احتمالات ضرب العراق قوية

احتمالات ضرب العراق قوية

يتابع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الحوار السياسي الذي أجراه معه الأستاذ سركيس نعوم من صحيفة "النهار"، وفيما يلي الحلقة الثانية من الحوار:

عن احتمال إقدام أميركا على توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى العراق، تحدث المرجع الديني الأبرز في التيارات الإسلامية الأصولية الشيعية اللبنانية، قال: "في مسألة الضربة الأميركية"، فإن دراسة الاستعدادات والعنوان الأميركي الكبير في اعتبار العراق مشكلة أميركية في الداخل من خلال ما يوحيه للشعب الاميركي، تماماً لو كانت أسلحة الدمار الشامل العراقية أخطر من "القاعدة" أو ما إلى ذلك، توحي أننا أمام نكتة سخيفة يمكن أن يتقبّلها الشعب الأميركي، لأنه لا يملك الاهتمام بالقضايا الخارجية ولا الثقافة التي يستطيع من خلالها الموازنة بين ما يُلقى إليه من معلومات وما هو الواقع.

إن أميركا بوش قد وضعت في حساباتها أنها تريد حرباً ضد العراق على غرار حرب تحرير الكويت التي خاضتها، لأن النتائج التي حصلت عليها، ولا سيما في ما يتصل بالمسألة الإسرائيلية ولا نقول الفلسطينية في تلك الحرب من خلال مؤتمر مدريد إلى آخر القائمة، تجعلها تفكر في انها قد تحصل على نتائج مماثلة، تتجاوز المسألة الاسرائيلية لأنها تحاول في المسألة العراقية أن تظهر للعالم دورها القيادي الحاسم الذي إذا قرر شيئاً لم يستطع العالم أن يمنعه حتى لو لم يوافق عليه.

إن أميركا الآن بعد أحداث 11 أيلول لا تقتصر على محاربة الإرهاب التي تقوم بها على مستوى المنظمات والأحزاب، ولكنها تريد أن تثبت وتستعيد عنفوانها بضرب موقع يملك القوة في المنطقة، ويستطيع أن يحقق لها مواقع قوة لا تقتصر على المنطقة، بل تمتد إلى أكثر من ساحة، سواء لترتيب أوضاع بعض المواقع الحليفة لها مثل الخليج، أو الضغط على بعض المواقع الكبرى كأوروبا واليابان، أو لإطباق الحصار على إيران والتعامل معها تماماً كما نتعامل مع الثمرة التي نهيّىء كل الظروف لإنضاجها، ومن ثم لإسقاطها في أحضاننا.

لذلك فإن مسألة الحرب الأميركية - العراقية لو حصلت فإنها تتجاوز المسألة العراقية إلى مجمل المصالح الأميركية في المنطقة. لقد كانوا يتحدثون قبل مدة طويلة عن أمركة المنطقة، ومن المعلوم أن أمركة المنطقة لا يمكن أن تتحقق من خلال الوسائل والأساليب الديبلوماسية، بل لا بد أن تتحرك بطريقة تجعل المنطقة تعيش في حالة من الزلزال السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تنخلع له قلوب الدول الكبرى قبل الصغرى، لتثبت أميركا أنها تمسك بالبترول العالمي، ولو تمّ ذلك بطريقة تدريجية، كما تتولّى قيادة الواقع الاقتصادي والسياسي والمواقع الاستراتيجية.

إنطلاقا من ذلك أتصور أن أميركا لا بد أن تخوض الحرب، وهو ما يفسر إصرارها على استصدار قرار من مجلس الأمن يؤكد على أن تأتي الحرب بشكل تلقائي عند تعرض حركة المفتشين في العراق لأية عقبة أو خلل، وهي الآن تعمل على صناعة هذا الخلل ولو بطريقة غير واقعية في هذا المجال، ولذلك لاحظنا كيف أنها بدأت تضغط على الدول التي تحاول أن توجد قدراً من توازن القوى معها حول موضوع "للعراق"، وهي روسيا وفرنسا والصين، لتتحرك معها على مستوى العصا والجزرة، وربما لاحظنا أن العصا بدأت تسبق الجزرة، لأنها لم تعد تستطع إقناع هذه الدول بالجزرة بالطريقة التي تقدمها لها، لأن هذه الدول تعرف أنه عندما تدور الدوائر فإن هذه الجزرة سوف تواجه الكثير من التعقيدات عندما تصطدم المصالح الاستراتيجية في المنطقة بمصالح هذه الدول.

إن أميركا ـ أضاف المرجع الابرز ـ عندما تصرّح وتهدّد مجلس الأمن والدول المعارضة هذه، وتصرّح بأنها سوف تبحث عن حلفاء يقفون معها في الحرب، وهذا ما بدأت تجربه في مؤتمر مكسيكو ـ المكسيك وغيره فإن هذا التهديد الأميركي المعقّد جعل الدول المعارضة للقرار الأميركي في مجلس الأمن تتحرك في خطين: خط تحفظ به هيبتها وماء وجهها بتقديم قرار هنا وقرار هناك، وخط آخر يجعلها تدخل من خلال القرارين لإيجاد صيغة تجمع بين القرار الذي تريده أميركا وبين ما يحفظ ماء وجه هذه الدول المعارضة.

عندما ندرس ذلك كله، وخصوصاً مسألة أن تضرب أميركا مجلس الأمن لا بالنقاط بل بالضربة القاضية، فإننا نشعر أن أميركا، في عهد بوش تحشد كل مواقعها في العالم في نطاق هجومها على العراق. ولذلك فمن الصعب جداً أن تتنازل عن هذا الهدف بالرغم من وجود مشاكل سياسية قد تعزل أميركا على المستوى السياسي، سواء على مستوى الدول الرافضة التي تتجاوز الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أم على مستوى الشعوب التي بدأت ترفع صوتها عالياً في الدول الغربية وليس في المنطقة العربية ـ الاسلامية فحسب.

هذا إلى جانب أن هذا المناخ يتقاطع فيه العنصر الفلسطيني بالعراقي والذي أريد له في الواقع الشعبي السياسي أن يوحي بأن الحرب تطل على المنطقة كلها، وأن المصلحة الإسرائيلية تتقاطع مع المصلحة الأميركية في إسقاط دولة عربية قوية يمكن أن تكون الدولة التي تملك الكثير من العناصر التي توازن إسرائيل في القوة ولو مستقبلاً. إن أميركا قد تتحفظ أمام هذا الواقع ولكنها لا تريد أن توحي بمثل هذا التحفظ، وقد قرأنا في هذين اليومين تصريح هنري كيسنجر الذي يعتبر فيه أن أية حرب تخوضها أميركا تعتبر خاسرة ما لم تتحرك من خلال تحالف دولي كما حصل في حرب الكويت.

إنني أتصور أنه يمكن للإدارة الأميركية بالرغم من حصولها على تأييد النواب والشيوخ الأميركيين، أن تفكر في الانتخابات المقبلة النصفية أو الرئاسية، باعتبار أن أي خطأ قد يتحقق، إن من خلال بعض الأوضاع التي قد يسقط فيها بعض الأميركيين في الحرب البرية، أم في الوقوع في خطأ بعض الحسابات، ربما ينعكس سلبا على مستقبل الحزب الجمهوري وهو مستقبل بوش ولو بنسبة معينة.

إن المسألة في إطارها السياسي والعسكري باتت من الصعب جداً أن تكون دون نشاط فعلي أو حركة فعلية عملية، إلا إذا كانت هذه الاستعدادات العسكرية تمثل جزءاً من تكثيف القواعد العسكرية الأميركية باعتبار ما قد يحصل في المستقبل إذا لم تقع الحرب ضد العراق.

إن النسبة الكبيرة للحرب واردة، ولا بد لنا أن نحدّق بالنسب القليلة التي ربما تفرضها التطورات السياسية في العالم وفي المنطقة، ما يعني عدم وصول هذه الخطة إلى نهاياتها الأميركية".

يبدو أن الرئيس الأميركي جورج بوش في مأزق حاليا. فهو أمام خيارين. الأول، عدم حصول الحرب على العراق، ومن شأن ذلك التسبب بالخسارة له بعد التعبئة الشعبية الواسعة، ما يؤدي تالياً إل تقليص حظوظه في ولاية ثانية في البيت الأبيض. والثاني، شن الحرب ومن شأن ذلك فتح أبواب الولاية الثانية أمامه إذا نجحت. والسؤال المطروح: هل في إمكان بوش التراجع الآن؟

يتابع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الحوار السياسي الذي أجراه معه الأستاذ سركيس نعوم من صحيفة "النهار"، وفيما يلي الحلقة الثانية من الحوار:

عن احتمال إقدام أميركا على توجيه ضربة عسكرية مباشرة إلى العراق، تحدث المرجع الديني الأبرز في التيارات الإسلامية الأصولية الشيعية اللبنانية، قال: "في مسألة الضربة الأميركية"، فإن دراسة الاستعدادات والعنوان الأميركي الكبير في اعتبار العراق مشكلة أميركية في الداخل من خلال ما يوحيه للشعب الاميركي، تماماً لو كانت أسلحة الدمار الشامل العراقية أخطر من "القاعدة" أو ما إلى ذلك، توحي أننا أمام نكتة سخيفة يمكن أن يتقبّلها الشعب الأميركي، لأنه لا يملك الاهتمام بالقضايا الخارجية ولا الثقافة التي يستطيع من خلالها الموازنة بين ما يُلقى إليه من معلومات وما هو الواقع.

إن أميركا بوش قد وضعت في حساباتها أنها تريد حرباً ضد العراق على غرار حرب تحرير الكويت التي خاضتها، لأن النتائج التي حصلت عليها، ولا سيما في ما يتصل بالمسألة الإسرائيلية ولا نقول الفلسطينية في تلك الحرب من خلال مؤتمر مدريد إلى آخر القائمة، تجعلها تفكر في انها قد تحصل على نتائج مماثلة، تتجاوز المسألة الاسرائيلية لأنها تحاول في المسألة العراقية أن تظهر للعالم دورها القيادي الحاسم الذي إذا قرر شيئاً لم يستطع العالم أن يمنعه حتى لو لم يوافق عليه.

إن أميركا الآن بعد أحداث 11 أيلول لا تقتصر على محاربة الإرهاب التي تقوم بها على مستوى المنظمات والأحزاب، ولكنها تريد أن تثبت وتستعيد عنفوانها بضرب موقع يملك القوة في المنطقة، ويستطيع أن يحقق لها مواقع قوة لا تقتصر على المنطقة، بل تمتد إلى أكثر من ساحة، سواء لترتيب أوضاع بعض المواقع الحليفة لها مثل الخليج، أو الضغط على بعض المواقع الكبرى كأوروبا واليابان، أو لإطباق الحصار على إيران والتعامل معها تماماً كما نتعامل مع الثمرة التي نهيّىء كل الظروف لإنضاجها، ومن ثم لإسقاطها في أحضاننا.

لذلك فإن مسألة الحرب الأميركية - العراقية لو حصلت فإنها تتجاوز المسألة العراقية إلى مجمل المصالح الأميركية في المنطقة. لقد كانوا يتحدثون قبل مدة طويلة عن أمركة المنطقة، ومن المعلوم أن أمركة المنطقة لا يمكن أن تتحقق من خلال الوسائل والأساليب الديبلوماسية، بل لا بد أن تتحرك بطريقة تجعل المنطقة تعيش في حالة من الزلزال السياسي والاقتصادي والعسكري الذي تنخلع له قلوب الدول الكبرى قبل الصغرى، لتثبت أميركا أنها تمسك بالبترول العالمي، ولو تمّ ذلك بطريقة تدريجية، كما تتولّى قيادة الواقع الاقتصادي والسياسي والمواقع الاستراتيجية.

إنطلاقا من ذلك أتصور أن أميركا لا بد أن تخوض الحرب، وهو ما يفسر إصرارها على استصدار قرار من مجلس الأمن يؤكد على أن تأتي الحرب بشكل تلقائي عند تعرض حركة المفتشين في العراق لأية عقبة أو خلل، وهي الآن تعمل على صناعة هذا الخلل ولو بطريقة غير واقعية في هذا المجال، ولذلك لاحظنا كيف أنها بدأت تضغط على الدول التي تحاول أن توجد قدراً من توازن القوى معها حول موضوع "للعراق"، وهي روسيا وفرنسا والصين، لتتحرك معها على مستوى العصا والجزرة، وربما لاحظنا أن العصا بدأت تسبق الجزرة، لأنها لم تعد تستطع إقناع هذه الدول بالجزرة بالطريقة التي تقدمها لها، لأن هذه الدول تعرف أنه عندما تدور الدوائر فإن هذه الجزرة سوف تواجه الكثير من التعقيدات عندما تصطدم المصالح الاستراتيجية في المنطقة بمصالح هذه الدول.

إن أميركا ـ أضاف المرجع الابرز ـ عندما تصرّح وتهدّد مجلس الأمن والدول المعارضة هذه، وتصرّح بأنها سوف تبحث عن حلفاء يقفون معها في الحرب، وهذا ما بدأت تجربه في مؤتمر مكسيكو ـ المكسيك وغيره فإن هذا التهديد الأميركي المعقّد جعل الدول المعارضة للقرار الأميركي في مجلس الأمن تتحرك في خطين: خط تحفظ به هيبتها وماء وجهها بتقديم قرار هنا وقرار هناك، وخط آخر يجعلها تدخل من خلال القرارين لإيجاد صيغة تجمع بين القرار الذي تريده أميركا وبين ما يحفظ ماء وجه هذه الدول المعارضة.

عندما ندرس ذلك كله، وخصوصاً مسألة أن تضرب أميركا مجلس الأمن لا بالنقاط بل بالضربة القاضية، فإننا نشعر أن أميركا، في عهد بوش تحشد كل مواقعها في العالم في نطاق هجومها على العراق. ولذلك فمن الصعب جداً أن تتنازل عن هذا الهدف بالرغم من وجود مشاكل سياسية قد تعزل أميركا على المستوى السياسي، سواء على مستوى الدول الرافضة التي تتجاوز الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أم على مستوى الشعوب التي بدأت ترفع صوتها عالياً في الدول الغربية وليس في المنطقة العربية ـ الاسلامية فحسب.

هذا إلى جانب أن هذا المناخ يتقاطع فيه العنصر الفلسطيني بالعراقي والذي أريد له في الواقع الشعبي السياسي أن يوحي بأن الحرب تطل على المنطقة كلها، وأن المصلحة الإسرائيلية تتقاطع مع المصلحة الأميركية في إسقاط دولة عربية قوية يمكن أن تكون الدولة التي تملك الكثير من العناصر التي توازن إسرائيل في القوة ولو مستقبلاً. إن أميركا قد تتحفظ أمام هذا الواقع ولكنها لا تريد أن توحي بمثل هذا التحفظ، وقد قرأنا في هذين اليومين تصريح هنري كيسنجر الذي يعتبر فيه أن أية حرب تخوضها أميركا تعتبر خاسرة ما لم تتحرك من خلال تحالف دولي كما حصل في حرب الكويت.

إنني أتصور أنه يمكن للإدارة الأميركية بالرغم من حصولها على تأييد النواب والشيوخ الأميركيين، أن تفكر في الانتخابات المقبلة النصفية أو الرئاسية، باعتبار أن أي خطأ قد يتحقق، إن من خلال بعض الأوضاع التي قد يسقط فيها بعض الأميركيين في الحرب البرية، أم في الوقوع في خطأ بعض الحسابات، ربما ينعكس سلبا على مستقبل الحزب الجمهوري وهو مستقبل بوش ولو بنسبة معينة.

إن المسألة في إطارها السياسي والعسكري باتت من الصعب جداً أن تكون دون نشاط فعلي أو حركة فعلية عملية، إلا إذا كانت هذه الاستعدادات العسكرية تمثل جزءاً من تكثيف القواعد العسكرية الأميركية باعتبار ما قد يحصل في المستقبل إذا لم تقع الحرب ضد العراق.

إن النسبة الكبيرة للحرب واردة، ولا بد لنا أن نحدّق بالنسب القليلة التي ربما تفرضها التطورات السياسية في العالم وفي المنطقة، ما يعني عدم وصول هذه الخطة إلى نهاياتها الأميركية".

يبدو أن الرئيس الأميركي جورج بوش في مأزق حاليا. فهو أمام خيارين. الأول، عدم حصول الحرب على العراق، ومن شأن ذلك التسبب بالخسارة له بعد التعبئة الشعبية الواسعة، ما يؤدي تالياً إل تقليص حظوظه في ولاية ثانية في البيت الأبيض. والثاني، شن الحرب ومن شأن ذلك فتح أبواب الولاية الثانية أمامه إذا نجحت. والسؤال المطروح: هل في إمكان بوش التراجع الآن؟

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية