قد يكون خلط الحقّ بالباطل في أساليب الصّراع، دليلاً في نظر الكثيرين من الناس على أنَّ الحقّ لا يستطيع الاستقلال بنفسه في قيادة الحياة بكلّ ألوانها وأشكالها، ما لم يطعّم بالباطل ولو في أساليبه.
وقد حاول الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق (ع) أن يثير هذه القضيّة مع أصحابه ويشير إلى خطورتها في مجال الصّراع.
فقد استمع الإمام (ع) إلى عدد من أصحابه، وهم يناقشون رجلاً شاميّاً في أمر الإمامة، ويحاورونه في سبيل إثبات ما يعتقدونه في شأنها. وحاول كلّ واحد منهم أن يقيم الحجّة على قضيّته بأسلوبه الخاصّ الّذي يعتقد أنّه يوصل إلى الهدف ويؤدّي إلى النتيجة.
وكان قيس الماصر ـ وهذا اسمه ـ أحد هؤلاء. ويبدو أنه حاول أن يربح المعركة بالحقّ والباطل، وينتصر للعقيدة بكلّ ما يمكن أن يكون حجّة دامغة توقف الخصم عند حدّه.
وربما كانت الفكرة التي تسيطر عليه، هي أنّه أمام خصم عنيد لا بُدَّ له أن يهزمه، حيث كان لمعنى "الخصومة" بكلّ ما تدلّ عليه، الأثر الكبير في طبيعة موقفه، ولم تكن الفكرة أنّه أمام إنسان يخالفه في الرأي، أو لا يوافقه على الأقلّ، واردةً لديه، وقد تكون تلك الفكرة هي المسيطرة عليه عندما كان يحاور ويجادل، ومن هنا لجأ إلى كلّ وسيلة تصل به إلى القضاء على خصمه والانتصار عليه، معتقداً شرعيّة ذلك ما دام الهدف هو الانتصار لفكرة الحقّ.
أمّا موقف الإمام الصّادق منه، فقد كان موقف النّاقد الموجّه الذي يأخذ عليه هذا الأسلوب في الجدل، وهذه الطّريقة في الصراع الفكري من أجل العقيدة، ويحاول توجيهه نحو الأسلوب الإسلامي الأمثل في العمل والدّعوة إلى الله، وكان مما قاله الإمام الصّادق (ع): "لا تمزج الحقّ بالباطل".
وإذا وقفنا قليلاً مع هذه الكلمة، لوجدناها، في الوقت الذي تحاول أن تأخذ على هذا الإنسان موقفه، تبدأ في توجيهه وتنبيهه إلى الحقيقة الأصليّة التي ترتكز على أساس أنَّ الحقّ يستطيع أن يهزم الباطل وحده بدون حاجة إلى باطل معه، فليست وسائل الحقّ لهداية النّاس وإيصالهم إلى الغاية محصورة في نطاق محدود، وليست مجالاته مختصّة بآفاق ضيّقة، بل هي ممتدّة إلى آفاق الحياة ومجالاتها إلى أبعد حدّ.. ففي كلّ ظاهرة من ظواهر الحياة دليل على الحقيقة، وفي كلّ حقيقة من حقائقها إرشاد إلى الواقع، وفي كلّ مجال من مجالاتها متّسع للقول ومنطلق للعمل، على أساس إسلاميّ سليم.
وإذا كانت القضيّة في هذا المستوى من الامتداد والاتّساع، فلا بُدَّ للرائد من التوفّر على دراسة سبل الحقّ والتعمّق في مصادره وموارده، والانطلاق إلى البعيد والقريب من آفاقه، ليستطيع السّير بالحياة تحت ظلال الحقّ وفي هداه، من دون حاجة إلى الباطل في أيّ شأن من الشّؤون العامّة والخاصّة.
*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".
قد يكون خلط الحقّ بالباطل في أساليب الصّراع، دليلاً في نظر الكثيرين من الناس على أنَّ الحقّ لا يستطيع الاستقلال بنفسه في قيادة الحياة بكلّ ألوانها وأشكالها، ما لم يطعّم بالباطل ولو في أساليبه.
وقد حاول الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق (ع) أن يثير هذه القضيّة مع أصحابه ويشير إلى خطورتها في مجال الصّراع.
فقد استمع الإمام (ع) إلى عدد من أصحابه، وهم يناقشون رجلاً شاميّاً في أمر الإمامة، ويحاورونه في سبيل إثبات ما يعتقدونه في شأنها. وحاول كلّ واحد منهم أن يقيم الحجّة على قضيّته بأسلوبه الخاصّ الّذي يعتقد أنّه يوصل إلى الهدف ويؤدّي إلى النتيجة.
وكان قيس الماصر ـ وهذا اسمه ـ أحد هؤلاء. ويبدو أنه حاول أن يربح المعركة بالحقّ والباطل، وينتصر للعقيدة بكلّ ما يمكن أن يكون حجّة دامغة توقف الخصم عند حدّه.
وربما كانت الفكرة التي تسيطر عليه، هي أنّه أمام خصم عنيد لا بُدَّ له أن يهزمه، حيث كان لمعنى "الخصومة" بكلّ ما تدلّ عليه، الأثر الكبير في طبيعة موقفه، ولم تكن الفكرة أنّه أمام إنسان يخالفه في الرأي، أو لا يوافقه على الأقلّ، واردةً لديه، وقد تكون تلك الفكرة هي المسيطرة عليه عندما كان يحاور ويجادل، ومن هنا لجأ إلى كلّ وسيلة تصل به إلى القضاء على خصمه والانتصار عليه، معتقداً شرعيّة ذلك ما دام الهدف هو الانتصار لفكرة الحقّ.
أمّا موقف الإمام الصّادق منه، فقد كان موقف النّاقد الموجّه الذي يأخذ عليه هذا الأسلوب في الجدل، وهذه الطّريقة في الصراع الفكري من أجل العقيدة، ويحاول توجيهه نحو الأسلوب الإسلامي الأمثل في العمل والدّعوة إلى الله، وكان مما قاله الإمام الصّادق (ع): "لا تمزج الحقّ بالباطل".
وإذا وقفنا قليلاً مع هذه الكلمة، لوجدناها، في الوقت الذي تحاول أن تأخذ على هذا الإنسان موقفه، تبدأ في توجيهه وتنبيهه إلى الحقيقة الأصليّة التي ترتكز على أساس أنَّ الحقّ يستطيع أن يهزم الباطل وحده بدون حاجة إلى باطل معه، فليست وسائل الحقّ لهداية النّاس وإيصالهم إلى الغاية محصورة في نطاق محدود، وليست مجالاته مختصّة بآفاق ضيّقة، بل هي ممتدّة إلى آفاق الحياة ومجالاتها إلى أبعد حدّ.. ففي كلّ ظاهرة من ظواهر الحياة دليل على الحقيقة، وفي كلّ حقيقة من حقائقها إرشاد إلى الواقع، وفي كلّ مجال من مجالاتها متّسع للقول ومنطلق للعمل، على أساس إسلاميّ سليم.
وإذا كانت القضيّة في هذا المستوى من الامتداد والاتّساع، فلا بُدَّ للرائد من التوفّر على دراسة سبل الحقّ والتعمّق في مصادره وموارده، والانطلاق إلى البعيد والقريب من آفاقه، ليستطيع السّير بالحياة تحت ظلال الحقّ وفي هداه، من دون حاجة إلى الباطل في أيّ شأن من الشّؤون العامّة والخاصّة.
*من كتاب "قضايانا على ضوء الإسلام".