السيد فضل الله: الإسلام يرفض الأصولية بمعنى العنف الظروف السياسية والأمنية لا تساعد أمريكا وإسرائيل على أيِّ حرب في المنطقة

السيد فضل الله: الإسلام يرفض الأصولية بمعنى العنف الظروف السياسية والأمنية لا تساعد أمريكا وإسرائيل على أيِّ حرب في المنطقة

السيد فضل الله: الإسلام يرفض الأصولية بمعنى العنف

الظروف السياسية والأمنية لا تساعد أمريكا وإسرائيل على أيِّ حرب في المنطقة


في حوار أجراه التلفزيون الإيطالي مع العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تحدّث العلامة فضل الله عن الأصولية بمعناها الديني، وأكد مسألة انتفاء الظروف الأمنية والسياسية للقيام بأي حرب داخلية في لبنان أو في المنطقة من قِبل إسرائيل وأمريكا.

س: هل الموجات الأصولية التي تجتاح العالم الإسلامي، تجسّد الدين الإسلامي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤثّر على لبنان، إن من الناحية الأمنية أو من الناحية الاجتماعية؟

ج: نحن نعتبر أن الأصولية، بمعنى اعتبار العنف هو الوسيلة التي يستخدمها أصحاب الأفكار ضد الآخر، ليست إسلامية، بل هي وسيلة ضد الإنسانية، لأنّ أصحابها يتحرّكون على أساس الاعتداء على الإنسان الذي يختلف معهم في الفكر أو يختلف معهم في الدين أو في السياسة. ولذلك فنحن لا نعتبر الأصولية التي ترادف كلمة العنف ضد الآخر، وعدم الانفتاح عليه بالحوار، لا نعتبرها أسلوباً إسلامياً، لأن الإسلام يؤكد استخدام الوسائل السلمية الحضارية التي تخاطب عقل الإنسان فيما يختلف فيه الناس، وتخاطب حياة الناس في الخطوط التي تتنوع في تفكيرهم.

ولكن المشكلة هي أن هناك أصولية سياسية تمارسها بعض الدول الكبرى، فقد نلاحظ ذلك في الطريقة التي تتحرّك فيها الإدارة الأمريكية في مواجهة الذين يعارضون سياستها في المنطقة، وهذا ما لاحظناه في الاحتلال الأمريكي للعراق ولأفغانستان، وفي الطريقة التي تدير بها أمريكا الأوضاع في السودان وفي الصومال.

أيضاً هناك الأصولية اليهودية العنصرية التي صادرت الوجود الفلسطيني، وشرّدت أكثر الفلسطينيين من أرضهم، ولم تقبل برجوعهم إليها في عملية السلام أو عبر عمليّة التسوية، إضافةً إلى تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر الدول الغربية إسرائيل في احتلالها للمناطق الفلسطينية. لذلك، نحن نعتقد أن هناك أصولية يهودية وأصولية أمريكية أيضاً، وأصولية مسيحية، كما هي الأصولية الإسلامية، ولكن الأساليب تختلف بين أصولية وأصولية أخرى. ونحن في لبنان، وفي كل البلاد العربية والإسلامية، نرفض الأصولية بمعنى العنف، ونعمل على أساس أن لا يكون للأصولية في لبنان أي دور سياسي أو أمني.

ونحن نتعاون مع كل الوطنيين في لبنان من كل الطوائف، في سبيل أن تكون السياسة في لبنان سياسة منفتحة على الحوار وعلى العيش المشترك بين الطوائف. لذلك فنحن لا نجد أنّ هناك مكاناً للأصولية في لبنان، ونعمل على أن لا يكون لها مكان.

