دعا المسلمين إلى استخدام كل الأساليب الحضارية في عملية الدفاع عن الإسلام والنبي محمد(ص)
فضل الله: جهات غربية تصر على تعميق الهوة مع العالم الإسلامي بحجة حرية التعبير
أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بياناً تناول فيه استمرار الإساءات الصادرة عن بعض المسؤولين في الغرب، بحقّ النبي(ص) وآخرها ما نشر عن وزير الداخلية الألماني، جاء فيه:
يبدو أنّ ثمّة في الغرب من يصرّ على تعميق الهوّة بين العالمين الإسلامي والغربي، اللذين تمتاز أسسهما الفكريّة والثقافيّة بالعقلانيّة والموضوعيّة واحترام الإنسان، وذلك من خلال الإساءة إلى المقدّسات الإسلاميّة، وفي مقدّمها القرآن الكريم والنبيّ محمّد(ص).
وقد كنّا نعتقد أنّ صفحة الرسوم المسيئة طُويت منذ سنوات إلى غير رجعة، حتّى فوجئنا بالصحافة الدانمركيّة تعيد نشرها من جديد. وفي الوقت الذي ينبري العلماء والمفكّرون الواعون في العالم الإسلامي من أجل إبعاد ردود الفعل عن أيّ أسلوب عنفيّ، والتأكيد على الأساليب الحضاريّة في التعبير عن الاحتجاج، تنطلق بعض المواقف الانفعاليّة من مسؤولين يُفترض أن يتحلّوا بالموضوعيّة في معالجة قضايا حسّاسة يُمكن أن تشكّل عامل استفزاز كبير لأكثر من مليار ونصف من المسلمين، ما من شأنه أن يعيد العلاقات بين المسلمين وبين الغرب إلى تعقيداتٍ كُنا ولا نزال نعمل على التخلّص منها، وخصوصاً أن كلام وزير الداخلية الألماني يختزن التشجيع على نشر الرسوم المسيئة.
وإنّنا إذ لا نتوقّف عند التصريح المنقول عنه، والذي يدعو فيه صحف أوروبا إلى نشر الرسوم المسيئة دفاعاً عما سمّاه عن حرّية التعبير، والنفي الذي صدر بعد ذلك، نحبّ أن نوجّه مثقّفي الغرب والرأي العام إلى عدد من القضايا:
أوّلاً: إنّ الأساس الذي يُبرّر فيه نشر الرسوم هو حرّية التعبير، وإنّنا نؤكّد على مبدأ حرّية التعبير، ولكنّ هذه الحرّية ـ ولاسيّما في الأمور ذات الصلة باختلاف الأديان ـ لا بدّ من أن تسير جنباً إلى جنب مع مبدأ الاحترام، وإلا فقدت مضمونها الإنسانيّ الحضاري، وتحوّلت إلى نوعٍ من الاعتداء على الإنسان الآخر، من خلال الاعتداء على مقدّساته، بقطع النظر عن الاختلاف في تحديد المقدّس لدى هذه الفئة أو تلك. وإذا كان مفهوم حرّية التعبير لدى الغرب يُؤدّي إلى استباحة الهجوم على مقدّسات الآخرين بالنحو الذي يحوّل أيّ اختلافٍ إلى حالة غرائزيّة انفعالية، بدلاً من أن يؤسس لحوار علمي موضوعي، فينبغي إعادة النظر في هذا المفهوم ليكون المبدأ أكثر حضاريّة.
ثانياً: إنّ الحساسيّة المفرطة التي تمارسها الدول الأوروبّية وغيرها من دول الغرب، إزاء أيّ حالة نقد لكلّ ما يتّصل باليهود لتضع ذلك في دائرة معاداة السامية، تعني أنّ مبدأ حرّية التعبير لدى الغرب نفسه ليس مطلقاً، ويوحي بنوعٍ من الانتقائيّة في الاستخدام، ليقف أمام اليهود وما يتّصل بهم، وليأخذ حرّيته في الاستباحة المطلقة لكلّ ما يتّصل بالإسلام ومقدّساته.
إنّنا نقول لكل الدوائر الغربيّة التي تنادي باحترام حساسيّات اليهود، إنّ عليكم أن تلتزموا بالشيء نفسه حيال المسلمين إذا كنتم تحرصون على ترميم ما تهدّم في أسس العلاقة مع العالم الإسلامي.
ثالثاً: إنّنا نتوجّه إلى المسلمين في العالم، وخصوصاً الجاليات الإسلامية التي تعيش في الغرب، إلى استخدام كلّ الأساليب الحضاريّة للدفاع عن الإسلام ومقدّساته، لينطلقوا من خطوط الدفاع الثقافيّة والإعلاميّة والتي لا بدّ من أن تنخرط فيها كلّ الطاقات والمؤسّسات العلميّة والثقافيّة والإعلاميّة.
رابعاً: إنّنا ندعو كلّ القطاعات الاقتصاديّة في العالم الإسلامي، الرسميّة وغير الرسميّة، إلى إطلاق الخطط والبرامج التي يُنذرون من خلالها كلّ الدوائر التي ترعى الإساءة إلى إسلامهم، أنّ مسألة الإساءة لا يُمكن أن تمرّ مرور الكرام عند كلّ محطّة يشعر فيها البعض بأنّه يستطيع أن يقوم بأعمال عدوانيّة ثقافيّة من دون أن يجد ردّ فعلٍ حاسم على مستوى المقاطعة الاقتصاديّة في الواقع الإسلامي.
خامساً: إن على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولياتها في إصدار قرار يمنع الإساءة للأديان أو في التصديق على القرارات السابقة التي صدرت عنها في هذا المجال، وفي متابعة الأمر لدى الدول الأعضاء حتى لا تبقى المسألة في نطاق الكلمات القاتمة التي تنطلق بين وقت وآخر من دون أن تجد لها ترجمة حقيقية في الواقع.
أخيراً: إنّنا في الوقت الذي نؤكّد على هذه القضايا، يهمّنا التأكيد على أنّ باب الحوار مع الغرب، بدوائره الثقافيّة والسياسية والدينية، ينبغي أن يبقى مفتوحاً، لا بل إنّ الحاجة باتت ماسّة أكثر لإدارة الحوار الصريح مع المؤسّسات ومراكز الدراسات والشخصيّات المحترمة في الغرب لكي تتضافر الجهود لمنع حركة التدمير الثقافي والإعلامي من أن تأخذ حرّيتها وتقطع جسور التواصل بين الشعوب والأعراق والأديان، بما قد يفضي إلى تهديد السلام العالمي بشكل وبآخر.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 21-2-1429 هـ الموافق: 28/02/2008 م