاتها في المنطقة، مستفيدة من النظام الطائفي فيه، لأنّ لبنان لا يحكمه قانون المواطنة بل الانتماءات الطائفية، فلكل طائفة حصتها في البرلمان، وحصتها في الوزارة وفي الوظائف، وهذا ما يترك تأثيره السلبي على قضايا الناس.
أخشى من الأمريكيين على الانتخابات النيابية اللبنانية
أما بالنسبة إلى الانتخابات، فإنني أتصور أنها ستحصل، لأن الدول الخارجية التي تؤثر في الواقع اللبناني تريد ذلك، ولكني أخشى من بعض الدول، ولاسيما أمريكا كأنها إذا عرفت أن الأكثرية سوف تتحول إلى أقلية، وأن الأقلية سوف تتحول إلى أكثرية، أن تعمل على تعقيد مسألة الانتخابات في نهاية المطاف، لأن بعض الدراسات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل، أكدت أن الأكثرية إذا تحولت إلى أقلية، والأقلية إلى أكثرية، فإن أمريكا لن تساعد لبنان مطلقاً، لا الجيش ولا الشعب، لأن أمريكا أساساً ليست مع اللبنانيين جميعاً، بل هي مع الأكثرية النيابية وهي ضد المعارضة. ولذلك فإننا نخشى من اللعبة الأمريكية في إثارة المسألة بشكل معقد، ولقد كان نابليون يقول نتيجة عقدته من المرأة: فتِّش عن المرأة، ونحن نقول: فتّش عن أمريكا في كل مشكلة في العالم...
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 15 شوال 1429 هـ الموافق: 14/10/2008 م