س: الاصطفاف المذهبي لدى الطوائف المسيحية الذي شهدناه مؤخَّراً، يمكن أن يكون ردّ فعل لما شهدته الساحة الإسلامية من اصطفافات مذهبية، هل ما حدث في العراق يمكن أن يولّد مخاطر على لبنان من هذه الناحية؟

ج: أنا لا أعتقد أن هناك مشكلة كبيرة وخطيرة بين السنّة والشيعة في لبنان، ربما حاول البعض أن يثير هذه المسألة، ولكن العقلاء من السنّة والشيعة استطاعوا أن يسيطروا عليها، بحيث منعوا حدوث أي فتنة أمنية بين السنّة والشيعة، وإن بقيت بعض الحساسيات بفعل التعددية. أما بالنسبة إلى المسيحيين، فإن المسألة تنطلق من داخلهم، بحيث إن هناك صراعاً في داخل الطائفة المسيحية بين الزعماء المسيحيين على أساس مَن هي المرجعية المسيحية السياسية الأقوى، والتي يمكن أن يكون لها الأولوية في مسألة رئاسة الجمهورية.

ولذلك، فقضية الصراع في داخل الطائفة المسيحية تختلف عمّا يُتحدث عنه بالنسبة إلى المسألة السنيّة الشيعية، وخصوصاً أن المسيحيين، ولاسيما الموارنة، كانوا يعتبرون ـ كما صرّح بذلك أحد زعماء المسيحيين الراحلين، وهو ريمون إده ـ بأن لبنان أريد أن يكون دولة الموارنة، فهم يعتبرون في تأسيس لبنان أن الدولية دولتهم، وأن الآخرين يتعاونون معهم في الدرجة الثانية، وهذا ما لاحظناه في الخطاب الذي صدر من بعض الزعماء المسيحيين الموارنة، حتى بالنسبة إلى الأرمن المسيحيين، حيث شعرنا بأنّهم يعتبرونهم مواطنين مسيحيين من الدرجة الثانية.

حتى عندما حدثت الانتخابات الأخيرة، كان البعض يتحدث، بأن أحد الفريقين صوّت له الموارنة بأكثرية، بينما الفريق الآخر صوّت له الأرثوذكس والأرمن مع بعض المسلمين، ما يدل على أن الموارنة يعتبرون أنفسهم الأصل والأساس، وأن المسيحيين الآخرين، سواء كانوا من الأرثوذكس أو من الأرمن، لا يمثلون الأصالة المسيحية.

أما ما يحدث في العراق، فإن له عناصر داخلية وخارجية تتصل بالسياسة الأمريكية وبالصراع الأمريكي مع أكثر من دولة في المنطقة من جوار العراق. لذلك، فإن ما يحدث في العراق ليس له أي تأثير سلبي على الواقع اللبناني، لأن اللبنانيين مهما اختلفوا في طوائفهم، فإنهم اتفقوا على رفض الحرب الأهلية مهما كان الخلاف السياسي.

س: نفهم من كلام سماحتكم، أن الاصطفاف الطائفي مهما قوي، فإن الاحتكاك الطائفي لا يمكن أن يؤدي إلى حربٍ أهلية؟

ج: أنا أعتقد أن اللبنانيين الذين عاشوا العنف في الحرب السابقة، قرروا، حتى الذين يختلفون في المسألة السياسية بين ما يسمى الأكثرية النيابية التي تضمّ المسلمين والمسيحيين، والأقلية المعارضة التي تضم المسلمين والمسيحيين، أن لا يوصلوا الأمور فيما بينهم إلى حالة الحرب، ونحن نسمع في شعاراتهم السياسية أنهم يتفقون على اتفاق الطائف، وإن كانوا يختلفون في تفسير بعض بنوده وموارده من الناحية السياسية.

س: كيف تقيّمون، سماحتكم، دور قوات الطوارىء الدولية الموجودة حالياً في لبنان، وخصوصاً أن الإيطاليين موجودون بأعداد كبيرة، وهم موجودون في أفغانستان أيضاً؟

ج: نحن نعترف بقيمة قوات "اليونيفيل"، ولاسيما القوات الإيطالية، لأننا كما قلنا في حديثنا معكم، نحترم الشعب الإيطالي، وعلى هذا الأساس، فنحن نحترم القوات الإيطالية، ونرفض أن يسيء أي شخص لبناني إلى هذه القوات. ولكننا كنا منذ البداية نتحدث بأنه إذا كانت قوات "اليونيفيل" قد جاءت إلى لبنان بقرار من مجلس الأمن من أجل السلام في لبنان، فكان من المفروض أن يكون قسم منها في داخل فلسطين، يعني في داخل ما يسمى بالكيان الإسرائيلي، وقسم منها في داخل لبنان.

