أجرت مجلة "الصيّاد" اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 3-1-2003 مقابلة مع سماحة العلاّمة المرجع السيد محمد حسين فضل الله ـ دام ظله ـ تناولت أهم القضايا المطروحة على الساحة ومنها وضع العراق واحتمالات الحرب الأميركية عليه، ودور المعارضة العراقية وعلاقتها بالولايات المتحدة، وكذلك الوضع الفلسطيني وما يشهده من انتفاضة متواصلة، وتطرق الحديث إلى شؤون التيارات القومية والإسلامية على الساحة العربية.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
حاوره: علي الأمين
تقديم:
على مشارف الحرب الأميركية وربما في خضمها، ينكشف المشهد السياسي العربي على مأزق يطال الجميع، في السلطة وخارجها، ويبـرز واقع يزداد غموضاً في المقبل من الأيام. واللقاء مع المرجع الإسلامي الشيعي السيد محمد حسين فضل الله يتيح فرصة الإضاءة على المشهد بمعظم زواياه لما لمنطقه التحليلي من قدرة على التبرؤ من العواطف الأيديولوجية، من دون أن يعني هذا عدم وضوح موقفه السياسي، وتأكيد موقعه كأحد أبرز الرموز الإسلامية السياسية والدينية. وهو ما أتاح له أن يذهب باتجاه نقد الحركة الإسلامية، مستنداً إلى موقعه المؤثر في داخلها. ولم يكن العراق ومعارضته خارج اهتماماته اليومية، لذا فالكلام على العراق ومستقبله، حين ينطلق من السيد فضل الله له دلالته السياسية، كما حديثه عن إيران وفلسطين وبعد ذلك كله لبنان!
سيطرة أميركية مباشرة
* الحرب على العراق والإرهاب، أسلحة الدمار الشامل، عناوين الهجوم الأميركي على المنطقة، ما هي بتقديركم الخطة الأميركية واستهدافاتها في هذا المجال؟
ـ لا يستطيع المراقب أن يعطي رأياً حاسماً، رغم كل الضجيج العسكري والسياسي، الذي يحيط بالعالم ويتحرك بشكل عنيف في المنطقة، لأن المسألة الاستراتيجية في الخطة الأميركية، تهدف إلى الوصول إلى نتائج حاسمة عبر الشعارات، التي أرادت توظيفها في العالم، خدمة لهيمنتها الأمنية في منطقة الشرق الأوسط أولاً وفي العالم ثانياً، بحيث تبقى الأسلحة الفعالة في يد الإدارة الأميركية وحلفائها.
والعلاقة مع الحلف الأطلسي، هي علاقة محكومة بحاجة هذا الحلف للولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، الأكثر حاجة من واشنطن لهذا الحلف، مما يجعل واشنطن غير قلقة من السلاح الذي يحوزه هذا الحلف. وملكية إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل لا تمثل مشكلة للإدارة الأميركية، بل قد تبدو حلاً لما يعترض السياسة الأميركية من مشاكل في المنطقة.
أما قضية الهند وباكستان، يبقى مسيطراً عليها، لجهة عدم امتلاك الدولتين في المستقبل المنظور، أي إمكان تحرك يعوق السياسة الأميركية.
لذا فالإدارة الأميركية تعمل على أساس إنجاح حربها ضد أسلحة الدمار الشامل، لتأكيد ميزان القوى الذي تسعى لتثبيته في العالم وبما يلائم دورها. بالإضافة إلى ذلك، فإن سعيها إلى تحويل المنطقة إلى منطقة أميركية بالكامل وبشكل مباشر، بعد أن كانت تمثل ظاهرة قائمة ولو بشكل غير مباشر أو غير كامل.
* كيف تنظر إلى النظام العراقي اليوم وهو في موقع المواجه للسياسة الأميركية التي تستهدفه؟
ـ نحن نلاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية استطاعت توظيف الرئيس العراقي صدام حسين في كل الخطط الأميركية... من أجل الوصول إلى النتائج والأهداف التي ذكرنا. وهي استطاعت استغلال حاجة حزب البعث (العراقي) لدور مميز، بعد أن كان الدور المميز لحزب البعث (سوريا)، واستعانت به لمواجهة التيار الناصري، وصنعت شخصية معقدة مسكونة بالانتفاخ المرَضي، فالولايات المتحدة الأميركية كانت توظف النظام العراقي طيلة الثلاثين عاماً الماضية، من أجل الوصول إلى أهدافها، وكان ما يساعدها على ذلك وقوع هذا النظام في الأخطاء، لأن طبيعة رأس النظام، وحالة الانتفاخ المرضي، تغريه بالخطأ، كما أنها أمدته كل الامدد العسكري والاقتصادي والأمني والسياسي.
الخطة الأميركية واحتمالات الحرب
* الحرب على العراق ما هو مدى حقيقتها الميدانية والعسكرية؟ وهل يمكننا رصد عناوين الخطة الاستراتيجية الأميركية؟
ـ المرحلة الحاضرة جاءت لتكمل ما بدأته في عاصفة الصحراء، لأن احتلال الكويت، لم يكن سوى تنفيذاً لخطة أميركية، نفذها النظام العراقي، عبر استثمار انتفاخ الشخصية المرضي للرئيس العراقي. حيث استطاعت الإدارة الأميركية، رغم وجود الاتحاد السوفياتي حينها، أن تقدم نفسها كقائد لتحالف دولي يدخل المنطقة تحت عنوان تحرير الكويت.
لذا استطاعت واشنطن أن تمسك بالمسألة الفلسطينية من خلال مؤتمر مدريد وأن تدخلها في متاهات قاسية، واستطاعت الولايات المتحدة بعد محطات أساسية (سقوط الاتحاد السوفياتي، أحداث 11أيلول) وحرب أفغانستان التي لم ترضِ غرورها، كدولة قائدة في العالم، أن تجعل العراق هدفاً طبيعياً في الخطة الأميركية لتمسك به بقبضة حديدية، ولتنفذ من خلاله إلى الإمساك بالخليج بقبضة أقسى وأقوى.
أما المطلوب اليوم فهو أن يسقط الخليج تحت تأثير الحملة الأميركية المباشرة تحت عنوان "الحرب ضد الإرهاب"، حيث استطاعت الإدارة الأميركية أن تخلق كابوساً ولا أقسى في كل دول الخليج، لا سيما في الدولة الكبرى فيه، المملكة العربية السعودية. لا سيما وأن القواعد الأميركية الأهم موجودة في تلك المنطقة.
واستكمالاً لتحقيق الأهداف الأميركية تأتي هذه الخطوة لتنجز تطويق الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تحوطها دولاً تابعة لواشنطن سياسياً من كل الجهات، وإكمال ذلك بتطويقها عبر العراق للتعامل مع إيران بطريقة سياسية ـ أمنية، إلى جانب الحصار الاقتصادي، بهدف إضعاف الاندفاع الإيراني لجهة التسلح من خلال إنتاج الصواريخ أو الصناعة النووية ولا لأغراض سلمية، وبذلك تخطو الولايات المتحدة خطوة مهمة جداً، لإكمال الطوق حول روسيا، لما تمثله إيران من نافذة تطل بها روسيا على المياه الدافئة التي لا تزال روسيا تخطط لها منذ زمن الاتحاد السوفياتي مع الالتفات إلى أن إيران تعيش تعقيدات نفط بحر قزوين، واهتزاز في علاقاتها مع الدول الإسلامية الناشئة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فضلاً عن العلاقات المميزة بين روسيا وإيران.
حرب بلا حرب!
* هل تحدث الحرب أو لا تحدث؟
ـ طبيعة الظروف الميدانية والإعلامية، توحي بأن الحرب سوف تحدث، والناس يتحدثون عن مواعيد بين الشهر الأول والثاني من هذه السنة 2003، لكن السؤال اليوم هو هل أن الرئيس صدام حسين أعطى كل شيء، أو هكذا يحاول الإيحاء، لأنه يعرف أن هذه المرحلة تختلف عن مرحلة "عاصفة الصحراء"، لأن رأس النظام حينها لم يكن مطلوباً.
لذلك فالكلام عن حرب دبلوماسية إعلامية بين الإدارة الأميركية وبين النظام العراقي تطرح سؤالاً حول المبررات الدولية التي تمكن الإدارة الأميركية من إدارة تحالف دولي ضد العراق، وكيف يمكن أن تمرر ذلك من خلال الأمم المتحدة، وكيف يمكن أن تعالج التناقضات التي تعترض مصالحها مع الدول الكبرى في قرار الحرب، (فرنسا وروسيا)، حتى أن بريطانيا تعيش تحت تأثير معارضة شعبية واسعة دخل فيها رجال الدين في المدة الأخيرة، فهل تملك واشنطن فرصة معقولة تبرر إعلانها للحرب؟ أم تبقى في دائرة الحديث بمنطقها، وبأن هذا الحشد هو من أجل مزيد من الضغط على النظام العراقي للتنازل عن أسلحة الدمار الشامل. إن الصورة المستقبلية قد تحل نسبة كبيرة من مشهد الحرب وواقعه، ولكن السياسة قد تقلب المشهد رأساً على عقب.
التياران القومي والإسلامي ما بين الجمود والفعالية
* من خلال التحليل الذي تقدمتم به، هل يمكن القول أن المنطقة العربية، التي شهدت انحساراً للتيار القومي التحرري وصعوداً للتيار الأصولي الإسلامي، تشهد اليوم انحساراً لكلا التيارين أمام المشروع الأميركي الذي يحقق نتائج متتالية في تحكمه على مستوى المنطقة العربية والإسلامية.
ـ نلاحظ أن الانفعال الذي ساد أداء الحركة الحزبية مع بداية منتصف القرن الماضي، سواء القومية بتنوعاتها، أو الحركة التقدمية والوطنية، فلم يكن يحكمها أية خطة مدروسة، وأي تصور لحل العناوين الكبرى، فقد كانت الحركة العربية ببعدها الاشتراكي والقومي، عاجزة عن إيجاد خطة لتحقيق الأهداف التي تحمل. وشهدنا في تلك المرحلة وما تلاها نزاعاً بين فروع التيار القومي في التفاصيل وعلى حساب المشترك في العناوين الكبرى.
وأعتقد أننا في الشرق وعلى المستوى العربي تحديداً، نعيش حالة ذهنية تمثل في المطلق البعد عن الواقعية، والانفعال والاستغراق في العناوين الكبرى بمعزل عن الواقع. لذا لم تنجح التيارات القومية في إنجاز شيء غير إثارة المشاعر، حتى عندما أنجزت خطوة على طريق الوحدة العربية من خلال الوحدة بين مصر وسوريا، نلاحظ أن القوميين هم الذين أسقطوها.
أما بالنسبة إلى الحركة الإسلامية فنرى أنها انطلقت من خلال عناوين عامة فوقية مثالية، وغير سياسية، كانت الأحزاب الإسلامية غير سياسية، بالمعنى العملي والواقعي، وتعيش في مناخ هو أقرب إلى الثقافي منه إلى السياسي، وتمتنع عن التواصل مع التيارات الأخرى.
لم يكن هناك أي نوع من التحالف مع الحركات القومية والاشتراكية أو ما إلى ذلك، ولم يكن لديها أي اتصال مع الغرب أو مع الشرق، على أن هذه الحركات الإسلامية توزعت على ظواهر متنوعة، كل منها يتصل بدولة عربية هنا أو إسلامية هناك، من دون أن يكون لها استقلالية على المستوى الحركي والواقعي السياسي، ما جعلها خارج نطاق التجاذب السياسي.
في الواقع، فإن الحركة الإسلامية استطاعت أن تحرك الشارع بشعاراتها واستفادت من ضعف الحركة القومية ولكن من دون الاستناد إلى خطة، ولم تنجح في أن تشكل رقماً صعباً على مستوى التطورات السياسية في المنطقة، لكنها استطاعت أن تمثل رقماً صعباً مربكاً على أكثر من صعيد، وأن تخلق مناخاً جديداً يتنفسه الناس وخصوصاً مع انطلاق الثورة الإسلامية في إيران، التي أعطت أملاً وخلقت مناخاً إسلامياً في العالم، وفتحت عيون الغرب والشرق على ما يختزنه الإسلام، من دينامية وفاعلية، لكن هذه الثورة لم تستطع أن تخلق تيارا حركياً ومنهجاً سياسياً دقيقاً، في مجرى الصراع الاستراتيجي في العالم، بل إن القوى الدولية استطاعت محاصرتها، من خلال الحروب والإرباكات التي دفعت إيران إلى الانكفاء نحو الداخل.
لقد نجحت الثورة الإسلامية في أن تثبت النظام الإسلامي في إيران، من دون أن تستطيع الامتداد في نظام إسلامي مماثل خارجها، لكنها تمكنت بالاعتماد على الواقع اللبناني والواقع الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي، من تركيز المقاومة الإسلامية في لبنان، وجعلت لنفسها موقعاً متقدماً في المنطقة من خلال هذه المقاومة، وذلك من خلال تحالفها مع سوريا التي تمثل موقعاً متقدماً جداً في لبنان.
ومن الممكن القول أن والحركات الإسلامية استطاعت أن تنجح على الرغم من كل السلبيات القاسية في أن تدخل ضمير العالم سلباً أو إيجاباً، بحيث أن الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة اليوم ضد الإرهاب أصبحت حرباً ضد الإسلام الحركي، الذي لم يسقط بعد، ومن هنا لا أعتبر أن الحركة الإسلامية فشلت، لأنها لا تزال إلى اليوم في ساحة الصراع، ونحن ندرك أن هناك نقاط ضعف تنشأ نظراً لتخلّف بعض الحركات الإسلامية، وأنا أشك في أنها حركات إسلامية، لا سيما ما شهدناه على مستوى الجزائر خلال السنوات العشر الماضية.
أن ينطلق الحلف الأطلسي ليقول إن الإسلام هو العدو الجديد والمقصود هنا الإسلام الحركي، وأن تنطلق الانتفاضة بقوة الشعب المسلم وحركات إسلامية، لتربك السياسة الأميركية في المنطقة، وأن تتساءل الولايات المتحدة الأميركية، لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ وأن تخوض الحركات الإسلامية وبعض الحركات القومية والوطنية حرباً إعلامية لتدفع الولايات المتحدة إلى العمل الحثيث لمواجهتها بكل الوسائل؟ هذا كله باعتقادي يفيد أن هذه الحركات ربحت الحرب الإعلامية والنفسية والشعبية ضد الولايات المتحدة، أما الحرب العسكرية فهي سلاح محدد.
المعارضة العراقية وأميركا
* إذا كانت الحركة الإسلامية ما زالت حاضرة في ضمير العالم بالسلب أو الإيجاب، كيف تقرأ ما يجري على مستوى العلاقة الأميركية مع قوى المعارضة العراقية والتي تحتوي على العديد من الحركات الإسلامية؟
ـ الحركات الإسلامية في بعض فصائلها استطاعت أن تنـزل إلى مستوى الواقع السياسي، ولأول مرة في تاريخها تقوم بخلق صلات وتعاون مع كل الفصائل العلمانية، وهذا يعتبر تطوراً إيجابياً جديداً، يعبر عن تحول أساسي في طبيعة تعاطي الحركات الإسلامية مع الواقع، إن هذه الحركات تنمو تدريحياً بانفتاحها على الواقع الشعبي، وعلى دول متنوعة.
أن ما تطرحه الولايات المتحدة من صيغ سياسية وديمقراطية بديلة، وما تمارسه الأنظمة من ضغط على شعوبها، يجعل الكثير من أفراد الشعب العراقي المدمر والذي شرد في العالم، يتطلع إلى الحركة الأميركية للتخلص من النظام. أما المعارضون الذين ذهبوا إلى الولايات المتحدة، والذين التقوا في مؤتمر المعارضة العاقية في لندن، فإننا نسمع ومن خلال أكثر من تصريح صدر عن الكثير منهم من الإسلاميين "إننا لسنا مع الولايات المتحدة ولا نؤيد الحرب الأميركية على العراق، لكننا لا نستطيع أن نمنع الحرب، مع التأكيد على إن صدام حسين هو الذي جاء بالجيش الأميركي إلى العراق...".
معنى ذلك أن الذين التقوا بأميركا وعقدوا مؤتمراً أشرفت عليه الإدارة الأميركية، ليسوا مستعدين أمام شعوبهم لأن يصرحوا بأننا نتحالف مع أميركا من أجل إنقاذ العراق من نظامه. حتى كلمة "أننا نخجل من التعامل مع أميركا"، انطلقت من الأكراد وتجاوب معها البعض، ولم تنطلق من المعارضة العربية.
مشكلة المعارضة العراقية أنها ليست موحدة بالطريقة التي يمكن أن تشكل قوة ضاغطة حاسمة لتتسلم الحكم وتسيطر على الواقع، وأن تثبت للعالم قدرتها على منع أميركا أن تكون القوة القائدة للحكم. وهذا ما لاحظناه في مؤتمر لندن على مستوى تقاسم الحصص التمثيلية.
وفي الوقت الذي احترم بعض الجهات التي شاركت في مؤتمر لندن، أشك في قدرة هذا المؤتمر على أن يملأ الفراغ الذي سيحدث مع سقوط النظام العراقي. وأشك بأن تقدم الإدارة الأميركية ما يمثله مؤتمر لندن كبديل لحكم العراق، والأحداث حبلى بكثير من الاحتمالات.
الطوائف ومستقبل العراق
* نلاحظ على صعيد فصائل المعارضة العراقية، وجود انقسامات فيما بينها، على الأساس الطائفي والمذهبي والقومي والعرقي، هل تعتبر هذا مؤشراً طبيعياً لواقع الاجتماع السياسي العراقي، أم أنه جديد يحمل احتمالاته وتداعياته مستقبلاً؟
ـ أخشى أن تكون التجربة التي عاشها العراق وما أدت إليه من غبن وقع على المسلمين الشيعة في العراق، قد ثبتت في داخل نفوس الكثيرين منهم، وفي وجدانهم السياسي حالة من الإحساس بالحرمان وضرورة التخلص من هذا الواقع. وقد طرحت مشاريع عدة في إطار وعنوان "حقوق الشيعة" وتحت مبررات متنوعة.
وأخشى أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة إيجاد بعض الفتن داخل الواقع العراقي، خصوصاً وأن بقايا النظام قد تفجر المسألة الشيعية ـ السنية، كما تستوقفني الأجواء التي أثيرت في مؤتمر لندن حول حصص الشيعة والسنة، أو على مستوى التمثيل الشيعي واحتكاره كل هذا يخشى منه، والخوف أن يعيش العراق في مجازر.
الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني
* هناك سعي نحو إعادة استئناف الحوار بين حركتي "فتح" و"حماس"، ودعوات ليشمل الفصائل الفلسطينية كافة. هل تعتقد أنه بعد أكثر من عامين على الانتفاضة لا بد من إعادة النظر في الأداء السياسي لقوى الانتفاضة على مختلف انتماءاتها؟
ـ من الطبيعي لحركة بحجم الحركة الفلسطينية من خلال التحديات الدولية والإقليمية الكبرى التي تعمل على نهش القضية الفلسطينية حتى لا يبقى منها إلا مزق متناثرة، من الطبيعي إذن أن ينطلق القائمون على الانتفاضة بين مرحلة ومرحلة من أجل تقويم التجربة في سلبياتها وإيجابياتها، ومن أجل أن تخضع إدارة الصراع لمنطق ردود الفعل والثأر الذاتي، بل لا بد أن ننطلق من خلال دراسة خطة الانتفاضة، فهل هي ردة فعل على زيارة شارون المسجد الأقصى، أو غير ذلك؟ لا بد من دراسة ما حدث، والأخطاء التي وقعت. وأنا من القائلين أنه ليس علينا أن نتقدم إلى العالم وفق الصورة التي تجعله يرضى عنا، بل علينا أن نتعلم من إسرائيل حين وضعت العالم وراء ظهرها، عندما فجرت فندق الملك داوود وقتلت وسيط الأمم المتحدة برنادوت، إذ ما كان يهمها إلا الحفاظ على مصالحها.
المشكلة الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم هي أن الإدارة الأميركية تتحرك بشكل مطلق مع الخطة الإسرائيلية، وهي اليوم أجّلت كل ما يتعلق بالتسوية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية، وبالتالي إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة، أي أن إسرائيل ستستمر في بناء المستوطنات.
من جهة ثانية فقد جاء تشكيل اللجنة الرباعية تلبية لخطة أميركية إسرائيلية تستهدف احتواء روسيا وفرنسا والأمم المتحدة حتى لا تنفتح هذه القوى على القضية الفلسطينية من باب واسع.
أما الحوار بين حركتي فتح وحماس، فإذا كان حول ما ظهر في الإعلام عن حوار حول وقف العمليات الاستشهادية، فهذا عنوان خاطىء، لأن "حماس" تلغي بذلك نفسها، وكذلك "الجهاد" فضلاً عن حركة "فتح" نفسها، لأن الموضوع اليوم ليس كيف نقنع إسرائيل بأن الفلسطينيين مسالمون؟ لأن إسرائيل تعمل دوماً على الهرب من موقع إلى موقع ، في ظل تكتيك أساسي تمارسه وعنوانه: كيف يمكن أن تبرر العنف؟ وهو عنف غير مبرر. لذلك أتصور أن ما حدث من حوار ضمن العناوين التي أعلنت هو حوار من أجل الحوار، وهو أمر جيد ومفيد، ويعطي مناخاً يخفف من الاحتقان ويمنع الانفجار.
لا فائدة من لقاء "لوبان"
* رئيس الجبهة الوطنية الفرنسية (لوبان) الذي زار لبنان، قيل إنك اعتذرت عن استقباله لأسباب سياسية لها صلة بمواقفه العنصرية داخل فرنسا؟
ـ في الواقع لم يتقدم في البداية بطلب لقائي، على الرغم من أنني لا أجد مشكلة في لقاء أي شخص ولكن لا أرى فائدة من اللقاء بهذا الرجل، لأن اللقاء سوف يبقى مجرد لقاء إعلامي لا يحقق أي نتيجة، وهو يفهم وجهة نظرنا في سياسته تجاه المسلمين المهاجرين، ولا سيما المسلمين في فرنسا، والتي قد تشجع العنصرية الفرنسية في سياستها اتجاه المهاجرين، ولا سيما المسلمين ونحن لا نوافق على ذلك، ونعلم أنه مصرّ على هذا النهج، لذا لا نرى فائدة في اللقاء معه، مع التأكيد على أني لم أرفض لقاءه ولم تتهيأ الظروف لتحقيق هذا اللقاء.
* كيف تصف المناخ السياسي اللبناني؟
ـ لبنان يعيش في ظل حوار ضائع وحكومة ضائعة، وأخشى أن أقول "مصير ضائع في الوقت الضائع"!!