أجرى الأستاذ سركيس نعوم من صحيفة "النهار"اللبنانية حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تناول فيه الأوضاع التي يمرّ بها العراق في هذه الفترة الحساسة من تاريخ المنطقة، وفيما يلي الحلقة الأولى من هذا الحوار:
يشغل موضوع عراق الرئيس صدام حسين، بل مصيره، العالم كله منذ قرر الرئيس الاميركي جورج بوش بعد تحقيقه نجاحات بارزة في حربه على افغانستان الطالبان و"قاعدة" بن لادن، الانتقال الى المرحلة الثانية من حربه على "الارهاب" التي ترمي إلى إزالة أسلحة الدمار الشامل المتنوعة من العراق، بل الى القضاء عليه وإبداله بعراق آخر بعيد عن الارهاب وأدواته، وأكثر عدلاً في معاملة مكوناته الشعبية، وأقل قمعاً وعنفاً لحرية القول والعمل والفكر ولعدد من الممارسات الديموقراطية.
فالدول الكبرى، ولا سيما ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن، تتفاوض ظاهرا مع القوة العظمى في عالم اليوم الولايات المتحدة حول الوسيلة الأنجع لتحقيق الغاية الاساسية، وهي نزع السلاح العراقي من دون حرب عسكرية، وتتفاوض معها ضمنا حول المكاسب التي يمكن أن تجنيها في حال سارت معها في الموضوع العراقي الى الآخر، أي إلى الحرب. والدول الاقليمية الكبرى مثل تركيا والجمهورية الاسلامية الايرانية تتجاذبها عوامل كثيرة، فالأولى تبدو أقرب الى السير إلى الآخر مع إدارة الرئيس بوش في مشروعه العراقي، ولكن بعد ضمانها الحصول على مقابل كبير لذلك. والثانية لا يزعجها زوال نظام صدام حسين، وربما سيريحها زواله، لكنها تخشى على نفسها من هذا الامر، نظراً الى احتمال وقوعها ضمن دائرة اميركية الهوى والقرار مع ما يرتبه ذلك عليها من اخطار، كما تخشى على نفسها ايضا من مواجهة القوة العاتية الاميركية.
أما الدول العربية فحاضرة وغائبة في آن واحد في كل ما يتعلق بالموضوع العراقي. فهي حاضرة بالاسم من خلال ترديد ملوكها ورؤسائها وأمرائها رفض ضرب العراق عسكريا والإصرار على نزع سلاحه بالطرق السلمية، ودعوة بغداد الى تنفيذ طلبات المجتمع الدولي. وهي غائبة من خلال إحجامها عن القيام بأي عمل ملموس، أو بالأحرى امتناعها عن توظيف قدراتها الهائلة لمنع ضرب العراق، أو عجزها عن ذلك، ومن خلال إعطاء معظمها موافقة ضمنية على حل الموضوع العراقي بالطريقة الممكنة حربا كانت او سلما وبسرعة قصوى. وأما الشعوب العربية فحاضرة برفضها السياسة الاميركية حيال العراق وفلسطين والعالم كله، لكنها عاجزة عن القيام بأي شيء، ربما باستثناء "مهرجانات" مدروسة ومسموح بها يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي بالتجاري والعام بالخاص. وعجزها ناجم أساساً عن تدجين الانظمة لها ومن الانقسامات الحادة التي تعصف بها.
طبعا، لم يبق أحد في العالم العربي ولبنان، فضلاً عن العالم الاوسع إلا وألقى بدلوه في الموضوع العراقي، وخصوصا بعدما أظهر الاسلاميون سنة وشيعة منذ البداية رفضهم ضرب العراق، رغم ما تعرض له الشيعة منهم على يديه، ولا سيما داخل العراق وفي ايران، وبعدما سبق المرجع الشيعي البارز آية الله محمد حسين فضل الله الجميع في إصدار فتوى تحرّم على المسلمين عموما ومسلمي العراق خصوصا (الشيعة) مساعدة اميركا ضد العراق، وبعدما أثارت هذه الفتوى ردود فعل متباينة. لذلك كله، ولأن دور الشيعة العرب وغير العرب فضلا عن الاسلاميين في موضوع العراق مهم وكبير، كان لا بد من التوجه إلى المرجع الديني الأبرز في التيارات الإسلامية الأصولية الشيعية اللبنانية لمعرفة رأيه في موضوع العراق وتوقعاته وآثار ما قد يتعرض له هذا البلد على المنطقة، نظراً إلى وسع علمه واطلاعه وقدرته على التحليل والاستخلاص.
السؤال الأول كان: هل تتوقع ضربة عسكرية أميركية للعراق أو زوالاً لنظامه وأركان هذا النظام بانتفاضة شعبية دون الحاجة إلى عمل عسكري خارجي وتحديداً أميركي؟ وكان جواب المرجع المذكور:
"عندما نريد ان ندرس الوضع العراقي نجد انه من الصعب التفكير بزوال النظام من الداخل، لان العناصر الامنية التي حشدها النظام بطريقة تجعل مسألة الامن هي المسألة الاولى التي تدخل في كل مفاصل النظام، بحيث لا يخلو موقع عسكري او اقتصادي او سياسي او اجتماعي او ديني من هذه التركيبة الامنية المخابراتية، بحيث يخشى حتى رجال المخابرات على أنفسهم من نظام المخابرات الذي يمكن ان يطل عليهم من هنا وهناك.
لذلك من الصعب جداً القيام بحركة داخلية انقلابية ضد النظام. ربما يفكر بعض الناس بعملية الاغتيال لرأس النظام، وقد حاولت بعض الجهات المعارضة أن تدخل هذه التجربة، ولكنها فشلت بأجمعها من خلال طبيعة عناصر الحماية التي تحيط برموز النظام، ولا سيما الرمز الأول، ومن خلال المخابرات الدولية، ولا سيما الاميركية التي كانت تحمي النظام من أية عملية اغتيال، ولا سيما أيضاً عندما كانت المسألة الايرانية ـ حسب تصور المخابرات المركزية الاميركية ـ تتحرك في هذا الاتجاه.
إن المسألة بحسب طبيعة الواقع الداخلي تحمل الكثير من عناصر الاستبعاد. ولكن ربما يفكر البعض في ان الطريقة المخابراتية قد تساعد في توفير ظروف انتفاضة داخلية، وخصوصا بعدما بدأت تدخل الى العراق من خلال بعض المواقع التي ركزت وجودها داخل المنطقة الكردية أو في غيرها من المناطق، وعملت، سواء من الخارج او من الداخل على النفاذ الى بعض المواقع العسكرية الموجودة في الخارج، والتي لها صلة بالداخل. هذا بالإضافة الى الحالة الخانقة التي يعيشها الشعب العراقي من خلال طبيعة أسلوب النظام في ادارة المسألة الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، او من خلال الضغوط الخارجية التي فرضت الحصار على العراق بحجة أنها تريد إضعاف النظام بسبب ذلك. لكنها تعرف ان الحصار لا يمسُّ النظام ولا يؤثر عليه من قريب او بعيد، بل كانت المسألة تمثل مشكلة للشعب العراقي ما أدى الى هجرة غير معقولة للعراقيين الى الخارج.
إن مثل هذه العناصر ربما تؤدي إلى خطة تترك تأثيرها على زوال النظام، لكن بطريقة دعم خارجي يدخل في مفاصل هذه الخطة بطريقة خفية تارة ومعلنة أخرى، أو بطريقة الإيحاء بالحماية، وهو ما قد يدفع إلى تشجيع انتفاضة شعبية أو عسكرية، وهذا ما قرأناه من تصريحات بعض المعارضين الذين ذهبوا الى واشنطن عندما قالوا: "إننا نريد ان نتحدث مع المسؤولين الاميركيين كي لا يعيدوا التجربة التي قاموا بها بعد حرب الكويت عندما أسقطوا الانتفاضة الشعبية بدعمهم للنظام بما اعطوه من القوة والامكانات التي كان يفتقدها، وكي تقوم اميركا بحماية هذه الانتفاضة من ضربة النظام او بعدم التدخل لحماية النظام من خلال ذلك".
ماذا عن إقدام اميركا على توجيه ضربة عسكرية الى العراق؟