العلاّمة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، لم يعد له منـزل في محلة حارة حريك، بعدما حوّل القصف الإسرائيلي منـزله إلى ركام، وتحرّكت الجرّارات لإزالة هذا الركام ونقله إلى قلب الأوزاعي. إنه مهجّر، مثل باقي المهجرين، ولا يبيت في مكان واحد. فالرجل يبقى مستهدفاً كما ظلّ مستهدفاً طوال سنين، ونجا بأعجوبة من عدّة محاولات اغتيال.
وهناك داخل قاعة الاستقبال في مسجد الحسنين، استقبل سماحته "الأفكار"، وبارك جهدها الإعلامي طوال فترة الحرب. لا هان أمام عاصفة العدوان، ولا لان أمام الآلة الإسرائيلية الطاحنة، بل ظلّ محتفظاً بابتسامته وشجاعته ونبرة صوته، وصدقت فيه الآية الكريمة: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم مَن قضى نحبه ومنهم مَن ينتظر وما بدّلوا تبديلاً}.
وعلى مقربة من مكان الاستقبال، هناك القاعة التي عقد فيها السيد حسن نصر الله أول مؤتمر صحفي له بداية العدوان الإسرائيلي، يوم قال: "إذا ضربوا الضاحية فسنضرب حيفا وما بعد حيفا"، وصدق الوعد.
السيد محمد حسين فضل الله، قائد روحي تحالف مع الخطر، وحيث تكون محنة الناس يكون، بدءاً من منطقة النبعة عام 1976... وإذا تكلّم فالعبارة طوع بنانه، ويزنها بميزان الفرمشاني مغلباً الحكمة والشجاعة على كل اعتبار آخر.
مع الخطر تحت سقف واحد
س: نعرف أنّكم عشتم مع الخطر وتعايشتم معه، وكل مرحلة تختلف عن الأخرى، فهلاّ تروون لنا كيف تعوّدتم على معايشة الخطر، بدءاً من العراق، مروراً بالنبعة، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية؟
ج: مبدئي الذي التزمته في كل حياتي منذ الخمسينات، أن أحب الناس وأعيش رسالتي في علاقتي معهم. لم أفكّر في أي وقت من خلال موقعي الديني أن أستغل الناس، سواء من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية، فعندما كنت في النجف الأشرف، كنت أذهب إلى مناطق الريف هناك، وأشاهد حالات البؤس، وأعيش مع الناس الذين كانوا يرعون البقر والغنم وما إلى ذلك، وكانوا من الفقراء، وكنت أذهب إلى المرجعية الدينية المتمثّلة آنذاك بآية الله السيد محسن الحكيم لأحصل منه على المساعدات لهم. كنت أتحرك من أجل رعايتهم ثقافياً ومادياً، وهكذا عندما جئت إلى لبنان وأقمت في منطقة النبعة. وأذكر أن أخانا وصديقنا العلامة الكبير المجاهد السيد موسى الصدر، وكان زميلي في النجف، استغرب مجيئي إلى النبعة، لأنه كان يفكّر في أن أكون في موقع ثقافي متقدّم عن ذلك، ولكني كنت أحب المستضعفين.
س: لماذا اخترت النبعة بالذات بعد عودتك من النجف؟
ج: عندما كنت آتي إلى لبنان في أيام الصيف، كانت لدي صداقات من جبل عامل في النبعة، وكنت أذهب إلى أصدقائي، حتى إنني شاركت في بناء نادٍ حسيني ومسجد في منطقة النبعة. لذلك كانت هذه العلاقة المتحركة سبباً في مجيئي إلى النبعة، حيث كنت أنفتح على ما أعيشه من حب للمستضعفين. وكنت في تلك الفترة أحاول رعايتهم دينياً وسياسياً وحتى مادياً، وكانت الحقوق الشرعية من خمس وزكاة تأتي إليّ، وكنت أوزعها على الفقراء في تلك المنطقة. وهكذا بقيت في النبعة إلى ما بعد سقوطها عام 1976، وقد تعرضت لأكثر من خطر هناك، وكنت أنتقل من زاوية إلى زاوية في البيت الذي أسكنه، حتى إنّني كنت أكتب بعض مؤلفاتي في ضوء الشموع.
س: هل أتاك آنذاك الشيخ بشير الجميل واجتمع بك؟
ج: ليس بشير الجميل، بل النائب يومذاك أمين الجميل، وذلك بعد سقوط النبعة، وتحدّث معي حديثاً يوحي بأنّ المنطقة سوف تبقى، ولكنه لم يفِ بذلك. وأذكر في هذا المجال أنني بعد سقوط النبعة وخروجي منها إلى الضاحية، كنت قادماً من إيران في العام 1982م، وفي الطريق بين البقاع وبيروت، تعرّضت للخطف، وكنت مع أحد مرافقي وأحد أولادي، ووضعنا في ملجأ في منطقة الأشرفية، حيث كنا نعيش في حيرة، ولم يكن أحد يتحدّث معنا، ولولا الأستاذ نبيه بري الذي علم بخطفنا عندما كان مجتمعاً مع لجنة الإنقاذ الوطني داخل السراي برئاسة الرئيس الشهيد رشيد كرامي، وتهديده بأنه إذا لم يطلق سراحنا سيتصرف، حيث كانت تجري آنذاك مفاوضات مع بشير الجميل زمن هيئة الإنقاذ الوطني، لولا ذلك لما أطلق سراحنا. ومن ثم عشت في الضاحية أثناء الحصار الإسرائيلي عام 1982، وكنّا نعيش في الملاجىء وفي ظلّ أوضاع صعبة، خصوصاً في منطقة بئر العبد، ومع ذلك، كنت لا أترك المسجد وكنت أصلي مع الناس. وهكذا عشنا بعدها مشكلة الحرب التي حدثت بين المنطقتين الشرقية والغربية، حسب الاصطلاح آنذاك.
س: كيف تعاملت مع الفلسطينيين آنذاك؟
ج: لم تكن لي علاقة معهم، حتى إنني لم ألتقِ بأبي عمّار، لكنني عندما كنت في الغبيري على كتف الحرش، وأُطلق صاروخ على بيتي وتجاوز غرفة نومي، أذكر أن أبا الهول (هايل عبد الحميد) زارني، فقلت له إنّنا كنا نشعر بأنّ هناك أمناً لمن يجاوركم، ولكننا فوجئنا بأن لا أمن حتى لمن يجاوركم، وحاول أن يعتذر، ومن ثم انتقلنا إلى بئر العبد، وواجهنا متفجّرة بئر العبد التي دبّرتها المخابرات الأمريكية حسب مذكرات "وليم كيس"، والتي كانت في ذلك الوقت بالتنسيق مع بعض الجهات العربية واللبنانية. كما إنّني تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال آنذاك، خصوصاً من البعث العراقي، وعشت في ما بعد فترة الخطر أيام حملة "تصفية الحساب"، وعناقيد الغضب، عام 1993 و1996، ومع ذلك ظلّت علاقتي مع الناس كما هي، وبقي التواصل معهم، ولم أخرج من بيروت في كل هذه المراحل.
يوم القصف الجوي
س: أين كنت يوم بدأ القصف الإسرائيلي في حرب تموز (يوليو) مستهدفاً الضاحية وحارة حريك، حيث تسكن بالذات؟
ج: خرجت من البيت قبل يوم حذراً، بعد إلحاح من أخواني ومرافقيَّ، وإلا لما خرجت إلى مكان أكثر أمناً. وكنت خلال هذه الفترة أتنقل من مكان إلى آخر...
س: تنتقل من مكان إلى آخر وكأنك مقاتل، فهل التهديد يستهدفكم شخصياً؟
ج: نحن نشعر بأنَّ المعركة معركتنا، لأنني منذ البداية عندما انطلقت في العمل الإسلامي العام، كان أمامي عنوانان: الأول أمريكا، باعتبار أنّ الإدارة الأمريكية هي الشر المطلق الذي يستهدف العالم الإسلامي كله بما فيه العالم العربي، وقد انطلقت عناصر هذا الشر بقوّة كبيرة، ولاسيما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لتسبِّب للعالم كله مشكلة لا تزال تتفاقم. وفي هذا السياق كانت الإدارة الأمريكية تضغط على كل دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، لتحقيق أهدافها المتمثّلة ببناء امبراطوريتها والسيطرة على العالم أجمع.
والعنوان الثاني هو إسرائيل التي زُرعت في أرضنا من أجل فصل العالم العربي بعضه عن بعض، وتعطيل نموّه، وقهر عنفوانه في هذا المقام، ولتتحوّل إلى يد ضاربة لأمريكا تؤدّب بواسطتها من تريد تأديبه. ونحن نعتبر أن كل ما حدث للبنان منذ السبعينات حتى الآن، إنما جرى بالتنسيق بين أمريكا وإسرائيل، وأن إسرائيل كانت تتحرك بضوء أخضر أمريكي. ولذا نعتبر أن كل الذين شُرِّدوا وقُتلوا وجرحوا في لبنان، إنما تتحمل الإدارة الأمريكية مسؤوليتهم...
س: العلاَّمة السيد فضل الله قائد رؤيوي، ولذا نسأل: عندما سمعت أن الجنديّين الإسرائيليين أسرا، ماذا كنت تتوقَّع؟
ج: في ذلك الوقت، وبالرغم من دراستنا للواقع الأمني والسياسي الذي يحكم أمريكا وإسرائيل في النظرة إلى لبنان، وخصوصاً إلى المقاومة التي عطّلت المشروع الأمريكي فيه، لم أشعر بأن هناك حرباً بحجم هذه الحرب ستقع، لأن المقاومة عندما أسرت الجنديين الإسرائيليين، كانت تنطلق في رؤيتها لمسار الأمور، من خلال قراءتها لمجمل المناخ الذي واكب عمليات الأسر السابقة، والتي كانت تؤدّي إلى التحرّك في خط التبادل.
لذلك، لم أكن أفكر في هذه الحرب، ولاسيما أن قيادة المقاومة كانت تقول إنها لا تريد حرباً. لكن المسألة التي ظهرت بعد ذلك، أكدت أن هناك خطة أمريكية إسرائيلية أُعدَّت للبنان، منتظرةً أي مبرّر يمكن له أن يفتح لها هذا الأفق، وهذا الأمر جاء مبرراً لم تلتفت إليه المقاومة، وأزعم أنه لم يلتفت إليه كل الواقع السياسي في المنطقة. لذلك، فإنّ الحديث عن أن المقاومة انطلقت من مغامرة غير محسوبة ليس حديثاً دقيقاً، لأن قضية المغامرة إنما تكون عندما يكون هناك في الأفق بعض العلامات أو بعض الأوضاع التي توحي ولو بنسبة 50 أو60 في المئة بحصول ذلك، لكن عندما لا يكون هناك أي علامة على وجود شيء فوق العادة، لا يمكن أن تكون مغامرة.
وأحب تأكيد نقطة حاولت إسرائيل أن تستغلها، وكذلك بعض السياسيين اللبنانيين، وذلك في حديث قيادة المقاومة بأنها لو كانت تعرف ولو بنسبة واحد في المئة بما سيحدث لما قامت بذلك، حيث اعتبر ذلك تصريحاً بالندم أو بنقد ذاتي. لكن هذا ليس صحيحاً، لأن المسألة كانت تعالج القضية من ناحية إنسانية، لأن المقاومة تتميز أساساً بالحكمة، فهي مع وجودها على حدود فلسطين، كانت تأخذ في الاعتبار الوضع الدولي والتوازنات الموجودة في لبنان، ولم تكن لها أي حركة غير محسوبة في ذلك الوقت.
وما قاله السيد حسن نصر الله، لا يعبِّر عن الندم أو النقد الذاتي، بل كان يريد القول إنَّه مسؤول عن الناس، ولا يريد أيّ إضرار بالناس، ولو كان يعرف أن ذلك سيحدث لما أقدم عليه.
س: ألم يعزِّز في قوله هذا، قول من اعتبر أن خطف الجنديين مغامرة؟
ج: هذه ليست مغامرة، لأنَّك عندما تنطلق في حركة تعتقد بنسبة 80 أو90 في المئة بأنها لا تنتج شيئاً سلبياً، فأنت لا تغامر، خصوصاً أن القراءة لعمليات الأسر السابقة، تبيِّن أنها تنتهي بالتبادل، وفي الواقع، فإنّ الأعداء كانوا يخططون لشيء لم يعرفه أي سياسي في المنطقة كلها، على اعتبار أنه من الأشياء الخفية.
أمريكا استغلّت إسرائيل
س: هل استفاد من ذلك الرئيس المصري حسني مبارك عندما قال إنّه كان على حق حين وصف العملية بالمغامرة؟
ج: أنا أقول إنه لم يكن على حق في إعطاء المسألة هذا التقويم، لأن قضية المغامرة إذا أردنا مفهومها، فهي أن تكون هناك احتمالات كبيرة للأخطار وتقدم عليها، أما عندما لا يكون هناك احتمال للخطر فهذه ليست مغامرة، خصوصاً وأن الأمر يستند إلى التاريخ الذي سبق عملية أسر الجنديين.
س: البعض يقول إن المفاجأة كانت في ضعف الثلاثي (أولمرت، بيرتس، ليفني)، الذي يعيش عقدة النقص بسبب عدم خبرته العسكرية، ولا يتشبّه بالأقطاب مثل "شارون" وغيره، ولهذا لم يحسب أحد قيام هذا الفريق الحاكم بالحرب الشاملة. فما صحة ذلك؟
ج: أتصوّر أنّ هذه الحرب هي خطة أمريكية، وهذا ما صرّح به بعض المسؤولين الصهاينة الذين قالوا إنّ أمريكا تستغل إسرائيل من أجل تنفيذ مشروعها في المنطقة، وكانوا ينتقدون المسؤولين لأنهم دخلوا هذه الحرب لخدمة أمريكا. والدليل على ذلك، أن وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليسا رايس" لم تتحدث عن الجنديين الإسرائيليين كمبرّر لهذه الحرب، إنما تحدثت عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، ما يدل على أن هناك خطة أمريكية تشمل المنطقة، وتبدأ من لبنان، من أجل إسقاط المقاومة الإسلامية التي تعتبرها وجهاً من وجوه النفوذ الإيراني في المنطقة.
لذلك، فالمسألة كانت خطة أمريكية تنطلق من عندنا. وأنا كنت أقول إنّ ما يضحك الثكلى، هو تصريح بعض المسؤولين الأمريكيين بأنه ليس هناك بلد أكثر إخلاصاً للبنان من الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يذكّرني ببيت من الشعر يقول: "ومن الحبّ ما قتل"، ويبدو أنّ أمريكا كلّما أحبّتنا أكثر قتلتنا أكثر. فإذا كان الحب يتمثّل بهذا الدمار الذي أطلقته أمريكا من خلال إسرائيل، حيث أرسلت جسراً جوياً لها من أجل أن تقتل المزيد من اللبنانيين بواسطة قنابلها الذكية، فعن أي إخلاص للبنان يتحدّثون؟
س: حكمتك تفرض عليك أن تقول هذا الكلام، لكن تظهر أصوات لبعض المشايخ تقول عكس ما تقوله، فما تفسيركم لذلك؟
ج: أنا لست ضد أيّ نقد توجّهه أي جهة، سواء كان ضدّ المقاومة الإسلامية أو ضدّ سورية أو إيران أو الواقع السياسي اللبناني، فمن حق الناس أن يعلنوا رأيهم، ولكن عندما تكون في حرب مع العدو كهذه الحرب التدميرية، التي استهدفت المقاومة بهدف إسقاط العنفوان الذي تمثّله، وعندما تخوض المقاومة عملية المواجهة لتحافظ على هذا العنفوان وترسّخه عميقاً في العالم العربي والإسلامي الذي أخذ يشعر لأول مرة بأنه استطاع أن ينتصر على العدو الصهيوني وعلى الجيش الذي لا يقهر، في هذه الحالة، علينا ألا نتحدث بالطرق السلبية إلى أن تهدأ الأمور وتنطلق قضايا الحساب، وعند ذلك يستطيع كل فريق أن يحاسب الفريق الآخر، وتستطيع المقاومة أن تحاسب الآخرين، كما أن الآخرين يستطيعون محاسبة المقاومة...
س: وهل انتصار المقاومة دفن مشروع الشرق الأوسط الجديد؟
ج: أتصور أن الانتصار الذي حقّقه المجاهدون أسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد، لأنّ العالم العربي والإسلامي الذي أريد له أن يكون هو الساحة التي يتحرك فيها هذا المشروع، قد أسقط هذا المشروع، وتحوّلت أمريكا إلى دولة مكروهة من الصغار ومن الكبار، وقد أحرجت حتى حلفاءها الذين تحركوا في أثناء الحرب في الخط الأمريكي الإسرائيلي.
الحصار والفراش المملوء بالأشواك
س: هناك حصار إسرائيلي على لبنان، ومجلس النواب يعتصم داخل البرلمان رفضاً لهذا الحصار، كيف يرى سماحة السيد الصورة، وهل سيرفع الحصار قريباً؟
ج: إنني أنظر إلى الاعتصام إيجابياً، لأنه جمع اللبنانيين على مواجهة إسرائيل وأمريكا معاً...
س: أي أن هذه الحالة جمعتهم على فراش واحد بعدما ناموا في المجلس؟
ج: أرجو أن يكون فراشاً لا أشواك فيه، لأننا نخاف من الفراش المملوء بالإبر والأشواك التي من الممكن أن تخرج بين وقت وآخر. وأعتقد أنه من الصعب أن يرفع الحصار، رغم المبادرات التي نقوم بها، لأن الحصار هو حصار أمريكي بيد إسرائيلية. وهذا ما قرأناه في تصريح المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة "جون بولتون" الذي كرّمه بعض اللبنانيين، عندما قال إنّ هذا الحصار الذي تقوم به أمريكا هو من أجل حماية لبنان من تهريب السلاح من سورية ومن إيران، ومعنى ذلك أنه حصار انطلق من خلال ضوء أمريكي، ولذلك فإن المسألة هي قضية أمريكية...
ونحن نلاحظ أن السفير الأمريكي "جيفري فيلتمان" نصح اللبنانيين بألا يعرضوا هذه المسألة على مجلس الأمن، لأنه يُحرج أمريكا التي قد تضطر لاستخدام الفيتو. ولذلك نجد أن أمريكا لا تحترم الاتحاد الأوروبي، ولا روسيا، ولا الصين، ولا المجتمع الدولي الذي تتاجر باسمه وتعمل في آن معاً على سحقه بقدميها الاستكباريتين. لذلك لن يرفع الحصار إلا بالشروط الأمريكية التي تتحرك من خلالها الشروط الإسرائيلية.
س: هل نحن أمام معادلة تقول إن بقاء الحصار معناه بقاء حكومة "أولمرت" وسقوط حكومة السنيورة والعكس صحيح؟
ج: على كلٍ، نحن نعتقد أن أمريكا تريد أن تحافظ على الحكومة الإسرائيلية، والعمل على خديعة الحكومة اللبنانية في هذا المجال، لأن الخطة أمريكية بالكامل، وأمريكا تريد أن تظهر إسرائيل بمظهر القوي الذي يفرض إرادته بعدما سقطت في المعركة.
س: وهل الحل أن ينتقل النواب إلى السفارة الأمريكية والاعتصام فيها؟
ج: أعتقد أن أكثر النواب لا يملكون كلمةً أمام السفارة الأمريكية، لأننا انتقلنا من وصاية سورية إلى وصاية أمريكية على هامش فرنسي.
"كوفي عنان" وسورية وإيران
س: الملاحظ أن "كوفي عنان" أخذ الضوء الأخضر لتنفيذ القرار 1701 من سورية التي أبدت نيّتها في المساعدة على عدم تهريب السلاح إلى لبنان، كما أخذ الضوء الأخضر من إيران أيضاً، عندما قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأن إيران مع تطبيق القرار 1701، لكن في المقابل لن يتخلّى عن تخصيب اليورانيوم، كيف تفسّرون ذلك؟
ج: أولاً، وحسب معلوماتي، أنه لو استمرّت الحرب أشهراً لما ضعف سلاح المقاومة الإسلامية، لذلك، فإن المقاومة الإسلامية ليست بحاجة إلى استيراد سلاح لا من سورية ولا من إيران، لأنها استعدّت لمواجهة على مستوى أشهر لا على مستوى أيام. وثانياً، نحن نعرف جيداً سوق السلاح في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان، ونعرف أن الحدود مهما كانت مراقبة، سواء حدود فلسطين أو حدود سورية أو حدود البحر، فإنه لا يستطيع أحد أن يضبطها.
لذلك فالمهرّبون كُثر، من مهربي السلاح إلى مهربي المخدرات إلى مهربي السياسات، وهم لا يزالون يتحركون، ولبنان الذي انطلق ـ بكلّ أسف ـ بالنظام الطائفي، بقي وسيبقى ساحة مفتوحة، ونحن نقول لكلّ من يتحدث بأننا لا نريد لبنان ساحة، إنّنا أيضاً لا نريد لبنان ساحة، ولكن من الذي يملك أن يبعد لبنان عن الساحة الأمريكية والأوروبية والعربية والشرق أوسطية؟! إن النظام الطائفي يفتح ثغرة بين كل طائفة وطائفة، لأن كل طائفة مهما تحدثت عن الإخلاص والوطنية والسيادة، تحاول أن تأخذ القوة في مواجهة طائفة أخرى.
س: إنّ بقاء لبنان ساحة، معناه "عرقنة" لبنان، وهذا ما تريده أمريكا؟
ج: لا أتصور أن أمريكا تريد "عرقنة" لبنان، ولكنها تخطط لابتزازه حتى تبقى السياسة الأمريكية فيه تعبث بوضع المنطقة من خلاله، بحيث يستخدم لبنان من خلال عناصره السياسية والأمنية لتخويف من يراد تخويفه، وإرباك من يراد إرباكه. وأظن أنه لا بد من التذكير باللاءات الثلاثة: لا تقسيم، لا انهيار، لا استقرار... وهذا هو حال لبنان.
س: كيف يعلّق سماحة السيد فضل الله على أداء رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أثناء الحرب على لبنان؟
ج: أفضل تعليق، هو اللاتعليق!