لذلك، فإن حشد قوات "اليونيفيل" في داخل لبنان، قد يوحي إلى بعض الناس بأنّ هذه القوات قد جاءت لحماية إسرائيل لا لحماية اللبنانيين. ولذلك فنحن نلاحظ أن إسرائيل تعتدي يومياً على لبنان بالطلعات العسكرية التي تتحرك في أجوائه بطريقة استخباراتية، ومن أجل تخويف اللبنانيين وترهيبهم. لذلك فإن بعض الناس قد يعتقدون أن قوات الطوارىء جاءت لحماية إسرائيل لا لحماية اللبنانيين فقط، لأن اللبنانيين لم يعتدوا على الإسرائيليين، بل إنّ إسرائيل منذ تأسيسها كانت هي التي تعتدي على لبنان. قد يناقش بعض الناس في هذه الفكرة، ولكن البعض يعتقدون أن هذه هي الفكرة الحقيقية، وإلا لماذا تحتشد قوات الطوارىء في لبنان ولا يكون قسم منها في الجانب الإسرائيلي؟!

أنا أحب أن أضيف، بأن مشكلتنا في لبنان هي أن الإدارة الأمريكية أدخلت لبنان في سياسته الداخلية، في الزمن القومي الأمريكي، كما صرّح به الرئيس بوش أو المسؤولون الأمريكيون، ولذلك فإن اعتبار لبنان داخلاً في نطاق الأمن القومي الأمريكي، يجعله ساحةً للصراع بين أمريكا وكل الذين يعارضون سياستها في المنطقة. وما يربك الواقع اللبناني، هو انقسام اللبنانيين إلى فريقين؛ فريق يلتزم السياسة الأمريكية، وفريق يلتزم معارضة السياسة الأمريكية. لذلك من الصعب جداً أن يحصل استقرار في الواقع السياسي اللبناني، لأن أمريكا تمنع حلّ الأزمة اللبنانية في هذا الموضوع، فهي تريد أن يبقى لبنان ساحةً للضغط على أكثر من دولة في المنطقة، وخصوصاً أن وزيرة خارجية أمريكا، كونداليسا رايس، صرّحت بأن لبنان يمثل البلد الذي يمكن أن يتحرك فيه المشروع الأمريكي، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد.

ولذلك، نعتقد أن الإدارة الأمريكية هي سرّ كل المشاكل في لبنان، وهو ما يؤكّده طريقة إدارة السفير الأمريكي للأوضاع، الذي يتدخل حتى في الخصوصيات اللبنانية. وهكذا بالنسبة إلى الموفدين الأمريكيين الذين يأتون إلى لبنان. ومن المؤسف أن كثيراً من الدول الغربية خضعت لخطوط السياسة الأمريكية. وقد لاحظنا أن مجلس الأمن لم يصدر قرارات في أية مشكلة في العالم بقدر ما أصدر قرارات في القضية اللبنانية بفعل ضغط السياسة الأمريكية، ولذلك نقول فتّش عن أمريكا في كل مشكلة في لبنان.

س: بما أننا نتكلم عن حالة المنطقة؛ هل امتلاك إيران أو السعي من قِبَل الجمهورية الإيرانية للحصول على الطاقة النووية، يمكن أن يعطي دوراً أكبر لطهران في الشرق الأوسط مع وجود نوع من التهديد لإيران من قِبَل أمريكا وإسرائيل بحرب يمكن أن تقع؟

ج: إن إيران تُصرِّح وصرّحت مئات المرات، أنها لا تريد صنع السلاح النووي، وإنما تريد أن تحصل على الطاقة النووية من الناحية العلمية للقضايا السلمية التي تتعلق بالطاقة، وقد صدرت هناك فتوى شرعية إسلامية، والفتوى الشرعية الإسلامية هي ملزمة لكل القيادات الإيرانية، بأنه لا يجوز صنع السلاح النووي، ولم تستطع الدول الغربية ولا وكالة الطاقة الذرية أن تثبت ولو بنسبة واحد في المئة أي دليل على أن إيران تريد صنع القنبلة النووية، وإنما كانت هناك اتهامات انطلقت من خلال السياسة الأمريكية التي تريد أن تضغط على إيران، باتهامها بأنها تريد صنع القنبلة النووية، تماماً كما فعلت الإدارة الأمريكية عندما اتهمت العراق قبل احتلاله بأنه يملك أسلحة نووية، ثم تبيّن أن الرئيس بوش والرئيس بلير كانا يكذبان على العالم كله في ذلك.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نحن نتساءل: لماذا لا يتحدث أحد عن السلاح النووي الإسرائيلي؟ فإسرائيل تملك ترسانة نووية تصل إلى مئتي رأس نووي، مما يمكن أن يهدّد المنطقة كلها. ونحن عندما ندرس حركة السياسة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية، لا نجد أن إيران كانت تهدد المنطقة، بل إنّ النظام العراقي هو الذي هدّد إيران بالتعاون مع السياسة الغربية، لكننا في الوقت نفسه، نعتقد أن ظروف المنطقة لا تساعد على حرب أمريكية إسرائيلية ضد إيران، لأن مثل هذه الحرب سوف تؤدي إلى حريق في المنطقة، خصوصاً بسبب ما قد تتعرّض له القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، أو ما يلحق من تهديدات أمنية بعملية تصدير النفط من الخليج أو قصف مناطق البترول، إضافة إلى وجود الجنود الأمريكيين في العراق الذين هم رهائن أمام إيران.

لذلك، نعتقد أن الظروف السياسية والأمنية في المنطقة، لا تساعد أمريكا ولا إسرائيل على أي حرب فيها، ولذلك فإن الحرب هي حرب نفسية وإعلامية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24 رجب 1428 هـ  الموافق: 08/08/2007 م

السيد فضل الله: الإسلام يرفض الأصولية بمعنى العنف

الظروف السياسية والأمنية لا تساعد أمريكا وإسرائيل على أيِّ حرب في المنطقة


في حوار أجراه التلفزيون الإيطالي مع العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تحدّث العلامة فضل الله عن الأصولية بمعناها الديني، وأكد مسألة انتفاء الظروف الأمنية والسياسية للقيام بأي حرب داخلية في لبنان أو في المنطقة من قِبل إسرائيل وأمريكا.

س: هل الموجات الأصولية التي تجتاح العالم الإسلامي، تجسّد الدين الإسلامي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تؤثّر على لبنان، إن من الناحية الأمنية أو من الناحية الاجتماعية؟

ج: نحن نعتبر أن الأصولية، بمعنى اعتبار العنف هو الوسيلة التي يستخدمها أصحاب الأفكار ضد الآخر، ليست إسلامية، بل هي وسيلة ضد الإنسانية، لأنّ أصحابها يتحرّكون على أساس الاعتداء على الإنسان الذي يختلف معهم في الفكر أو يختلف معهم في الدين أو في السياسة. ولذلك فنحن لا نعتبر الأصولية التي ترادف كلمة العنف ضد الآخر، وعدم الانفتاح عليه بالحوار، لا نعتبرها أسلوباً إسلامياً، لأن الإسلام يؤكد استخدام الوسائل السلمية الحضارية التي تخاطب عقل الإنسان فيما يختلف فيه الناس، وتخاطب حياة الناس في الخطوط التي تتنوع في تفكيرهم.

ولكن المشكلة هي أن هناك أصولية سياسية تمارسها بعض الدول الكبرى، فقد نلاحظ ذلك في الطريقة التي تتحرّك فيها الإدارة الأمريكية في مواجهة الذين يعارضون سياستها في المنطقة، وهذا ما لاحظناه في الاحتلال الأمريكي للعراق ولأفغانستان، وفي الطريقة التي تدير بها أمريكا الأوضاع في السودان وفي الصومال.

أيضاً هناك الأصولية اليهودية العنصرية التي صادرت الوجود الفلسطيني، وشرّدت أكثر الفلسطينيين من أرضهم، ولم تقبل برجوعهم إليها في عملية السلام أو عبر عمليّة التسوية، إضافةً إلى تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر الدول الغربية إسرائيل في احتلالها للمناطق الفلسطينية. لذلك، نحن نعتقد أن هناك أصولية يهودية وأصولية أمريكية أيضاً، وأصولية مسيحية، كما هي الأصولية الإسلامية، ولكن الأساليب تختلف بين أصولية وأصولية أخرى. ونحن في لبنان، وفي كل البلاد العربية والإسلامية، نرفض الأصولية بمعنى العنف، ونعمل على أساس أن لا يكون للأصولية في لبنان أي دور سياسي أو أمني.

ونحن نتعاون مع كل الوطنيين في لبنان من كل الطوائف، في سبيل أن تكون السياسة في لبنان سياسة منفتحة على الحوار وعلى العيش المشترك بين الطوائف. لذلك فنحن لا نجد أنّ هناك مكاناً للأصولية في لبنان، ونعمل على أن لا يكون لها مكان.

س: الاصطفاف المذهبي لدى الطوائف المسيحية الذي شهدناه مؤخَّراً، يمكن أن يكون ردّ فعل لما شهدته الساحة الإسلامية من اصطفافات مذهبية، هل ما حدث في العراق يمكن أن يولّد مخاطر على لبنان من هذه الناحية؟

ج: أنا لا أعتقد أن هناك مشكلة كبيرة وخطيرة بين السنّة والشيعة في لبنان، ربما حاول البعض أن يثير هذه المسألة، ولكن العقلاء من السنّة والشيعة استطاعوا أن يسيطروا عليها، بحيث منعوا حدوث أي فتنة أمنية بين السنّة والشيعة، وإن بقيت بعض الحساسيات بفعل التعددية. أما بالنسبة إلى المسيحيين، فإن المسألة تنطلق من داخلهم، بحيث إن هناك صراعاً في داخل الطائفة المسيحية بين الزعماء المسيحيين على أساس مَن هي المرجعية المسيحية السياسية الأقوى، والتي يمكن أن يكون لها الأولوية في مسألة رئاسة الجمهورية.

ولذلك، فقضية الصراع في داخل الطائفة المسيحية تختلف عمّا يُتحدث عنه بالنسبة إلى المسألة السنيّة الشيعية، وخصوصاً أن المسيحيين، ولاسيما الموارنة، كانوا يعتبرون ـ كما صرّح بذلك أحد زعماء المسيحيين الراحلين، وهو ريمون إده ـ بأن لبنان أريد أن يكون دولة الموارنة، فهم يعتبرون في تأسيس لبنان أن الدولية دولتهم، وأن الآخرين يتعاونون معهم في الدرجة الثانية، وهذا ما لاحظناه في الخطاب الذي صدر من بعض الزعماء المسيحيين الموارنة، حتى بالنسبة إلى الأرمن المسيحيين، حيث شعرنا بأنّهم يعتبرونهم مواطنين مسيحيين من الدرجة الثانية.

حتى عندما حدثت الانتخابات الأخيرة، كان البعض يتحدث، بأن أحد الفريقين صوّت له الموارنة بأكثرية، بينما الفريق الآخر صوّت له الأرثوذكس والأرمن مع بعض المسلمين، ما يدل على أن الموارنة يعتبرون أنفسهم الأصل والأساس، وأن المسيحيين الآخرين، سواء كانوا من الأرثوذكس أو من الأرمن، لا يمثلون الأصالة المسيحية.

أما ما يحدث في العراق، فإن له عناصر داخلية وخارجية تتصل بالسياسة الأمريكية وبالصراع الأمريكي مع أكثر من دولة في المنطقة من جوار العراق. لذلك، فإن ما يحدث في العراق ليس له أي تأثير سلبي على الواقع اللبناني، لأن اللبنانيين مهما اختلفوا في طوائفهم، فإنهم اتفقوا على رفض الحرب الأهلية مهما كان الخلاف السياسي.

س: نفهم من كلام سماحتكم، أن الاصطفاف الطائفي مهما قوي، فإن الاحتكاك الطائفي لا يمكن أن يؤدي إلى حربٍ أهلية؟

ج: أنا أعتقد أن اللبنانيين الذين عاشوا العنف في الحرب السابقة، قرروا، حتى الذين يختلفون في المسألة السياسية بين ما يسمى الأكثرية النيابية التي تضمّ المسلمين والمسيحيين، والأقلية المعارضة التي تضم المسلمين والمسيحيين، أن لا يوصلوا الأمور فيما بينهم إلى حالة الحرب، ونحن نسمع في شعاراتهم السياسية أنهم يتفقون على اتفاق الطائف، وإن كانوا يختلفون في تفسير بعض بنوده وموارده من الناحية السياسية.

س: كيف تقيّمون، سماحتكم، دور قوات الطوارىء الدولية الموجودة حالياً في لبنان، وخصوصاً أن الإيطاليين موجودون بأعداد كبيرة، وهم موجودون في أفغانستان أيضاً؟

ج: نحن نعترف بقيمة قوات "اليونيفيل"، ولاسيما القوات الإيطالية، لأننا كما قلنا في حديثنا معكم، نحترم الشعب الإيطالي، وعلى هذا الأساس، فنحن نحترم القوات الإيطالية، ونرفض أن يسيء أي شخص لبناني إلى هذه القوات. ولكننا كنا منذ البداية نتحدث بأنه إذا كانت قوات "اليونيفيل" قد جاءت إلى لبنان بقرار من مجلس الأمن من أجل السلام في لبنان، فكان من المفروض أن يكون قسم منها في داخل فلسطين، يعني في داخل ما يسمى بالكيان الإسرائيلي، وقسم منها في داخل لبنان.

لذلك، فإن حشد قوات "اليونيفيل" في داخل لبنان، قد يوحي إلى بعض الناس بأنّ هذه القوات قد جاءت لحماية إسرائيل لا لحماية اللبنانيين. ولذلك فنحن نلاحظ أن إسرائيل تعتدي يومياً على لبنان بالطلعات العسكرية التي تتحرك في أجوائه بطريقة استخباراتية، ومن أجل تخويف اللبنانيين وترهيبهم. لذلك فإن بعض الناس قد يعتقدون أن قوات الطوارىء جاءت لحماية إسرائيل لا لحماية اللبنانيين فقط، لأن اللبنانيين لم يعتدوا على الإسرائيليين، بل إنّ إسرائيل منذ تأسيسها كانت هي التي تعتدي على لبنان. قد يناقش بعض الناس في هذه الفكرة، ولكن البعض يعتقدون أن هذه هي الفكرة الحقيقية، وإلا لماذا تحتشد قوات الطوارىء في لبنان ولا يكون قسم منها في الجانب الإسرائيلي؟!

أنا أحب أن أضيف، بأن مشكلتنا في لبنان هي أن الإدارة الأمريكية أدخلت لبنان في سياسته الداخلية، في الزمن القومي الأمريكي، كما صرّح به الرئيس بوش أو المسؤولون الأمريكيون، ولذلك فإن اعتبار لبنان داخلاً في نطاق الأمن القومي الأمريكي، يجعله ساحةً للصراع بين أمريكا وكل الذين يعارضون سياستها في المنطقة. وما يربك الواقع اللبناني، هو انقسام اللبنانيين إلى فريقين؛ فريق يلتزم السياسة الأمريكية، وفريق يلتزم معارضة السياسة الأمريكية. لذلك من الصعب جداً أن يحصل استقرار في الواقع السياسي اللبناني، لأن أمريكا تمنع حلّ الأزمة اللبنانية في هذا الموضوع، فهي تريد أن يبقى لبنان ساحةً للضغط على أكثر من دولة في المنطقة، وخصوصاً أن وزيرة خارجية أمريكا، كونداليسا رايس، صرّحت بأن لبنان يمثل البلد الذي يمكن أن يتحرك فيه المشروع الأمريكي، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد.

ولذلك، نعتقد أن الإدارة الأمريكية هي سرّ كل المشاكل في لبنان، وهو ما يؤكّده طريقة إدارة السفير الأمريكي للأوضاع، الذي يتدخل حتى في الخصوصيات اللبنانية. وهكذا بالنسبة إلى الموفدين الأمريكيين الذين يأتون إلى لبنان. ومن المؤسف أن كثيراً من الدول الغربية خضعت لخطوط السياسة الأمريكية. وقد لاحظنا أن مجلس الأمن لم يصدر قرارات في أية مشكلة في العالم بقدر ما أصدر قرارات في القضية اللبنانية بفعل ضغط السياسة الأمريكية، ولذلك نقول فتّش عن أمريكا في كل مشكلة في لبنان.

س: بما أننا نتكلم عن حالة المنطقة؛ هل امتلاك إيران أو السعي من قِبَل الجمهورية الإيرانية للحصول على الطاقة النووية، يمكن أن يعطي دوراً أكبر لطهران في الشرق الأوسط مع وجود نوع من التهديد لإيران من قِبَل أمريكا وإسرائيل بحرب يمكن أن تقع؟

ج: إن إيران تُصرِّح وصرّحت مئات المرات، أنها لا تريد صنع السلاح النووي، وإنما تريد أن تحصل على الطاقة النووية من الناحية العلمية للقضايا السلمية التي تتعلق بالطاقة، وقد صدرت هناك فتوى شرعية إسلامية، والفتوى الشرعية الإسلامية هي ملزمة لكل القيادات الإيرانية، بأنه لا يجوز صنع السلاح النووي، ولم تستطع الدول الغربية ولا وكالة الطاقة الذرية أن تثبت ولو بنسبة واحد في المئة أي دليل على أن إيران تريد صنع القنبلة النووية، وإنما كانت هناك اتهامات انطلقت من خلال السياسة الأمريكية التي تريد أن تضغط على إيران، باتهامها بأنها تريد صنع القنبلة النووية، تماماً كما فعلت الإدارة الأمريكية عندما اتهمت العراق قبل احتلاله بأنه يملك أسلحة نووية، ثم تبيّن أن الرئيس بوش والرئيس بلير كانا يكذبان على العالم كله في ذلك.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، نحن نتساءل: لماذا لا يتحدث أحد عن السلاح النووي الإسرائيلي؟ فإسرائيل تملك ترسانة نووية تصل إلى مئتي رأس نووي، مما يمكن أن يهدّد المنطقة كلها. ونحن عندما ندرس حركة السياسة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية، لا نجد أن إيران كانت تهدد المنطقة، بل إنّ النظام العراقي هو الذي هدّد إيران بالتعاون مع السياسة الغربية، لكننا في الوقت نفسه، نعتقد أن ظروف المنطقة لا تساعد على حرب أمريكية إسرائيلية ضد إيران، لأن مثل هذه الحرب سوف تؤدي إلى حريق في المنطقة، خصوصاً بسبب ما قد تتعرّض له القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، أو ما يلحق من تهديدات أمنية بعملية تصدير النفط من الخليج أو قصف مناطق البترول، إضافة إلى وجود الجنود الأمريكيين في العراق الذين هم رهائن أمام إيران.

لذلك، نعتقد أن الظروف السياسية والأمنية في المنطقة، لا تساعد أمريكا ولا إسرائيل على أي حرب فيها، ولذلك فإن الحرب هي حرب نفسية وإعلامية.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 24 رجب 1428 هـ  الموافق: 08/08/2007 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية