المجلس الانتقالي لحفظ ماء وجه العراقيين

المجلس الانتقالي لحفظ ماء وجه العراقيين

رأى السيد محمد حسين فضل الله أن «مجلس الحكم الانتقالي في العراق مجرد أطروحة لحفظ ماء الوجه للعراقيين، لكنه ليس بالحجم الذي يمنحهم الإمكانات المستقلة لتنفيذ برامجهم، كون القرار الأخير للأميركيين»، متسائلاً «هل تتوافق المصالح الوطنية العراقية مع المصالح الأميركية؟ وكيف يبحث من هو تحت الاحتلال مع المحتل المهيمن»؟ ولم يستبعد أن تكون السرعة في تشكيل هذا المجلس «حصلت تحت ضغط الأعمال الأمنية التي واجهت الأميركيين بقطع النظر عن خلفياتها».

وإذ أقرّ فضل الله بأن لديه بعض الأصدقاء في هذا المجلس ويختلف معهم في بعض مواقفهم، أكد أن موقفه يقوم على رفض أي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والإسلامية، وأن «أميركا أينما تحركت تشكل خطراً على مصالح البلد الذي تتحرك فيه، وإن قامت ببعض المشاريع الإيجابية، مثل إسقاط نظام صدام حسين».

وشدد على «أن مشكلة الشيعة في العراق لم تكن أنهم لم يحكموا، بل في أن هناك أقلية تضطهدهم ولم يأخذوا حقوقهم على أساس أنهم مواطنون متجذرون في العراق، وأن المسألة ليست مسألة الشيعة والسنة في تركيبة المجلس الانتقالي»، داعياً إلى «أن لا يخطر على بال أي شيعي القبول بحكم العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي».

وحذر من «اللعبة الإعلامية ـ السياسية الأميركية الخبيثة في العراق، والتي تتمثل بتحريك العصبيات الطائفية والمذهبية»، مستبعداً أن يعمل الشيعة لإيجاد محور صدامي للواقع الإسلامي في المنطقة الذي يغلب عليه السنة، لكن الشيعة يريدون الخلاص من الاضطهاد، سواء على مستوى الأنظمة أو الفئات المتعصبة في هذا البلد أو ذاك، وهم يطرحون منذ أكثر من قرن مسألة المساواة مع المسلمين الآخرين على أساس الحقوق والواجبات، وأن المذهبية الشيعية فكرية وليست طائفية».

ورأى أن «السلفية المغرقة في الكثير من الجمود والتخلف، حققت من خلال أحداث 11 سبتمبر مكاسب هائلة لأميركا، لو صرفت مئات مليارات الدولارات لما وصلت إليها، وهذه المسألة ليست سنية أو شيعية، بل هي موجودة في غير مكان»، متسائلاً «ماذا نسمي الأصولية المسيحية المتصهينة»؟

وشدد على «أن أميركا تعمل تحت عنوان الحرب على الإرهاب لتدمير أي قوة عربية، والنظام العربي يعيش تحت تأثير الرعب الأميركي ويضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه خريطة الطريق بالطريقة الأميركية ـ الإسرائيلية».

وتمنى فضل الله التوفيق للكويت، كأول بلد خليجي يتنفس بإعطاء الشعب حرية اختيار ممثليه، لكنه أشار إلى أن المسألة «لا تزال في بداياتها، لأن الانتخابات تمثل الوسيلة السياسية للتغيير، وهذا غير وارد في كل العالم العربي».

المأزق الأمريكي

* كيف تنظرون إلى تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في العراق؟

ـ عندما ندرس تطورات الأوضاع في العراق، من خلال مأزق الاحتلال الاميركي لهذا البلد، أياً كانت العناوين التي يسوقها إعلامه أو المتحمسون له، فإننا نجد أن الولايات المتحدة قد تنجح في احتلال بلد ما تحت ظروف داخلية أو خارجية تفتح لها الأفق بفعل القوة السياسية والعسكرية الهائلة التي تملكها، ولكنها لا تملك إدارة البلد الذي تحتلّه.

من هنا لاحظنا التخبط في المسألة الإدارية من خلال تبديل المسؤولين، من مسؤول عسكري إلى مسؤول مدني، وفي تغيير الطروحات من مجلس استشاري إلى مجلس حكم انتقالي، وما إلى ذلك، ما يوحي أن أميركا تريد أن تقدم للعراقيين شيئاً ما، من خلال الطروحات التي طرحت حول استقلال العراقيين في إدارة شؤونهم وما إلى ذلك، بحيث نهجت الخط الذي يعطي هذه الطروحات عنواناً شكلياً يوحي بأن العراقيين بدأوا يتسلمون امورهم مع عمق أميركي يؤكد أن القرار الأخير هو للإدارة الأميركية، باعتبار أن مسألة العراق منذ وضع الاستراتيجيا قبل الحرب بسنتين، هي مسألة المصالح الاميركية المتعلقة بالعراق والمنطقة، في الاستراتيجيا الأميركية الجديدة، التي تحاول أن تزحف إلى كل موقع يختزن الثروات من جهة، ويمثل الموقع الاستراتيجي الذي ينفتح على أكثر من بلد في المنطقة.

لذلك، فان المراقبة الأولى إلى هذا المجلس، توحي بأنها مجرد أطروحة يراد منها حفظ ماء الوجه للعراقيين، والإيحاء بان أميركا بدأت تسلم العراقيين أمورهم، ولكنني لا أجد المسألة بالحجم الذي يمنح العراقيين الإمكانات المستقلة في تنفيذ البرامج التي قيل إنهم يملكونها، ما دام القرار الأخير هو للأميركيين.

والسؤال: هل المصالح الوطنية العراقية تتوافق مع المصالح الاميركية؟ وهل إن حديث بعض أعضاء مجلس الحكم بان أميركا وعدتهم بأنها لن تستخدم حق الفيتو أمر جدي أم أنه يراد منه ايجاد عنوان اعلامي بانهم مستقلون في إدارة أمورهم وأنهم يبحثون مع أميركا؟ ولا ادري كيف يبحث من هو تحت الاحتلال مع المحتل المهيمن. مع ملاحظة أخرى، هي أن بعض الخطباء تحدثوا عن أن هذا المجلس هو من إفرازات الأمم المتحدة، ولا أدري ماذا تملك الأمم المتحدة من كل موقع تسيطر عليه أميركا، إلا إذا احتاجت أميركا للأمم المتحدة، كما تحتاجها لإدارة بعض الشؤون الإنسانية أو لترتيب ما لا تستطيع ترتيبه؟

* هل من رابط بين السرعة في تشكيل هذا المجلس الانتقالي وتصاعد العمليات العسكرية ضد الجنود الأميركيين؟

ـ لا يستبعد أن تكون السرعة في تشكيل المجلس حصلت تحت ضغط الأعمال الأمنية الصعبة التي واجهت الأميركيين هناك، بقطع النظر عن خلفيات هذه الأعمال الأمنية ضد الأميركيين.

المشاركة الشيعية في المجلس الانتقالي

* يقال إن السيد فضل الله ممثل في هذا المجلس من خلال «حزب الدعوة». ما هو تعليقكم على ذلك؟

ـ أعتقد أن المسألة ليست بهذا الشكل من الدقة، لكن لدي في المجلس بعض الاصدقاء الذين قد أختلف معهم في بعض مواقفهم.

 

إننا نؤمن بالصداقة القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل بيننا وبين الشعوب ولكننا نرفض أي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والاسلامية

* هل مشاركة هؤلاء كانت برضى أو إيحاء منك؟

ـ الموقف الذي أقفه دائماً في مثل هذه القضايا، هو الرفض لأي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والاسلامية. إننا نؤمن بالصداقة القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل بيننا وبين الشعوب، ولذلك فإنني أجد أن أميركا أينما تحركت تشكل خطراً على مصالح البلد الذي تتحرك فيه حتى لو أنها قامت ببعض المشاريع الإيجابية، كإسقاط نظام صدام حسين الذي عانى منه العراقيون ما عانوه، ولكنني أقول إنهم طرحوا مسألة تحرير العراق وأصبح صدام ونظامه المقبور من الماضي، والعراق ليس فقيراً في طاقاته القانونية والسياسية والأمنية وما إلى ذلك، فلماذا تصر أميركا على أن تصيغ العراق على طريقتها الخاصة، وأن تعتبر نفسها في موقع الوصاية على الشعب العراقي؟!

* يلاحظ أن في هذا المجلس غلبة شيعية على السنة؟!

ـ عندما نتحدث عن الشيعة والسنة بالمعنى المذهبي، فإننا لا نجد القضية في هذا المستوى، لأن جزءاً من الشيعة في المجلس علمانيون، قد لا يلتقون بالدين في بعده السياسي أو المذهبي بطريقة أو بأخرى، لذلك فإن المسألة في العراق ليست مثل لبنان، هي ليست مسألة طائفية بالمعنى السياسي للمسألة الطائفية.

أثير الحديث منذ الاحتلال حتى الآن عن دور الشيعة، وهم الاكثرية الغالبة في العراق، وهل يتسلمون الحكم أو لا يتسلمونه؟ ولكنني أتصور أن العنوان الكبير الذي طرحه المعارضون في غالبيتهم على الأقل، هو مسألة أن يعيش الشيعة كمواطنين إلى جانب السنة والمسيحيين وغيرهم.

لم تكن مسألة الشيعة في العراق أنهم لم يحكموا العراق، بل كانت المشكلة أن أقلية تضطهد الأكثرية، وأنهم لم يأخذوا حقوقهم على اساس انهم مواطنون متجذرون في العراق. المسألة ليست الشيعة والسنة في هذه التركيبة، لذلك نجد أن الاختيارات كانت لأطياف متعددة فيها الحزب الشيوعي والاحزاب الوطنية والإسلامية والمستقلون.

الخلفية السياسية الوجدانية الدينية لدى المسلمين الشيعة هو رفض الاحتلال أياً كان، ونحن نعرف أن الشيعة هم الذين ثاروا بقيادة علمائهم ضد الاحتلال البريطاني

الشيعة ورفض الاحتلال

* هل يمكن للشيعة أن يحكموا العراق برضى أو وصاية أميركية؟

ـ عندما ندرس تاريخ المسلمين الشيعة، وحركة هذا التاريخ، فان الخلفية السياسية الوجدانية الدينية لدى المسلمين الشيعة هو رفض الاحتلال أياً كان، ونحن نعرف أن الشيعة هم الذين ثاروا بقيادة علمائهم ضد الاحتلال البريطاني، لذلك، فإن مسألة أن يقبل الشيعة بان يحكموا العراق تحت مظلة الاحتلال الاميركي، أمر لا يخطر في بال أي شخص شيعي من الذين يعملون في القضايا العامة، لأن الشيعة يعرفون في العراق كما في أي بلد آخر، بأن مسألة السيطرة المطلقة على شعب متنوع، حتى لو كانت هناك أكثرية وأقلية، لا يمثل واقعية في النجاح والامتداد، وفي حرية حركتهم ووجودهم، إنما هو أن في داخل المجتمع العراقي، ظروفاً إقليمية عربية وغير عربية لا تجعل حتى الآن من مسألة حكم الشيعة للعراق، بهذه العنوان، أمراً واقعياً.

نعم، ربما تحدث هناك انتخابات وتتحرك المسألة العراقية على أساس حزبي أو مستقلين وينجح أكثر النواب من الشيعة. إن هذه المسألة هي مسألة ديموقراطية وليست أن مذهباً يطغى على آخر. ما دام العراقيون ينطلقون بصوت عال، سواء كانوا من الاسلاميين أو القوميين أو الشيوعيين أو المستقلين، فانهم يريدون حكماً ديموقراطياً. قد تفرض الديموقراطية صعوداً شيعياً مثلاً، كما قد تفرض في بعض الحالات بفعل الأوضاع السياسية المحيطة بالمنطقة توازناً شيعياً ـ سنياً.

إن تصوير الوضع في العراق بأن السنة هم فريق النظام البائد وأن الشيعة هم المضطهدون الذين جاءت أميركا لتحريرهم، وهم الذين يدعمون المحتل لعبة إعلامية ـ سياسية أميركية خبيثة

الفتنة الشيعية ـ السنية

* البعض يقول إن تركيب الولايات المتحدة لهذا المجلس في شكله الحالي قد يؤدي إلى فتنة شيعية ـ سنية؟

ـ أتصور أن الاميركيين منذ قبل الاحتلال، منذ بداية الحرب، كانوا يركزون على المسألة الشيعية والسنية، ويصورون المسألة في إعلامهم وتصريحات مسؤوليهم بأن السنة هم فريق النظام البائد وأن الشيعة هم المضطهدون الذين جاءت أميركا لتحريرهم، وهم الذين يدعمون المحتل، بينما السنة هم الذي يقاومونه. هذه لعبة اعلامية ـ سياسية اميركية خبيثة تحاول تجذيرها داخل المجتمع العراقي من خلال هذا النوع من تحريك العصبيات الطائفية والمذهبية، ولعلنا نتذكر أن أحد المسؤولين الأميركيين، وهو مارتن أنديك، قال: «علينا أن نستفيد من التجربة البريطانية في حكمنا للعراق، وأن نعمل على أساس فرِّق تسد»، وأنديك له دور كبير في السياسة الاميركية، ولذلك فان المسألة قد لا تخرج عن هذا الإطار، وإن كانت أميركا تحاول أن تتحدث أنها جمعت في هذا المجلس كل الأطياف الطائفية والمذهبية والحزبية.

المحور الشيعي ـ الأمريكي صعوبة في الهدف

* هناك من يتحدث عن محور اميركي ـ شيعي في المنطقة بعد فشل المشروع الاميركي ـ السني في أعقاب أحداث 11 سبتمبر؟

ـ من الصعب جداً أن يكون هناك محور شيعي أميركي كما يقولون، من إيران إلى العراق إلى سورية إلى لبنان، ويدخل في صراع سياسي ويتحرك بروح الغلبة مع المسلمين السنة، لأن المسلمين السنة عندما نفكر بعقل بارد، هم الأكثرية في العالم الإسلامي والشيعة يمثلون الأقلية العددية، ولذلك فإن من الصعب جداً، إذا أردنا أن ننظر إلى الأمور بطريقة واقعية، أن نتصور بان الشيعة يعملون لإيجاد محور صدامي للواقع الإسلامي الذي يغلب عليه السنة.

ولكن كل ما هناك، إذا حدث مثل هذا ـ ولا أظن أن هناك مشروعاً سياسياً مدروساً ومبرمجاً بين هذه المناطق التي يغلب فيها الشيعة أو يتميزون بوجود معين لإيجاد هذا المحور بالطريقة السياسية الواضحة ـ فإن القضية تكون أن الشيعة يريدون الخلاص من الاضطهاد، سواء على مستوى اضطهاد الأنظمة أو الفئات المتعصبة الموجودة في هذا البلد أو ذاك.

إن الشيعة يؤكدون في وجدانهم الإسلامي الوحدة الإسلامية، ويطرحون منذ أكثر من قرن مسألة المساواة بينهم وبين المسلمين الآخرين، على أساس الحقوق والواجبات، ونحن نعرف أن الأئمة من أهل البيت(ع)، ومنذ الإمام علي(ع)، كانوا يؤكدون على هذه المسألة التي تضع العنوان الإسلامي الكبير في الواجهة في أي تحرك ينطلقون فيه. نحن نقرأ في كلمة الإمام علي(ع): «لأسلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة»، ويقول في كتاب إلى أهل مصر وهو يتحدث بعد وفاة رسول الله عندما تسلم أبو بكر الخلافة التي يرى الإمام كما نراها نحن بأنها حقه: «فما راعني إلا انسياب الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يريدون محق دين محمد(ص)، فخشيت أن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ اعظم من فوت ولايتكم هذه، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما زال كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه».

لذلك رأينا أن الإمام علي(ع) تعاون مع الذين تقدموه بالخلافة، وكان يقدم لهم النصيحة والمشورة، وكانوا يتداولون معه في الأمور العامة للمسلمين، حتى قيل إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال: «لولا علي لهلك عمر»، كما نرى أن الإمام جعفر الصادق(ع) كان يوصي المسلمين الشيعة أن يصلُّوا في جماعة المسلمين، لم تكن لهم مساجد مميزة عن المسلمين الآخرين «صلوا جماعتهم، وعودوا مرضاهم، وشيعوا جنائزهم، حتى يقولوا رحم الله جعفر بن محمد، فلقد أدّب أصحابه».

لذلك نقول إن الشيعة يعيشون المسألة الإسلامية في كل وجدانهم الديني والمذهبي، فالمذهبية الشيعية في هذا المجال، هي مذهبية فكرية وليست مذهبية طائفية. لهذا فإن الشيعة لا يطلبون إلا أن يعيشوا في حقوقهم الإسلامية الإنسانية الوطنية مع الآخرين على أساس المواطنة التي يلتقي عليها المواطنون جميعاً.

موقف الأطياف الشيعية من المجلس

* لكن هل هذا موقف كل أطياف الشيعة؟

ـ إن هذه المسألة تندرج في إطار التنوعات الثقافية أو السياسية في أي تجمع عالمي أو إقليمي، ونحن كما نرى تنوعاً في الأطياف الشيعية، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الجهادي أو على المستويات الثقافية، نراه في السنة أيضاً، فالسنة ليسوا طائفة واحدة، وهم يختلفون في اجتهاداتهم ومذاهبهم وحتى في الخطوط السياسية التي يتحركون فيها، وليس المسيحيون بعيدين عن ذلك في هذا المجال.

غاية الأمر أن الشيعة ربما يتحركون مع تعدد المرجعيات، وهي ليست مرجعيات سياسية غالباً، بل دينية فتوائية، الا من خلال العلماء المراجع الذين ينفتحون على العالم من خلال مبادرات فكرية وذاتية، وكذلك السنة. ربما يتميز المسيحيون بوجود قيادة مسيحية شاملة للكاثوليك أو الأرثوذكس ولكن مع ذلك، عندما ننطلق إلى القاعدة المسيحية، فإننا لا نجد التفافاً مقدساً حول القيادة في هذا المجال، بل إنهم يتنوعون في المسألة السياسية، ولعلنا نلاحظ أن هناك أصواتاً في الاتحاد الأوروبي، واكد البابا ذلك في اخر تصريح له، بأن من الضروري أن يوضح نظام الاتحاد الاوروبي الجذور المسيحية في أوروبا، للتأكيد على العمق المسيحي لاوروبا، مع انها اصبحت علمانية مئة في المئة، ولعل تأخير قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي ناشئ من اسلامية تركيا، ولعل هذا ايضاً يفسر عدم الموافقة على أن تكون البوسنة والهرسك دولة مستقلة، بل أريد لها أن تكون جزءاً من اتحاد يشمل كرواتيا والصرب.

إذاً التنوع موجود لدى الجميع، ولذلك يحاول البعض أن يدخل كل هذا الوجود الاوروبي في الدائرة الدينية، ولكن من الصعب أن تصل القضية إلى نتيجة حاسمة.

أتاحت أحداث11 سبتمبر لأمريكا السيطرة على العالم الإسلامي كله، وإخضاع الكثير من الدول المعارضة لها لو صرفت مئات المليارات من الدولارات لما وصلت إليها

المحور الشيعي مقابل الأصولية السنية

* الحديث عن هذا المحور الشيعي، جاء في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، حيث برز تيار الأصولية السنية في مواجهة الأميركيين مقابل «هدوء» شيعي إذا صح التعبير؟

ـ المسألة ليست مسألة السنة في شكل عام، ولكنها مسألة السلفية المغرقة في الكثير من الجمود والتخلّف، وهي أيضاً موجودة في شكل جزئي في الوسط الشيعي، لعل هذه السلفية التي أخذت ببعض الفهم الاجتهادي للنصوص، حاولت أن تختصر الوصول إلى الأهداف من أقرب طريق، من دون أن تدرس النتائج التي قد تحدث وتنعكس سلباً على الواقع الاسلامي كله، كما جرى في أحداث 11 سبتمبر، والتي ربحت فيها أميركا مكاسب هائلة لو صرفت مئات المليارات من الدولارات لما وصلت إليها، حيث إن أحداث11 سبتمبر أتاحت لها السيطرة على العالم الإسلامي كله، وإخضاع الكثير من الدول المعارضة لها في أكثر من جانب مثل أوروبا وروسيا وغيرهما، للسير في هذا الاتجاه تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب.

الواقع أن المسألة ليست سنية، إذ إن الكثير من السنة كانوا لا يوافقون على مثل هذه الأهداف، هذه الأصولية التي تأخذ العنف كأقرب وسيلة للتغيير، ليست مقتصرة على المسلمين السنة أو الشيعة، بل موجودة في غير مكان، ماذا نسمي الأصولية المسيحية المتصهينة، أو الذين يسمّون المحافظون الجدد؟ ماذا نسمي الأصولية اليهودية التي تحاول أن تقتل وتغتال وتدمر؟

لاحظنا مثلاً أن الإعلام الأميركي ذكر أن لليهود دورا في أحداث 11 سبتمبر، ولكن ذلك طوي بقدرة قادر، لأنهم لا يريدون أن يضعوا اليهود في الواجهة، باعتبار أن السياسة الاميركية كانت تريد أن تحمِّل المسلمين المسؤولية، حتى تستطيع ان تنفذ إلى عمق العالم الاسلامي.

لذلك فإن الأحكام الشمولية التي استهلكناها في الشرق بفعل الدعاية الغربية خطأ فادح، نحن نعرف أن المجتمعات، سواء كانت دينية أو عرقية، تتنوع في فهمها لوسائل المواجهة للمحتل أو للطاغية أو للظالم.

موقف المراجع: المقاومة أم التعاون؟

* الملاحظ أن ليس من المراجع الشيعية من أصدر فتوى بمقاومة الأميركيين في العراق، لا بل إنكم أجزتم إمكان التعاون معهم في الاطار الانمائي؟

ـ كلا، أنا أساساً منذ البداية أصدرت الفتوى المعروفة، وكانت الأولى، وتقول إنه لا يجوز مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية والامنية، وعندما حدث الاحتلال أصدرت فتوى أخرى بأنه لا يجوز الدخول في اي مشروع أميركي سياسي يعطي الاحتلال شرعية، ولكني قلت إنه اذا لم يكن هناك اي فرصة للعراقيين لممارسة أمورهم الخدماتية التي تبقي على حياتهم الا بالتعاون مع قوات الاحتلال، يعتبر ذلك كضرورة للناس في الامور المدنية الخاصة التي لا تحمل مشروعاً سياسياً، وكنت أول من صرح بذلك في هذا المجال.

العراق دولة غنية بالثروات الطبيعية، وبالطاقات الكبيرة ولعلها تنافس اليهود حتى في المسائل العلمية المتقدمة، لذلك، فإن مسألة الحرب على العراق تدخل في الاستراتيجيا الاميركية القائمة على الدفاع عن الامن الاسرائيلي المطلق

العلاقة بين ما حدث في العراق والقضية الفلسطينية

* تركز منذ فترة في خطب الجمعة والندوات على الربط بين ما جرى في العراق وما يجري في فلسطين، فضلاً عن تخلي العرب والمسلمين عن القضية الفلسطينية...

ـ إنني أنطلق في هذا الموضوع من دراسة عميقة وواسعة وميدانية، ففي الجواب على السؤال الأول حول ارتباط القضية العراقية بالقضية الفلسطينية في إطار دعم المسألة الاسرائيلية، فإننا سمعنا من مسؤولين صهاينة وأميركيين على أعلى المستويات، بأن الحرب على العراق واحتلاله قد أنقذ إسرائيل من قوة كبيرة كانت تمثل خطراً عليها بقطع النظر عن النظام الذي يحكمها، لأن العراق دولة غنية بالثروات الطبيعية، وتمثل طاقات كبيرة لعلها تنافس اليهود حتى في المسائل العلمية المتقدمة، والمعروف أن العراق يتميز بتقدم علمي قد لا يكون موجوداً في البلدان العربية الأخرى. لذلك، فإن مسألة الحرب على العراق تدخل في الاستراتيجيا الاميركية القائمة على الدفاع عن الامن الاسرائيلي المطلق، ولا سيما في ما يتصل بموقع إسرائيل في المنطقة، والتي يراد لها أن تكون آمنة قوية من خلال قوتها وإضعاف أي قوة في المنطقة.

ونحن نعرف أن تأكيد أميركا على اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان منظمة إرهابية، وكذلك الفصائل الفلسطينية الجهادية وفي مقدمها «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«كتائب الأقصى»، ليس الا من جهة انها تمثل موقع قوة يمكن أن يقوي العالم العربي والاسلامي في المستقبل، ولذلك تعمل أميركا تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب على تدمير أي قوة عربية. وهذا ما لاحظناه عندما تحدثوا عن إنشاء جيش عراقي من 20 الفاً، لا ندري كيف يمكن لهؤلاء العشرين الفاً أن يمثلوا قوة للعراق القوي الذي يستطيع أن يدافع عن نفسه، يريدون جيشاً عراقياً يكون شرطة حدود وشرطة داخلية.

أما الجانب الثاني، فان النظام العربي، في شكل عام، وقع تحت تأثير الرعب الاميركي، بحيث إننا عندما نتابع كل المؤتمرات الرسمية العربية وحتى الإسلامية، سواء مؤتمرات القمة أو مؤتمرات وزراء الخارجية، فإننا نرى أن هناك وسواساً خناساً أميركياً ـ يختفي وراء الكواليس ليمنع العرب من أن يتخذوا قرارات حاسمة، وهذا ما لاحظناه في أن النظام العربي اصبح يزايد على أميركا في مسألة الحرب ضد الإرهاب، وأصبح يعتبر الحرب ضد الارهاب سيفاً مسلطاً على كل المعارضين في الداخل.

وهكذا رأينا كيف أن العرب، ومعهم السلطة الفلسطينية سلموا من دون قيد أو شرط بخريطة الطريق التي لم تقتنع بها إسرائيل، لا من جهة أنها لا تتناسب مع مطامعها ولكن لأنها تريد أكثر من ذلك. في المقابل، نلاحظ أن العرب لم يناقشوا خريطة الطريق، وكذلك السلطة الفلسطينية، ولذلك رأينا في قمتي شرم الشيخ والعقبة تنازلات غير معقولة مع بعض المساحيق التجميلية الكلامية التي تحاول أن تحفظ ماء الوجه.

* البعض يقول نقبل ما يقبله الفلسطينيون...

ـ المسألة هي أن الهيمنة الاميركية الساحقة والتهديد الاميركي لكل الانظمة العربية واتهام النخب القومية العربية أو الاسلامية أو ما شابه ذلك بأنها غير واقعية، هي التي جعلت هذا الواقع النفسي العربي، سواء على مستوى الاحزاب أو الانظمة، يعيش تحت طائلة العجز والفشل، حتى إننا نلاحظ في هذا المجال انهم لم يكتفوا بالقول باننا نقبل ما يقبل به الفلسطينيون، ولكنهم اصبحوا يضغطون على الفلسطينيين الذين يمارسون مواجهة الاحتلال من اجل أن يقبلوا ما تطرحه خريطة الطريق بالطريقة الاميركية ـ الاسرائيلية من دون قيد أو شرط، لأن المسألة «البحر وراءكم وخريطة الطريق امامكم».

الانتخابات الكويتية

* كيف قرأت انتخابات مجلس الأمة التي حصلت أخيراً في الكويت؟

ـ نحن في الواقع نتمنى للكويت التوفيق كأول بلد خليجي يتنفس بإعطاء الشعب حرية في اختيار ممثليه، لكني أتصور أن هذه المسألة لا تزال في بداياتها الأولى، لأن التعقيدات الموجودة هناك، كما في أكثر الدول الخليجية، وربما في أكثر الدول العربية الأخرى، تمنع الشعب من أن يمارس حرية اتخاذ قراره بالطريقة التي يستطيع فيها الضغط على الحكومة، لأن هناك عرفاً معيناً ومقدسات معينة في هذا المجال.

لذلك فإن المسألة ليست الأطياف التي تتمثل في هذا المجلس، ولكن المسألة هل يملك هذا المجلس الحرية في التغيير، أو أن المسألة عندنا في العالم العربي الذي يعطي بعض الديموقراطية، هو أننا نملك حرية الكلام ولكن لا نملك حرية التغيير؟.

* لكن الانتخابات من أهم أشكال الديموقراطية التي تؤدي إلى التغيير؟

ـ لكن الديمقراطية لا تكتفي بالانتخابات، بل إن الانتخابات تمثل الوسيلة السياسية للتغيير، وهذا أمر غير وارد في كل العالم العربي.

نشرت في صحيفة «الرأي العام» الكويتية بتاريخ   21/ج1/1424هـ
الموافق في 21 تموز - يوليو 2003

رأى السيد محمد حسين فضل الله أن «مجلس الحكم الانتقالي في العراق مجرد أطروحة لحفظ ماء الوجه للعراقيين، لكنه ليس بالحجم الذي يمنحهم الإمكانات المستقلة لتنفيذ برامجهم، كون القرار الأخير للأميركيين»، متسائلاً «هل تتوافق المصالح الوطنية العراقية مع المصالح الأميركية؟ وكيف يبحث من هو تحت الاحتلال مع المحتل المهيمن»؟ ولم يستبعد أن تكون السرعة في تشكيل هذا المجلس «حصلت تحت ضغط الأعمال الأمنية التي واجهت الأميركيين بقطع النظر عن خلفياتها».

وإذ أقرّ فضل الله بأن لديه بعض الأصدقاء في هذا المجلس ويختلف معهم في بعض مواقفهم، أكد أن موقفه يقوم على رفض أي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والإسلامية، وأن «أميركا أينما تحركت تشكل خطراً على مصالح البلد الذي تتحرك فيه، وإن قامت ببعض المشاريع الإيجابية، مثل إسقاط نظام صدام حسين».

وشدد على «أن مشكلة الشيعة في العراق لم تكن أنهم لم يحكموا، بل في أن هناك أقلية تضطهدهم ولم يأخذوا حقوقهم على أساس أنهم مواطنون متجذرون في العراق، وأن المسألة ليست مسألة الشيعة والسنة في تركيبة المجلس الانتقالي»، داعياً إلى «أن لا يخطر على بال أي شيعي القبول بحكم العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي».

وحذر من «اللعبة الإعلامية ـ السياسية الأميركية الخبيثة في العراق، والتي تتمثل بتحريك العصبيات الطائفية والمذهبية»، مستبعداً أن يعمل الشيعة لإيجاد محور صدامي للواقع الإسلامي في المنطقة الذي يغلب عليه السنة، لكن الشيعة يريدون الخلاص من الاضطهاد، سواء على مستوى الأنظمة أو الفئات المتعصبة في هذا البلد أو ذاك، وهم يطرحون منذ أكثر من قرن مسألة المساواة مع المسلمين الآخرين على أساس الحقوق والواجبات، وأن المذهبية الشيعية فكرية وليست طائفية».

ورأى أن «السلفية المغرقة في الكثير من الجمود والتخلف، حققت من خلال أحداث 11 سبتمبر مكاسب هائلة لأميركا، لو صرفت مئات مليارات الدولارات لما وصلت إليها، وهذه المسألة ليست سنية أو شيعية، بل هي موجودة في غير مكان»، متسائلاً «ماذا نسمي الأصولية المسيحية المتصهينة»؟

وشدد على «أن أميركا تعمل تحت عنوان الحرب على الإرهاب لتدمير أي قوة عربية، والنظام العربي يعيش تحت تأثير الرعب الأميركي ويضغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه خريطة الطريق بالطريقة الأميركية ـ الإسرائيلية».

وتمنى فضل الله التوفيق للكويت، كأول بلد خليجي يتنفس بإعطاء الشعب حرية اختيار ممثليه، لكنه أشار إلى أن المسألة «لا تزال في بداياتها، لأن الانتخابات تمثل الوسيلة السياسية للتغيير، وهذا غير وارد في كل العالم العربي».

المأزق الأمريكي

* كيف تنظرون إلى تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في العراق؟

ـ عندما ندرس تطورات الأوضاع في العراق، من خلال مأزق الاحتلال الاميركي لهذا البلد، أياً كانت العناوين التي يسوقها إعلامه أو المتحمسون له، فإننا نجد أن الولايات المتحدة قد تنجح في احتلال بلد ما تحت ظروف داخلية أو خارجية تفتح لها الأفق بفعل القوة السياسية والعسكرية الهائلة التي تملكها، ولكنها لا تملك إدارة البلد الذي تحتلّه.

من هنا لاحظنا التخبط في المسألة الإدارية من خلال تبديل المسؤولين، من مسؤول عسكري إلى مسؤول مدني، وفي تغيير الطروحات من مجلس استشاري إلى مجلس حكم انتقالي، وما إلى ذلك، ما يوحي أن أميركا تريد أن تقدم للعراقيين شيئاً ما، من خلال الطروحات التي طرحت حول استقلال العراقيين في إدارة شؤونهم وما إلى ذلك، بحيث نهجت الخط الذي يعطي هذه الطروحات عنواناً شكلياً يوحي بأن العراقيين بدأوا يتسلمون امورهم مع عمق أميركي يؤكد أن القرار الأخير هو للإدارة الأميركية، باعتبار أن مسألة العراق منذ وضع الاستراتيجيا قبل الحرب بسنتين، هي مسألة المصالح الاميركية المتعلقة بالعراق والمنطقة، في الاستراتيجيا الأميركية الجديدة، التي تحاول أن تزحف إلى كل موقع يختزن الثروات من جهة، ويمثل الموقع الاستراتيجي الذي ينفتح على أكثر من بلد في المنطقة.

لذلك، فان المراقبة الأولى إلى هذا المجلس، توحي بأنها مجرد أطروحة يراد منها حفظ ماء الوجه للعراقيين، والإيحاء بان أميركا بدأت تسلم العراقيين أمورهم، ولكنني لا أجد المسألة بالحجم الذي يمنح العراقيين الإمكانات المستقلة في تنفيذ البرامج التي قيل إنهم يملكونها، ما دام القرار الأخير هو للأميركيين.

والسؤال: هل المصالح الوطنية العراقية تتوافق مع المصالح الاميركية؟ وهل إن حديث بعض أعضاء مجلس الحكم بان أميركا وعدتهم بأنها لن تستخدم حق الفيتو أمر جدي أم أنه يراد منه ايجاد عنوان اعلامي بانهم مستقلون في إدارة أمورهم وأنهم يبحثون مع أميركا؟ ولا ادري كيف يبحث من هو تحت الاحتلال مع المحتل المهيمن. مع ملاحظة أخرى، هي أن بعض الخطباء تحدثوا عن أن هذا المجلس هو من إفرازات الأمم المتحدة، ولا أدري ماذا تملك الأمم المتحدة من كل موقع تسيطر عليه أميركا، إلا إذا احتاجت أميركا للأمم المتحدة، كما تحتاجها لإدارة بعض الشؤون الإنسانية أو لترتيب ما لا تستطيع ترتيبه؟

* هل من رابط بين السرعة في تشكيل هذا المجلس الانتقالي وتصاعد العمليات العسكرية ضد الجنود الأميركيين؟

ـ لا يستبعد أن تكون السرعة في تشكيل المجلس حصلت تحت ضغط الأعمال الأمنية الصعبة التي واجهت الأميركيين هناك، بقطع النظر عن خلفيات هذه الأعمال الأمنية ضد الأميركيين.

المشاركة الشيعية في المجلس الانتقالي

* يقال إن السيد فضل الله ممثل في هذا المجلس من خلال «حزب الدعوة». ما هو تعليقكم على ذلك؟

ـ أعتقد أن المسألة ليست بهذا الشكل من الدقة، لكن لدي في المجلس بعض الاصدقاء الذين قد أختلف معهم في بعض مواقفهم.

 

إننا نؤمن بالصداقة القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل بيننا وبين الشعوب ولكننا نرفض أي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والاسلامية

* هل مشاركة هؤلاء كانت برضى أو إيحاء منك؟

ـ الموقف الذي أقفه دائماً في مثل هذه القضايا، هو الرفض لأي تدخل أميركي أو بريطاني في شؤون البلاد العربية والاسلامية. إننا نؤمن بالصداقة القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل بيننا وبين الشعوب، ولذلك فإنني أجد أن أميركا أينما تحركت تشكل خطراً على مصالح البلد الذي تتحرك فيه حتى لو أنها قامت ببعض المشاريع الإيجابية، كإسقاط نظام صدام حسين الذي عانى منه العراقيون ما عانوه، ولكنني أقول إنهم طرحوا مسألة تحرير العراق وأصبح صدام ونظامه المقبور من الماضي، والعراق ليس فقيراً في طاقاته القانونية والسياسية والأمنية وما إلى ذلك، فلماذا تصر أميركا على أن تصيغ العراق على طريقتها الخاصة، وأن تعتبر نفسها في موقع الوصاية على الشعب العراقي؟!

* يلاحظ أن في هذا المجلس غلبة شيعية على السنة؟!

ـ عندما نتحدث عن الشيعة والسنة بالمعنى المذهبي، فإننا لا نجد القضية في هذا المستوى، لأن جزءاً من الشيعة في المجلس علمانيون، قد لا يلتقون بالدين في بعده السياسي أو المذهبي بطريقة أو بأخرى، لذلك فإن المسألة في العراق ليست مثل لبنان، هي ليست مسألة طائفية بالمعنى السياسي للمسألة الطائفية.

أثير الحديث منذ الاحتلال حتى الآن عن دور الشيعة، وهم الاكثرية الغالبة في العراق، وهل يتسلمون الحكم أو لا يتسلمونه؟ ولكنني أتصور أن العنوان الكبير الذي طرحه المعارضون في غالبيتهم على الأقل، هو مسألة أن يعيش الشيعة كمواطنين إلى جانب السنة والمسيحيين وغيرهم.

لم تكن مسألة الشيعة في العراق أنهم لم يحكموا العراق، بل كانت المشكلة أن أقلية تضطهد الأكثرية، وأنهم لم يأخذوا حقوقهم على اساس انهم مواطنون متجذرون في العراق. المسألة ليست الشيعة والسنة في هذه التركيبة، لذلك نجد أن الاختيارات كانت لأطياف متعددة فيها الحزب الشيوعي والاحزاب الوطنية والإسلامية والمستقلون.

الخلفية السياسية الوجدانية الدينية لدى المسلمين الشيعة هو رفض الاحتلال أياً كان، ونحن نعرف أن الشيعة هم الذين ثاروا بقيادة علمائهم ضد الاحتلال البريطاني

الشيعة ورفض الاحتلال

* هل يمكن للشيعة أن يحكموا العراق برضى أو وصاية أميركية؟

ـ عندما ندرس تاريخ المسلمين الشيعة، وحركة هذا التاريخ، فان الخلفية السياسية الوجدانية الدينية لدى المسلمين الشيعة هو رفض الاحتلال أياً كان، ونحن نعرف أن الشيعة هم الذين ثاروا بقيادة علمائهم ضد الاحتلال البريطاني، لذلك، فإن مسألة أن يقبل الشيعة بان يحكموا العراق تحت مظلة الاحتلال الاميركي، أمر لا يخطر في بال أي شخص شيعي من الذين يعملون في القضايا العامة، لأن الشيعة يعرفون في العراق كما في أي بلد آخر، بأن مسألة السيطرة المطلقة على شعب متنوع، حتى لو كانت هناك أكثرية وأقلية، لا يمثل واقعية في النجاح والامتداد، وفي حرية حركتهم ووجودهم، إنما هو أن في داخل المجتمع العراقي، ظروفاً إقليمية عربية وغير عربية لا تجعل حتى الآن من مسألة حكم الشيعة للعراق، بهذه العنوان، أمراً واقعياً.

نعم، ربما تحدث هناك انتخابات وتتحرك المسألة العراقية على أساس حزبي أو مستقلين وينجح أكثر النواب من الشيعة. إن هذه المسألة هي مسألة ديموقراطية وليست أن مذهباً يطغى على آخر. ما دام العراقيون ينطلقون بصوت عال، سواء كانوا من الاسلاميين أو القوميين أو الشيوعيين أو المستقلين، فانهم يريدون حكماً ديموقراطياً. قد تفرض الديموقراطية صعوداً شيعياً مثلاً، كما قد تفرض في بعض الحالات بفعل الأوضاع السياسية المحيطة بالمنطقة توازناً شيعياً ـ سنياً.

إن تصوير الوضع في العراق بأن السنة هم فريق النظام البائد وأن الشيعة هم المضطهدون الذين جاءت أميركا لتحريرهم، وهم الذين يدعمون المحتل لعبة إعلامية ـ سياسية أميركية خبيثة

الفتنة الشيعية ـ السنية

* البعض يقول إن تركيب الولايات المتحدة لهذا المجلس في شكله الحالي قد يؤدي إلى فتنة شيعية ـ سنية؟

ـ أتصور أن الاميركيين منذ قبل الاحتلال، منذ بداية الحرب، كانوا يركزون على المسألة الشيعية والسنية، ويصورون المسألة في إعلامهم وتصريحات مسؤوليهم بأن السنة هم فريق النظام البائد وأن الشيعة هم المضطهدون الذين جاءت أميركا لتحريرهم، وهم الذين يدعمون المحتل، بينما السنة هم الذي يقاومونه. هذه لعبة اعلامية ـ سياسية اميركية خبيثة تحاول تجذيرها داخل المجتمع العراقي من خلال هذا النوع من تحريك العصبيات الطائفية والمذهبية، ولعلنا نتذكر أن أحد المسؤولين الأميركيين، وهو مارتن أنديك، قال: «علينا أن نستفيد من التجربة البريطانية في حكمنا للعراق، وأن نعمل على أساس فرِّق تسد»، وأنديك له دور كبير في السياسة الاميركية، ولذلك فان المسألة قد لا تخرج عن هذا الإطار، وإن كانت أميركا تحاول أن تتحدث أنها جمعت في هذا المجلس كل الأطياف الطائفية والمذهبية والحزبية.

المحور الشيعي ـ الأمريكي صعوبة في الهدف

* هناك من يتحدث عن محور اميركي ـ شيعي في المنطقة بعد فشل المشروع الاميركي ـ السني في أعقاب أحداث 11 سبتمبر؟

ـ من الصعب جداً أن يكون هناك محور شيعي أميركي كما يقولون، من إيران إلى العراق إلى سورية إلى لبنان، ويدخل في صراع سياسي ويتحرك بروح الغلبة مع المسلمين السنة، لأن المسلمين السنة عندما نفكر بعقل بارد، هم الأكثرية في العالم الإسلامي والشيعة يمثلون الأقلية العددية، ولذلك فإن من الصعب جداً، إذا أردنا أن ننظر إلى الأمور بطريقة واقعية، أن نتصور بان الشيعة يعملون لإيجاد محور صدامي للواقع الإسلامي الذي يغلب عليه السنة.

ولكن كل ما هناك، إذا حدث مثل هذا ـ ولا أظن أن هناك مشروعاً سياسياً مدروساً ومبرمجاً بين هذه المناطق التي يغلب فيها الشيعة أو يتميزون بوجود معين لإيجاد هذا المحور بالطريقة السياسية الواضحة ـ فإن القضية تكون أن الشيعة يريدون الخلاص من الاضطهاد، سواء على مستوى اضطهاد الأنظمة أو الفئات المتعصبة الموجودة في هذا البلد أو ذاك.

إن الشيعة يؤكدون في وجدانهم الإسلامي الوحدة الإسلامية، ويطرحون منذ أكثر من قرن مسألة المساواة بينهم وبين المسلمين الآخرين، على أساس الحقوق والواجبات، ونحن نعرف أن الأئمة من أهل البيت(ع)، ومنذ الإمام علي(ع)، كانوا يؤكدون على هذه المسألة التي تضع العنوان الإسلامي الكبير في الواجهة في أي تحرك ينطلقون فيه. نحن نقرأ في كلمة الإمام علي(ع): «لأسلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة»، ويقول في كتاب إلى أهل مصر وهو يتحدث بعد وفاة رسول الله عندما تسلم أبو بكر الخلافة التي يرى الإمام كما نراها نحن بأنها حقه: «فما راعني إلا انسياب الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يريدون محق دين محمد(ص)، فخشيت أن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ اعظم من فوت ولايتكم هذه، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما زال كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه».

لذلك رأينا أن الإمام علي(ع) تعاون مع الذين تقدموه بالخلافة، وكان يقدم لهم النصيحة والمشورة، وكانوا يتداولون معه في الأمور العامة للمسلمين، حتى قيل إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال: «لولا علي لهلك عمر»، كما نرى أن الإمام جعفر الصادق(ع) كان يوصي المسلمين الشيعة أن يصلُّوا في جماعة المسلمين، لم تكن لهم مساجد مميزة عن المسلمين الآخرين «صلوا جماعتهم، وعودوا مرضاهم، وشيعوا جنائزهم، حتى يقولوا رحم الله جعفر بن محمد، فلقد أدّب أصحابه».

لذلك نقول إن الشيعة يعيشون المسألة الإسلامية في كل وجدانهم الديني والمذهبي، فالمذهبية الشيعية في هذا المجال، هي مذهبية فكرية وليست مذهبية طائفية. لهذا فإن الشيعة لا يطلبون إلا أن يعيشوا في حقوقهم الإسلامية الإنسانية الوطنية مع الآخرين على أساس المواطنة التي يلتقي عليها المواطنون جميعاً.

موقف الأطياف الشيعية من المجلس

* لكن هل هذا موقف كل أطياف الشيعة؟

ـ إن هذه المسألة تندرج في إطار التنوعات الثقافية أو السياسية في أي تجمع عالمي أو إقليمي، ونحن كما نرى تنوعاً في الأطياف الشيعية، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الجهادي أو على المستويات الثقافية، نراه في السنة أيضاً، فالسنة ليسوا طائفة واحدة، وهم يختلفون في اجتهاداتهم ومذاهبهم وحتى في الخطوط السياسية التي يتحركون فيها، وليس المسيحيون بعيدين عن ذلك في هذا المجال.

غاية الأمر أن الشيعة ربما يتحركون مع تعدد المرجعيات، وهي ليست مرجعيات سياسية غالباً، بل دينية فتوائية، الا من خلال العلماء المراجع الذين ينفتحون على العالم من خلال مبادرات فكرية وذاتية، وكذلك السنة. ربما يتميز المسيحيون بوجود قيادة مسيحية شاملة للكاثوليك أو الأرثوذكس ولكن مع ذلك، عندما ننطلق إلى القاعدة المسيحية، فإننا لا نجد التفافاً مقدساً حول القيادة في هذا المجال، بل إنهم يتنوعون في المسألة السياسية، ولعلنا نلاحظ أن هناك أصواتاً في الاتحاد الأوروبي، واكد البابا ذلك في اخر تصريح له، بأن من الضروري أن يوضح نظام الاتحاد الاوروبي الجذور المسيحية في أوروبا، للتأكيد على العمق المسيحي لاوروبا، مع انها اصبحت علمانية مئة في المئة، ولعل تأخير قبول تركيا في الاتحاد الاوروبي ناشئ من اسلامية تركيا، ولعل هذا ايضاً يفسر عدم الموافقة على أن تكون البوسنة والهرسك دولة مستقلة، بل أريد لها أن تكون جزءاً من اتحاد يشمل كرواتيا والصرب.

إذاً التنوع موجود لدى الجميع، ولذلك يحاول البعض أن يدخل كل هذا الوجود الاوروبي في الدائرة الدينية، ولكن من الصعب أن تصل القضية إلى نتيجة حاسمة.

أتاحت أحداث11 سبتمبر لأمريكا السيطرة على العالم الإسلامي كله، وإخضاع الكثير من الدول المعارضة لها لو صرفت مئات المليارات من الدولارات لما وصلت إليها

المحور الشيعي مقابل الأصولية السنية

* الحديث عن هذا المحور الشيعي، جاء في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، حيث برز تيار الأصولية السنية في مواجهة الأميركيين مقابل «هدوء» شيعي إذا صح التعبير؟

ـ المسألة ليست مسألة السنة في شكل عام، ولكنها مسألة السلفية المغرقة في الكثير من الجمود والتخلّف، وهي أيضاً موجودة في شكل جزئي في الوسط الشيعي، لعل هذه السلفية التي أخذت ببعض الفهم الاجتهادي للنصوص، حاولت أن تختصر الوصول إلى الأهداف من أقرب طريق، من دون أن تدرس النتائج التي قد تحدث وتنعكس سلباً على الواقع الاسلامي كله، كما جرى في أحداث 11 سبتمبر، والتي ربحت فيها أميركا مكاسب هائلة لو صرفت مئات المليارات من الدولارات لما وصلت إليها، حيث إن أحداث11 سبتمبر أتاحت لها السيطرة على العالم الإسلامي كله، وإخضاع الكثير من الدول المعارضة لها في أكثر من جانب مثل أوروبا وروسيا وغيرهما، للسير في هذا الاتجاه تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب.

الواقع أن المسألة ليست سنية، إذ إن الكثير من السنة كانوا لا يوافقون على مثل هذه الأهداف، هذه الأصولية التي تأخذ العنف كأقرب وسيلة للتغيير، ليست مقتصرة على المسلمين السنة أو الشيعة، بل موجودة في غير مكان، ماذا نسمي الأصولية المسيحية المتصهينة، أو الذين يسمّون المحافظون الجدد؟ ماذا نسمي الأصولية اليهودية التي تحاول أن تقتل وتغتال وتدمر؟

لاحظنا مثلاً أن الإعلام الأميركي ذكر أن لليهود دورا في أحداث 11 سبتمبر، ولكن ذلك طوي بقدرة قادر، لأنهم لا يريدون أن يضعوا اليهود في الواجهة، باعتبار أن السياسة الاميركية كانت تريد أن تحمِّل المسلمين المسؤولية، حتى تستطيع ان تنفذ إلى عمق العالم الاسلامي.

لذلك فإن الأحكام الشمولية التي استهلكناها في الشرق بفعل الدعاية الغربية خطأ فادح، نحن نعرف أن المجتمعات، سواء كانت دينية أو عرقية، تتنوع في فهمها لوسائل المواجهة للمحتل أو للطاغية أو للظالم.

