رجل دين شيعي بارز يناقش قضية العراق والمفجرين الانتحاريين والانتخابات الأمريكية، ولماذا يعتقد أن جورج دبليو بوش يحتاج لاستشارة طبيب نفساني.
بقلم: أرلين غيتـز
آية الله السيد محمد حسين فضل الله واحد من أهم المرجعيات الدينية لدى المسلمين الشيعة، وبحكم مقرّه في بيروت، اكتسب قاعدة عريضة من المؤيدين لدوره كزعيم روحي لحزب الله، الجماعة المتشددة التي تشتهر بمقاومتها الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ولم تعد لفضل الله مثل تلك الصلة الوثيقة بحزب الله، لكن تعاليمه ما زالت تحمل وزناً كبيراً في هرمية العالم الشيعي.
وربما يكون لهذه المكانة أثر مهم في العراق، حيث يقود الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر بعضاً من المقاومة العنيفة للاحتلال الأمريكي. ولد فضل الله، الذي يبلغ من العمر 69عاماً، في مدينة النجف وتلقى تعليمه فيها، وقد تؤثر آراؤه على اتجاه الأغلبية الشيعية من الشعب العراقي، التي ذاقت قمعاً وحشياً من صدام حسين. يقول نزار حمزة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت: "يعتقد أنصار فضل الله أنه يمتلك لمسة إلهية مقدسة".
التقى فضل الله وفداً من المحرِّرين الأمريكيين في بيروت الأسبوع الماضي لمناقشة قضية العراق والمفجرين الانتحاريين، وسبب اعتقاده أن الرئيس جورج بوش بحاجة إلى رؤية طبيب نفساني. وكانت مندوبة نيوزويك أرلين غيتز ضمن تلك المجموعة. فيما يلي مقتطفات من الحوار:
* نيوزويك: ما هو دور الإسلام في السياسة؟
ـ ما السياسة؟ إن السياسة ترتكز على فكرة منح الإنسان فرصة العيش مع الآخرين. والدين يقول لنا إن علينا أن نحب بني البشر إن كنا نؤمن بالله. ولذلك نحن نؤمن بأن السياسة جزء من الدين، فالدين لم يخلق للسماوات، بل هو جزء من الأرض. والغرض من الدين خدمة البشر وليس العكس.
* هل تعتقد أن مقتدى الصدر محق في استخدامه المقاومة المسلحة (ضد الأمريكيين في العراق)، أم أنك تحبّذ الخط المائل إلى الحوار الذي يتبعه (الزعيم الشيعي العراقي) آية الله علي السيستاني؟
ـ نحن نؤمن بحرية بني الإنسان، ونرفض الاحتلال، ولا أعتقد أن خطة مقتدى الصدر هي المبادرة بالعنف، لكنني أعتقد أن الأساليب التي يستخدمها (الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر) هي التي دفعت الصدر إلى عمل ذلك. ولذلك نعتبر العنف رد فعل، وليس الفعل ذاته، ونعتبر أمريكا بلداً يستطيع احتلال بلد آخر لكنه لا يعرف كيف يديره. فالولايات المتحدة ترتكب الخطأ بعد الآخر. وقضية التعذيب في سجن (أبوغريب) لن تكون الخطأ الأخير الذي سنشاهده.
* هل هناك أي شيء يمكن للولايات المتحدة عمله للتعافي من خطأ أبوغريب؟
ـ نحن نعتبر الاحتلال أكبر أشكال التعذيب. والتعذيب الذي نراه في الصور التي تعرضها وسائل الإعلام هو تعذيب الأفراد، لكن الاحتلال هو تعذيب شعب بأسره... وأغلبية العرب والمسلمين لا تعتقد أن الولايات المتحدة جادة أزاء حرية الشعوب (في المنطقة)، وتعتقد أنها أحد الشعارات المستخدمة للهيمنة على المنطقة.
وعندما نستمع إلى الرئيس بوش لا نجد أي منطق مقنع فيما يقوله، ولكن علينا توضيح أننا نفرق بين الحكومة الأمريكية والشعب الأمريكي، ونحن نريد أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي، ومشكلتنا مع الحكومة الأمريكية.
* ما ردّ فعلك على حجة بوش القائلة إنه يتعين ألا نلقي اللوم على جميع الأمريكيين بسبب الانتهاكات في أبوغريب؟
ـ أعتقد أنه كان اعتذار غير صحيح، لأن من قاموا بتلك الأعمال كانوا ينفذون أوامر أناس آخرين... فبريمر كان يعلم بذلك لكنه لم يفعل شيئاً حتى ظهرت الصور إلى الوجود، وهذه الأفعال أظهرت أن الحكومة الأمريكية لا تؤمن بحقوق الإنسان. وأنا أعتقد أن هذه الممارسات تشجع على الإرهاب ولا تقضي عليه، وللأمريكيين قِيَم حسنة، لكن الحكومة لا تتقيد بها، ويتعين على الأمريكيين أن ينتخبوا شخصاً يمثل هذه القيم.
* هل تريد من وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن يقدم استقالته؟
ـ أعتقد أنه كان عليه أن يستقيل، لقد قدم اعتذاراً، والاعتذار يعني أن عليه تحمل المسؤولية.
* هل يتعين على بوش الاستقالة أيضاً؟
ـ أجل، من منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
* ما رأيك في سباق الرئاسة الأمريكية؟ وله ستشعر بودّ أقل تجاه الشعب الأمريكي إذا أعاد انتخاب جورج دبليو بوش؟
ـ الانطباع العام في العالم العربي عن الناخبين الأمريكيين هو أن المحافظين الجدد، والمسيحيين (الإنجيليين) واللوبي اليهودي، والجماعات التي تستغل هذه الحكومة لإثراء نفسها، كل هؤلاء يقومون بدور (في مساندة بوش). وهل تعتقدين أن إعادة انتخاب شخصٍ ما تمنحه الشرعية؟
فالفلسطينيون انتخبوا (ياسر عرفات)، وهناك قطاعات معينة في الولايات المتحدة لا تتعامل معه... و(بوش) يعتبر نفسه الظهور الثاني للمسيح، ولا أعتقد أنه يتعامل مع الأمور بأسلوب موضوعي معقول. وأعتقد أن علينا إرساله إلى طبيب نفساني قبل الانتخابات، ومع كل الاحترام، نحن بالطبع نحترم المرضى.
* هل يعتبر المفجرون الانتحاريون شهداء عندما يهاجمون مدنيين إسرائيليين؟
ـ نحن لا نؤمن بقتل المدنيين لأسباب سياسية، إن لم تكن هناك حالة حرب، وقد كنت أول شخصية إسلامية تصدر فتوى بعد هجمات 11سبتمبر، تقول إن عقلنا وديننا لا يقبلان ذلك، وأن هذا انتحار وليس شهادة، وبعد ساعة فقط من تفجيرات مدريد، أصدرت فتوى تندد بتلك العملية، وقلت إنها ليست مقبولة دينياً... لكن المشكلة هي أن بوش، بموافقة (رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون) يعتقد أن المقاومة الفلسطينية من أجل الاستقلال تشكل إرهاباً. ورغم أن الفلسطينيين قالوا لإسرائيل إنهم لن يطلقوا عياراً نارياً واحداً إذا انسحبت من أرضهم وعاشت معهم في سلام، (فالفلسطينيون) يقولون إنهم يدافعون عن وطنهم، أما عن عمليات الاستشهاد (في إسرائيل) فهي تحتاج إلى التفسير. فإسرائيل تمتلك أقوى أسلحة في المنطقة، وهي تستخدم طائرات أف16 ضد المدنيين في غزة. وعندما تريد اغتيال شخص تطلق عليه صاروخاً في مكان مدني مكتظ، وهي تهدم منازل الفلسطينيين وتستخدم العقاب الجماعي ضد أسر المهاجمين).
لقد نفذت إسرائيل كل أنواع العمليات ضد الفلسطينيين، والفلسطينيون لا يملكون سوى الأسلحة الخفيفة، ولذلك وصلوا إلى مرحلة اليأس، وهم يعتقدون أن عليهم تحدي الإسرائيليين باستخدام أسلوب تحويل الإنسان إلى قنبلة بشرية. ويعملون ذلك كي توقف إسرائيل ما تعمله، ولا يمكننا النظر إلى هذه القضية بأسلوب مطلق. فإذا كان قتل المدنيين الإسرائيليين جريمة، فماذا عن قتل المدنيين الفلسطينيين؟ فالقضية هي أن الفلسطينيين وإسرائيل في حالة حرب، والإسرائيليون يستخدمون أي أسلوب متاح لهم، والفلسطينيون لا يتلقون أسلحة من الولايات المتحدة.
* ما رأيك في المرشح الديمقراطي جون كيري؟
ـ لقد لاحظت أن كيري يحاول مخاطبة المشاعر اليهودية بالحديث عن إرثه اليهودي. ولا أعتقد أن السياسة يجب أن تمارس بهذه الطريقة، ولكن ليس لدينا مشكلة مع الدين اليهودي. وإذا نظرت إلى التاريخ الإسلامي خلال القرون الـ14 الماضية، تجدين أن المسلمين احتضنوا اليهود، ومنحوهم حرية العلوم والاقتصاد، والمسلمون لم يضطهدوا اليهود مثلما فعل الغرب... إن المشكلة مع إسرائيل سياسية وليست دينية. وأمريكا لا تقبل دولة مبنية على الدين (في الولايات المتحدة) لكنها تصر على وجود دولة يهودية في فلسطين، فلماذا يستخدم معيار مزدوج في هذه القضية؟
* للبنان تجربته الخاصة به في الاحتلال، فهل لرجال الدين شيء يعلمونه للعراقيين عن مقاومة الاحتلال؟
ـ ليست هناك أي خطط لدى رجال المقاومة اللبنانية للانتقال إلى العراق، وأي شخص ربما فعل ذلك، ذهب إلى العراق على أساس فردي شخصي.
* هل ترى أي بديل للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الأمريكي للعراق؟
ـ نعتقد أن الأمم المتحدة مقبولة بصورة عامة، وإذا سلم الأمريكيون السلطة للأمم المتحدة، فلن تكون هناك حاجة لمقاومة مسلحة.
* ما السبب الذي يجعل الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم في الوقت الحالي؟
ـ إنه دين يؤمن بالفكر وكل أنواع العلوم، فالفكر والعلوم هما أساس الحضارة، والإسلام لا يفرض نفسه بالقوة على الآخرين... ولا يؤمن بالعنف ما لم يفرض عليه العنف من الخارج.
* ما أهم رسالة توجهها للأمريكيين؟
ـ نحن لا نؤمن بالعنف ما لم يصبح أمراً ضرورياً، وما نريد رؤيته هو حوار يجمع بيننا، ويتعين أن نحقق السلام عبر الحوار.