كان ذلك في العام 1985، في تلك اللّحظه التي اتّهم فيها السيّد فضل الله (رحمه
الله) بالعقل المدبِّر خلف تفجيرات المارينز والقوّات الفرنسيّة، أو بأنّه الإرهابي
الأوّل، كما وصفته الصحافة الغربيّة.
هي تلك اللّحظه التي سبقت مجزره بئر العبد الّتي قيل إنّها جاءت رداً على ذلك
الاتّهام أو المكمّل لها.
كانت الساحة الإسلاميّة في لحظه تحوّل بين تيارات العلمانيّين وصعود التيّار الشيعي
الجهادي، وكان ذلك الفرز واضحاً بين الطلّاب بعضهم عن بعض يوم استقبال العلّامة
السيّد محمد حسين فضل الله لإلقاء محاضرة في كليّة العلوم الاقتصاديّة وإداره
الأعمال في الجامعة اللّبنانيّة.
ففي مقابل المنبر الّذي كان يجلس عليه السيّد، كتلتان على جانبي القاعة أفرزتهما
تلك اللّحظة، فعلى يساره كتلة اتحاد الطلبة المسلمين، وعلى يمينه مزيج اليسار
والعلمانيّين على اختلافهم.
بعد البسملة والصّلاة على النبيّ، بدأ السيّد محاضرته برمي سؤال ثقيل على الحاضرين
على اختلاف مشاربهم: من منكم يشكّ في وجود الله؟ صمت مطبق في القاعة. أعاد السيّد
سؤاله بطريقة فيها بعض التحدّي وبعض الغضب، وكانت وجوه الجميع ينظر بعضها إلى بعض.
أعاد السؤال ثالثة بالكثير من النبرة العالية، كأنه يتحدّى من يشكّك في وجود الله.
في تلك اللّحظة، ردّد شباب اتحاد الطّلبة "صلاة الله على محمد وآل محمد" في ظلّ صمت
مطبق للآخرين.
هنا، أعاد سيّد تركيز عمامة سليل أهل البيت، تلك الحركة التي اشتهر بها دائماً،
وقال: علينا أن نشكّ بوجود الله! وهناك ساد الصّمت الأكبر الذي لم أجد لعمري حتى
اليوم تناغم دهشة يشبه ذلك الّذي نشأ في تلك اللّحظة بين الإسلاميّين والعلمانيّين.
أكمل السيّد، وبعد تركيز آخر للعمامة، علينا أن نشكّ بوجود الله، لأنّ الشكّ هو
المدخل السَّليم للإيمان، اخرجوا من الأفكار المعلَّبة ولا تعلِّبوا أنفسكم.
في تلك اللّحظه، حصل تبادلٌ لردود الأفعال بين العلمانيّين والإسلاميين. بدا
الملحدون والعلمانيّون واليساريّون أكثر انشداداً إلى السيّد، ينتظرون بشغف ما الذي
سيقوله.
بعدها أكمل السيّد، وعلى مدى ساعة ونصف السّاعة، الأفكار النيِّرة التي ميَّزته
دائماً، وعرج على أطروحته حول نقاط الضّعف لدى المحتلّ، والتي إذا فهمناها وعرفنا
كيفيّة توظيفها لتحرير الأرض، ستصنع الانتصار الذي عجز العرب عن صناعته منذ اغتصاب
فلسطين. كانت تلك مسألة حاسمة في جدليّة المقاومة والاحتلال قبل الانسحاب
الإسرائيلي الأوَّل.
أذكر ذلك اللّقاء بتفاصيله كما لو أنّه يحدث اليوم!
لماذا يموت رجال كالسيّد فضل الله؟
رحمه الله، فذلك تدبير من ربِّ العالمين.
* المقال منشور على موقع الملفّ الاستراتيجي الإلكتروني، بتاريخ: 10 تمّوز 2021م.
كان ذلك في العام 1985، في تلك اللّحظه التي اتّهم فيها السيّد فضل الله (رحمه
الله) بالعقل المدبِّر خلف تفجيرات المارينز والقوّات الفرنسيّة، أو بأنّه الإرهابي
الأوّل، كما وصفته الصحافة الغربيّة.
هي تلك اللّحظه التي سبقت مجزره بئر العبد الّتي قيل إنّها جاءت رداً على ذلك
الاتّهام أو المكمّل لها.
كانت الساحة الإسلاميّة في لحظه تحوّل بين تيارات العلمانيّين وصعود التيّار الشيعي
الجهادي، وكان ذلك الفرز واضحاً بين الطلّاب بعضهم عن بعض يوم استقبال العلّامة
السيّد محمد حسين فضل الله لإلقاء محاضرة في كليّة العلوم الاقتصاديّة وإداره
الأعمال في الجامعة اللّبنانيّة.
ففي مقابل المنبر الّذي كان يجلس عليه السيّد، كتلتان على جانبي القاعة أفرزتهما
تلك اللّحظة، فعلى يساره كتلة اتحاد الطلبة المسلمين، وعلى يمينه مزيج اليسار
والعلمانيّين على اختلافهم.
بعد البسملة والصّلاة على النبيّ، بدأ السيّد محاضرته برمي سؤال ثقيل على الحاضرين
على اختلاف مشاربهم: من منكم يشكّ في وجود الله؟ صمت مطبق في القاعة. أعاد السيّد
سؤاله بطريقة فيها بعض التحدّي وبعض الغضب، وكانت وجوه الجميع ينظر بعضها إلى بعض.
أعاد السؤال ثالثة بالكثير من النبرة العالية، كأنه يتحدّى من يشكّك في وجود الله.
في تلك اللّحظة، ردّد شباب اتحاد الطّلبة "صلاة الله على محمد وآل محمد" في ظلّ صمت
مطبق للآخرين.
هنا، أعاد سيّد تركيز عمامة سليل أهل البيت، تلك الحركة التي اشتهر بها دائماً،
وقال: علينا أن نشكّ بوجود الله! وهناك ساد الصّمت الأكبر الذي لم أجد لعمري حتى
اليوم تناغم دهشة يشبه ذلك الّذي نشأ في تلك اللّحظة بين الإسلاميّين والعلمانيّين.
أكمل السيّد، وبعد تركيز آخر للعمامة، علينا أن نشكّ بوجود الله، لأنّ الشكّ هو
المدخل السَّليم للإيمان، اخرجوا من الأفكار المعلَّبة ولا تعلِّبوا أنفسكم.
في تلك اللّحظه، حصل تبادلٌ لردود الأفعال بين العلمانيّين والإسلاميين. بدا
الملحدون والعلمانيّون واليساريّون أكثر انشداداً إلى السيّد، ينتظرون بشغف ما الذي
سيقوله.
بعدها أكمل السيّد، وعلى مدى ساعة ونصف السّاعة، الأفكار النيِّرة التي ميَّزته
دائماً، وعرج على أطروحته حول نقاط الضّعف لدى المحتلّ، والتي إذا فهمناها وعرفنا
كيفيّة توظيفها لتحرير الأرض، ستصنع الانتصار الذي عجز العرب عن صناعته منذ اغتصاب
فلسطين. كانت تلك مسألة حاسمة في جدليّة المقاومة والاحتلال قبل الانسحاب
الإسرائيلي الأوَّل.
أذكر ذلك اللّقاء بتفاصيله كما لو أنّه يحدث اليوم!
لماذا يموت رجال كالسيّد فضل الله؟
رحمه الله، فذلك تدبير من ربِّ العالمين.
* المقال منشور على موقع الملفّ الاستراتيجي الإلكتروني، بتاريخ: 10 تمّوز 2021م.