موقف المراجع: المقاومة أم التعاون؟

* الملاحظ أن ليس من المراجع الشيعية من أصدر فتوى بمقاومة الأميركيين في العراق، لا بل إنكم أجزتم إمكان التعاون معهم في الاطار الانمائي؟

ـ كلا، أنا أساساً منذ البداية أصدرت الفتوى المعروفة، وكانت الأولى، وتقول إنه لا يجوز مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي والسيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية والامنية، وعندما حدث الاحتلال أصدرت فتوى أخرى بأنه لا يجوز الدخول في اي مشروع أميركي سياسي يعطي الاحتلال شرعية، ولكني قلت إنه اذا لم يكن هناك اي فرصة للعراقيين لممارسة أمورهم الخدماتية التي تبقي على حياتهم الا بالتعاون مع قوات الاحتلال، يعتبر ذلك كضرورة للناس في الامور المدنية الخاصة التي لا تحمل مشروعاً سياسياً، وكنت أول من صرح بذلك في هذا المجال.

العراق دولة غنية بالثروات الطبيعية، وبالطاقات الكبيرة ولعلها تنافس اليهود حتى في المسائل العلمية المتقدمة، لذلك، فإن مسألة الحرب على العراق تدخل في الاستراتيجيا الاميركية القائمة على الدفاع عن الامن الاسرائيلي المطلق

العلاقة بين ما حدث في العراق والقضية الفلسطينية

* تركز منذ فترة في خطب الجمعة والندوات على الربط بين ما جرى في العراق وما يجري في فلسطين، فضلاً عن تخلي العرب والمسلمين عن القضية الفلسطينية...

ـ إنني أنطلق في هذا الموضوع من دراسة عميقة وواسعة وميدانية، ففي الجواب على السؤال الأول حول ارتباط القضية العراقية بالقضية الفلسطينية في إطار دعم المسألة الاسرائيلية، فإننا سمعنا من مسؤولين صهاينة وأميركيين على أعلى المستويات، بأن الحرب على العراق واحتلاله قد أنقذ إسرائيل من قوة كبيرة كانت تمثل خطراً عليها بقطع النظر عن النظام الذي يحكمها، لأن العراق دولة غنية بالثروات الطبيعية، وتمثل طاقات كبيرة لعلها تنافس اليهود حتى في المسائل العلمية المتقدمة، والمعروف أن العراق يتميز بتقدم علمي قد لا يكون موجوداً في البلدان العربية الأخرى. لذلك، فإن مسألة الحرب على العراق تدخل في الاستراتيجيا الاميركية القائمة على الدفاع عن الامن الاسرائيلي المطلق، ولا سيما في ما يتصل بموقع إسرائيل في المنطقة، والتي يراد لها أن تكون آمنة قوية من خلال قوتها وإضعاف أي قوة في المنطقة.

ونحن نعرف أن تأكيد أميركا على اعتبار المقاومة الإسلامية في لبنان منظمة إرهابية، وكذلك الفصائل الفلسطينية الجهادية وفي مقدمها «حماس» و«الجهاد الاسلامي» و«كتائب الأقصى»، ليس الا من جهة انها تمثل موقع قوة يمكن أن يقوي العالم العربي والاسلامي في المستقبل، ولذلك تعمل أميركا تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب على تدمير أي قوة عربية. وهذا ما لاحظناه عندما تحدثوا عن إنشاء جيش عراقي من 20 الفاً، لا ندري كيف يمكن لهؤلاء العشرين الفاً أن يمثلوا قوة للعراق القوي الذي يستطيع أن يدافع عن نفسه، يريدون جيشاً عراقياً يكون شرطة حدود وشرطة داخلية.

أما الجانب الثاني، فان النظام العربي، في شكل عام، وقع تحت تأثير الرعب الاميركي، بحيث إننا عندما نتابع كل المؤتمرات الرسمية العربية وحتى الإسلامية، سواء مؤتمرات القمة أو مؤتمرات وزراء الخارجية، فإننا نرى أن هناك وسواساً خناساً أميركياً ـ يختفي وراء الكواليس ليمنع العرب من أن يتخذوا قرارات حاسمة، وهذا ما لاحظناه في أن النظام العربي اصبح يزايد على أميركا في مسألة الحرب ضد الإرهاب، وأصبح يعتبر الحرب ضد الارهاب سيفاً مسلطاً على كل المعارضين في الداخل.

وهكذا رأينا كيف أن العرب، ومعهم السلطة الفلسطينية سلموا من دون قيد أو شرط بخريطة الطريق التي لم تقتنع بها إسرائيل، لا من جهة أنها لا تتناسب مع مطامعها ولكن لأنها تريد أكثر من ذلك. في المقابل، نلاحظ أن العرب لم يناقشوا خريطة الطريق، وكذلك السلطة الفلسطينية، ولذلك رأينا في قمتي شرم الشيخ والعقبة تنازلات غير معقولة مع بعض المساحيق التجميلية الكلامية التي تحاول أن تحفظ ماء الوجه.

* البعض يقول نقبل ما يقبله الفلسطينيون...

ـ المسألة هي أن الهيمنة الاميركية الساحقة والتهديد الاميركي لكل الانظمة العربية واتهام النخب القومية العربية أو الاسلامية أو ما شابه ذلك بأنها غير واقعية، هي التي جعلت هذا الواقع النفسي العربي، سواء على مستوى الاحزاب أو الانظمة، يعيش تحت طائلة العجز والفشل، حتى إننا نلاحظ في هذا المجال انهم لم يكتفوا بالقول باننا نقبل ما يقبل به الفلسطينيون، ولكنهم اصبحوا يضغطون على الفلسطينيين الذين يمارسون مواجهة الاحتلال من اجل أن يقبلوا ما تطرحه خريطة الطريق بالطريقة الاميركية ـ الاسرائيلية من دون قيد أو شرط، لأن المسألة «البحر وراءكم وخريطة الطريق امامكم».

الانتخابات الكويتية

* كيف قرأت انتخابات مجلس الأمة التي حصلت أخيراً في الكويت؟

ـ نحن في الواقع نتمنى للكويت التوفيق كأول بلد خليجي يتنفس بإعطاء الشعب حرية في اختيار ممثليه، لكني أتصور أن هذه المسألة لا تزال في بداياتها الأولى، لأن التعقيدات الموجودة هناك، كما في أكثر الدول الخليجية، وربما في أكثر الدول العربية الأخرى، تمنع الشعب من أن يمارس حرية اتخاذ قراره بالطريقة التي يستطيع فيها الضغط على الحكومة، لأن هناك عرفاً معيناً ومقدسات معينة في هذا المجال.

لذلك فإن المسألة ليست الأطياف التي تتمثل في هذا المجلس، ولكن المسألة هل يملك هذا المجلس الحرية في التغيير، أو أن المسألة عندنا في العالم العربي الذي يعطي بعض الديموقراطية، هو أننا نملك حرية الكلام ولكن لا نملك حرية التغيير؟.

* لكن الانتخابات من أهم أشكال الديموقراطية التي تؤدي إلى التغيير؟

ـ لكن الديمقراطية لا تكتفي بالانتخابات، بل إن الانتخابات تمثل الوسيلة السياسية للتغيير، وهذا أمر غير وارد في كل العالم العربي.

نشرت في صحيفة «الرأي العام» الكويتية بتاريخ   21/ج1/1424هـ
الموافق في 21 تموز - يوليو 2003

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية