السيد فضل الله : لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟

السيد فضل الله : لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟

السيد فضل الله : لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟


"هل أن الإسلام دين عنف" ، بمناسبة إصدار نائب يميني هولندي فيلمه ضد الإسلام (فتنة) ، وعن قتل المخرج الهولندي "بان غوخ" ، وعن الإرهاب والعمليات الإرهابية وموقف الإسلام منها، وفصل الدين عن السياسة ، والحوار مع المسيحيين ، وحكم المرتد ، ولبس النقاب وحرية المرأة ، وولاية الفقيه ، وأخيراً كلمته للشعب الهولندي، والمسلمين في هولندا وكيفية مواجهتهم للفيلم وغيره ،  كانت تلك محاور المقابلة التي أجراها صحفي هولندي  مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نصّ المقابلة:

 


س: سماحة السيد، منذ أيام، زاركم سفير هولندا في بيروت، السيد روبرت زلوفيرست، وبحسب وسائل الإعلام، فقد جرى تناول الوضع الهولندي، وقد نوقشت فيه الكثير من القضايا التي تخصّ الإسلام في هولندا. هل لكم أن تطلعونا على ما جرى بالتحديد في هذا اللقاء؟


ج: لقد كانت زيارة السفير الهولندي للإعلان عن أن هولندا الدولة بحكومتها ومجلس نوابها وفعالياتها الثقافية، لا توافق على الفكرة التي أطلقها النائب اليميني، أن الإسلام يؤكّد العنف، وأن القرآن الكريم هو كتاب يشجّع على العنف، لأنّ الحكومة الهولندية، بحسب ما قال، لا توافق على هذه الفكرة، وقد قدّم إليَّ بيان رئيس الوزراء الهولندي حول هذه المسألة، وأنا شكرته على هذا الموقف الذي يمثّل الموقف الرسمي، ولكني حاولت أن أناقش الذهنية الموجودة في الغرب، ولاسيما في القانون الهولندي، والتي ترى أنّ لكل إنسان الحق في حرية التعبير، مهما كانت مضامين كلماته وأبحاثه في هذا المجال، سواء أساءت إلى الآخرين أو لم تسىء، وسواء كانت متصلةً بالأديان أو لم تكن متصلة بها.

    القانون الغربي يمارس التمييز العنصري في مسألة حرية التعبير


ولكنني قلت له إنّ هناك تمييزاً عنصرياً في مسألة حرية التعبير، فما هو رأيك فيما لو قدم فيلم مشابه للفيلم الذي أصدره النائب اليميني يتحدث عما تتضمنه التوراة من أفكار عنف ضدّ الإنسان، ممّا ليس موجوداً في أيّ كتاب آخر، ونحن نعتقد أنّ التوراة التي يتداولها الناس ليست هي التوراة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، لأنّ التوراة التي أنزلها الله طاولتها يد التحريف. كما أننا عندما ندرس بعض المضامين التي تضمنها الإنجيل، فإننا نجد فيها بعض الكلمات التي تعتبر العنف ضرورةً في كثير من الحالات.


فنحن نلاحظ أن الغرب لا يسمح بنشر مثل هذه الأفكار، لأنه يعتبرها معاداة للسامية، ويقصد بهم اليهود، مع أن العرب ساميون تماماً كما هم اليهود ساميون.


ولذلك يقول اليهود في بعض تعابير مفكريهم، إننا أبناء عم بناءً على هذا الأساس. فلماذا يبرِّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين، ولا يبرر معاداة الساميين اليهود، حتى لو كان الانتقاد الموجّه إلى اليهود متعلّقاً بالقضايا السياسية التي تمس حقوق الإنسان، كما هي الحال فيما يقوم به الإسرائيليون ضد الفلسطينيين؟ وقد لاحظنا أن الحكومة الفرنسية عزلت موظفاً فرنسياً كبيراً لأنه تحدث عن القناصة اليهود الذين كانوا يطلقون الرصاص على الأطفال الفلسطينيين، وكذلك فعلت الحكومة الألمانية، إذ عزلت شخصية عسكرية من منصبه لأنه انتقد اليهود، كما أن الحكومة الفرنسية قدمت روجيه غارودي للمحاكمة لأنه حاول أن يناقش قضية المحرقة التي استهلكها اليهود وفرضوها على العالم من ناحية إعلامية، باعتبار أن الرقم الذي ذكره اليهود ليس رقماً واقعياً، كما أن المحرقة أصابت شعوباً أخرى غير اليهود، فأدخل روجيه غارودي السجن نتيجة بحثه هذا.


إذاً، هذا معناه أنه ليست هناك حرية تعبير بالمعنى الذي يشمل الناس كلهم، بل عندما تكون الحرية متصلةً بالإساءة إلى المسلمين والعرب، فإنها تكون حريةً شرعيةً، بينما إذا كانت تتضمن بعض الإساءة إلى اليهود، حتى في القضايا الحقيقية والقضايا السياسية، أو في بعض المناقشات للتفكير اليهودي الديني الرسمي الذي يعبِّر عنه الحاخامات، كما في قولهم إنّ العرب حشرات وأنّ علينا أن نقتلهم، وإن قتل المدنيين من العرب ومن الفلسطينيين مبرر... كل هذا يعتبر من الأمور الممنوعة في الغرب. إذاً هناك تمييز بين اليهود وبين المسلمين في الغرب في هذا المجال.


لذلك، نحن نعتقد أن سيطرة اليهود على العالم من خلال الإمساك بالمواقع الحيوية في الاقتصاد والسياسة والإعلام، ولاسيما في العالم الغربي، هذه السيطرة التي تحدث عنها الرئيس الماليزي، ما أدّى إلى شنّ حملة ضده، هي التي جعلت الإدارات الأمريكية والأوروبية تضع هذا القانون. وقد دعونا كوفي أنان، عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة، إلى العمل على إصدار قرار من الأمم المتّحدة يمنع الإساءة إلى الأديان، سواء كانت أدياناً كتابية كالإسلام واليهودية والمسيحية، أو غير كتابية كالهندوسية والبوذية وما إلى ذلك.


لقد تحدثت معه عن ذلك كله، ولكنه أكد أنّ هناك حرية في هولندا تسمح بانتقاد المحرقة والسياسة الإسرائيلية. وقال: صحيح أن هولندا تؤيد إسرائيل، ولكن من الناحية الإعلامية، لا نمانع من قيام أيّ حركة إعلامية تنتقد السياسة اليهودية، وتناقش مسألة المحرقة أيضاً. ثم ختمت الحديث معه، بأن هذا النائب اليميني، لا يخلو أمره من إحدى حالتين: إما أن يكون طالباً للشهرة، باعتبار أنه يريد إثارة الجدل حوله وحول الفيلم الذي أصدره ليثير جواً من الأخذ والرد حول هذا الموضوع، وإما أن يكون شخصاً جاهلاً لا يفهم الإسلام، أو أنه قرأ القرآن بترجمة غير دقيقة، ولم يملك أية ثقافة تعرِّفه شخصية النبي والمنهج القرآني في تأكيد إنسانية الإنسان وحقوقه ومسألة انفتاحه على كل الناس المسالمين، سواء كانوا ممن نختلف معهم في الدين أو لا.

    لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟


فنحن نقرأ مثلاً في القرآن الكريم في مسألة الجهاد، قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}، فالقرآن يؤكد في هذه الآية أننا نقاتل من يقاتلنا، وهكذا ورد في أكثر من آية قوله تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة:190]، وورد في القرآن أيضاً: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء:75] وهم الذين يضطهدهم المستكبرون ويقتلونهم، كما كان الأمر مع الهنود الحمر، وكما في عهود الاستعمار الغربي الذي كان يضطهد المستضعفين في العالم الثالث، سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، للسيطرة على اقتصادهم ومواقعهم الاستراتيجية وعلى سياستهم وأمنهم.


ونحن نقرأ أيضاً قوله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، ونقرأ في القرآن: {قل يا أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنصارى ـ تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64] للبحث عن مواقع اللقاء قبل الدخول في النقاش في القضايا المشتركة.


ونقرأ {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة:8]، إن هذه الآية تؤكد أن الناس المسالمين لنا، وإن كنا نختلف معهم دينياً، فإنّ علينا أن نحسن إليهم، وأن نتعامل معهم على أساس العدالة لا على أساس العنف. ثم نقرأ الآية الكريمة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} [فصّلت:34]، فهذه الآية تؤكد أن على المسلمين أن يكونوا أصدقاء العالم، وأن يربحوا صداقة العالم.


أما النبي(ص)، فإن القرآن يتحدث عنه بأنه صاحب الخُلُق العظيم، وأنه يعيش آلام الناس الذين من حوله في قوله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم} [التوبة:128]، {فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} [آل عمران:159]. إنّ هذا كلّه يدلّ على أنّ العنف في الإسلام هو عنف دفاعي ووقائي وليس عنفاً هجومياً وإرهابياً، لأن الله تعالى يقول: {ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين} [البقرة:190] ويقول إذا دعاكم الناس إلى السلام فانفتحوا عليهم: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} [الأنفال:61].

   


الغرب لا يتحدث عن العنف الاحتلالي للمحتلين للعالم كله،


ولا عن عنف المافيات المنتشرة في أوروبا


س: أنتم إذاً تدعون إلى الحوار مع الآخرين؟


ج: أنا دعوتُ إلى الحوار، وأدعو هذا النائب اليميني وكل من تعاطف معه ونشر هذا الفيلم، أدعوهم إلى الحوار الثقافي الموضوعي العقلاني حتى نصحح لهم أفكارهم، ونصحح أفكار الغربيين الذين لا يفهمون الإسلام جيداً، والذين يتحاملون على الإسلام ويتّهمونه بالعنف بحجة أن هناك مسلمين، خصوصاً بعد 11أيلول، يتحركون بالعنف، ولكنهم لا يتحدثون عن العنف الاحتلالي للمحتلين الغربيين للعالم كله، ولا يتحدثون عن الحروب الصليبية، ولا عن المافيات المنتشرة في أوروبا، ولا عن العنف الذي يتحرّك به الطلاق في أمريكا، بقتلهم بعضهم بعضاً، وبقتلهم أساتذتهم. إن الإسلام دين رفق وليس دين عنف، والعنف إنما يفرض علينا، فالشخص الذي يطلق عليّ صاروخاً لا يمكن أن أقدّم له وردة، لأنه لا يفهم بلغة الورود.


 


س: نحن نتفهّم دعوتكم إلى الحوار دائماً، وخصوصاً عندما قتل المخرج الهولندي "بان غوخ"، كنت ربما العالِم الأول في العالم الإسلامي الذي استنكر هذه الجريمة المروّعة، وكانت رسالتكم إلينا في هولندا ـ نحن المسلمين ـ محل تقدير واحترام، لكن مقتل هذا المخرج الهولندي كانت له تداعيات كبيرة على المجتمع الهولندي وعلى المجتمع الغربي بشكلٍ عام، ثم بعد ذلك كانت عمليات مدريد وتفجيرات لندن وما إليها، هل هذه العمليات إرهابية ومُدانة؟


ج: إننا كنا في رفضنا لقتل هذا المخرج، ننطلق من فكرة أن هذا الرجل كان يتحرك من خلال فهمه الخاطىء لحقيقة الإسلام والنبي(ص) والمسلمين، كما هو الحال في الشخص الذي قام بنشر الرسوم المسيئة إلى النبي(ص). نحن قلنا إن هؤلاء أناس يعيشون الخطأ في فهم الإسلام، ولذلك كنا ندعو المسلمين المثقفين إلى الدخول في حوار معهم، إما لإقناعهم، أو لإقامة الحجة عليهم، أو لإظهارهم بمظهر الإنسان الذي يعيش العدوان والعقدة ضد الإسلام، وليس الإنسان الذي ينطلق من ثقافة موضوعية عقلانية تناقش القضايا بطريقة علمية في هذا المجال. ونحن أخذنا على الغرب أنه يحاول أن يحمِّل المسلمين كلهم والإسلام كله ما يقوم به شخص واحد، ولكنه في الوقت نفسه، يعيش العنف في داخل المجتمعات الغربية بشكل غير معقول.

 

  أدعو هذا النائب اليميني وكل من تعاطف معه إلى الحوار الثقافي الموضوعي العقلاني حتى نصحح لهم أفكارهم، ونصحح أفكار الغربيين الذين لا يفهمون الإسلام جيداً


وأنا أسألهم: ماذا عن الإنسان الذي اغتال الرئيس "كنيدي"؟ لماذا لم تثر المسألة غربياً، ويتحدث عن أن الغرب يعيش العنف حتى بالنسبة إلى أعلى موقع من مواقع المسؤولية الرسمية؟! وماذا عن الطلاب الذين يقتلون أساتذتهم أو يقتلون بعضهم بعضاً في المدارس؟! إننا لم نلاحظ أن الغرب قد أعطى فكرة عن الإنسان الغربي، بل قالوا إنها أمور فردية تنطلق من تضخم حالة الجريمة في نفس الشخص أو من حالات المرض النفسي التي يعيشها بعض الأشخاص.


أما بالنسبة إلى ما حدث في 11أيلول، وما حديث في بريطانيا وإسبانيا وغيرهما، فقد كنت أول من أصدر بيانات وفتاوى تحرِّم ذلك. حتى إنني قلت في بياني بعد أربع ساعات من أحداث 11أيلول، إن هذا الأمر لا يقبله عقل ولا شرع ولا دين، وإننا إذا كنا نعارض الإدارة الأمريكية، إلا أننا لا نبرّر الإساءة إلى الشعب الأمريكي، ونحن لا نتعامل حتى مع الإدارة الأمريكية بهذه الطريقة. ثم إننا نقول إذا كان الذين يقومون بهذا جماعة إسلامية متطرفة معينة، تقتل المسلمين كما تقتل غيرهم، فإن هذا قد يكون في بعض الحالات ردّ فعل على بعض المواقع السياسية في الغرب، والذي قد يكون أحياناً بسبب التأييد المطلق لإسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.


وقد يكون ردّ الفعل هذا سببه بعض الأفكار الخاطئة التي تصدر ممّن يحيطون بالإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد، ولاسيما نائب الرئيس الأمريكي، الذين يفكرون في أن يملأوا العالم بالحروب، ويتحدثون عن ضرورة الحرب ضد إيران، كما أنهم خططوا للحرب ضد العراق من خلال كذبة كبرى، وهي أن العراق يختزن في داخله أسلحة الدمار الشامل، ممّا لم يستطع الأمريكيون بعد احتلاله أن يثبتوها.


وهكذا بالنسبة إلى أفغانستان، فإذا كان بعض الأفغانيين قد شاركوا في أحداث 11أيلول، فلماذا نعاقب الشعب الأفغاني؟ إن الرئيس الأمريكي يتحدث عن استراتيجيته التي يريد من خلالها نشر الفوضى الخلاقة أو البنّاءة في العالم، وقد ملأ العالم بالفوضى التي أنتجت الكثير من الحروب والمنازعات والفتن، وأهدرت الاقتصاد، وأبعدت الشعوب عن مصالحها من جهة تحقيق الاستراتيجية الأمريكية.


س: مولانا، إذاً فتواكم صريحة بحرمة كل هذه الأعمال الإرهابية...


ج: نحن نقول إنّه لا يجوز تحت أي اعتبار القيام بأي عمل إرهابي ضد المدنيين، سواء كانوا ممن يلتقون معنا دينياً، أو ممن لا يختلفون معنا دينياً وسياسياً وثقافياً، ولا يجوز قتل أي إنسان مسالم. إن مسألة العنف في الإسلام هي لمن يفرض علينا العنف ويحاصرنا بالعنف ويدمّر بلادنا وإنساننا وما إلى ذلك. حتى بالنسبة إلى المسألة اليهودية، فنحن لسنا ضد اليهودية كدين، بل إن المسلمين في مدى مئات السنين احتضنوا اليهود في العالم العربي والإسلامي، وأفسحوا لهم المجال ليأخذوا الحرية في تنمية اقتصادهم وثقافتهم وأوضاعهم الاجتماعية، في الوقت الذي كان الغرب يضطهدهم لأنه كان يحمِّلهم مسؤولية قتل السيد المسيح(ع)، وكان يُكتب على المطاعم: ممنوع دخول الكلاب واليهود.

   


مشكلتنا مع اليهود هي مشكلة سياسية، باعتبار أنهم طردوا شعباً من أرضه،


وارتكبوا بحقه المجازر الوحشية


لذلك، فإن مشكلتنا مع اليهود هي مشكلة سياسية، باعتبار أنهم طردوا شعباً من أرضه، وأقاموا فيه، ولا يزالون يقومون بالمجازر ضد هذا الشعب، وبكل ما يتنافى مع حقوق الإنسان، ويحاصرونه في غذائه. والغرب الذي يتحدث عن رفض العنف يؤيد، كل هذا العنف الإسرائيلي، ويعتبره دفاعاً عن النفس، في الوقت الذي يعتبر دفاع الفلسطينيين عن أرضهم ومطالبتهم بالحرية ضد الاحتلال إرهاباً.

 


س: أنتم شخصياً تعرّضتم لعمليات اغتيال وإرهاب، كما في عملية بئر العبد؟


ج: نحن واجهنا في مجزرة بئر العبد تخطيطاً أمريكياً، من خلال مدير الـ(سي.آي.إي) وليم كايسي، بالتنسيق مع بعض السفراء العرب الذي موّل لتنفيذ مثل هذه العملية، حيث سقط فيها ما يقارب الثمانين قتيلاً بين جنين وطفل وامرأة وعامل وشيخ وأكثر من مئة جريح.


س: ما هي التهمة الرئيسية التي طالما وجّهها الغرب إليك؟


ج: هي أنهم كانوا يعتبرونني مسؤولاً عن قضية المارينز، ولكنها، كما أعبّر، هي أسخف من أن يُرد عليها.

    نحن مع كل مقاومة تريد أن تحرر أرضها وبلادها لتعيش شعوبها بكل حرية واطمئنان


س: حتى الآن، الإعلام الغربي يعتبركم الملهم الروحي والمرشد لحزب الله، وهذا ينسحب على موضوع المقاومة؟


ج: نحن مع المقاومة ضد الاستكبار العالمي الذي يُصادر حرية الشعوب في كل مكان، سواء في العالم الإسلامي أو في غيره، لأننا ضد الاستكبار ومع حرية الشعوب، ولكني لم أكن في يوم من الأيام مرشداً لحزب الله بالمعنى التنظيمي، نحن مع المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية، ومع كل مقاومة تريد أن تحرّر أرضها وبلادها لتعيش شعوبها بكل حرية واطمئنان.

 


س: هناك أسئلة من داخل هولندا، من قبل المسلمين الملتزمين، يسألون عن مسألة فصل الدين عن السياسة؟


ج: هناك تفسيران للسياسة: تفسير يعتبر أن السياسة لعبة تقوم على الكذب والخداع والاحتيال واستغلال نقاط الضعف عند الشعوب من أجل السيطرة عليهم وما إلى ذلك، وتفسير آخر يعتبر أن السياسة هي التي ترتكز على تأكيد حرية الشعوب في تقرير مصيرها، وفي رفض الاحتلال، وفي إيجاد علاقات موضوعية متوازنة مع الشعوب الأخرى، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، وأن يسود السلام في العالم على أساس العدالة الكونية التي يعُطى فيها كل ذي حقٍّ حقه. وعلى هذا الأساس، نحن نعتقد أن الإسلام هو دين السياسة، لأنه الدين الذي يشرّع للإنسان كلّه في كل قضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

  

الإسلام هو دين السياسة لأنه الدين الذي يشرّع للإنسان كله في كل قضاياه ويقوم على أساس العدل


ونحن نقرأ في الآية القرآنية قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25] ومعنى ذلك، أن الله أقام الدين منذ أن بعث رسله بالرسالات، أقامه على أساس العدل، والعدل هو عدل الحاكم وعدل المحكومين بين بعضهم البعض، والعدل في القانون وفي السياسة وفي الاجتماع، ولذلك فلا تحقق للعدل بدون سياسة.


ولهذا نقول، إن السياسة بالمعنى الإيجابي الحضاري، هي في أصل الدين وليست على هامشه، ولكن المشكلة أن كثيراً من مثقفينا، حتى من المسلمين، فهموا الدين على الطريقة التي كان يدير بها رجال الدين المسيحيون المسألة الدينية، عندما كانوا يحاربون العلم، وكانوا يضغطون على حرية الناس، ما سبّب بانتفاضة المسيحيين أخيراً على هذه العقلية.


لذلك نحن نقول، كما قال بعض العلماء: "سياستنا دين وديننا سياسة"، لأن سياستنا عدل وعدلنا سياسة، ونحن نؤمن بالعدل الكامل. ولذلك فإن المسلمين جميعاً وفي مقدمتهم المسلمون الشيعة، ينتظرون مصلحاً عالمياً ينطلق ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ما يدل على أننا ننتظر العدل الكوني الشامل.

 


س: سماحة السيد، تُعتبرون رائداً للحوار مع المسيحية، ربما حتى على مستوى العالم، هناك الكثير من الكتب والأبحاث والمقابلات والمطارحات الفكرية مع المسيحيين، وتدعو دائماً إلى الحوار والتعايش معهم، ما مدى اهتمامك بالمسيحية؟


ج: لقد تعلمت من القرآن الكريم أنه كتاب الحوار مع أهل الكتاب، وفي مقدمتهم المسيحيون، كما أنّه فرّق بين المسيحيين وبين اليهود من ناحية سلوكية، مع أنه تحدث عن تجربة النبي موسى(ع) وعن بني إسرائيل حديثاً متنوعاً كثيراً، ونحن نقرأ في قوله تعالى: {لتجدنّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} [المائدة:82]. وأيضاً نقرأ في القرآن الكريم ما أوصى به الله المسلمين من الدخول في جدال مع أهل الكتاب حول القضايا المختلف عليها، لجهة ما يفهمه المسيحيون من رسالة عيسى(ع)، وما يفهمه اليهود من رسالة موسى(ع)، وأن يكون الجدال علمياً موضوعياً وبالتي هي أحسن، وأن يكون الانطلاق من مواقع اللقاء.

    نحن مستعدون للدخول في حوار إسلامي يهودي ولكن مع اليهود الذين يتحدثون بالفكر اليهودي، لا الذين ينطلقون من خلال الصهيونية اليهودية


لذلك، نحن انفتحنا على الحوار الإسلامي المسيحي، ونحن مستعدون للدخول في حوار إسلامي يهودي، ولكن مع اليهود الذين يتحدثون بالفكر اليهودي، لا الذين ينطلقون من خلال الصهيونية اليهودية. فنحن نؤمن بالحوار بين الإنسان والإنسان، سواء كان حواراً بين الأديان أو بين الحضارات أو بين العلمانيين والدينيين، لأن الحوار هو الذي يمكن أن يربط بين الشعوب، وأن يساهم في تحقيق التفاهم فيما بينها حول القضايا التي يختلفون فيها، لأن العنف لا يمكن أن يبني علاقات طبيعية سلمية على أساس العدالة.

 


س: ولكن، بعض المسلمين دائماً يستشهدون بآيات قرآنية ليؤكّدوا كفر المسيحيين؟


ج: الكفر نسبي، فهناك كفر بالله، والمسيحيون لا يكفرون بالله، وإن كانوا يختلفون عن المسلمين في بعض خصوصيات العقيدة بالله، كذلك اليهود. ولذلك نقرأ في الآية الكريمة: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} [آل عمران:61]، ومعنى ذلك، أنّ على الإنسان أن يعتبر أن العبادة لله وحده، وأن الإنسان لا يكون رباً للإنسان... ولكن المسيحيين كما اليهود، يكفرون بالرسول وبالرسالة الإسلامية، فهم ليسوا كفاراً بالله، ولكنهم كفار بالرسول وبالرسالة.


س: تفضلتم بأن المسيحيين أو اليهود كلهم أبناء إبراهيم ودياناتهم إبراهيمية، فلماذا، في رأيكم، لا يسمح لهم بالدخول إلى مكة والمدينة؟


ج: هناك رأيان: فهناك رأي غير منتشر، وهو أنه لا مانع من دخول المسيحيين أو اليهود إلى المساجد، إذ كانوا يدخلون على النبي(ص) في مسجده عندما يأتون إليه، حتى إن نصارى نجران دخلوا واستقبلهم النبي(ص) في مسجده، وأذن لهم بالصلاة فيه. ولكن الرأي الفتوائي العام لا يسمح لليهود والنصارى بدخول مكة والمدينة لاعتبارات شرعية في رأيهم، ولكن هناك رأياً نستقربه، وهو أنه لا مانع من دخولهم إلى البلاد المقدسة.

    الرأي الفتوائي العام لا يسمح لليهود والنصارى بدخول مكة والمدينة لاعتبارات شرعية ورأينا غير ذلك


س: هناك رجال دين أيضاً يفتون بنجاسة أهل الكتاب المسيحيين واليهود، هل ترون ذلك؟


ج: رأينا الشرعي هو طهارة كل إنسان، سواء كان مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو هندوسياً، لأنه لا دليل عندنا على نجاسة أي إنسان، أما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة:28]، فالمراد من النجاسة، هنا النجاسة المعنوية باعتبار قذارة الشرك، لا النجاسة البدنية.

 


س: سماحة السيد، ما رأيك في المرتد عن الإسلام؟ وما هي عقوبته؟


ج: علينا أن ندخل مع المرتد في حوار؛ لماذا ارتد عن الدين، فإذا كان ارتداده عن شبهة، كما هو حال الكثير من المرتدّين، فإننا نناقشه في هذه الشبهة ونبقى معه حتى يقتنع، فإذا أقمنا عليه الحجة وبقي على عناده، فإنّه قد يسيء إلى جوّ النظام الإسلامي العام، فعندما يكون مرتداً في نفسه، فليس لنا عليه سلطة، ولكن عندما ينشر ارتداده بحيث يسيء إلى النظام الإسلامي العام ويهدد الواقع الإسلامي الذي يرتكز على العقيدة، عندئذٍ يكون هناك موقف آخر تجاهه.

   


المرتد الذي لا يسيء إلى النظام الإسلامي العام لا نتعرض له بسوء،


ولكن نحاوره حتى يتبين له الحق


س: سماحة السيد، لماذا يسمح الإسلام بالزواج من اليهودية والنصرانية، ولا يسمح بالعكس؟


ج: لأن الإسلام يعترف باليهودية والنصرانية، بينما اليهود والنصارى لا يعترفون بالإسلام، ولذلك فإن المسلمة عندما تتزوج يهودياً أو نصرانياً، فإنه لا يعترف بأن دينها هو الدين الذي أوحى به الله، وأن محمداً هو النبي الذي أرسله الله. ولذلك فهناك فرق بين الإسلام وأهل الكتاب، فالمسلم عندما يتزوج يهودية أو نصرانية، لا يمكن أن يسيء إلى التوراة ولا إلى الإنجيل ولا إلى عيسى ولا إلى موسى ولا إلى كل الأنبياء الذين يقدّسهم اليهود أو يقدسهم المسيحيون، بينما اليهودي والمسيحي، بحسب عقيدة كلٍّ منهما، وبقطع النظر عن التهذيب الشخصي، يمكن أن يسيء إلى زوجته المسلمة في التعدي على دينها.

 


س: سماحة السيد، لقد ناقشتم البابا بندكت السادس عشر، نقاشاً هادئاً في آرائه التي طرحها حول عدم توافق الإسلام مع العقل عام 2006م، وقبل شهر أيضاً، عمّد مسلماً ارتدّ إلى النصرانية، فما هو رأيكم بالظبط في هذا الاتجاه في الفاتيكان وتقييمكم لدوره؟


ج: نحن نعتقد أن الفاتيكان يمثّل مركزاً تبشيرياً بالمسيحية كما يفهمه رجال الدين المسيحيون الآن، والذين قد نختلف معهم في فهم المسيحية، لأننا نعتقد أن عيسى(ع) هو رسول من رسل الله سبحانه وتعالى، وأن الإنجيل هو الكتاب الذي أوحى به الله سبحانه وتعالى إليه. فالفاتيكان يمثّل مركزاً عالمياً لرعاية الكاثوليكية في العالم وللتبشير بالمسيحية، سواء في الدول الإسلامية أو في الدول غير الإسلامية. لذلك فإن تعميده لهذا الشخص المرتدّ إسلامياً، ينسجم مع طبيعة موقعه التبشيري في هذا المجال.

    الفاتيكان يمثّل مركزاً عالمياً لرعاية الكاثوليكية في العالم وللتبشير بالمسيحية


س: إنّ لبس النقاب عندنا في هولندا، على قلّة من يضعنه من النساء، يثير مشكلةً، فماذا تفعل المرأة المسلمة في هذا الشأن؟


ج: الستر الشرعي، هو أن تستر المرأة جميع جسدها وأن لا تخرج متبرجةً، ولكن يجوز لها أن تكشف وجهها ويديها باعتبار ما جاء في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها} [النور:31]، والمراد من (ما ظهر منها) أي ما تحتاجه بشكل طبيعي في حياتها وحاجاتها وأوضاعها وفي علاقاتها بالمجتمع. ولذلك فنحن لا نلزم المرأة بالنقاب، بل إننا نقول لها، إنه يجوز لها أن تكشف وجهها للرجال الأجانب.


س: هل للمرأة أن تصبح مجتهداً يمكن أن يُرجع إليها في مسائل التقليد؟


ج: عندما ندرس القضية على أساس أن التقليد هو رجوع الجاهل إلى العالم، نرى أنّه كما نرجع إلى المرأة العالمة في مجال الهندسة أو في مجال الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، يمكن لنا أن نرجع ونلتزم برأي المرأة العالمة في مجال الفقه.


 


س: هل يمكن للمرأة أن تكون إماماً تؤمّ الناس في الصلاة؟


ج: هناك مشكلة في مسألة إمامة المرأة للرجال، باعتبار أن جوّ الصلاة هو جوّ لا بد من أن يتميّز بالعنصر الروحي، ومن الطبيعي أن وجود رجال خلف المرأة، مع وجود هذه الغريزة الذكورية بالنسبة إلى الأنوثة، قد لا يتفق مع هذا الجو، ولكن لا مانع من أن تؤمّ المرأة النساء، وأن تصلي أيضاً وراء الرجال.


س: وأن تكون رئيساً للدولة الإسلامية؟


ج: لا مانع من ذلك، نحن نجد أنه من الممكن أن تكون المرأة في الموقع الرئاسي للدولة الإسلامية، وهذا ما نختلف فيه مع كثير من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين، لأن الأسس التي يرتكز عليها المانعون هي محلّ مناقشة وتأمل من الناحية الفقهية.

    يمكن للمرأة أن تكون في الموقع الرئاسي للدولة الإسلامية


س: سماحة السيد، هل تقولون بولاية الفقيه التي يقول بها الإمام الخميني؟


ج: نحن لا نقول بولاية الفقيه، ونحن نعتقد أنّه في زمن الغيبة ينبغي الأخذ بمبدأ الشورى، ولكن لا بد من أن يكون هناك فقهاء يسددون رأي الذي يتحمل مسؤولية قيادة الدولة، بمعنى أنّه لا بد من أن تكون إدارته للدولة موافقة لرأي الفقهاء.


س: عدد المسلمين في هولندا مليون، ويعتبر الأكبر في هولندا قياساً إلى عدد السكان البالغ 16 مليوناً في داخل هولندا، وربما هو البلد الأكبر من حيث الوجود الإسلامي، قياساً إلى عدد سكانه، ما هي كلمتكم للهولنديين؟


ج: نحن نقول للهولنديين، إننا نشكركم شكراً عميقاً لأنكم استضفتم المسلمين الذين لم يحصلوا على فرصة للعيش الكريم أو للأمن في بلادهم التي قد يحكمها دكتاتور من هنا وهناك، إننا نشكركم، ونحن نوصي المسلمين الذين يعيشون معكم في بلادكم، أن يتوازنوا مع الشعب الهولندي، وأن يندمجوا في حياته العامة وفي قضاياه وسياسته واقتصاده، مع البقاء على هويتهم وشخصيتهم الإسلامية، فكما أنكم لا تقبلون التنازل عن هويتكم فيما تلتزمون به من دين وثقافة، فإن المسلمين أيضاً لا يتنازلون عن هويتهم وثقافتهم، ولكننا نقول إنه لا بد من دراسة الأسس المشتركة التي يمكن أن تحفظ أمن البلد ونظامه وعلاقة أفراده بعضهم ببعض.

 


س: كمسلمين هولنديين، نحن رأينا تعاطي الحكومة الهولندية مع الفيلم تعاطياً ممتازاً، كونها رفضته رفضاً كلياً، فلماذا لا تكون هذه النقطة الإيجابية، سواء من الحكومة الهولندية أو من الشعب الهولندي عموماً، نقطة انطلاق للتلاقي بين المسلمين، ومساحة للتعامل مع الغرب بصيغة جديدة؟


ج: نحن نشكر الحكومة الهولندية على موقفها الرافض لما يحاول هذا الفيلم أن يثيره من الفتنة، باعتبار أن اسمه هو فتنة، ونؤيد طريقة الحكومة في رفض مثل هذه الأفكار التي تثير الكراهية والحقد والعداوة والبغضاء، ولكننا طلبنا من الحكومة الهولندية بواسطة رئيسها، ومن المجلس النيابي الهولندي، أن يدرسوا ذلك من الناحية القانونية، وكيف يمكن لهم أن يمنعوا مثل هذه السلبيات التي تثير الكراهية والحقد وربما تشجع التطرف من قِبَل المتطرفين الذين يندفعون نحو العنف.


إننا نحب للشعب الهولندي أن يكون شعباً حضارياً مسالماً منفتحاً على كل الذين يقيمون معه، ونحن قد أصدرنا فتوى تحرّم على المسلمين الإساءة إلى الأمن في البلاد التي يقيمون فيها، سواء كانت هولندا أو غيرها، حتى إننا انطلقنا في حوار مع الحكومة الدانماركية حول ما صدر من بعض أفراد شعبها من الصور المسيئة، وأكدنا لهم أن هذا مما يسيء إلى الدولة كلها وإلى الشعب كله، ويعقّد العلاقات بين الدانمارك والمسلمين، ويسيء إلى الحكومة اقتصادياً بفعل دعوات المقاطعة الاقتصادية التي انطلقت من خلال بعض الفتاوى من هنا وهناك.

   


ارتباط المسلمين برسول الله(ص) لا يمثل ارتباطاً عادياً بشخصية ينتمون إليها


بل هو ارتباط رسالي


إننا ندعو الغرب كله إلى أن يتفهم جيداً، أن ارتباط المسلمين برسول الله(ص) لا يمثل ارتباطاً عادياً بشخصية ينتمون إليها، بل إنهم يرتبطون به باعتبار أنه رسول الله، وباعتبار أنه الإنسان الذي يمثّل المحبة للإنسان كله والرحمة للمستضعفين، والانفتاح على كل ما يرفع مستوى الإنسان على أساس العدل والإحسان.


نصّ الحوار مع صحفي من هولندا، مع سماحة السيد فضل الله، 19-4-2008م


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)

التاريخ: 13 ربيع الثاني 1429 هـ  الموافق: 19/04/2008 م

السيد فضل الله : لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟


"هل أن الإسلام دين عنف" ، بمناسبة إصدار نائب يميني هولندي فيلمه ضد الإسلام (فتنة) ، وعن قتل المخرج الهولندي "بان غوخ" ، وعن الإرهاب والعمليات الإرهابية وموقف الإسلام منها، وفصل الدين عن السياسة ، والحوار مع المسيحيين ، وحكم المرتد ، ولبس النقاب وحرية المرأة ، وولاية الفقيه ، وأخيراً كلمته للشعب الهولندي، والمسلمين في هولندا وكيفية مواجهتهم للفيلم وغيره ،  كانت تلك محاور المقابلة التي أجراها صحفي هولندي  مع سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، وهذا نصّ المقابلة:

 


س: سماحة السيد، منذ أيام، زاركم سفير هولندا في بيروت، السيد روبرت زلوفيرست، وبحسب وسائل الإعلام، فقد جرى تناول الوضع الهولندي، وقد نوقشت فيه الكثير من القضايا التي تخصّ الإسلام في هولندا. هل لكم أن تطلعونا على ما جرى بالتحديد في هذا اللقاء؟


ج: لقد كانت زيارة السفير الهولندي للإعلان عن أن هولندا الدولة بحكومتها ومجلس نوابها وفعالياتها الثقافية، لا توافق على الفكرة التي أطلقها النائب اليميني، أن الإسلام يؤكّد العنف، وأن القرآن الكريم هو كتاب يشجّع على العنف، لأنّ الحكومة الهولندية، بحسب ما قال، لا توافق على هذه الفكرة، وقد قدّم إليَّ بيان رئيس الوزراء الهولندي حول هذه المسألة، وأنا شكرته على هذا الموقف الذي يمثّل الموقف الرسمي، ولكني حاولت أن أناقش الذهنية الموجودة في الغرب، ولاسيما في القانون الهولندي، والتي ترى أنّ لكل إنسان الحق في حرية التعبير، مهما كانت مضامين كلماته وأبحاثه في هذا المجال، سواء أساءت إلى الآخرين أو لم تسىء، وسواء كانت متصلةً بالأديان أو لم تكن متصلة بها.

    القانون الغربي يمارس التمييز العنصري في مسألة حرية التعبير


ولكنني قلت له إنّ هناك تمييزاً عنصرياً في مسألة حرية التعبير، فما هو رأيك فيما لو قدم فيلم مشابه للفيلم الذي أصدره النائب اليميني يتحدث عما تتضمنه التوراة من أفكار عنف ضدّ الإنسان، ممّا ليس موجوداً في أيّ كتاب آخر، ونحن نعتقد أنّ التوراة التي يتداولها الناس ليست هي التوراة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، لأنّ التوراة التي أنزلها الله طاولتها يد التحريف. كما أننا عندما ندرس بعض المضامين التي تضمنها الإنجيل، فإننا نجد فيها بعض الكلمات التي تعتبر العنف ضرورةً في كثير من الحالات.


فنحن نلاحظ أن الغرب لا يسمح بنشر مثل هذه الأفكار، لأنه يعتبرها معاداة للسامية، ويقصد بهم اليهود، مع أن العرب ساميون تماماً كما هم اليهود ساميون.


ولذلك يقول اليهود في بعض تعابير مفكريهم، إننا أبناء عم بناءً على هذا الأساس. فلماذا يبرِّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين، ولا يبرر معاداة الساميين اليهود، حتى لو كان الانتقاد الموجّه إلى اليهود متعلّقاً بالقضايا السياسية التي تمس حقوق الإنسان، كما هي الحال فيما يقوم به الإسرائيليون ضد الفلسطينيين؟ وقد لاحظنا أن الحكومة الفرنسية عزلت موظفاً فرنسياً كبيراً لأنه تحدث عن القناصة اليهود الذين كانوا يطلقون الرصاص على الأطفال الفلسطينيين، وكذلك فعلت الحكومة الألمانية، إذ عزلت شخصية عسكرية من منصبه لأنه انتقد اليهود، كما أن الحكومة الفرنسية قدمت روجيه غارودي للمحاكمة لأنه حاول أن يناقش قضية المحرقة التي استهلكها اليهود وفرضوها على العالم من ناحية إعلامية، باعتبار أن الرقم الذي ذكره اليهود ليس رقماً واقعياً، كما أن المحرقة أصابت شعوباً أخرى غير اليهود، فأدخل روجيه غارودي السجن نتيجة بحثه هذا.


إذاً، هذا معناه أنه ليست هناك حرية تعبير بالمعنى الذي يشمل الناس كلهم، بل عندما تكون الحرية متصلةً بالإساءة إلى المسلمين والعرب، فإنها تكون حريةً شرعيةً، بينما إذا كانت تتضمن بعض الإساءة إلى اليهود، حتى في القضايا الحقيقية والقضايا السياسية، أو في بعض المناقشات للتفكير اليهودي الديني الرسمي الذي يعبِّر عنه الحاخامات، كما في قولهم إنّ العرب حشرات وأنّ علينا أن نقتلهم، وإن قتل المدنيين من العرب ومن الفلسطينيين مبرر... كل هذا يعتبر من الأمور الممنوعة في الغرب. إذاً هناك تمييز بين اليهود وبين المسلمين في الغرب في هذا المجال.


لذلك، نحن نعتقد أن سيطرة اليهود على العالم من خلال الإمساك بالمواقع الحيوية في الاقتصاد والسياسة والإعلام، ولاسيما في العالم الغربي، هذه السيطرة التي تحدث عنها الرئيس الماليزي، ما أدّى إلى شنّ حملة ضده، هي التي جعلت الإدارات الأمريكية والأوروبية تضع هذا القانون. وقد دعونا كوفي أنان، عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة، إلى العمل على إصدار قرار من الأمم المتّحدة يمنع الإساءة إلى الأديان، سواء كانت أدياناً كتابية كالإسلام واليهودية والمسيحية، أو غير كتابية كالهندوسية والبوذية وما إلى ذلك.


لقد تحدثت معه عن ذلك كله، ولكنه أكد أنّ هناك حرية في هولندا تسمح بانتقاد المحرقة والسياسة الإسرائيلية. وقال: صحيح أن هولندا تؤيد إسرائيل، ولكن من الناحية الإعلامية، لا نمانع من قيام أيّ حركة إعلامية تنتقد السياسة اليهودية، وتناقش مسألة المحرقة أيضاً. ثم ختمت الحديث معه، بأن هذا النائب اليميني، لا يخلو أمره من إحدى حالتين: إما أن يكون طالباً للشهرة، باعتبار أنه يريد إثارة الجدل حوله وحول الفيلم الذي أصدره ليثير جواً من الأخذ والرد حول هذا الموضوع، وإما أن يكون شخصاً جاهلاً لا يفهم الإسلام، أو أنه قرأ القرآن بترجمة غير دقيقة، ولم يملك أية ثقافة تعرِّفه شخصية النبي والمنهج القرآني في تأكيد إنسانية الإنسان وحقوقه ومسألة انفتاحه على كل الناس المسالمين، سواء كانوا ممن نختلف معهم في الدين أو لا.

    لماذا يبرّر الغرب معاداة الساميين العرب والمسلمين ولا يبرر معاداة الساميين اليهود؟


فنحن نقرأ مثلاً في القرآن الكريم في مسألة الجهاد، قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم}، فالقرآن يؤكد في هذه الآية أننا نقاتل من يقاتلنا، وهكذا ورد في أكثر من آية قوله تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [البقرة:190]، وورد في القرآن أيضاً: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء:75] وهم الذين يضطهدهم المستكبرون ويقتلونهم، كما كان الأمر مع الهنود الحمر، وكما في عهود الاستعمار الغربي الذي كان يضطهد المستضعفين في العالم الثالث، سواء كانوا من المسلمين أو من غير المسلمين، للسيطرة على اقتصادهم ومواقعهم الاستراتيجية وعلى سياستهم وأمنهم.


ونحن نقرأ أيضاً قوله تعالى: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125]، ونقرأ في القرآن: {قل يا أهل الكتاب ـ وهم اليهود والنصارى ـ تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64] للبحث عن مواقع اللقاء قبل الدخول في النقاش في القضايا المشتركة.


ونقرأ {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة:8]، إن هذه الآية تؤكد أن الناس المسالمين لنا، وإن كنا نختلف معهم دينياً، فإنّ علينا أن نحسن إليهم، وأن نتعامل معهم على أساس العدالة لا على أساس العنف. ثم نقرأ الآية الكريمة: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم} [فصّلت:34]، فهذه الآية تؤكد أن على المسلمين أن يكونوا أصدقاء العالم، وأن يربحوا صداقة العالم.


أما النبي(ص)، فإن القرآن يتحدث عنه بأنه صاحب الخُلُق العظيم، وأنه يعيش آلام الناس الذين من حوله في قوله تعالى: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم} [التوبة:128]، {فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} [آل عمران:159]. إنّ هذا كلّه يدلّ على أنّ العنف في الإسلام هو عنف دفاعي ووقائي وليس عنفاً هجومياً وإرهابياً، لأن الله تعالى يقول: {ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين} [البقرة:190] ويقول إذا دعاكم الناس إلى السلام فانفتحوا عليهم: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} [الأنفال:61].

   


الغرب لا يتحدث عن العنف الاحتلالي للمحتلين للعالم كله،


ولا عن عنف المافيات المنتشرة في أوروبا


س: أنتم إذاً تدعون إلى الحوار مع الآخرين؟


ج: أنا دعوتُ إلى الحوار، وأدعو هذا النائب اليميني وكل من تعاطف معه ونشر هذا الفيلم، أدعوهم إلى الحوار الثقافي الموضوعي العقلاني حتى نصحح لهم أفكارهم، ونصحح أفكار الغربيين الذين لا يفهمون الإسلام جيداً، والذين يتحاملون على الإسلام ويتّهمونه بالعنف بحجة أن هناك مسلمين، خصوصاً بعد 11أيلول، يتحركون بالعنف، ولكنهم لا يتحدثون عن العنف الاحتلالي للمحتلين الغربيين للعالم كله، ولا يتحدثون عن الحروب الصليبية، ولا عن المافيات المنتشرة في أوروبا، ولا عن العنف الذي يتحرّك به الطلاق في أمريكا، بقتلهم بعضهم بعضاً، وبقتلهم أساتذتهم. إن الإسلام دين رفق وليس دين عنف، والعنف إنما يفرض علينا، فالشخص الذي يطلق عليّ صاروخاً لا يمكن أن أقدّم له وردة، لأنه لا يفهم بلغة الورود.


 


س: نحن نتفهّم دعوتكم إلى الحوار دائماً، وخصوصاً عندما قتل المخرج الهولندي "بان غوخ"، كنت ربما العالِم الأول في العالم الإسلامي الذي استنكر هذه الجريمة المروّعة، وكانت رسالتكم إلينا في هولندا ـ نحن المسلمين ـ محل تقدير واحترام، لكن مقتل هذا المخرج الهولندي كانت له تداعيات كبيرة على المجتمع الهولندي وعلى المجتمع الغربي بشكلٍ عام، ثم بعد ذلك كانت عمليات مدريد وتفجيرات لندن وما إليها، هل هذه العمليات إرهابية ومُدانة؟


ج: إننا كنا في رفضنا لقتل هذا المخرج، ننطلق من فكرة أن هذا الرجل كان يتحرك من خلال فهمه الخاطىء لحقيقة الإسلام والنبي(ص) والمسلمين، كما هو الحال في الشخص الذي قام بنشر الرسوم المسيئة إلى النبي(ص). نحن قلنا إن هؤلاء أناس يعيشون الخطأ في فهم الإسلام، ولذلك كنا ندعو المسلمين المثقفين إلى الدخول في حوار معهم، إما لإقناعهم، أو لإقامة الحجة عليهم، أو لإظهارهم بمظهر الإنسان الذي يعيش العدوان والعقدة ضد الإسلام، وليس الإنسان الذي ينطلق من ثقافة موضوعية عقلانية تناقش القضايا بطريقة علمية في هذا المجال. ونحن أخذنا على الغرب أنه يحاول أن يحمِّل المسلمين كلهم والإسلام كله ما يقوم به شخص واحد، ولكنه في الوقت نفسه، يعيش العنف في داخل المجتمعات الغربية بشكل غير معقول.

 

  أدعو هذا النائب اليميني وكل من تعاطف معه إلى الحوار الثقافي الموضوعي العقلاني حتى نصحح لهم أفكارهم، ونصحح أفكار الغربيين الذين لا يفهمون الإسلام جيداً


وأنا أسألهم: ماذا عن الإنسان الذي اغتال الرئيس "كنيدي"؟ لماذا لم تثر المسألة غربياً، ويتحدث عن أن الغرب يعيش العنف حتى بالنسبة إلى أعلى موقع من مواقع المسؤولية الرسمية؟! وماذا عن الطلاب الذين يقتلون أساتذتهم أو يقتلون بعضهم بعضاً في المدارس؟! إننا لم نلاحظ أن الغرب قد أعطى فكرة عن الإنسان الغربي، بل قالوا إنها أمور فردية تنطلق من تضخم حالة الجريمة في نفس الشخص أو من حالات المرض النفسي التي يعيشها بعض الأشخاص.


أما بالنسبة إلى ما حدث في 11أيلول، وما حديث في بريطانيا وإسبانيا وغيرهما، فقد كنت أول من أصدر بيانات وفتاوى تحرِّم ذلك. حتى إنني قلت في بياني بعد أربع ساعات من أحداث 11أيلول، إن هذا الأمر لا يقبله عقل ولا شرع ولا دين، وإننا إذا كنا نعارض الإدارة الأمريكية، إلا أننا لا نبرّر الإساءة إلى الشعب الأمريكي، ونحن لا نتعامل حتى مع الإدارة الأمريكية بهذه الطريقة. ثم إننا نقول إذا كان الذين يقومون بهذا جماعة إسلامية متطرفة معينة، تقتل المسلمين كما تقتل غيرهم، فإن هذا قد يكون في بعض الحالات ردّ فعل على بعض المواقع السياسية في الغرب، والذي قد يكون أحياناً بسبب التأييد المطلق لإسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.


وقد يكون ردّ الفعل هذا سببه بعض الأفكار الخاطئة التي تصدر ممّن يحيطون بالإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد، ولاسيما نائب الرئيس الأمريكي، الذين يفكرون في أن يملأوا العالم بالحروب، ويتحدثون عن ضرورة الحرب ضد إيران، كما أنهم خططوا للحرب ضد العراق من خلال كذبة كبرى، وهي أن العراق يختزن في داخله أسلحة الدمار الشامل، ممّا لم يستطع الأمريكيون بعد احتلاله أن يثبتوها.


وهكذا بالنسبة إلى أفغانستان، فإذا كان بعض الأفغانيين قد شاركوا في أحداث 11أيلول، فلماذا نعاقب الشعب الأفغاني؟ إن الرئيس الأمريكي يتحدث عن استراتيجيته التي يريد من خلالها نشر الفوضى الخلاقة أو البنّاءة في العالم، وقد ملأ العالم بالفوضى التي أنتجت الكثير من الحروب والمنازعات والفتن، وأهدرت الاقتصاد، وأبعدت الشعوب عن مصالحها من جهة تحقيق الاستراتيجية الأمريكية.


س: مولانا، إذاً فتواكم صريحة بحرمة كل هذه الأعمال الإرهابية...


ج: نحن نقول إنّه لا يجوز تحت أي اعتبار القيام بأي عمل إرهابي ضد المدنيين، سواء كانوا ممن يلتقون معنا دينياً، أو ممن لا يختلفون معنا دينياً وسياسياً وثقافياً، ولا يجوز قتل أي إنسان مسالم. إن مسألة العنف في الإسلام هي لمن يفرض علينا العنف ويحاصرنا بالعنف ويدمّر بلادنا وإنساننا وما إلى ذلك. حتى بالنسبة إلى المسألة اليهودية، فنحن لسنا ضد اليهودية كدين، بل إن المسلمين في مدى مئات السنين احتضنوا اليهود في العالم العربي والإسلامي، وأفسحوا لهم المجال ليأخذوا الحرية في تنمية اقتصادهم وثقافتهم وأوضاعهم الاجتماعية، في الوقت الذي كان الغرب يضطهدهم لأنه كان يحمِّلهم مسؤولية قتل السيد المسيح(ع)، وكان يُكتب على المطاعم: ممنوع دخول الكلاب واليهود.

   


مشكلتنا مع اليهود هي مشكلة سياسية، باعتبار أنهم طردوا شعباً من أرضه،


وارتكبوا بحقه المجازر الوحشية


لذلك، فإن مشكلتنا مع اليهود هي مشكلة سياسية، باعتبار أنهم طردوا شعباً من أرضه، وأقاموا فيه، ولا يزالون يقومون بالمجازر ضد هذا الشعب، وبكل ما يتنافى مع حقوق الإنسان، ويحاصرونه في غذائه. والغرب الذي يتحدث عن رفض العنف يؤيد، كل هذا العنف الإسرائيلي، ويعتبره دفاعاً عن النفس، في الوقت الذي يعتبر دفاع الفلسطينيين عن أرضهم ومطالبتهم بالحرية ضد الاحتلال إرهاباً.

 


س: أنتم شخصياً تعرّضتم لعمليات اغتيال وإرهاب، كما في عملية بئر العبد؟


ج: نحن واجهنا في مجزرة بئر العبد تخطيطاً أمريكياً، من خلال مدير الـ(سي.آي.إي) وليم كايسي، بالتنسيق مع بعض السفراء العرب الذي موّل لتنفيذ مثل هذه العملية، حيث سقط فيها ما يقارب الثمانين قتيلاً بين جنين وطفل وامرأة وعامل وشيخ وأكثر من مئة جريح.


س: ما هي التهمة الرئيسية التي طالما وجّهها الغرب إليك؟


ج: هي أنهم كانوا يعتبرونني مسؤولاً عن قضية المارينز، ولكنها، كما أعبّر، هي أسخف من أن يُرد عليها.

    نحن مع كل مقاومة تريد أن تحرر أرضها وبلادها لتعيش شعوبها بكل حرية واطمئنان


س: حتى الآن، الإعلام الغربي يعتبركم الملهم الروحي والمرشد لحزب الله، وهذا ينسحب على موضوع المقاومة؟


ج: نحن مع المقاومة ضد الاستكبار العالمي الذي يُصادر حرية الشعوب في كل مكان، سواء في العالم الإسلامي أو في غيره، لأننا ضد الاستكبار ومع حرية الشعوب، ولكني لم أكن في يوم من الأيام مرشداً لحزب الله بالمعنى التنظيمي، نحن مع المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية والمقاومة العراقية، ومع كل مقاومة تريد أن تحرّر أرضها وبلادها لتعيش شعوبها بكل حرية واطمئنان.

 


س: هناك أسئلة من داخل هولندا، من قبل المسلمين الملتزمين، يسألون عن مسألة فصل الدين عن السياسة؟


ج: هناك تفسيران للسياسة: تفسير يعتبر أن السياسة لعبة تقوم على الكذب والخداع والاحتيال واستغلال نقاط الضعف عند الشعوب من أجل السيطرة عليهم وما إلى ذلك، وتفسير آخر يعتبر أن السياسة هي التي ترتكز على تأكيد حرية الشعوب في تقرير مصيرها، وفي رفض الاحتلال، وفي إيجاد علاقات موضوعية متوازنة مع الشعوب الأخرى، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المتبادلة، وأن يسود السلام في العالم على أساس العدالة الكونية التي يعُطى فيها كل ذي حقٍّ حقه. وعلى هذا الأساس، نحن نعتقد أن الإسلام هو دين السياسة، لأنه الدين الذي يشرّع للإنسان كلّه في كل قضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

  

الإسلام هو دين السياسة لأنه الدين الذي يشرّع للإنسان كله في كل قضاياه ويقوم على أساس العدل


ونحن نقرأ في الآية القرآنية قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد:25] ومعنى ذلك، أن الله أقام الدين منذ أن بعث رسله بالرسالات، أقامه على أساس العدل، والعدل هو عدل الحاكم وعدل المحكومين بين بعضهم البعض، والعدل في القانون وفي السياسة وفي الاجتماع، ولذلك فلا تحقق للعدل بدون سياسة.


ولهذا نقول، إن السياسة بالمعنى الإيجابي الحضاري، هي في أصل الدين وليست على هامشه، ولكن المشكلة أن كثيراً من مثقفينا، حتى من المسلمين، فهموا الدين على الطريقة التي كان يدير بها رجال الدين المسيحيون المسألة الدينية، عندما كانوا يحاربون العلم، وكانوا يضغطون على حرية الناس، ما سبّب بانتفاضة المسيحيين أخيراً على هذه العقلية.


لذلك نحن نقول، كما قال بعض العلماء: "سياستنا دين وديننا سياسة"، لأن سياستنا عدل وعدلنا سياسة، ونحن نؤمن بالعدل الكامل. ولذلك فإن المسلمين جميعاً وفي مقدمتهم المسلمون الشيعة، ينتظرون مصلحاً عالمياً ينطلق ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ما يدل على أننا ننتظر العدل الكوني الشامل.

 


س: سماحة السيد، تُعتبرون رائداً للحوار مع المسيحية، ربما حتى على مستوى العالم، هناك الكثير من الكتب والأبحاث والمقابلات والمطارحات الفكرية مع المسيحيين، وتدعو دائماً إلى الحوار والتعايش معهم، ما مدى اهتمامك بالمسيحية؟


ج: لقد تعلمت من القرآن الكريم أنه كتاب الحوار مع أهل الكتاب، وفي مقدمتهم المسيحيون، كما أنّه فرّق بين المسيحيين وبين اليهود من ناحية سلوكية، مع أنه تحدث عن تجربة النبي موسى(ع) وعن بني إسرائيل حديثاً متنوعاً كثيراً، ونحن نقرأ في قوله تعالى: {لتجدنّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأنّ منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} [المائدة:82]. وأيضاً نقرأ في القرآن الكريم ما أوصى به الله المسلمين من الدخول في جدال مع أهل الكتاب حول القضايا المختلف عليها، لجهة ما يفهمه المسيحيون من رسالة عيسى(ع)، وما يفهمه اليهود من رسالة موسى(ع)، وأن يكون الجدال علمياً موضوعياً وبالتي هي أحسن، وأن يكون الانطلاق من مواقع اللقاء.

    نحن مستعدون للدخول في حوار إسلامي يهودي ولكن مع اليهود الذين يتحدثون بالفكر اليهودي، لا الذين ينطلقون من خلال الصهيونية اليهودية


لذلك، نحن انفتحنا على الحوار الإسلامي المسيحي، ونحن مستعدون للدخول في حوار إسلامي يهودي، ولكن مع اليهود الذين يتحدثون بالفكر اليهودي، لا الذين ينطلقون من خلال الصهيونية اليهودية. فنحن نؤمن بالحوار بين الإنسان والإنسان، سواء كان حواراً بين الأديان أو بين الحضارات أو بين العلمانيين والدينيين، لأن الحوار هو الذي يمكن أن يربط بين الشعوب، وأن يساهم في تحقيق التفاهم فيما بينها حول القضايا التي يختلفون فيها، لأن العنف لا يمكن أن يبني علاقات طبيعية سلمية على أساس العدالة.

 


س: ولكن، بعض المسلمين دائماً يستشهدون بآيات قرآنية ليؤكّدوا كفر المسيحيين؟


ج: الكفر نسبي، فهناك كفر بالله، والمسيحيون لا يكفرون بالله، وإن كانوا يختلفون عن المسلمين في بعض خصوصيات العقيدة بالله، كذلك اليهود. ولذلك نقرأ في الآية الكريمة: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} [آل عمران:61]، ومعنى ذلك، أنّ على الإنسان أن يعتبر أن العبادة لله وحده، وأن الإنسان لا يكون رباً للإنسان... ولكن المسيحيين كما اليهود، يكفرون بالرسول وبالرسالة الإسلامية، فهم ليسوا كفاراً بالله، ولكنهم كفار بالرسول وبالرسالة.


س: تفضلتم بأن المسيحيين أو اليهود كلهم أبناء إبراهيم ودياناتهم إبراهيمية، فلماذا، في رأيكم، لا يسمح لهم بالدخول إلى مكة والمدينة؟


ج: هناك رأيان: فهناك رأي غير منتشر، وهو أنه لا مانع من دخول المسيحيين أو اليهود إلى المساجد، إذ كانوا يدخلون على النبي(ص) في مسجده عندما يأتون إليه، حتى إن نصارى نجران دخلوا واستقبلهم النبي(ص) في مسجده، وأذن لهم بالصلاة فيه. ولكن الرأي الفتوائي العام لا يسمح لليهود والنصارى بدخول مكة والمدينة لاعتبارات شرعية في رأيهم، ولكن هناك رأياً نستقربه، وهو أنه لا مانع من دخولهم إلى البلاد المقدسة.

    الرأي الفتوائي العام لا يسمح لليهود والنصارى بدخول مكة والمدينة لاعتبارات شرعية ورأينا غير ذلك


س: هناك رجال دين أيضاً يفتون بنجاسة أهل الكتاب المسيحيين واليهود، هل ترون ذلك؟


ج: رأينا الشرعي هو طهارة كل إنسان، سواء كان مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو هندوسياً، لأنه لا دليل عندنا على نجاسة أي إنسان، أما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة:28]، فالمراد من النجاسة، هنا النجاسة المعنوية باعتبار قذارة الشرك، لا النجاسة البدنية.

 


س: سماحة السيد، ما رأيك في المرتد عن الإسلام؟ وما هي عقوبته؟


ج: علينا أن ندخل مع المرتد في حوار؛ لماذا ارتد عن الدين، فإذا كان ارتداده عن شبهة، كما هو حال الكثير من المرتدّين، فإننا نناقشه في هذه الشبهة ونبقى معه حتى يقتنع، فإذا أقمنا عليه الحجة وبقي على عناده، فإنّه قد يسيء إلى جوّ النظام الإسلامي العام، فعندما يكون مرتداً في نفسه، فليس لنا عليه سلطة، ولكن عندما ينشر ارتداده بحيث يسيء إلى النظام الإسلامي العام ويهدد الواقع الإسلامي الذي يرتكز على العقيدة، عندئذٍ يكون هناك موقف آخر تجاهه.

   


المرتد الذي لا يسيء إلى النظام الإسلامي العام لا نتعرض له بسوء،


ولكن نحاوره حتى يتبين له الحق


س: سماحة السيد، لماذا يسمح الإسلام بالزواج من اليهودية والنصرانية، ولا يسمح بالعكس؟


ج: لأن الإسلام يعترف باليهودية والنصرانية، بينما اليهود والنصارى لا يعترفون بالإسلام، ولذلك فإن المسلمة عندما تتزوج يهودياً أو نصرانياً، فإنه لا يعترف بأن دينها هو الدين الذي أوحى به الله، وأن محمداً هو النبي الذي أرسله الله. ولذلك فهناك فرق بين الإسلام وأهل الكتاب، فالمسلم عندما يتزوج يهودية أو نصرانية، لا يمكن أن يسيء إلى التوراة ولا إلى الإنجيل ولا إلى عيسى ولا إلى موسى ولا إلى كل الأنبياء الذين يقدّسهم اليهود أو يقدسهم المسيحيون، بينما اليهودي والمسيحي، بحسب عقيدة كلٍّ منهما، وبقطع النظر عن التهذيب الشخصي، يمكن أن يسيء إلى زوجته المسلمة في التعدي على دينها.

 


س: سماحة السيد، لقد ناقشتم البابا بندكت السادس عشر، نقاشاً هادئاً في آرائه التي طرحها حول عدم توافق الإسلام مع العقل عام 2006م، وقبل شهر أيضاً، عمّد مسلماً ارتدّ إلى النصرانية، فما هو رأيكم بالظبط في هذا الاتجاه في الفاتيكان وتقييمكم لدوره؟


ج: نحن نعتقد أن الفاتيكان يمثّل مركزاً تبشيرياً بالمسيحية كما يفهمه رجال الدين المسيحيون الآن، والذين قد نختلف معهم في فهم المسيحية، لأننا نعتقد أن عيسى(ع) هو رسول من رسل الله سبحانه وتعالى، وأن الإنجيل هو الكتاب الذي أوحى به الله سبحانه وتعالى إليه. فالفاتيكان يمثّل مركزاً عالمياً لرعاية الكاثوليكية في العالم وللتبشير بالمسيحية، سواء في الدول الإسلامية أو في الدول غير الإسلامية. لذلك فإن تعميده لهذا الشخص المرتدّ إسلامياً، ينسجم مع طبيعة موقعه التبشيري في هذا المجال.

    الفاتيكان يمثّل مركزاً عالمياً لرعاية الكاثوليكية في العالم وللتبشير بالمسيحية


س: إنّ لبس النقاب عندنا في هولندا، على قلّة من يضعنه من النساء، يثير مشكلةً، فماذا تفعل المرأة المسلمة في هذا الشأن؟


ج: الستر الشرعي، هو أن تستر المرأة جميع جسدها وأن لا تخرج متبرجةً، ولكن يجوز لها أن تكشف وجهها ويديها باعتبار ما جاء في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها} [النور:31]، والمراد من (ما ظهر منها) أي ما تحتاجه بشكل طبيعي في حياتها وحاجاتها وأوضاعها وفي علاقاتها بالمجتمع. ولذلك فنحن لا نلزم المرأة بالنقاب، بل إننا نقول لها، إنه يجوز لها أن تكشف وجهها للرجال الأجانب.


س: هل للمرأة أن تصبح مجتهداً يمكن أن يُرجع إليها في مسائل التقليد؟


ج: عندما ندرس القضية على أساس أن التقليد هو رجوع الجاهل إلى العالم، نرى أنّه كما نرجع إلى المرأة العالمة في مجال الهندسة أو في مجال الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، يمكن لنا أن نرجع ونلتزم برأي المرأة العالمة في مجال الفقه.


 


س: هل يمكن للمرأة أن تكون إماماً تؤمّ الناس في الصلاة؟


ج: هناك مشكلة في مسألة إمامة المرأة للرجال، باعتبار أن جوّ الصلاة هو جوّ لا بد من أن يتميّز بالعنصر الروحي، ومن الطبيعي أن وجود رجال خلف المرأة، مع وجود هذه الغريزة الذكورية بالنسبة إلى الأنوثة، قد لا يتفق مع هذا الجو، ولكن لا مانع من أن تؤمّ المرأة النساء، وأن تصلي أيضاً وراء الرجال.


س: وأن تكون رئيساً للدولة الإسلامية؟


ج: لا مانع من ذلك، نحن نجد أنه من الممكن أن تكون المرأة في الموقع الرئاسي للدولة الإسلامية، وهذا ما نختلف فيه مع كثير من الفقهاء والمفكرين الإسلاميين، لأن الأسس التي يرتكز عليها المانعون هي محلّ مناقشة وتأمل من الناحية الفقهية.

    يمكن للمرأة أن تكون في الموقع الرئاسي للدولة الإسلامية


س: سماحة السيد، هل تقولون بولاية الفقيه التي يقول بها الإمام الخميني؟


ج: نحن لا نقول بولاية الفقيه، ونحن نعتقد أنّه في زمن الغيبة ينبغي الأخذ بمبدأ الشورى، ولكن لا بد من أن يكون هناك فقهاء يسددون رأي الذي يتحمل مسؤولية قيادة الدولة، بمعنى أنّه لا بد من أن تكون إدارته للدولة موافقة لرأي الفقهاء.


س: عدد المسلمين في هولندا مليون، ويعتبر الأكبر في هولندا قياساً إلى عدد السكان البالغ 16 مليوناً في داخل هولندا، وربما هو البلد الأكبر من حيث الوجود الإسلامي، قياساً إلى عدد سكانه، ما هي كلمتكم للهولنديين؟


ج: نحن نقول للهولنديين، إننا نشكركم شكراً عميقاً لأنكم استضفتم المسلمين الذين لم يحصلوا على فرصة للعيش الكريم أو للأمن في بلادهم التي قد يحكمها دكتاتور من هنا وهناك، إننا نشكركم، ونحن نوصي المسلمين الذين يعيشون معكم في بلادكم، أن يتوازنوا مع الشعب الهولندي، وأن يندمجوا في حياته العامة وفي قضاياه وسياسته واقتصاده، مع البقاء على هويتهم وشخصيتهم الإسلامية، فكما أنكم لا تقبلون التنازل عن هويتكم فيما تلتزمون به من دين وثقافة، فإن المسلمين أيضاً لا يتنازلون عن هويتهم وثقافتهم، ولكننا نقول إنه لا بد من دراسة الأسس المشتركة التي يمكن أن تحفظ أمن البلد ونظامه وعلاقة أفراده بعضهم ببعض.

 


س: كمسلمين هولنديين، نحن رأينا تعاطي الحكومة الهولندية مع الفيلم تعاطياً ممتازاً، كونها رفضته رفضاً كلياً، فلماذا لا تكون هذه النقطة الإيجابية، سواء من الحكومة الهولندية أو من الشعب الهولندي عموماً، نقطة انطلاق للتلاقي بين المسلمين، ومساحة للتعامل مع الغرب بصيغة جديدة؟


ج: نحن نشكر الحكومة الهولندية على موقفها الرافض لما يحاول هذا الفيلم أن يثيره من الفتنة، باعتبار أن اسمه هو فتنة، ونؤيد طريقة الحكومة في رفض مثل هذه الأفكار التي تثير الكراهية والحقد والعداوة والبغضاء، ولكننا طلبنا من الحكومة الهولندية بواسطة رئيسها، ومن المجلس النيابي الهولندي، أن يدرسوا ذلك من الناحية القانونية، وكيف يمكن لهم أن يمنعوا مثل هذه السلبيات التي تثير الكراهية والحقد وربما تشجع التطرف من قِبَل المتطرفين الذين يندفعون نحو العنف.


إننا نحب للشعب الهولندي أن يكون شعباً حضارياً مسالماً منفتحاً على كل الذين يقيمون معه، ونحن قد أصدرنا فتوى تحرّم على المسلمين الإساءة إلى الأمن في البلاد التي يقيمون فيها، سواء كانت هولندا أو غيرها، حتى إننا انطلقنا في حوار مع الحكومة الدانماركية حول ما صدر من بعض أفراد شعبها من الصور المسيئة، وأكدنا لهم أن هذا مما يسيء إلى الدولة كلها وإلى الشعب كله، ويعقّد العلاقات بين الدانمارك والمسلمين، ويسيء إلى الحكومة اقتصادياً بفعل دعوات المقاطعة الاقتصادية التي انطلقت من خلال بعض الفتاوى من هنا وهناك.

   


ارتباط المسلمين برسول الله(ص) لا يمثل ارتباطاً عادياً بشخصية ينتمون إليها


بل هو ارتباط رسالي


إننا ندعو الغرب كله إلى أن يتفهم جيداً، أن ارتباط المسلمين برسول الله(ص) لا يمثل ارتباطاً عادياً بشخصية ينتمون إليها، بل إنهم يرتبطون به باعتبار أنه رسول الله، وباعتبار أنه الإنسان الذي يمثّل المحبة للإنسان كله والرحمة للمستضعفين، والانفتاح على كل ما يرفع مستوى الإنسان على أساس العدل والإحسان.


نصّ الحوار مع صحفي من هولندا، مع سماحة السيد فضل الله، 19-4-2008م


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)

التاريخ: 13 ربيع الثاني 1429 هـ  الموافق: 19/04/2008 م

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية