* بعض رجال الدين لا يحتاجون إلى تعريف خاص، عندما يكونون بقدر مكانة وعلم وانفتاح العلاّمة المرجع، سماحة السيد محمد حسين فضل الله، فهو فضلاً عن كونه أحد علماء الأمة المتميّزين في مواقفهم، فإنه سياسي متابع للأحداث، ومحلّل واقعي ومراقب، يعي تماماً الكثير مما ما زال يدور في الخفاء، بالنسبة إلى رجال دين وسياسيين عرب كبار على السّواء. السيد فضل الله يحتفظ برؤيةٍ دينيةٍ وسياسية لا تقبل الخلط، ولا تترك شيئاً ما بين الأسطر، فهو واضح على نحو كافٍ، كما أنه ليس من المتردّدين في وضع النقاط على الحروف، أو تسمية الأمور بمسمّياتها. وفي أمور تتعلّق بلبنان والشرق الأوسط وسورية وإيران والولايات المتحدة، يظل الإسلام القاسم المشترك في الذي حصل، والذي يمكن أن يحصل في أي وقت بدون تحديد، فكيف يرى العلاّمة المفكر ورجل الدين تطوّرات الأحداث؟
* هناك ضغوط كثيرة تمارس على أكثر من طرف في المنطقة، وهي وإن كانت منصبّة على السوريين، لكنها لا تستثني اللبنانيين أيضاً. وإلى جانب الولايات المتحدة، هناك أوروبا التي دخلت على الخط مجدّداً، فهل أن الأمر برمّته ليس أكثر من حلقة واحدة؟ وإن كان كذلك، ففي أي فضاء يدور؟
ـ عندما ندرس كلَّ المسألة المتّصلة بسورية ولبنان، من خلال خلفيات السياسة الدولية، فإنَّنا نجد أن هناك استراتيجية أميركية تركّز المنطقة على صورة مصالحها الاستراتيجية، وإن بتنسيق ما ظهر مؤخراً مع فرنسا، ذلك بفعل التعقيدات التي عاشتها أميركا في احتلالها العراق، والمشاكل التي لا تزال تتخبّط فيها من خلال الرمال المتحرّكة، ولا سيما أن البلدان المجاورة للعراق بدأت تحتاط لنفسها، لأنها تشعر بخطورة الوجود الأميركي على أمنها، عبر الاحتلال الأميركي للعراق. لذلك، فإن الخطة الأميركية، حاولت أن تستفيد من العقدة الفرنسية في علاقة فرنسا بلبنان، ومحاولة استعادة النفوذ الفرنسي التاريخي في لبنان، ما دفعها إلى الانفتاح على فرنسا التي كانت بدورها تريد استعادة نفوذها في سورية.
* هل الوضع الحالي أكبر من مقاسات لبنان، وأنه بالتالي، ليس قاصراً عليه ولا على سورية وحدها؟
ـ أنا اعتقد أن كلَّ ما يحدثُ في لبنان، وخصوصاً من خلال حركة السفير الأميركي وزيارات المندوبين الأميركيين، وخصوصاً المندوب الأميركي الأخير ولش، هو من أجل منع اللبنانيين من أن يتّفقوا على صيغة تعيد إلى الساحة السياسية تكاملها وتواصلها، وهذا ما حدث أخيراً عندما دخلت السعودية ومصر، وقبلها الجامعة العربية بشخص أمينها العام عمرو موسى في مبادرة تسوية، فقد دخلت أميركا على الخطّ من خلال السياسيين الذين بدأوا يمثّلون خططها بطريقة أو بأخرى، حيث عملوا على إسقاط أيّة مبادرة عربية تحت تأثير عناوين متعدّدة هنا وهناك. لهذا، فإنّي أتصوّر أنَّ المشكلة لم تعد مشكلة لبنان وسورية فحسب، وإنما أصبحت مشكلة اللبنانيين في داخلهم، باعتبار أن أميركا التي تتحدّث مع أوروبا دائماً عن القرار ١٥٥٩، تمنع أي فريق يعارض هذا القرار، "الذي صُنع من أجل إسرائيل"، من أن يتواصل مع الأفرقاء الآخرين. لذلك، أصبح من الصعب جداً أن يصل الواقع اللبناني السياسي، إلى حالة من التواصل يمكن أن يحقق الوحدة الوطنية اللبنانية بطريقة واقعية.
صفقات
* أشرتم إلى أطراف أخرى داخلة في الموضوع، فهل تقصد أن هناك صفقات دولية وإقليمية، يجري طرحها الآن، لتطويق المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة؟
ـ أعتقد أن أميركا هي التي خطّطت لما تسمّيه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفي داخله قضية نشر الديمقراطية، وقضية حقوق الإنسان وقضية الحرّيات.
* وما العيب في كل هذه القضايا التي لم يعد بوسع الإنسان الاستغناء عنها، أو عن أي واحدة منها؟
ـ هذه عناوين تطرحها أميركا كاستراتيجية لترتيب المنطقة على صورة مصالحها المتنوّعة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية، ولكننا نلاحظ، كما قرأنا في تقرير منظمة حقوق الإنسان، أن أميركا تتحرّك بعناوينها على مستوى الإعلام، أو على مستوى الدعوة عن طريقه، ولكنها تمارس شيئاً آخر في هذا المجال، لأن أميركا تتقن صناعة النفاق السياسي في إدارة مشروعها بالنسبة إلى المنطقة. ومن المؤسف أنَّ أميركا استطاعت أن تستغلَّ بعض العلاقات للضغط على أوروبا، حتى تتحرّك معها على خط الاستراتيجية الأميركية، على الرغم من أن ذلك قد يسيء إلى مصالح أوروبا بطريقة أو بأخرى، وهذا ما نلاحظه في الموقف من المشروع النووي الإيراني السلمي. فقد نلاحظ أنّ هناك مصالح اقتصادية كبرى لأوروبا، ولا سيما لألمانيا وفرنسا، وربما حتى بريطانيا، إلاّ أننا نلاحظ أيضاً، أن أميركا تعمل على أساس إخضاع هذا الفريق الأوروبي، ومحاولة الضغط بطريقة أو بأخرى، بالتعاون مع إسرائيل، على روسيا تارة وعلى الصين تارة أخرى. * ماذا تسمّي كل هذا ؟
ـ أنا أعتبر أن هناك نوعاً من الحرب السياسية والديبلوماسية تمارس على المنطقة كلّها، وأقصد منطقة الشرق الأوسط، تقوم بها أميركا، مستغلّة سيطرتها على مجلس الأمن، من خلال إحكام سيطرتها على بعض الأعضاء الدائمين في المجلس. لذلك، فإننا لا نجد هناك أية حالة داخلية، حتى في مسألة سورية ولبنان والعراق والسودان، بل إن هناك خلفيات سياسية دولية، من أجل إعادة السيطرة على المنطقة كلّها، لخدمة مصالح أميركا من جهة، ومصالح بعض الأوضاع الدولية بشكل هامشي من جهة أخرى.
شيعة وسُنّة
* هناك من يرى أنَّ أحداث المنطقة طائفيَّة بالدرجة الأولى، وأن رأس الشيعة، لا رأس أميركا ولا رأس إسرائيل، هو المطلوب، وكأن الوجود الشيعي غير مقبول على الساحة السياسية العربية والإسلامية! فهل إنّ أصحاب هذا الرأي مغالون أو واهمون؟
ـ أنا أتصوّر أن أميركا تحاول، ومعها بعض أطراف المخابرات الدولية، أن تستغل هذه الحساسية المذهبية الطائفية في العالم الإسلامي، وإثارة مشكلة الشيعة والسُنّة، تحت عنوان أنَّ الشيعة سوف يسيطرون على العراق، وبالتالي سوف يمتدون إلى دول الخليج، وأن الشيعة في لبنان يحاولون أن يقفوا في موقع القوة من خلال سلاح المقاومة، ومن خلال التعقيدات السياسية، ولا سيما أنهم يتّهمون الوسط السياسي الشيعي، بأنه امتداد للنفوذ السوري في لبنان، وما إلى ذلك. ولعل هذا ما يقصده بعض المسؤولين العرب في إشاراتهم إلى موضوع الهلال الشيعي، وأيضاً ما يتحدّث به الآن في الساحة العربية عن إيران، وعن محاولة سيطرتها بالطريقة المخابراتية والسياسية على العراق وما إلى ذلك، بينما المسألة تتمثّل في أن الجميع يعرفون، بأن الشيعة لا مشروع لهم ضد أي جهة إسلامية، وليست لهم أية مشاريع سلطوية خاصة، بل هم يريدون أن يعيشوا مع بقية المسلمين، ومع بقية العرب؛ أن يعيشوا كمواطنين يتساوون مع المواطنين الآخرين في حقوقهم وواجباتهم. إنَّ الشيعة عاشوا الاضطهاد في التاريخ بطريقة وبأخرى؛ ولذلك، فإنّهم يعيشون الاستراتيجية الكبرى في قضايا الحريات في العالم الإسلامي؛ لذا فإننا نجد أنهم وقفوا مع قضايا الحرية في فلسطين وفي لبنان وفي العراق، وفي أكثر من مجال. لكن المسألة، هي أنَّ الأجهزة المخابراتية الدولية، ولا سيما الأميركية، تحاول أنَّ تثير مسألة الشيعة، كخطر على العالم العربي والعالم الإسلامي.* لماذا؟
ـ من أجل إرباك الواقع في لبنان وسورية والعراق.
حرب طائفية
* هل يجب على شيعة العراق أن يسلّموا بأمر الحرب الطائفية التي تشنّ عليهم، بحجة عدم مقاومتهم للاحتلال الذي حرَّرهم من صدَّام؟
ـ الشيعة في العراق يدعون إلى حكومة وحدة وطنية متوازنة، يراعى فيها حجم الأطياف العراقية، كما أنهم يعملون على أساس رفض ردّ الفعل على ما يحدث لهم، من خلال عمليات التفجير لمساجدهم ومقدَّساتهم ومزاراتهم، وللناس الأبرياء هنا وهناك. لذلك، أنا أعتقد أنَّ الشيعة يرون أن سقوط النظام السابق جعلهم قادرين على أن يتنفّسوا، ولكنهم حتى الآن يرفضون القيام بعمليات رد الفعل التي قد تنتج حرباً طائفية. ونلاحظ أنّ المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، ترفض أن تعطي أيّ فتوى للمتحمّسين الذين يحاولون القيام بالثأر، وهذا ما يدلُّ على أن هناك ضمانات في الواقع الشيعي، وعند العقلاء من إخواننا السُنّة، يمنع أيّ حرب طائفية. إنّ الشيعة يريدون أن يعيشوا مع الأطياف العراقية الأخرى، سواء كانت كردية في الجانب العرقي، أو إسلامية في الجانب السُنّي، أو في الجانب الديني، بالنسبة لمن يريدون أن يعملوا على أساس عراق موحّد، ولكن على طريقة الفيديرالية التي ما زال هناك جدل في صورتها بين الفيديرالية واللامركزية. * كعرب، نعرف مشاريع الآخرين ونعرف أبعادها، لكن لا نستطيع أن نفسّر مشروع بعض العرب للتشكيك بعروبة شيعة العراق؟ هل جاء شيعة العراق من جزر الواق واق أم نزلوا من المريخ؟
_ مشكلة العالم العربي والإسلامي، أنه لا يزال يعيش العصبية المذهبية التي تجعله يعيش الضّباب في القضايا القومية والوطنية والإسلامية. إن هناك إنتاجاً للمسألة المذهبية المتعصبة، وحتى إنَّ هناك إنتاجاً في الخفاء للمسألة التكفيرية التي تجعل المسلمين الآخرين يؤكّدون لا إسلامية المسلمين الشيعة، وهذا ما نحاربه ونقف ضده، لأن هذا يؤدّي إلى نتائج في مستوى الكارثة على الإسلام والمسلمين، في جميع مواقعهم في العالم وعلى جميع المستويات. ونحن نعرف الآن، أنَّ هناك حملة إرهابية على المستوى الفكري في الإساءة إلى النبي(ص)، وهذا ما حدث في الدانمارك، من خلال الصور التي نشرتها إحدى الصحف هناك، والتي رفض المسؤولون فيها استقبال السفراء المسلمين، وقبول احتجاجاتهم على مثل هذا التصرّف، وذلك بحجة حرية الفكر، بينما هم ليسوا مستعدين للحديث عن حرية الفكر، عندما تكون المسألة موجّهة نحو اليهود، بحجة معاداة السامية، وقد حملت إلينا الأخبار أن صحيفة نرويجية نشرت هذه الصور من جديد، وبعنوان حرية الفكر، وما إلى ذلك.
إساءات
* ما جدوى ظهور مثل هذه الحملات التي تمسّ بالأديان والذات الإلهية، وتسيء إلى الإسلام تحديداً؟! هل هي رسائل موجّهة إلى المسلمين؟ وما هي عناوين هذه الرسائل؟ وإلى ماذا يمكن أن تقود؟
_ هذه الرسائل تقول للمسلمين إنَّ إسلامكم في خطر، وإن هناك عالماً يتحرّك ضدّكم، من خلال المحافظين الجدد في أميركا، ومن خلال اللوبي اليهودي في أميركا وفي سائر أنحاء العالم، والذي أسقط الكثير من صدقية فرنسا في مسألة الحريات. لذلك، على المسلمين أن يتّحدوا، وأن يقفوا من أجل المحافظة على أصالة الإسلام وعلى قوّته، وعلى مقدسات الإسلام والمسلمين، وأن يتجنّبوا الكثير من الخلافات المذهبية، وأن يسيروا إلى الحوار، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59)، فإذا كان الله يطلب منّا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فالأولى بنا أن نعمل على أساس أن نجادل أهل القرآن بالتي هي أحسن، وأن نرفض التكفير الذي يمارس ضد الشيعة، وأن نرفض أيضاً واقع الخرافة داخل المجتمع الشيعيّ والسنيّ، والذي ينطلق في الواقع الإسلامي، ويمثّل خطراً على الوحدة الإسلامية. يجب أن نعمل من أجل إسلام حضاري معاصر، لا يبتعد عن ثوابته وعن أصالته، من أجل أن نعيد تقديم الإسلام إلى العالم على أنه الدين الذي يحترم الإنسان، ويرفض الإرهاب، ويرفض العداوة والبغضاء، وينطلق على أساس الحوار، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل/125)، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}(الإسراء/53).
التسوية
* هناك مشروع غربي للشرق الأوسط، يقابله غياب تام لأي مشروع فكري أو حضاري عربي أو إسلامي؟
ـ أنا أعتقد أن أميركا لا تريد أن تتم عملية تسوية في الشرق الأوسط، وإنما تريد خلط الأوراق لإيجاد حالة من اليأس في مسألة التسوية، والعمل على أساس أن تستكمل إسرائيل كل خطّتها في السيطرة على أكثر من فلسطين، لتكون الدولة الفلسطينية، لو أريد لها أن تتحقّق، مجرد نتف متناثرة في الساحة الفلسطينية. إن أميركا تعمل على إسقاط كل المواقع والمواقف العربية التي بدأت الولايات المتحدة تقودها، كما قادت بعضها إلى الصلح مع إسرائيل، وإلى إبقاء الفلسطينيين وحدهم يواجهون الوحشية والحرب الإسرائيلية، ويواجهون الجدار والمستوطنات، ومنع عودة الفلسطينيين إلى وطنهم. إنَّ المسألة هي أنَّ هناك خطاً عربياً يقول: "إنَّ علينا أن نتحرَّر من فلسطين، لا أن نحرِّر فلسطين". لذلك، أنا لا أعتقد أن هناك اهتماماً أميركيّاً وأوروبياً الآن بقضيّة السّلام، من خلال هذا الخداع والنفاق الأوروبي داخل اللجنة الرباعية، وإنما هي هناك اهتمام بإسرائيل أوّلاً وثانياً وثالثاً. هذا ما نلاحظه. إن العرب يصرخون وفي مقدمتهم مصر والسعودية، بأنهم لا يريدون لمنطقة الشرق الأوسط أن تدخلها الأسلحة النووية، ومع ذلك، فإنهم ليسوا مستعدين لأن يناقشوا، مجرد مناقشة، الترسانة النووية الإسرائيلية، لأنّ القضية هي أن السلاح النووي الإسرائيلي هو سلاح أميركي ـ أوروبي، ونحن نعرف أنّ القنبلة الذرية الإسرائيلية انطلقت فرنسية ثم بريطانية ثم أميركية.* العرب في مثلِ هذه الحالة، وكأنّهم ملائكة وسط عالم كلّه شياطين! صحيح أنّ للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، مشاريع تخدم مصالحها، لكن هل بإمكان أمَّةٍ من المهمّشين والجهلة والمتخلّفين حضارياً، أن يكونوا أفضل من سواهم؟
ـ أنا أعتقد أن العرب يعيشون حالة انعدام الوزن في الواقع الذي نعيشه، لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً في أيِّ شأن من شؤونهم، وهذا ما نلاحظه في الزيارات التي يقوم بها المندوبون الأميركيون إلى المنطقة، من ديك تشيني إلى رايس وغيرهما، حيث نجد أنّ الأحاديث تتركّز على الإرهاب والإرهاب العربي والإسلامي فقط، ولكنها لا تتركّز على قضية التسوية في المسألة الفلسطينية، بل إنّنا نجد أن الكثيرين من العرب بدأوا يضيّقون على الفلسطينيين حتى في مسائل الخدمات الاجتماعية للأيتام والفقراء، لأنهم يخافون أن يتّهموا بأنهم يدعمون الإرهاب عندما يساعدون أيتام الشهداء وعوائلهم وما إلى ذلك.
استحمار!!
* في عصرنا الحاليّ، هل هناك قيمة حقيقية لكلمة استعمار، أم أنَّ هذا المسمّى قد عفا عليه الزَّمن، في وقت تغيّرت أدوات القوة وأدوات السوق ولوائح الحريات واحترام حقوق الإنسان؟
ـ هناك استعمار بوجه جديد. نعم، هناك استعمار العولمة التي لا يعانيها العرب والمسلمون فقط، بل يعانيها حتى الغربيون، وهذا ما لاحظناه في التظاهرات التي يقوم بها الشباب الغربيون، احتجاجاً على مؤتمرات العولمة التي تنظّمها الدول الثمانية الكبار. هناك استعمار جديد على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الأمني وعلى المستوى السياسي، وحتى ربما على المستوى الثقافي. هناك استعمار يحاول أن يثير «الاستحمار» في الواقع العربي والإسلامي، ولهذا، فإننا نجد أن هناك احتقاراً للعرب وللمسلمين، يتحرّك في أكثر من ساحة ثقافية واجتماعية، في ما ينطلق به الغرب الذي يتحدّث عن حرية الفكر، بشرط أن تكون موجهة ضد الإسلام والمسلمين. ونحن كنا ولا نزال نقدّر حديث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، عندما قال: "كما أن علينا أن نستنكر معاداة السامية، علينا أن نستنكر معاداة الإسلام". إننا نقول إنه يمكن للعرب أن يستفيدوا من المسألة النووية الإيرانية، ليلوّحوا بها ضد إسرائيل، لكنهم بكل أسف، لا يستخدمون حتى هذا السلاح من الناحية السياسية.
بيروت ـ المشاهد السياسي "26-1-2006"
* بعض رجال الدين لا يحتاجون إلى تعريف خاص، عندما يكونون بقدر مكانة وعلم وانفتاح العلاّمة المرجع، سماحة السيد محمد حسين فضل الله، فهو فضلاً عن كونه أحد علماء الأمة المتميّزين في مواقفهم، فإنه سياسي متابع للأحداث، ومحلّل واقعي ومراقب، يعي تماماً الكثير مما ما زال يدور في الخفاء، بالنسبة إلى رجال دين وسياسيين عرب كبار على السّواء. السيد فضل الله يحتفظ برؤيةٍ دينيةٍ وسياسية لا تقبل الخلط، ولا تترك شيئاً ما بين الأسطر، فهو واضح على نحو كافٍ، كما أنه ليس من المتردّدين في وضع النقاط على الحروف، أو تسمية الأمور بمسمّياتها. وفي أمور تتعلّق بلبنان والشرق الأوسط وسورية وإيران والولايات المتحدة، يظل الإسلام القاسم المشترك في الذي حصل، والذي يمكن أن يحصل في أي وقت بدون تحديد، فكيف يرى العلاّمة المفكر ورجل الدين تطوّرات الأحداث؟
* هناك ضغوط كثيرة تمارس على أكثر من طرف في المنطقة، وهي وإن كانت منصبّة على السوريين، لكنها لا تستثني اللبنانيين أيضاً. وإلى جانب الولايات المتحدة، هناك أوروبا التي دخلت على الخط مجدّداً، فهل أن الأمر برمّته ليس أكثر من حلقة واحدة؟ وإن كان كذلك، ففي أي فضاء يدور؟
ـ عندما ندرس كلَّ المسألة المتّصلة بسورية ولبنان، من خلال خلفيات السياسة الدولية، فإنَّنا نجد أن هناك استراتيجية أميركية تركّز المنطقة على صورة مصالحها الاستراتيجية، وإن بتنسيق ما ظهر مؤخراً مع فرنسا، ذلك بفعل التعقيدات التي عاشتها أميركا في احتلالها العراق، والمشاكل التي لا تزال تتخبّط فيها من خلال الرمال المتحرّكة، ولا سيما أن البلدان المجاورة للعراق بدأت تحتاط لنفسها، لأنها تشعر بخطورة الوجود الأميركي على أمنها، عبر الاحتلال الأميركي للعراق. لذلك، فإن الخطة الأميركية، حاولت أن تستفيد من العقدة الفرنسية في علاقة فرنسا بلبنان، ومحاولة استعادة النفوذ الفرنسي التاريخي في لبنان، ما دفعها إلى الانفتاح على فرنسا التي كانت بدورها تريد استعادة نفوذها في سورية.
* هل الوضع الحالي أكبر من مقاسات لبنان، وأنه بالتالي، ليس قاصراً عليه ولا على سورية وحدها؟
ـ أنا اعتقد أن كلَّ ما يحدثُ في لبنان، وخصوصاً من خلال حركة السفير الأميركي وزيارات المندوبين الأميركيين، وخصوصاً المندوب الأميركي الأخير ولش، هو من أجل منع اللبنانيين من أن يتّفقوا على صيغة تعيد إلى الساحة السياسية تكاملها وتواصلها، وهذا ما حدث أخيراً عندما دخلت السعودية ومصر، وقبلها الجامعة العربية بشخص أمينها العام عمرو موسى في مبادرة تسوية، فقد دخلت أميركا على الخطّ من خلال السياسيين الذين بدأوا يمثّلون خططها بطريقة أو بأخرى، حيث عملوا على إسقاط أيّة مبادرة عربية تحت تأثير عناوين متعدّدة هنا وهناك. لهذا، فإنّي أتصوّر أنَّ المشكلة لم تعد مشكلة لبنان وسورية فحسب، وإنما أصبحت مشكلة اللبنانيين في داخلهم، باعتبار أن أميركا التي تتحدّث مع أوروبا دائماً عن القرار ١٥٥٩، تمنع أي فريق يعارض هذا القرار، "الذي صُنع من أجل إسرائيل"، من أن يتواصل مع الأفرقاء الآخرين. لذلك، أصبح من الصعب جداً أن يصل الواقع اللبناني السياسي، إلى حالة من التواصل يمكن أن يحقق الوحدة الوطنية اللبنانية بطريقة واقعية.
صفقات
* أشرتم إلى أطراف أخرى داخلة في الموضوع، فهل تقصد أن هناك صفقات دولية وإقليمية، يجري طرحها الآن، لتطويق المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة؟
ـ أعتقد أن أميركا هي التي خطّطت لما تسمّيه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفي داخله قضية نشر الديمقراطية، وقضية حقوق الإنسان وقضية الحرّيات.
* وما العيب في كل هذه القضايا التي لم يعد بوسع الإنسان الاستغناء عنها، أو عن أي واحدة منها؟
ـ هذه عناوين تطرحها أميركا كاستراتيجية لترتيب المنطقة على صورة مصالحها المتنوّعة، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية، ولكننا نلاحظ، كما قرأنا في تقرير منظمة حقوق الإنسان، أن أميركا تتحرّك بعناوينها على مستوى الإعلام، أو على مستوى الدعوة عن طريقه، ولكنها تمارس شيئاً آخر في هذا المجال، لأن أميركا تتقن صناعة النفاق السياسي في إدارة مشروعها بالنسبة إلى المنطقة. ومن المؤسف أنَّ أميركا استطاعت أن تستغلَّ بعض العلاقات للضغط على أوروبا، حتى تتحرّك معها على خط الاستراتيجية الأميركية، على الرغم من أن ذلك قد يسيء إلى مصالح أوروبا بطريقة أو بأخرى، وهذا ما نلاحظه في الموقف من المشروع النووي الإيراني السلمي. فقد نلاحظ أنّ هناك مصالح اقتصادية كبرى لأوروبا، ولا سيما لألمانيا وفرنسا، وربما حتى بريطانيا، إلاّ أننا نلاحظ أيضاً، أن أميركا تعمل على أساس إخضاع هذا الفريق الأوروبي، ومحاولة الضغط بطريقة أو بأخرى، بالتعاون مع إسرائيل، على روسيا تارة وعلى الصين تارة أخرى. * ماذا تسمّي كل هذا ؟
ـ أنا أعتبر أن هناك نوعاً من الحرب السياسية والديبلوماسية تمارس على المنطقة كلّها، وأقصد منطقة الشرق الأوسط، تقوم بها أميركا، مستغلّة سيطرتها على مجلس الأمن، من خلال إحكام سيطرتها على بعض الأعضاء الدائمين في المجلس. لذلك، فإننا لا نجد هناك أية حالة داخلية، حتى في مسألة سورية ولبنان والعراق والسودان، بل إن هناك خلفيات سياسية دولية، من أجل إعادة السيطرة على المنطقة كلّها، لخدمة مصالح أميركا من جهة، ومصالح بعض الأوضاع الدولية بشكل هامشي من جهة أخرى.
شيعة وسُنّة
* هناك من يرى أنَّ أحداث المنطقة طائفيَّة بالدرجة الأولى، وأن رأس الشيعة، لا رأس أميركا ولا رأس إسرائيل، هو المطلوب، وكأن الوجود الشيعي غير مقبول على الساحة السياسية العربية والإسلامية! فهل إنّ أصحاب هذا الرأي مغالون أو واهمون؟
ـ أنا أتصوّر أن أميركا تحاول، ومعها بعض أطراف المخابرات الدولية، أن تستغل هذه الحساسية المذهبية الطائفية في العالم الإسلامي، وإثارة مشكلة الشيعة والسُنّة، تحت عنوان أنَّ الشيعة سوف يسيطرون على العراق، وبالتالي سوف يمتدون إلى دول الخليج، وأن الشيعة في لبنان يحاولون أن يقفوا في موقع القوة من خلال سلاح المقاومة، ومن خلال التعقيدات السياسية، ولا سيما أنهم يتّهمون الوسط السياسي الشيعي، بأنه امتداد للنفوذ السوري في لبنان، وما إلى ذلك. ولعل هذا ما يقصده بعض المسؤولين العرب في إشاراتهم إلى موضوع الهلال الشيعي، وأيضاً ما يتحدّث به الآن في الساحة العربية عن إيران، وعن محاولة سيطرتها بالطريقة المخابراتية والسياسية على العراق وما إلى ذلك، بينما المسألة تتمثّل في أن الجميع يعرفون، بأن الشيعة لا مشروع لهم ضد أي جهة إسلامية، وليست لهم أية مشاريع سلطوية خاصة، بل هم يريدون أن يعيشوا مع بقية المسلمين، ومع بقية العرب؛ أن يعيشوا كمواطنين يتساوون مع المواطنين الآخرين في حقوقهم وواجباتهم. إنَّ الشيعة عاشوا الاضطهاد في التاريخ بطريقة وبأخرى؛ ولذلك، فإنّهم يعيشون الاستراتيجية الكبرى في قضايا الحريات في العالم الإسلامي؛ لذا فإننا نجد أنهم وقفوا مع قضايا الحرية في فلسطين وفي لبنان وفي العراق، وفي أكثر من مجال. لكن المسألة، هي أنَّ الأجهزة المخابراتية الدولية، ولا سيما الأميركية، تحاول أنَّ تثير مسألة الشيعة، كخطر على العالم العربي والعالم الإسلامي.* لماذا؟
ـ من أجل إرباك الواقع في لبنان وسورية والعراق.
حرب طائفية
* هل يجب على شيعة العراق أن يسلّموا بأمر الحرب الطائفية التي تشنّ عليهم، بحجة عدم مقاومتهم للاحتلال الذي حرَّرهم من صدَّام؟
ـ الشيعة في العراق يدعون إلى حكومة وحدة وطنية متوازنة، يراعى فيها حجم الأطياف العراقية، كما أنهم يعملون على أساس رفض ردّ الفعل على ما يحدث لهم، من خلال عمليات التفجير لمساجدهم ومقدَّساتهم ومزاراتهم، وللناس الأبرياء هنا وهناك. لذلك، أنا أعتقد أنَّ الشيعة يرون أن سقوط النظام السابق جعلهم قادرين على أن يتنفّسوا، ولكنهم حتى الآن يرفضون القيام بعمليات رد الفعل التي قد تنتج حرباً طائفية. ونلاحظ أنّ المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، ترفض أن تعطي أيّ فتوى للمتحمّسين الذين يحاولون القيام بالثأر، وهذا ما يدلُّ على أن هناك ضمانات في الواقع الشيعي، وعند العقلاء من إخواننا السُنّة، يمنع أيّ حرب طائفية. إنّ الشيعة يريدون أن يعيشوا مع الأطياف العراقية الأخرى، سواء كانت كردية في الجانب العرقي، أو إسلامية في الجانب السُنّي، أو في الجانب الديني، بالنسبة لمن يريدون أن يعملوا على أساس عراق موحّد، ولكن على طريقة الفيديرالية التي ما زال هناك جدل في صورتها بين الفيديرالية واللامركزية. * كعرب، نعرف مشاريع الآخرين ونعرف أبعادها، لكن لا نستطيع أن نفسّر مشروع بعض العرب للتشكيك بعروبة شيعة العراق؟ هل جاء شيعة العراق من جزر الواق واق أم نزلوا من المريخ؟
_ مشكلة العالم العربي والإسلامي، أنه لا يزال يعيش العصبية المذهبية التي تجعله يعيش الضّباب في القضايا القومية والوطنية والإسلامية. إن هناك إنتاجاً للمسألة المذهبية المتعصبة، وحتى إنَّ هناك إنتاجاً في الخفاء للمسألة التكفيرية التي تجعل المسلمين الآخرين يؤكّدون لا إسلامية المسلمين الشيعة، وهذا ما نحاربه ونقف ضده، لأن هذا يؤدّي إلى نتائج في مستوى الكارثة على الإسلام والمسلمين، في جميع مواقعهم في العالم وعلى جميع المستويات. ونحن نعرف الآن، أنَّ هناك حملة إرهابية على المستوى الفكري في الإساءة إلى النبي(ص)، وهذا ما حدث في الدانمارك، من خلال الصور التي نشرتها إحدى الصحف هناك، والتي رفض المسؤولون فيها استقبال السفراء المسلمين، وقبول احتجاجاتهم على مثل هذا التصرّف، وذلك بحجة حرية الفكر، بينما هم ليسوا مستعدين للحديث عن حرية الفكر، عندما تكون المسألة موجّهة نحو اليهود، بحجة معاداة السامية، وقد حملت إلينا الأخبار أن صحيفة نرويجية نشرت هذه الصور من جديد، وبعنوان حرية الفكر، وما إلى ذلك.
إساءات
* ما جدوى ظهور مثل هذه الحملات التي تمسّ بالأديان والذات الإلهية، وتسيء إلى الإسلام تحديداً؟! هل هي رسائل موجّهة إلى المسلمين؟ وما هي عناوين هذه الرسائل؟ وإلى ماذا يمكن أن تقود؟
_ هذه الرسائل تقول للمسلمين إنَّ إسلامكم في خطر، وإن هناك عالماً يتحرّك ضدّكم، من خلال المحافظين الجدد في أميركا، ومن خلال اللوبي اليهودي في أميركا وفي سائر أنحاء العالم، والذي أسقط الكثير من صدقية فرنسا في مسألة الحريات. لذلك، على المسلمين أن يتّحدوا، وأن يقفوا من أجل المحافظة على أصالة الإسلام وعلى قوّته، وعلى مقدسات الإسلام والمسلمين، وأن يتجنّبوا الكثير من الخلافات المذهبية، وأن يسيروا إلى الحوار، كما قال الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}(النساء/59)، فإذا كان الله يطلب منّا أن نجادل أهل الكتاب بالتي هي أحسن، فالأولى بنا أن نعمل على أساس أن نجادل أهل القرآن بالتي هي أحسن، وأن نرفض التكفير الذي يمارس ضد الشيعة، وأن نرفض أيضاً واقع الخرافة داخل المجتمع الشيعيّ والسنيّ، والذي ينطلق في الواقع الإسلامي، ويمثّل خطراً على الوحدة الإسلامية. يجب أن نعمل من أجل إسلام حضاري معاصر، لا يبتعد عن ثوابته وعن أصالته، من أجل أن نعيد تقديم الإسلام إلى العالم على أنه الدين الذي يحترم الإنسان، ويرفض الإرهاب، ويرفض العداوة والبغضاء، وينطلق على أساس الحوار، كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(النحل/125)، {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}(الإسراء/53).
التسوية
* هناك مشروع غربي للشرق الأوسط، يقابله غياب تام لأي مشروع فكري أو حضاري عربي أو إسلامي؟
ـ أنا أعتقد أن أميركا لا تريد أن تتم عملية تسوية في الشرق الأوسط، وإنما تريد خلط الأوراق لإيجاد حالة من اليأس في مسألة التسوية، والعمل على أساس أن تستكمل إسرائيل كل خطّتها في السيطرة على أكثر من فلسطين، لتكون الدولة الفلسطينية، لو أريد لها أن تتحقّق، مجرد نتف متناثرة في الساحة الفلسطينية. إن أميركا تعمل على إسقاط كل المواقع والمواقف العربية التي بدأت الولايات المتحدة تقودها، كما قادت بعضها إلى الصلح مع إسرائيل، وإلى إبقاء الفلسطينيين وحدهم يواجهون الوحشية والحرب الإسرائيلية، ويواجهون الجدار والمستوطنات، ومنع عودة الفلسطينيين إلى وطنهم. إنَّ المسألة هي أنَّ هناك خطاً عربياً يقول: "إنَّ علينا أن نتحرَّر من فلسطين، لا أن نحرِّر فلسطين". لذلك، أنا لا أعتقد أن هناك اهتماماً أميركيّاً وأوروبياً الآن بقضيّة السّلام، من خلال هذا الخداع والنفاق الأوروبي داخل اللجنة الرباعية، وإنما هي هناك اهتمام بإسرائيل أوّلاً وثانياً وثالثاً. هذا ما نلاحظه. إن العرب يصرخون وفي مقدمتهم مصر والسعودية، بأنهم لا يريدون لمنطقة الشرق الأوسط أن تدخلها الأسلحة النووية، ومع ذلك، فإنهم ليسوا مستعدين لأن يناقشوا، مجرد مناقشة، الترسانة النووية الإسرائيلية، لأنّ القضية هي أن السلاح النووي الإسرائيلي هو سلاح أميركي ـ أوروبي، ونحن نعرف أنّ القنبلة الذرية الإسرائيلية انطلقت فرنسية ثم بريطانية ثم أميركية.* العرب في مثلِ هذه الحالة، وكأنّهم ملائكة وسط عالم كلّه شياطين! صحيح أنّ للدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، مشاريع تخدم مصالحها، لكن هل بإمكان أمَّةٍ من المهمّشين والجهلة والمتخلّفين حضارياً، أن يكونوا أفضل من سواهم؟
ـ أنا أعتقد أن العرب يعيشون حالة انعدام الوزن في الواقع الذي نعيشه، لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً في أيِّ شأن من شؤونهم، وهذا ما نلاحظه في الزيارات التي يقوم بها المندوبون الأميركيون إلى المنطقة، من ديك تشيني إلى رايس وغيرهما، حيث نجد أنّ الأحاديث تتركّز على الإرهاب والإرهاب العربي والإسلامي فقط، ولكنها لا تتركّز على قضية التسوية في المسألة الفلسطينية، بل إنّنا نجد أن الكثيرين من العرب بدأوا يضيّقون على الفلسطينيين حتى في مسائل الخدمات الاجتماعية للأيتام والفقراء، لأنهم يخافون أن يتّهموا بأنهم يدعمون الإرهاب عندما يساعدون أيتام الشهداء وعوائلهم وما إلى ذلك.
استحمار!!
* في عصرنا الحاليّ، هل هناك قيمة حقيقية لكلمة استعمار، أم أنَّ هذا المسمّى قد عفا عليه الزَّمن، في وقت تغيّرت أدوات القوة وأدوات السوق ولوائح الحريات واحترام حقوق الإنسان؟
ـ هناك استعمار بوجه جديد. نعم، هناك استعمار العولمة التي لا يعانيها العرب والمسلمون فقط، بل يعانيها حتى الغربيون، وهذا ما لاحظناه في التظاهرات التي يقوم بها الشباب الغربيون، احتجاجاً على مؤتمرات العولمة التي تنظّمها الدول الثمانية الكبار. هناك استعمار جديد على المستوى الاقتصادي، وعلى المستوى الأمني وعلى المستوى السياسي، وحتى ربما على المستوى الثقافي. هناك استعمار يحاول أن يثير «الاستحمار» في الواقع العربي والإسلامي، ولهذا، فإننا نجد أن هناك احتقاراً للعرب وللمسلمين، يتحرّك في أكثر من ساحة ثقافية واجتماعية، في ما ينطلق به الغرب الذي يتحدّث عن حرية الفكر، بشرط أن تكون موجهة ضد الإسلام والمسلمين. ونحن كنا ولا نزال نقدّر حديث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، عندما قال: "كما أن علينا أن نستنكر معاداة السامية، علينا أن نستنكر معاداة الإسلام". إننا نقول إنه يمكن للعرب أن يستفيدوا من المسألة النووية الإيرانية، ليلوّحوا بها ضد إسرائيل، لكنهم بكل أسف، لا يستخدمون حتى هذا السلاح من الناحية السياسية.
بيروت ـ المشاهد السياسي "26-1-2006"