لا نزال في رحاب كتاب الله عزّ وجلّ، ومع سورة من سوره العظيمة المليئة بالدّروس والعِبَر، والّتي تخاطب على مرّ العصور العقل والشّعور، سعياً لتأسيس الإنسان الرّساليّ الواعي المؤمن المنفتح على الله في كلّ أوضاعه وشؤونه. ومن هذه السّور الكريمة، سورة "قريش". وقريش هي القبيلة الّتي كانت تعيش في شبه الجزيرة العربيّة، وكانت ذات سلطة وشأن على بقيّة القبائل، بما كانت تمتلك من عناصر القوّة الماديّة من التّجارة وغير ذلك.
يقول الباري عزّ وجلّ: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[سورة قريش]، وفي تفسيره لهذه السّورة، يقول المفسِّر المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"{ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}، أي من أجل إيلاف الله قريشاً، فيما يريد أن يمنّ عليهم، ويجعل لهم ذلك إلفاً يألفونه فيما يعتادون عليه من أوضاع الاستقرار الاقتصادي والأمني.
{إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ}، الّتي أمّنت لهم حياة الرّخاء والرّفاهية، بالرّغم من جفاف بلادهم وفقرها، فقد هيّأ الله لهم السّبيل لرحلة تجاريّة ضخمة إلى اليمن في الشّتاء، ورحلة تجاريّة إلى الشّام في الصّيف...
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} الّذي جعله أمناً للنّاس.. {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} فيما جعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم، وما هيّأه لهم من فرص التبادل التجاريّ مع المناطق الأخرى.. {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، بملاحظة ما جعله الله من حرمة هذا البيت، فلا يعرض له أحد بسوء".
ويشير سماحته(رض) إلى زبدة القول في هذه السّورة القصيرة، والّتي تحمل دلالات كبيرة وواسعة، أي الأمر بالعبادة، لما يمثّله ذلك من تأصيل للإنسان ولوجوده وغايته، فيقول سماحته(رض):
"وإذا كان الله يأمرهم بعبادته، فلأنّ العبادة تمثّل لوناً من ألوان الشّكر على هذه النّعمة المزدوجة: الأمن والرّخاء، إلى جانب النّعَم الوفيرة الأخرى الّتي يتقلّبون فيها، بكلّ ما تختزنه الحياة من الخيرات في حركة وجودهم، ولأنّ العبادة هي العنوان الّذي يمنح هذا البيت قدسيّته وروحيّته ومعناه".
ويتابع سماحته(رض) عن موضوع "العبادة":
"ولأنّ العبادة هي الحركيّة الرّوحيّة الإنسانيّة الّتي يعيش فيها الإنسان الرّوح المتحرّرة من كلّ عبوديّة لمن حولها وما حولها، من خلال الشعور بأصالة الإنسان أمام كلّ الموجودات واستقلاله عنها، فليس لشيء منها أيّة سلطة عليه، في أيّ شأن من شؤونه.. لأنّ الله ـ وحده ـ هو سيّد الكون الّذي تقف كلّ الموجودات ـ بما فيها الإنسان ـ لتكون عبيداً له، من موقع خلقه لهم وتدبيره لشؤونهم وحاجاتهم إليه في كلّ شيء، واستغنائه عنهم في كلّ شيء..."[تفسير من وحي القرآن، ج24، ص: 432].
وعن "العبادة" أيضاً، يتحدَّث مفسِّرو أهل السنّة والجماعة، بأنّها ـ العبادة ـ اسمٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة، وتقوم العبادة على التذلّل والخضوع لله عزّ وجلّ محبّةً وتعظيماً وخوفاً ورجاءً، بحيث يفعل العبد الأوامر ويجتنب النّواهي، حبّاً لله وخوفاً من عقابه، ورجاءً لثوابه بإخلاص العبادة له واتّباع رسوله(ص).. وقد أمرهم بعبادته وحده والشّكر له، وحقّه في ذلك على عباده جميعاً، وليس خاصّاً بقريش، كما قرّر عزّ وجلّ بقوله: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2]، فهو سبحانه المستحقّ للحمد، لأنّه ربّ العالمين الّذي خلقهم ثم رزقهم، وأنزل عليهم رحماته، وهو الرّحمن الرّحيم بعباده.
فهلاّ نكون أمّة الشّاكرين، الأمّة العابدة لربّها حقّ عبادة؟!
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .
لا نزال في رحاب كتاب الله عزّ وجلّ، ومع سورة من سوره العظيمة المليئة بالدّروس والعِبَر، والّتي تخاطب على مرّ العصور العقل والشّعور، سعياً لتأسيس الإنسان الرّساليّ الواعي المؤمن المنفتح على الله في كلّ أوضاعه وشؤونه. ومن هذه السّور الكريمة، سورة "قريش". وقريش هي القبيلة الّتي كانت تعيش في شبه الجزيرة العربيّة، وكانت ذات سلطة وشأن على بقيّة القبائل، بما كانت تمتلك من عناصر القوّة الماديّة من التّجارة وغير ذلك.
يقول الباري عزّ وجلّ: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ* إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}[سورة قريش]، وفي تفسيره لهذه السّورة، يقول المفسِّر المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
"{ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}، أي من أجل إيلاف الله قريشاً، فيما يريد أن يمنّ عليهم، ويجعل لهم ذلك إلفاً يألفونه فيما يعتادون عليه من أوضاع الاستقرار الاقتصادي والأمني.
{إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ}، الّتي أمّنت لهم حياة الرّخاء والرّفاهية، بالرّغم من جفاف بلادهم وفقرها، فقد هيّأ الله لهم السّبيل لرحلة تجاريّة ضخمة إلى اليمن في الشّتاء، ورحلة تجاريّة إلى الشّام في الصّيف...
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} الّذي جعله أمناً للنّاس.. {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} فيما جعل أفئدة من النّاس تهوي إليهم، وما هيّأه لهم من فرص التبادل التجاريّ مع المناطق الأخرى.. {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}، بملاحظة ما جعله الله من حرمة هذا البيت، فلا يعرض له أحد بسوء".
ويشير سماحته(رض) إلى زبدة القول في هذه السّورة القصيرة، والّتي تحمل دلالات كبيرة وواسعة، أي الأمر بالعبادة، لما يمثّله ذلك من تأصيل للإنسان ولوجوده وغايته، فيقول سماحته(رض):
"وإذا كان الله يأمرهم بعبادته، فلأنّ العبادة تمثّل لوناً من ألوان الشّكر على هذه النّعمة المزدوجة: الأمن والرّخاء، إلى جانب النّعَم الوفيرة الأخرى الّتي يتقلّبون فيها، بكلّ ما تختزنه الحياة من الخيرات في حركة وجودهم، ولأنّ العبادة هي العنوان الّذي يمنح هذا البيت قدسيّته وروحيّته ومعناه".
ويتابع سماحته(رض) عن موضوع "العبادة":
"ولأنّ العبادة هي الحركيّة الرّوحيّة الإنسانيّة الّتي يعيش فيها الإنسان الرّوح المتحرّرة من كلّ عبوديّة لمن حولها وما حولها، من خلال الشعور بأصالة الإنسان أمام كلّ الموجودات واستقلاله عنها، فليس لشيء منها أيّة سلطة عليه، في أيّ شأن من شؤونه.. لأنّ الله ـ وحده ـ هو سيّد الكون الّذي تقف كلّ الموجودات ـ بما فيها الإنسان ـ لتكون عبيداً له، من موقع خلقه لهم وتدبيره لشؤونهم وحاجاتهم إليه في كلّ شيء، واستغنائه عنهم في كلّ شيء..."[تفسير من وحي القرآن، ج24، ص: 432].
وعن "العبادة" أيضاً، يتحدَّث مفسِّرو أهل السنّة والجماعة، بأنّها ـ العبادة ـ اسمٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظّاهرة والباطنة، وتقوم العبادة على التذلّل والخضوع لله عزّ وجلّ محبّةً وتعظيماً وخوفاً ورجاءً، بحيث يفعل العبد الأوامر ويجتنب النّواهي، حبّاً لله وخوفاً من عقابه، ورجاءً لثوابه بإخلاص العبادة له واتّباع رسوله(ص).. وقد أمرهم بعبادته وحده والشّكر له، وحقّه في ذلك على عباده جميعاً، وليس خاصّاً بقريش، كما قرّر عزّ وجلّ بقوله: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2]، فهو سبحانه المستحقّ للحمد، لأنّه ربّ العالمين الّذي خلقهم ثم رزقهم، وأنزل عليهم رحماته، وهو الرّحمن الرّحيم بعباده.
فهلاّ نكون أمّة الشّاكرين، الأمّة العابدة لربّها حقّ عبادة؟!
إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .