* بعد وقف الحرب الإسرائيلية التدميرية على لبنان، ما هي، في تقديركم، النتائج المترتبة على هذه الحرب العدوانية على بلدكم لبنان؟
_ لعل الإحساس الذي نعيشه في وعينا السياسي للواقع الذي يتحرك في المنطقة، أن لبنان ليس مجرد دائرة مغلقة يمكن أن تنفذ إليها الأحداث، سواء كانت أحداثاً مأساوية أو أحداثاً أخرى، بل هو جزء من المنطقة التي تنفتح على أكثر من أفق في الواقع الدولي. لذلك، عندما نريد أن ندرس موقع لبنان في هذه المرحلة، فإننا نرصد الخطة الأمريكية التي تريد أن تحوّل المنطقة إلى ساحة لكل مصالحها الاستراتيجية، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، ولا سيما أننا كنَّا ولا نزال نستمع إلى الرئيس بوش وهو يتحدث بطريقة نفاقية خادعة، محاولاً أن يستغبي من خلالها الشعوب بأنه رائد الديمقراطية في العالم، وأنه الرسول الذي أرسله الله إلى العالم من أجل أن يُبلّغ رسالته في تأكيد حقوق الإنسان، وقد كان حديثه عن الديمقراطية حديث الذي يبحث عن موقع يحاول أن يقدمه للشعب الأمريكي ليؤكِّد من خلاله نجاح تجربته. وقد تحدث الكثير عن العراق الذي يعتبر أكثر البلدان سوءاً في تجربة الديمقراطية التي يضغط عليها الاحتلال الأمريكي بكل قوته وبكل مفاعليه، حتى لا يملك الذين انتخبهم الشعب بطريقة وبأخرى أي موقف.
وفي لبنان، ومن خلال الأحداث الّتي انطلقت بعد اغتيال الرئيس الحريري، وخروج الجيش السوري منه، تحت تأثير ردود فعل واسعة استغلّت عمليّة الاغتيال، حاول بوش أن يعتبر لبنان البلد الذي نجحت أمريكا في التجربة الديمقراطية فيه. ولكننا نعرف أن لبنان عاش التجربة الديمقراطية منذ الأربعينات، ولم يكن ذلك منحة من أمريكا ولا من أوروبا ولا من أي بلد آخر، بل إن الشعب اللبناني بطبيعته، هو شعب ديمقراطي يعترف بالآخر ويتقبّله، وهذا ما أكَّدته حالة العيش المشترك بين طوائفه المتنوعة. لذلك، كان بوش يعمل على أساس أن يجعل من لبنان قاعدة لسياسته، من خلال إنتاجه لفريق معين كان له تاريخه في السقوط أمام الغرب، وفي اقترابه من إسرائيل، وفي معاداته لكثير من التطلعات العربية منذ عبد الناصر وحتى الآن، فكان يخطِّط من خلال السفارة الأمريكية في لبنان لتعميق هذا النفوذ وامتداده، ولكن وجود المقاومة كحركة جهادية ضد الاحتلال، وخصوصاً أنها نجحت في إخراج المحتل، وتحرير الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية في عام 2000م، بعد جهاد متواصل شديد، جعل مسألة نجاحه أمراً أكثر تعقيداً، خصوصاً أن المقاومة استطاعت أن تتحول إلى مقاومة سياسية تعارض كل نفوذ أمريكا الدولة التي تعمل على أساس أن تكون الإمبراطورية الكونية في العالم، والتي تضغط على كل دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي ربما رأينا بعض دوله كفرنسا وألمانيا تعارض سياستها، ولكنها خضعت أخيراً بفعل مصالحها التي تضغط عليها المصالح الأمريكية.
لذلك، فإنَّ المسألة التي واجهت أمريكا هي مسألة ضعف نفوذها، إن لم يكن سقوط نفوذها في الساحة اللبنانية، وذلك بفضل فريق المقاومة إضافةً إلى أكثر من فريق في هذا المجال، لذا كانت تخطط للقيام بحرب قاهرة ضد المقاومة، فرسمت خطتها، بحسب المعلومات الأمريكية، مع إسرائيل، على أساس أن تستفيد من أية فرصة تبرر لها ذلك، وكانت الفرصة في انتظارها، عندما قامت المقاومة الإسلامية بعمليّة أسر الجنديين الإسرائيليين، والّتي أدّت أيضاً إلى قتل أكثر من جندي، وإلى تدمير دبابة وقتل الجنود الأربعة في داخلها، فاعتبرت أن هذا يمثل خرقاً للخط الأزرق، وعدواناً على إسرائيل.
ولكننا عندما ندرس المسألة في بُعدها الخاص، نجد أنّ عملية أسر الجنديين، تشبه عمليات سابقة قامت بها المقاومة الإسلامية، وتم التفاوض بينها وبين إسرائيل لتحرير بعض الأسرى وتحرير جثامين المقاومين الأسرى، لذلك لم تكن المقاومة الإسلامية في وارد إعلان حرب على إسرائيل، وإن كانت الحرب ضد إسرائيل من أهدافها الاستراتيجية، ولكنها كانت توازن بين تحرّكاتها وبين الوضع السياسي في المنطقة، ولم تشأ أن تخلق أية فرصة أو أية حالة في هذا المجال.
ولكن أمريكا، ومعها إسرائيل، رأتا أن هذه الحادثة يمكن أن تكون مدخلاً يُبرر الحرب على المقاومة. وحشدت أمريكا كل العالم، بما فيه العالم العربي، ضد المقاومة الإسلامية، وكان الأمر المميّز بالنسبة إلى إسرائيل هذه المرّة، أنّها استطاعت أن تحصل على بعض الضّوء العربي من خلال الغطاء شبه الشامل لحربها ضد المقاومة الإسلامية، وهذا ما تمثل في تصريحات بعض المسؤولين العرب في تحركاتهم السياسية هنا وهناك، وتحركاتهم الدينية التي حاولت أن تأخذ مسألة المقاومة باتجاه مذهبي طائفي يحاول أن يُعقِّد المسلمين والعرب ضدّها، وكانت المسألة هي تدمير لبنان بحجة تدمير المقاومة ونزع سلاحها وإسقاطها وما إلى ذلك، باعتبار أن تدمير لبنان سوف يحمِّل المقاومة لبنانياً المسؤولية عن ذلك كلّه، ولا يحمِّل إسرائيل شيئاً، غير أنّ حساب الحقل لم ينسجم مع حساب البيدر، كما يقولون، فقد انتصرت المقاومة انتصاراً عسكرياً استراتيجياً، سواء في قصفها لشمال فلسطين الذي يعتبر منطقة سياحية صناعية مميزة في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، أو في المواجهة المباشرة بين شباب المقاومة والجنود الصهاينة، ثم في تدمير أسطورة الميركافا التي كانت تعتبر أقوى دبابة إسرائيلية، حتى إن الكثير من الدول في العالم، خططوا لاستيرادها من أجل فاعليتها، ولكن شباب المقاومة استطاعوا أن يدمِّروا هذه الدّبابات، وأن يقتلوا ويجرحوا من في داخلها.
لذلك أقول، إنّ إحساسي أمام هول هذه الأحداث، يجعلني أشعر وأنا أعيش المأساة مع كل أطفالنا الذين هدمت إسرائيل البيوت على رؤوسهم، ومع كل نسائنا وشيوخنا، وكل هذا التدمير للبنية التحتية، وكل هذه الوحشية الإسرائيلية، إن كلّ ذلك يجعلني أشعر بأنّ القاتل هو الرئيس بوش ومعه الرئيس بلير، وإلى جانبهما كل هذا العالم الأوروبي وغير الأوروبي الذي وقف مع إسرائيل، وامتنع عن فرض وقفٍ لإطلاق النار ولو على مستوى الهدنة في هذا المجال، لأنه كان ينتظر أن تنتصر إسرائيل، ولكنه فوجئ بأن هذا الجيش الذي لا يقهر، استطاع شباب المقاومة، المؤمنون بالله وبرسوله، والّذين استعادوا بدراً والأحزاب وخيبر من جديد، استطاعوا أن يهزموا إسرائيل باعتراف إسرائيل، وأن يُسقطوا مقولة الجيش الذي لا يقهر.
إن إحساسي، هو إحساسٌ بالعزة والكرامة التي استطعنا أن نحققها أولاً للبنان الذي يعتبر أصغر بلد عربي، ولكنّه أقوى بلد عربي في جهاد مجاهديه، كما هو إحساس العزة والكرامة للإسلام والمسلمين، حيث انتصر الإسلام كلّه على اليهودية الحاقدة التي لا نفرّق بينها وبين الصهيونية إلاّ من خلال بعض الاستثناءات الصغيرة جداً التي لا تمثل شيئاً، وهو انتصارٌ للعروبة التي سقطت من خلال حكامها أمام العنفوان الإسرائيلي، حتى أصبحوا يرتجفون هلعاً وخوفاً ورعباً أمام أي تهديد إسرائيلي، ما جعلهم يصالحون إسرائيل، أو ينطلقون من تحت الطاولة ليعملوا على إيجاد علاقات اقتصادية بينهم وبينها، وهو انتصار للحرية وانتصار للإنسان كلّه. وهو الإحساس بتاريخ جديد، يمكن لنا أن نصنعه ليكون البداية التي تتحرك فيها كل شعوب العالم العربي والإسلامي وأحرار العالم، من أجل أن لا يكون لأمريكا أي دور في صنع العالم على طريقتها الخاصة، وفي مشروع الشرق الأوسط الجديد. إننا نعتقد أنه الخطوة الأولى من أجل إسقاط الإمبراطورية الأمريكية، ولو بعد حين.
* سماحة السّيد، صورة الإسلام اليوم في الغرب مشوّهة، حيث ألصقت به صفة الإرهاب، وزادها الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيراً صفة الفاشية الإسلامية، كيف تردُّ على هذه المقولة؟
- إننا نريد أن نناقش هذه المقولة بعقل بارد في البداية، فنسأل: من أين انطلق الإرهاب؟ إننا نجد أن الإرهاب كان غربياً في انطلاقته، وإلاّ، كيف نفسر النازية؟! وكيف نفسر المافيات المنتشرة في
أكثر من بلد في أوروبا؟! كيف نفسر حجم الجريمة في أمريكا، حتى إن قوى الأمن الداخلي الأمريكية لا تستطيع أن تدخل بعض الشوارع في الليل؟ كيف نفسر ذلك كلّه؟! كيف نفسر المجازر التي قام بها الاستعمار الغربي ضد العرب والمسلمين؟ كيف نفسر مجازرهم في بلاد المغرب العربي، وفي الجزائر بالذات؟! كيف نفسر مجازرهم في شرق العالم العربي؟! كيف نفسر مجازر الأمريكيين المستوطنين ضد الهنود الحمر؟! هل هناك إرهاب أقوى وأكثر وحشيةً من هذا الإرهاب؟ أما العالم العربي والإسلامي، فإننا لم نرصد أيّة حالة إرهابية فيه، ما عدا بعض الأعمال الفردية هنا وهناك، أو بعض الفتن الداخلية هنا وهناك. ولم نجد في تاريخنا إرهاباً كهذا الإرهاب، ولا سيما أنه لم يكن هناك نظام دولة.
هذا في البداية، ثم من أين اعتبر الغرب الإسلام إرهابياً؟! ربما عندما يتحدثون عن الجهاد في الإسلام، ويصورون هذا الجهاد بأنه السيف الذي يستعمله المسلمون حتى يقطعوا به رقاب العالم ويقتلوا كل من ليس مسلماً، أو عندما يحدثونك عن بعض السلبيات في بعض الفتوحات العربية الإسلامية. ولكننا نعرف أن أحد المفكرين الغربيين كان يقول: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب. ونحن نعرف أن الجهاد في الإسلام ليس جهاداً عدوانياً، وهذا ما أكدته الآية الكريمة: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}(النساء/75)، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج/39). لذلك فإن الجهاد في الإسلام هو جهاد دفاعي وقائي وليس جهاداً عدوانياً.
وقد تكرر في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة/190)، وقد جاء أيضاً: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(الأنفال/61). وقد نهى القرآن الكريم عن الإساءة إلى المسالمين. بقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الممتحنة/8-9).
فالله يقول لنا إنَّ كل من كان مسالماً اعدلوا معه، تعاملوا معه بالبرّ والخير والإحسان، والجهاد إنّما هو دفاعيّ ووقائيّ.
ثم عندما يحدثونك عن 11 أيلول التي اقتربنا من ذكراها الآن، تقول لهم إذا أردنا أن نقوم بعملية حسابية لجهة عدد الأشخاص الذين قاموا بهذه العملية، فإنّ عددهم لا يصل إلى العشرين، والمسلمون يعدّون أكثر من مليار ومئة مليون في العالم، فهل يمكن أن نحاسب هذا العدد الهائل من الأمة بما يقوم به أفراد معدودون؟ إذاً يمكن لنا أن نقول، تعليقاً على كلام الرئيس بوش بأنّ الإسلام فاشيّ، إنّ المسيحية كانت نازية وفاشية، على أساس أن هتلر كان مسيحياً، والذين معه كانوا مسيحيين. فهل إن قيام بعض المسيحيين بأعمال إرهابيّة يجعلنا نعطي حكماً على المسيحية بأنّها إرهابيّة؟!
إننا أكدنا للرئيس بوش في ردِّنا عليه، أن الإسلام يمثل وحدة إنسانية حضارية منفتحة على الإنسان كلّه، في نطاق شريعة تقدمت على أكثر قوانين العالم في حضاريتها، وليس هناك إسلام معتدل وإسلام متطرف، كما أنه ليس هناك إسلام إرهابي وإسلام إنساني. الإسلام وحدة، ولكن هناك بعض المسلمين الذين قد يقومون ببعض الأعمال السلبية، تماماً كما يقوم بعض المسيحيين ببعض الأعمال السلبية، وكما يقوم الغرب ببعض الأعمال السلبية، فنحن عندما ندرس حجم الجريمة في الغرب، وعندما ندرس إيرلندا وما حدث فيها، وندرس التفجيرات التي كانت تحدث في هذا البلد أو ذاك البلد، وندرس الطلاب الذين يقتلون أساتذتهم في هذه المدرسة أو تلك المدرسة، هل نقول إن الغرب كلّه فاشيّ في هذا المجال؟!
إنّ المسألة هي أنَّ هناك خطة أمريكية أوروبية، ولا سيما لدى اليهود، من خلال اللوبي اليهودي، أو من خلال المحافظين الجدد، الذين يمثلون المسيحية المتصهينة على حسب التعبير السياسي، خطة تعمل على تشويه صورة الإسلام في العالم، ليقدموا للرأي العام الأمريكي والأوروبي صورة سلبيّة عن الإسلام، لأنهم يخافون من الإسلام الحرّ المنفتح الإنساني الحضاري، ولا سيما أن الإسلام قد زحف إلى أوروبا، واستطاع أن يحتوي الكثير من الذهنيَّة الأوروبية التي رأت في الإسلام ديناً ينفتح على الأديان كلّها وينفتح على الإنسان كلّه.
* يتكلم البعض عن هلال شيعي، وتكلم البعض عن حركة المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله"، بأنها جزء من المحور الإيراني، ويذهب آخرون إلى إصدار فتاوى تكفِّر الشيعة، ويدعون إلى عدم الوقوف مع حزب الله، ويمنعون حتى الدعاء لهم بالنصر في أيام الحرب. أليس ذلك دليلاً على صراع عقائدي ديني سني ـ شيعي في القرن ال 21؟
- أولاً، مسألة الهلال الشيعي، هي خرافة سياسية لا واقعية لها في الخطِّ السياسي، فقد تحدَّث بها بعض الملوك العرب، وقد قلنا في وقتها إنَّه ليست هناك أيّة واقعية في هذا الطرح، وإنما هو تهويل يراد من خلاله تخويف العالم السنّي من الشيعة، سواء في العراق أو في لبنان أو إيران، ونحن نعرف أنه ليست هناك أيّة فرصة لأن تمتد إيران إلى العراق ليكون جغرافياً تابعاً لها، وليس هناك أيضاً أية فرصة لأن يتوحَّد السوريون، والعلويّون بالذات ـ كونهم يتحدثّون عنهم بأنّهم ملحقون بالشيعة ـ مع العراقيين، وهكذا بالنسبة إلى لبنان. لذلك نحن نعتبر أن مسألة "سايس ـ بيكو" لا تزال تحكم الواقع السياسي الرسمي الجغرافي في العالم. وهذا الحديث هو حديث وهمي لا يرتكز على أيّ أساس، حتى الأساس الواقعي الموجود في العالم العربي أو العالم الإسلامي.
أما في مسألة الشيعة، فإنّ الشيعة يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويحترمون الصحابة، لأنّ الله تعالى امتدحهم في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }(الفتح/29)، ولكنّهم لا يرون عصمة الصحابة، ويرون أن الصحابة يخطئون ويصيبون، فينطلقون مع الذين يصيبون بكل احترام وتقدير، ومع الذين يخطئون بمناقشتهم في أخطائهم. إنّ الشيعة يختلفون عن السنّة بأنهم يرون أن النبي محمداً(ص) قد أوصى لعلي بالخلافة، والسنة يُنكرون ذلك، ويرون الخلافة لأبي بكر ولعمر ولعثمان ولعلي بعد ذلك. ونحن نعرف أنّ هؤلاء الذين نختلف باسمهم، والذين نحاول أن نكفِّر بعضنا بعضاً من خلال الالتزام بهم، قد استطاعوا أن يؤكدوا تجربة من أروع التجارب في هذا المجال؛ فإنّنا نجد الإمام علي(ع) الذي يعتقد أن الخلافة حقه، قد عمل مع الذين تقدَّموه، وعاونهم، وأعطاهم الرأي والمشورة، حتى سمعنا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول: "لولا عليٌّ لهلك عمر"، وسمعنا علياً(ع) يقول في تأكيده الوحدة الإسلامية: "فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه". ويقول(ع): "لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة". ولذلك نقول إنّ علي بن أبي طالب(ع)، كان رائد الوحدة الإسلامية، وكان يؤكد هذه المسألة.
ولذا نقول للمسلمين الشيعة وللمسلمين السنة: إذا كنتم تؤمنون بالخلفاء الأربعة، أو تؤمنون بعليٍّ وحده، فعليكم أن تأخذوا الدرس من علي ومن تلك المرحلة؛ مرحلة الخلافة الراشدة، لتعرفوا أن الوحدة الإسلامية تنطلق بأن لا نَسبَّ أيّاً من صحابة رسول الله أو أيّاً من أزواجه، بل علينا أن نحل مشاكلنا المذهبية بالحوار، ولا شيء إلا بالحوار. وهذا ما أكّد عليه سبحانه تعالى بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59).
لذلك نقول لكل الذين يصرّون على تكفير الشيعة، وهذا ما انطلق به بعض الذين يأخذون بالفكر الوهابي، ومنهم ابن جبريل، والذين يتحركون من خلال تنظيم القاعدة الذي لا يستهدف الاحتلال الأمريكي بقدر ما يستهدف الشيعة، وقد قرأنا في الصحف هذا اليوم، كيف أن تنظيم القاعدة يطلب من السنة في العراق أن يلاحقوا الشيعة، بأطفالهم، ونسائهم، وشيوخهم، وأن يقتلوهم في مساجدهم وفي أماكن تواجدهم؛ نقول لكلّ هؤلاء، إنّ الذي يُكفّر المسلم يبتعد عن الإسلام، والذي يبيح دم المسلم يقف ضد رسول الله(ص)، لأن رسول الله(ص) يقول: "كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه". ولأنّ الله تعالى يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً}(النساء/94). ونقول لكل الذين يأخذون بهذا المنطق: " الله الله في الإسلام"، فإن أمريكا وأوروبا وكل الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، يحاولون إثارة الفتنة بين المسلمين، ليحارب المسلمون بعضهم بعضاً، ولتكون قوتهم ضد بعضهم البعض.
إنّ المرحلة التي نعيش فيها هي من أخطر المراحل التي مرّ بها تاريخ الإسلام، فإذا كنتم مخلصين للإسلام، ومخلصين لله ولرسوله، فجمدوا كل ما أنتم فيه من خلافات، وانطلقوا لتكونوا مع العلماء في عملية حوار موضوعي علمي عقلاني. إنّ الوحدة الإسلامية هي خيار إسلامي سياسي اجتماعي أمني، وهي خشبة الخلاص للواقع الإسلاميّ كله.
* هناك اليوم من يربط الدين بالسياسة، فيعتبر الشيعة الذين يتعاملون إيجابياً مع الأمريكان، كما هو الحال في العراق "ديمقراطيّين"، ويعتبر الشيعة الذي يتعاملون سلبياً مع الأمريكان، كما هو الحال في إيران ولبنان "إرهابيّين". كيف تُفسِّر هذه التناقضات؟ وكيف تقوّم موقف الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي، وهو الذي دعا إلى مناصرة حزب الله والوقوف معه؟ هل هذا يؤسس ويعمِّق التقارب؟
- إذا كان بعض الشيعة في العراق، أو في مكان آخر، متهمين بأنهم يؤيدون الاحتلال؛ فماذا نقول عن العالم السنّي كلّه الذي يتحرك مع أمريكا؛ هل نقول إنّ السنّة خاضعون لأمريكا، لأنّ أغلب المسؤولين السنة ومعهم بعض أتباعهم في هذا البلد السنّي وذاك البلد السنّي يتحركون مع الخط الأمريكي؟! ماذا نقول عن بعض السنة الذين صالحوا إسرائيل التي لا تزال تقتل الفلسطينيين تحت كل حجر ومدر؛ تقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في غزة وفي الضفة الغربية وتعمل على تهويد القدس؟ هل نتهم السنّة بأنهم إسرائيليون أو مع إسرائيل؟! هذا منطق لا يخضع لأيِّ حالة عقلانية يحترم فيها الإنسان نفسه.
لذلك، علينا عندما يكون هناك ظاهرة في هذا المجال، إلى أن ندرس هذه الظاهرة، ونحن نعتقد ونؤكد من موقعنا الإسلامي الشرعي الفقهي المرجعي، أننا ضد كل احتلال لأي بلد إسلامي، سواء كان سنياً أو شيعياً، هذا موقفنا تجاه المحتل في العراق. وقد دعونا العراقيين جميعاً إلى أن يتوحدوا سنةً وشيعةً في قتال المحتل الأمريكي والبريطاني هناك. ونحن عندما وقفنا كمقاومة إسلامية في لبنان سابقاً ولاحقاً، وقفنا ضد إسرائيل وضد المحتل بالنيابة عن العالم العربي والإسلامي كلّه، ومع ذلك، هناك الذين يتحدثون عن الشيعة بأنهم إرهابيون وأنهم كفرة وما إلى ذلك. هؤلاء لا يريدون إسلاماً منفتحاً على قضايا الحرية، لا يريدون مسلماً يقاتل يهودياً أو مسلماً يقاتل إسرائيلياً، وقد لاحظنا كيف أن الكثيرين في العالم الإسلامي خذلوا الفلسطينيين الذين هم سنّة، فإذا كانت المقاومة الإسلامية في لبنان تقاتل الإسرائيليين وهناك من يطلب أن لا يُدعى لهم، فعلى أي أساس يُدعى للفلسطينيين؟! هناك تحالف عضوي بين الفصائل الفلسطينية المجاهدة وبين المقاومة الإسلامية وبين كل السائرين في خط مواجهة الاحتلال. لذلك نقول لأولئك، إن المسلم لا يقف مع اليهود، والله تعالى يقول: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}(المائدة/82)، إذا كنتم تناقشون الشيعة في بعض أفكارهم، فتعالوا نتحاور علمياً وموضوعياً، ونحن نقدِّر الأخ الشيخ يوسف القرضاوي الذي تربطنا به علاقة صداقة وأخوّة إسلامية وخط واحد، ونحن معاً في اتحاد علماء الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة والعزّة الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي.
* هل شاركتم في القمة الروحية التي عُقدت في لبنان؟
- عادةً أنا لا أدخل في بعض الأوضاع الرسمية، ولا أعتبر أن هناك قمة روحية وقمة مادية، الإسلام روح ومادة، لذلك نحن نقدّر كل عمل توافقي تعايشي يمكن أن يقف ضد الفتنة في لبنان وفي غير لبنان.
* الأقليات المسلمة التي تعيش اليوم في الغرب، تتمتع بقسط مهم من المواطنة ولها جنسيّة في هذه البلدان، ولذلك هم يدينون لهذه البلدان، التي أصبحت بلدانهم، بالوفاء وبالحب. فما هو الكلام الذي يمكن أن تقوله لمسلمي الغرب من موقعكم الديني والثقافي؟
- إنني أخاطب كل إخواني من المسلمين في الغرب، ولا سيما في فرنسا، التي يمثل الإسلام الدين الثاني فيها، وأقول لهم: كونوا ضيوفاً طيبين صالحين، كونوا مواطنين صالحين، حاولوا أن تنفتحوا على مواطنيكم في البلدان التي تعيشون فيها، كونوا معهم في قضاياهم الحيوية الاقتصادية والتنموية والسياسية، وحاولوا أن تدخلوا معهم في حوار موضوعي عقلاني علمي حول القضايا التي تختلفون فيها معهم، حاولوا أن تعرّفوهم حقيقة الإسلام، لا تقوموا بأي عمل سلبي إرهابي أو غير إرهابي يمكن أن يعطي صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، حاولوا أن تكونوا حضاريين بكل ما للحضارة من معنى، وأن تبنوا البلد الذي تعيشون فيه بناءً علمياً حضارياً إنسانياً، وخذوا بأسباب العلم، خذوا منه أعلى الدرجات، حتى تثبتوا لمواطنيكم من الغربيين أنّ الإسلام يؤكد العلم كقيمة، والعقل كقيمة، وأن الشعار الإسلامي في القرآن الكريم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر/9)، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه/114).
لذلك، نحن نقول إن مسؤوليتكم هي أن تكونوا الطليعة التي تجعل الآخرين يتعاطفون مع المسلمين، وأن يعوا أنّ الإرهاب ليس إسلامياً، بل نحن ضد الإرهاب، سواء كان الإرهاب موجهاً ضد المسلمين أو ضد المدنيين الآخرين، نحن نحترم الحياة، ونحترم حياة الإنسان، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا.
وقد علّمنا القرآن الكريم أن نقول لأهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}(آل عمران/64)، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى ـ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت/46). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"المكتب الإعلامي" التاريخ: 11 شعبان 1427هـ الموافق: 04 أيلـول 2006م
* بعد وقف الحرب الإسرائيلية التدميرية على لبنان، ما هي، في تقديركم، النتائج المترتبة على هذه الحرب العدوانية على بلدكم لبنان؟
_ لعل الإحساس الذي نعيشه في وعينا السياسي للواقع الذي يتحرك في المنطقة، أن لبنان ليس مجرد دائرة مغلقة يمكن أن تنفذ إليها الأحداث، سواء كانت أحداثاً مأساوية أو أحداثاً أخرى، بل هو جزء من المنطقة التي تنفتح على أكثر من أفق في الواقع الدولي. لذلك، عندما نريد أن ندرس موقع لبنان في هذه المرحلة، فإننا نرصد الخطة الأمريكية التي تريد أن تحوّل المنطقة إلى ساحة لكل مصالحها الاستراتيجية، سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، ولا سيما أننا كنَّا ولا نزال نستمع إلى الرئيس بوش وهو يتحدث بطريقة نفاقية خادعة، محاولاً أن يستغبي من خلالها الشعوب بأنه رائد الديمقراطية في العالم، وأنه الرسول الذي أرسله الله إلى العالم من أجل أن يُبلّغ رسالته في تأكيد حقوق الإنسان، وقد كان حديثه عن الديمقراطية حديث الذي يبحث عن موقع يحاول أن يقدمه للشعب الأمريكي ليؤكِّد من خلاله نجاح تجربته. وقد تحدث الكثير عن العراق الذي يعتبر أكثر البلدان سوءاً في تجربة الديمقراطية التي يضغط عليها الاحتلال الأمريكي بكل قوته وبكل مفاعليه، حتى لا يملك الذين انتخبهم الشعب بطريقة وبأخرى أي موقف.
وفي لبنان، ومن خلال الأحداث الّتي انطلقت بعد اغتيال الرئيس الحريري، وخروج الجيش السوري منه، تحت تأثير ردود فعل واسعة استغلّت عمليّة الاغتيال، حاول بوش أن يعتبر لبنان البلد الذي نجحت أمريكا في التجربة الديمقراطية فيه. ولكننا نعرف أن لبنان عاش التجربة الديمقراطية منذ الأربعينات، ولم يكن ذلك منحة من أمريكا ولا من أوروبا ولا من أي بلد آخر، بل إن الشعب اللبناني بطبيعته، هو شعب ديمقراطي يعترف بالآخر ويتقبّله، وهذا ما أكَّدته حالة العيش المشترك بين طوائفه المتنوعة. لذلك، كان بوش يعمل على أساس أن يجعل من لبنان قاعدة لسياسته، من خلال إنتاجه لفريق معين كان له تاريخه في السقوط أمام الغرب، وفي اقترابه من إسرائيل، وفي معاداته لكثير من التطلعات العربية منذ عبد الناصر وحتى الآن، فكان يخطِّط من خلال السفارة الأمريكية في لبنان لتعميق هذا النفوذ وامتداده، ولكن وجود المقاومة كحركة جهادية ضد الاحتلال، وخصوصاً أنها نجحت في إخراج المحتل، وتحرير الجزء الأكبر من الأراضي اللبنانية في عام 2000م، بعد جهاد متواصل شديد، جعل مسألة نجاحه أمراً أكثر تعقيداً، خصوصاً أن المقاومة استطاعت أن تتحول إلى مقاومة سياسية تعارض كل نفوذ أمريكا الدولة التي تعمل على أساس أن تكون الإمبراطورية الكونية في العالم، والتي تضغط على كل دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي ربما رأينا بعض دوله كفرنسا وألمانيا تعارض سياستها، ولكنها خضعت أخيراً بفعل مصالحها التي تضغط عليها المصالح الأمريكية.
لذلك، فإنَّ المسألة التي واجهت أمريكا هي مسألة ضعف نفوذها، إن لم يكن سقوط نفوذها في الساحة اللبنانية، وذلك بفضل فريق المقاومة إضافةً إلى أكثر من فريق في هذا المجال، لذا كانت تخطط للقيام بحرب قاهرة ضد المقاومة، فرسمت خطتها، بحسب المعلومات الأمريكية، مع إسرائيل، على أساس أن تستفيد من أية فرصة تبرر لها ذلك، وكانت الفرصة في انتظارها، عندما قامت المقاومة الإسلامية بعمليّة أسر الجنديين الإسرائيليين، والّتي أدّت أيضاً إلى قتل أكثر من جندي، وإلى تدمير دبابة وقتل الجنود الأربعة في داخلها، فاعتبرت أن هذا يمثل خرقاً للخط الأزرق، وعدواناً على إسرائيل.
ولكننا عندما ندرس المسألة في بُعدها الخاص، نجد أنّ عملية أسر الجنديين، تشبه عمليات سابقة قامت بها المقاومة الإسلامية، وتم التفاوض بينها وبين إسرائيل لتحرير بعض الأسرى وتحرير جثامين المقاومين الأسرى، لذلك لم تكن المقاومة الإسلامية في وارد إعلان حرب على إسرائيل، وإن كانت الحرب ضد إسرائيل من أهدافها الاستراتيجية، ولكنها كانت توازن بين تحرّكاتها وبين الوضع السياسي في المنطقة، ولم تشأ أن تخلق أية فرصة أو أية حالة في هذا المجال.
ولكن أمريكا، ومعها إسرائيل، رأتا أن هذه الحادثة يمكن أن تكون مدخلاً يُبرر الحرب على المقاومة. وحشدت أمريكا كل العالم، بما فيه العالم العربي، ضد المقاومة الإسلامية، وكان الأمر المميّز بالنسبة إلى إسرائيل هذه المرّة، أنّها استطاعت أن تحصل على بعض الضّوء العربي من خلال الغطاء شبه الشامل لحربها ضد المقاومة الإسلامية، وهذا ما تمثل في تصريحات بعض المسؤولين العرب في تحركاتهم السياسية هنا وهناك، وتحركاتهم الدينية التي حاولت أن تأخذ مسألة المقاومة باتجاه مذهبي طائفي يحاول أن يُعقِّد المسلمين والعرب ضدّها، وكانت المسألة هي تدمير لبنان بحجة تدمير المقاومة ونزع سلاحها وإسقاطها وما إلى ذلك، باعتبار أن تدمير لبنان سوف يحمِّل المقاومة لبنانياً المسؤولية عن ذلك كلّه، ولا يحمِّل إسرائيل شيئاً، غير أنّ حساب الحقل لم ينسجم مع حساب البيدر، كما يقولون، فقد انتصرت المقاومة انتصاراً عسكرياً استراتيجياً، سواء في قصفها لشمال فلسطين الذي يعتبر منطقة سياحية صناعية مميزة في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، أو في المواجهة المباشرة بين شباب المقاومة والجنود الصهاينة، ثم في تدمير أسطورة الميركافا التي كانت تعتبر أقوى دبابة إسرائيلية، حتى إن الكثير من الدول في العالم، خططوا لاستيرادها من أجل فاعليتها، ولكن شباب المقاومة استطاعوا أن يدمِّروا هذه الدّبابات، وأن يقتلوا ويجرحوا من في داخلها.
لذلك أقول، إنّ إحساسي أمام هول هذه الأحداث، يجعلني أشعر وأنا أعيش المأساة مع كل أطفالنا الذين هدمت إسرائيل البيوت على رؤوسهم، ومع كل نسائنا وشيوخنا، وكل هذا التدمير للبنية التحتية، وكل هذه الوحشية الإسرائيلية، إن كلّ ذلك يجعلني أشعر بأنّ القاتل هو الرئيس بوش ومعه الرئيس بلير، وإلى جانبهما كل هذا العالم الأوروبي وغير الأوروبي الذي وقف مع إسرائيل، وامتنع عن فرض وقفٍ لإطلاق النار ولو على مستوى الهدنة في هذا المجال، لأنه كان ينتظر أن تنتصر إسرائيل، ولكنه فوجئ بأن هذا الجيش الذي لا يقهر، استطاع شباب المقاومة، المؤمنون بالله وبرسوله، والّذين استعادوا بدراً والأحزاب وخيبر من جديد، استطاعوا أن يهزموا إسرائيل باعتراف إسرائيل، وأن يُسقطوا مقولة الجيش الذي لا يقهر.
إن إحساسي، هو إحساسٌ بالعزة والكرامة التي استطعنا أن نحققها أولاً للبنان الذي يعتبر أصغر بلد عربي، ولكنّه أقوى بلد عربي في جهاد مجاهديه، كما هو إحساس العزة والكرامة للإسلام والمسلمين، حيث انتصر الإسلام كلّه على اليهودية الحاقدة التي لا نفرّق بينها وبين الصهيونية إلاّ من خلال بعض الاستثناءات الصغيرة جداً التي لا تمثل شيئاً، وهو انتصارٌ للعروبة التي سقطت من خلال حكامها أمام العنفوان الإسرائيلي، حتى أصبحوا يرتجفون هلعاً وخوفاً ورعباً أمام أي تهديد إسرائيلي، ما جعلهم يصالحون إسرائيل، أو ينطلقون من تحت الطاولة ليعملوا على إيجاد علاقات اقتصادية بينهم وبينها، وهو انتصار للحرية وانتصار للإنسان كلّه. وهو الإحساس بتاريخ جديد، يمكن لنا أن نصنعه ليكون البداية التي تتحرك فيها كل شعوب العالم العربي والإسلامي وأحرار العالم، من أجل أن لا يكون لأمريكا أي دور في صنع العالم على طريقتها الخاصة، وفي مشروع الشرق الأوسط الجديد. إننا نعتقد أنه الخطوة الأولى من أجل إسقاط الإمبراطورية الأمريكية، ولو بعد حين.
* سماحة السّيد، صورة الإسلام اليوم في الغرب مشوّهة، حيث ألصقت به صفة الإرهاب، وزادها الرئيس الأمريكي جورج بوش أخيراً صفة الفاشية الإسلامية، كيف تردُّ على هذه المقولة؟
- إننا نريد أن نناقش هذه المقولة بعقل بارد في البداية، فنسأل: من أين انطلق الإرهاب؟ إننا نجد أن الإرهاب كان غربياً في انطلاقته، وإلاّ، كيف نفسر النازية؟! وكيف نفسر المافيات المنتشرة في
أكثر من بلد في أوروبا؟! كيف نفسر حجم الجريمة في أمريكا، حتى إن قوى الأمن الداخلي الأمريكية لا تستطيع أن تدخل بعض الشوارع في الليل؟ كيف نفسر ذلك كلّه؟! كيف نفسر المجازر التي قام بها الاستعمار الغربي ضد العرب والمسلمين؟ كيف نفسر مجازرهم في بلاد المغرب العربي، وفي الجزائر بالذات؟! كيف نفسر مجازرهم في شرق العالم العربي؟! كيف نفسر مجازر الأمريكيين المستوطنين ضد الهنود الحمر؟! هل هناك إرهاب أقوى وأكثر وحشيةً من هذا الإرهاب؟ أما العالم العربي والإسلامي، فإننا لم نرصد أيّة حالة إرهابية فيه، ما عدا بعض الأعمال الفردية هنا وهناك، أو بعض الفتن الداخلية هنا وهناك. ولم نجد في تاريخنا إرهاباً كهذا الإرهاب، ولا سيما أنه لم يكن هناك نظام دولة.
هذا في البداية، ثم من أين اعتبر الغرب الإسلام إرهابياً؟! ربما عندما يتحدثون عن الجهاد في الإسلام، ويصورون هذا الجهاد بأنه السيف الذي يستعمله المسلمون حتى يقطعوا به رقاب العالم ويقتلوا كل من ليس مسلماً، أو عندما يحدثونك عن بعض السلبيات في بعض الفتوحات العربية الإسلامية. ولكننا نعرف أن أحد المفكرين الغربيين كان يقول: ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب. ونحن نعرف أن الجهاد في الإسلام ليس جهاداً عدوانياً، وهذا ما أكدته الآية الكريمة: {وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ}(النساء/75)، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}(الحج/39). لذلك فإن الجهاد في الإسلام هو جهاد دفاعي وقائي وليس جهاداً عدوانياً.
وقد تكرر في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}(البقرة/190)، وقد جاء أيضاً: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}(الأنفال/61). وقد نهى القرآن الكريم عن الإساءة إلى المسالمين. بقوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الممتحنة/8-9).
فالله يقول لنا إنَّ كل من كان مسالماً اعدلوا معه، تعاملوا معه بالبرّ والخير والإحسان، والجهاد إنّما هو دفاعيّ ووقائيّ.
ثم عندما يحدثونك عن 11 أيلول التي اقتربنا من ذكراها الآن، تقول لهم إذا أردنا أن نقوم بعملية حسابية لجهة عدد الأشخاص الذين قاموا بهذه العملية، فإنّ عددهم لا يصل إلى العشرين، والمسلمون يعدّون أكثر من مليار ومئة مليون في العالم، فهل يمكن أن نحاسب هذا العدد الهائل من الأمة بما يقوم به أفراد معدودون؟ إذاً يمكن لنا أن نقول، تعليقاً على كلام الرئيس بوش بأنّ الإسلام فاشيّ، إنّ المسيحية كانت نازية وفاشية، على أساس أن هتلر كان مسيحياً، والذين معه كانوا مسيحيين. فهل إن قيام بعض المسيحيين بأعمال إرهابيّة يجعلنا نعطي حكماً على المسيحية بأنّها إرهابيّة؟!
إننا أكدنا للرئيس بوش في ردِّنا عليه، أن الإسلام يمثل وحدة إنسانية حضارية منفتحة على الإنسان كلّه، في نطاق شريعة تقدمت على أكثر قوانين العالم في حضاريتها، وليس هناك إسلام معتدل وإسلام متطرف، كما أنه ليس هناك إسلام إرهابي وإسلام إنساني. الإسلام وحدة، ولكن هناك بعض المسلمين الذين قد يقومون ببعض الأعمال السلبية، تماماً كما يقوم بعض المسيحيين ببعض الأعمال السلبية، وكما يقوم الغرب ببعض الأعمال السلبية، فنحن عندما ندرس حجم الجريمة في الغرب، وعندما ندرس إيرلندا وما حدث فيها، وندرس التفجيرات التي كانت تحدث في هذا البلد أو ذاك البلد، وندرس الطلاب الذين يقتلون أساتذتهم في هذه المدرسة أو تلك المدرسة، هل نقول إن الغرب كلّه فاشيّ في هذا المجال؟!
إنّ المسألة هي أنَّ هناك خطة أمريكية أوروبية، ولا سيما لدى اليهود، من خلال اللوبي اليهودي، أو من خلال المحافظين الجدد، الذين يمثلون المسيحية المتصهينة على حسب التعبير السياسي، خطة تعمل على تشويه صورة الإسلام في العالم، ليقدموا للرأي العام الأمريكي والأوروبي صورة سلبيّة عن الإسلام، لأنهم يخافون من الإسلام الحرّ المنفتح الإنساني الحضاري، ولا سيما أن الإسلام قد زحف إلى أوروبا، واستطاع أن يحتوي الكثير من الذهنيَّة الأوروبية التي رأت في الإسلام ديناً ينفتح على الأديان كلّها وينفتح على الإنسان كلّه.
* يتكلم البعض عن هلال شيعي، وتكلم البعض عن حركة المقاومة الإسلامية في لبنان "حزب الله"، بأنها جزء من المحور الإيراني، ويذهب آخرون إلى إصدار فتاوى تكفِّر الشيعة، ويدعون إلى عدم الوقوف مع حزب الله، ويمنعون حتى الدعاء لهم بالنصر في أيام الحرب. أليس ذلك دليلاً على صراع عقائدي ديني سني ـ شيعي في القرن ال 21؟
- أولاً، مسألة الهلال الشيعي، هي خرافة سياسية لا واقعية لها في الخطِّ السياسي، فقد تحدَّث بها بعض الملوك العرب، وقد قلنا في وقتها إنَّه ليست هناك أيّة واقعية في هذا الطرح، وإنما هو تهويل يراد من خلاله تخويف العالم السنّي من الشيعة، سواء في العراق أو في لبنان أو إيران، ونحن نعرف أنه ليست هناك أيّة فرصة لأن تمتد إيران إلى العراق ليكون جغرافياً تابعاً لها، وليس هناك أيضاً أية فرصة لأن يتوحَّد السوريون، والعلويّون بالذات ـ كونهم يتحدثّون عنهم بأنّهم ملحقون بالشيعة ـ مع العراقيين، وهكذا بالنسبة إلى لبنان. لذلك نحن نعتبر أن مسألة "سايس ـ بيكو" لا تزال تحكم الواقع السياسي الرسمي الجغرافي في العالم. وهذا الحديث هو حديث وهمي لا يرتكز على أيّ أساس، حتى الأساس الواقعي الموجود في العالم العربي أو العالم الإسلامي.
أما في مسألة الشيعة، فإنّ الشيعة يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويحترمون الصحابة، لأنّ الله تعالى امتدحهم في قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }(الفتح/29)، ولكنّهم لا يرون عصمة الصحابة، ويرون أن الصحابة يخطئون ويصيبون، فينطلقون مع الذين يصيبون بكل احترام وتقدير، ومع الذين يخطئون بمناقشتهم في أخطائهم. إنّ الشيعة يختلفون عن السنّة بأنهم يرون أن النبي محمداً(ص) قد أوصى لعلي بالخلافة، والسنة يُنكرون ذلك، ويرون الخلافة لأبي بكر ولعمر ولعثمان ولعلي بعد ذلك. ونحن نعرف أنّ هؤلاء الذين نختلف باسمهم، والذين نحاول أن نكفِّر بعضنا بعضاً من خلال الالتزام بهم، قد استطاعوا أن يؤكدوا تجربة من أروع التجارب في هذا المجال؛ فإنّنا نجد الإمام علي(ع) الذي يعتقد أن الخلافة حقه، قد عمل مع الذين تقدَّموه، وعاونهم، وأعطاهم الرأي والمشورة، حتى سمعنا الخليفة الثاني عمر بن الخطاب يقول: "لولا عليٌّ لهلك عمر"، وسمعنا علياً(ع) يقول في تأكيده الوحدة الإسلامية: "فما راعني إلا انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه". ويقول(ع): "لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة". ولذلك نقول إنّ علي بن أبي طالب(ع)، كان رائد الوحدة الإسلامية، وكان يؤكد هذه المسألة.
ولذا نقول للمسلمين الشيعة وللمسلمين السنة: إذا كنتم تؤمنون بالخلفاء الأربعة، أو تؤمنون بعليٍّ وحده، فعليكم أن تأخذوا الدرس من علي ومن تلك المرحلة؛ مرحلة الخلافة الراشدة، لتعرفوا أن الوحدة الإسلامية تنطلق بأن لا نَسبَّ أيّاً من صحابة رسول الله أو أيّاً من أزواجه، بل علينا أن نحل مشاكلنا المذهبية بالحوار، ولا شيء إلا بالحوار. وهذا ما أكّد عليه سبحانه تعالى بقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59).
لذلك نقول لكل الذين يصرّون على تكفير الشيعة، وهذا ما انطلق به بعض الذين يأخذون بالفكر الوهابي، ومنهم ابن جبريل، والذين يتحركون من خلال تنظيم القاعدة الذي لا يستهدف الاحتلال الأمريكي بقدر ما يستهدف الشيعة، وقد قرأنا في الصحف هذا اليوم، كيف أن تنظيم القاعدة يطلب من السنة في العراق أن يلاحقوا الشيعة، بأطفالهم، ونسائهم، وشيوخهم، وأن يقتلوهم في مساجدهم وفي أماكن تواجدهم؛ نقول لكلّ هؤلاء، إنّ الذي يُكفّر المسلم يبتعد عن الإسلام، والذي يبيح دم المسلم يقف ضد رسول الله(ص)، لأن رسول الله(ص) يقول: "كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه". ولأنّ الله تعالى يقول: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً}(النساء/94). ونقول لكل الذين يأخذون بهذا المنطق: " الله الله في الإسلام"، فإن أمريكا وأوروبا وكل الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، يحاولون إثارة الفتنة بين المسلمين، ليحارب المسلمون بعضهم بعضاً، ولتكون قوتهم ضد بعضهم البعض.
إنّ المرحلة التي نعيش فيها هي من أخطر المراحل التي مرّ بها تاريخ الإسلام، فإذا كنتم مخلصين للإسلام، ومخلصين لله ولرسوله، فجمدوا كل ما أنتم فيه من خلافات، وانطلقوا لتكونوا مع العلماء في عملية حوار موضوعي علمي عقلاني. إنّ الوحدة الإسلامية هي خيار إسلامي سياسي اجتماعي أمني، وهي خشبة الخلاص للواقع الإسلاميّ كله.
* هناك اليوم من يربط الدين بالسياسة، فيعتبر الشيعة الذين يتعاملون إيجابياً مع الأمريكان، كما هو الحال في العراق "ديمقراطيّين"، ويعتبر الشيعة الذي يتعاملون سلبياً مع الأمريكان، كما هو الحال في إيران ولبنان "إرهابيّين". كيف تُفسِّر هذه التناقضات؟ وكيف تقوّم موقف الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي، وهو الذي دعا إلى مناصرة حزب الله والوقوف معه؟ هل هذا يؤسس ويعمِّق التقارب؟
- إذا كان بعض الشيعة في العراق، أو في مكان آخر، متهمين بأنهم يؤيدون الاحتلال؛ فماذا نقول عن العالم السنّي كلّه الذي يتحرك مع أمريكا؛ هل نقول إنّ السنّة خاضعون لأمريكا، لأنّ أغلب المسؤولين السنة ومعهم بعض أتباعهم في هذا البلد السنّي وذاك البلد السنّي يتحركون مع الخط الأمريكي؟! ماذا نقول عن بعض السنة الذين صالحوا إسرائيل التي لا تزال تقتل الفلسطينيين تحت كل حجر ومدر؛ تقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم في غزة وفي الضفة الغربية وتعمل على تهويد القدس؟ هل نتهم السنّة بأنهم إسرائيليون أو مع إسرائيل؟! هذا منطق لا يخضع لأيِّ حالة عقلانية يحترم فيها الإنسان نفسه.
لذلك، علينا عندما يكون هناك ظاهرة في هذا المجال، إلى أن ندرس هذه الظاهرة، ونحن نعتقد ونؤكد من موقعنا الإسلامي الشرعي الفقهي المرجعي، أننا ضد كل احتلال لأي بلد إسلامي، سواء كان سنياً أو شيعياً، هذا موقفنا تجاه المحتل في العراق. وقد دعونا العراقيين جميعاً إلى أن يتوحدوا سنةً وشيعةً في قتال المحتل الأمريكي والبريطاني هناك. ونحن عندما وقفنا كمقاومة إسلامية في لبنان سابقاً ولاحقاً، وقفنا ضد إسرائيل وضد المحتل بالنيابة عن العالم العربي والإسلامي كلّه، ومع ذلك، هناك الذين يتحدثون عن الشيعة بأنهم إرهابيون وأنهم كفرة وما إلى ذلك. هؤلاء لا يريدون إسلاماً منفتحاً على قضايا الحرية، لا يريدون مسلماً يقاتل يهودياً أو مسلماً يقاتل إسرائيلياً، وقد لاحظنا كيف أن الكثيرين في العالم الإسلامي خذلوا الفلسطينيين الذين هم سنّة، فإذا كانت المقاومة الإسلامية في لبنان تقاتل الإسرائيليين وهناك من يطلب أن لا يُدعى لهم، فعلى أي أساس يُدعى للفلسطينيين؟! هناك تحالف عضوي بين الفصائل الفلسطينية المجاهدة وبين المقاومة الإسلامية وبين كل السائرين في خط مواجهة الاحتلال. لذلك نقول لأولئك، إن المسلم لا يقف مع اليهود، والله تعالى يقول: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}(المائدة/82)، إذا كنتم تناقشون الشيعة في بعض أفكارهم، فتعالوا نتحاور علمياً وموضوعياً، ونحن نقدِّر الأخ الشيخ يوسف القرضاوي الذي تربطنا به علاقة صداقة وأخوّة إسلامية وخط واحد، ونحن معاً في اتحاد علماء الإسلام الذي يدعو إلى الوحدة والعزّة الإسلامية في كل أنحاء العالم الإسلامي.
* هل شاركتم في القمة الروحية التي عُقدت في لبنان؟
- عادةً أنا لا أدخل في بعض الأوضاع الرسمية، ولا أعتبر أن هناك قمة روحية وقمة مادية، الإسلام روح ومادة، لذلك نحن نقدّر كل عمل توافقي تعايشي يمكن أن يقف ضد الفتنة في لبنان وفي غير لبنان.
* الأقليات المسلمة التي تعيش اليوم في الغرب، تتمتع بقسط مهم من المواطنة ولها جنسيّة في هذه البلدان، ولذلك هم يدينون لهذه البلدان، التي أصبحت بلدانهم، بالوفاء وبالحب. فما هو الكلام الذي يمكن أن تقوله لمسلمي الغرب من موقعكم الديني والثقافي؟
- إنني أخاطب كل إخواني من المسلمين في الغرب، ولا سيما في فرنسا، التي يمثل الإسلام الدين الثاني فيها، وأقول لهم: كونوا ضيوفاً طيبين صالحين، كونوا مواطنين صالحين، حاولوا أن تنفتحوا على مواطنيكم في البلدان التي تعيشون فيها، كونوا معهم في قضاياهم الحيوية الاقتصادية والتنموية والسياسية، وحاولوا أن تدخلوا معهم في حوار موضوعي عقلاني علمي حول القضايا التي تختلفون فيها معهم، حاولوا أن تعرّفوهم حقيقة الإسلام، لا تقوموا بأي عمل سلبي إرهابي أو غير إرهابي يمكن أن يعطي صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين، حاولوا أن تكونوا حضاريين بكل ما للحضارة من معنى، وأن تبنوا البلد الذي تعيشون فيه بناءً علمياً حضارياً إنسانياً، وخذوا بأسباب العلم، خذوا منه أعلى الدرجات، حتى تثبتوا لمواطنيكم من الغربيين أنّ الإسلام يؤكد العلم كقيمة، والعقل كقيمة، وأن الشعار الإسلامي في القرآن الكريم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر/9)، {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه/114).
لذلك، نحن نقول إن مسؤوليتكم هي أن تكونوا الطليعة التي تجعل الآخرين يتعاطفون مع المسلمين، وأن يعوا أنّ الإرهاب ليس إسلامياً، بل نحن ضد الإرهاب، سواء كان الإرهاب موجهاً ضد المسلمين أو ضد المدنيين الآخرين، نحن نحترم الحياة، ونحترم حياة الإنسان، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا.
وقد علّمنا القرآن الكريم أن نقول لأهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}(آل عمران/64)، {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى ـ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت/46). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"المكتب الإعلامي" التاريخ: 11 شعبان 1427هـ الموافق: 04 أيلـول 2006م