الفساد والمفسدون في القرآن الكريم

الفساد والمفسدون في القرآن الكريم

نبَّه الإسلام من خطورة ظاهرة الفساد والتَّمادي فيها على حساب الإنسان والحياة، وحثَّ على طلب الفضيلة والخير، بما يحقّق الإصلاح والتّوازن المطلوب لإعمار الأرض، وتحقيق وجود الكائن الإنساني المُستخلف والمسؤول عن أمانة استخلافه.

والفساد هو الخروج بالشّيء عن حدِّ اعتداله، وهو ضدّ الصلاح، ويقال: أصلح الشيء بعد إفساده. والإفساد: أي جعل الأشياء فاسدةً. والفساد أصله تحوّل منفعة الشَّيء النَّافع إلى مضرّة به أو بغيره. ويطلق الفقهاء لفظ الفساد في المعاملات بمعنى البطلان، كما يُستعمل بمعنى الخروج عن الاستقامة.

والقرآن الكريم يتحدَّث كثيراً عن الفساد والإفساد، وفي حوار الله تعالى وملائكته، يتبيَّن خشية الملائكة من إفساد الأرض، عندما أخبرها الباري تعالى بأنّه جاعل فيها خليفة من البشر يخلف بعضهم بعضاً: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]. هنا يتّضح استفهام الملائكة عن جنس الإنسان وطبيعته العدوانيّة الّتي تنحرف عن خطّ الفطرة والعبوديّة، حيث يمارس الفساد والإفساد بعيداً عن تجلّيات الرّوح والعقل في ممارسة فعل الاستخلاف القائم على العدل والحقّ والصّلاح والإصلاح.

وفي تفسيره للآية المباركة: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، يقول سماحة المرجع المفسّر السيّد محمد حسين فضل الله(رض): من هذا النّوع الإنسانيّ الّذي يعيش الصِّراع بين العقل والغريزة في شخصيَّته، ويختزن عناصر النزاع والخلاف، والرّغبة في التّدمير، والأنانيّة في التملّك والتسلّط في ذاته، ما يؤدِّي إلى الإفساد المادّيّ والمعنويّ، وإلى سفك الدّماء، فتعيش الأرض من خلال هذه التَّعقيدات والاهتزازات في جوٍّ من الحروب المفسدة والمدمِّرة للمدر والبشر معاً، ما يبعدها عن السَّلام الموحي بالخير والمحبَّة والصّفاء، والمساعد على الحقّ في روحانيَّة الإيمان وحركيَّة التَّقوى والقرب منك، فيحلّ محلّ ذلك الحقد والعداوة والبغضاء والتّنازع والتّقاطع، وينفتح الواقع على الباطل في ضراوة الشّرّ وقسوة الجريمة وقذارة الشّعور وسقوط العقل. (تفسير من وحي القرآن، ج1، ص 215).

لقد أراد الله تعالى للنَّاس أن يسيروا في خطّ الصّلاح والإصلاح، كتأكيد على انفتاحهم الحيّ والفاعل مع خطّ الفطرة والتّوحيد والإخلاص، فالإفساد هو عدوان صارخ على الحياة بكلّ ما تزخر به من تنوّع وطاقات ومجالات، يقول تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، ويفسّر سماحته الآية بقوله: إفساد الفكر والعمل والعلاقات في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة  والعسكريّة، فقد أعدّها الله إعداداً صالحاً في ما يريد لها من حركة وحياة، وأراد للنّاس من خلال وحي رسله أن يتابعوا خطوات الصّلاح، ولا يستسلموا لكلّ عوامل الفساد والإفساد، لأنّ ذلك يمثّل عدواناً على الحياة، وانحرافاً عن خطّ الله... وتلك هي مهمّة الإنسان في إدارة طاقاته الّتي وهبه الله إيّاها، بأن تكون كلّ فعاليّاتها للصّلاح والإصلاح، وذلك هو معنى أن تكون أمانة لله عنده، فلا يحرّكها إلا بما يرضي الله في بناء الحياة لا في هدمها.(تفسير من وحي القرآن، ج 10، ص 146).

وفي حديث القرآن الكريم عن بثّ دعاوى الفساد من قبل المفسدين، يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}[الشّعراء: 152]، ويقول سماحته(رض) في تفسيره للآية المباركة:

الّذين أسرفوا على أنفسهم بالكفر والشّرك والانحراف عن طاعة الله، لتأكيد امتيازاتهم واستكبارهم وظلمهم للمستضعفين، وهم الطّبقة المترفة من أفراد المجتمع من أشراف القوم وساداتهم، الّذين أصرّوا على البقاء في مواقعهم الفكريّة والعمليّة، بعيداً عن التّغيير المنطلق من الدّليل والحجّة والبرهان {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، من خلال أفكارهم الكافرة وعباداتهم المشركة وتقاليدهم المنحرفة، وعلاقاتهم الفاسدة وأفعالهم الشرّيرة، ما يؤدِّي إلى اختلال النّظام العام في الوجود الإنساني في الأرض، وإلى إفساد الحياة من حولهم مما يرفضه الله من كلّ عباده، إذ حمَّلهم مسؤوليّة الإصلاح في أنفسهم وفي النّاس، على مستوى الدّعوة والعمل، لينسجم النّظام الإنساني مع النّظام الكونيّ في عمليّة تكامل وتوافق وامتداد.

وإذا كان الله يريد الحياة على أساس إقامة النِّظام العام في حركة الإنسان، فلا بدَّ من أن يتحمّل النّاس البسطاء مسؤوليّة التمرّد على هؤلاء المسرفين المفسدين في الأرض. (تفسير من وحي القرآن ج 17 ص 144).

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


نبَّه الإسلام من خطورة ظاهرة الفساد والتَّمادي فيها على حساب الإنسان والحياة، وحثَّ على طلب الفضيلة والخير، بما يحقّق الإصلاح والتّوازن المطلوب لإعمار الأرض، وتحقيق وجود الكائن الإنساني المُستخلف والمسؤول عن أمانة استخلافه.

والفساد هو الخروج بالشّيء عن حدِّ اعتداله، وهو ضدّ الصلاح، ويقال: أصلح الشيء بعد إفساده. والإفساد: أي جعل الأشياء فاسدةً. والفساد أصله تحوّل منفعة الشَّيء النَّافع إلى مضرّة به أو بغيره. ويطلق الفقهاء لفظ الفساد في المعاملات بمعنى البطلان، كما يُستعمل بمعنى الخروج عن الاستقامة.

والقرآن الكريم يتحدَّث كثيراً عن الفساد والإفساد، وفي حوار الله تعالى وملائكته، يتبيَّن خشية الملائكة من إفساد الأرض، عندما أخبرها الباري تعالى بأنّه جاعل فيها خليفة من البشر يخلف بعضهم بعضاً: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة: 30]. هنا يتّضح استفهام الملائكة عن جنس الإنسان وطبيعته العدوانيّة الّتي تنحرف عن خطّ الفطرة والعبوديّة، حيث يمارس الفساد والإفساد بعيداً عن تجلّيات الرّوح والعقل في ممارسة فعل الاستخلاف القائم على العدل والحقّ والصّلاح والإصلاح.

وفي تفسيره للآية المباركة: {قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء}، يقول سماحة المرجع المفسّر السيّد محمد حسين فضل الله(رض): من هذا النّوع الإنسانيّ الّذي يعيش الصِّراع بين العقل والغريزة في شخصيَّته، ويختزن عناصر النزاع والخلاف، والرّغبة في التّدمير، والأنانيّة في التملّك والتسلّط في ذاته، ما يؤدِّي إلى الإفساد المادّيّ والمعنويّ، وإلى سفك الدّماء، فتعيش الأرض من خلال هذه التَّعقيدات والاهتزازات في جوٍّ من الحروب المفسدة والمدمِّرة للمدر والبشر معاً، ما يبعدها عن السَّلام الموحي بالخير والمحبَّة والصّفاء، والمساعد على الحقّ في روحانيَّة الإيمان وحركيَّة التَّقوى والقرب منك، فيحلّ محلّ ذلك الحقد والعداوة والبغضاء والتّنازع والتّقاطع، وينفتح الواقع على الباطل في ضراوة الشّرّ وقسوة الجريمة وقذارة الشّعور وسقوط العقل. (تفسير من وحي القرآن، ج1، ص 215).

لقد أراد الله تعالى للنَّاس أن يسيروا في خطّ الصّلاح والإصلاح، كتأكيد على انفتاحهم الحيّ والفاعل مع خطّ الفطرة والتّوحيد والإخلاص، فالإفساد هو عدوان صارخ على الحياة بكلّ ما تزخر به من تنوّع وطاقات ومجالات، يقول تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، ويفسّر سماحته الآية بقوله: إفساد الفكر والعمل والعلاقات في المجالات الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة  والعسكريّة، فقد أعدّها الله إعداداً صالحاً في ما يريد لها من حركة وحياة، وأراد للنّاس من خلال وحي رسله أن يتابعوا خطوات الصّلاح، ولا يستسلموا لكلّ عوامل الفساد والإفساد، لأنّ ذلك يمثّل عدواناً على الحياة، وانحرافاً عن خطّ الله... وتلك هي مهمّة الإنسان في إدارة طاقاته الّتي وهبه الله إيّاها، بأن تكون كلّ فعاليّاتها للصّلاح والإصلاح، وذلك هو معنى أن تكون أمانة لله عنده، فلا يحرّكها إلا بما يرضي الله في بناء الحياة لا في هدمها.(تفسير من وحي القرآن، ج 10، ص 146).

وفي حديث القرآن الكريم عن بثّ دعاوى الفساد من قبل المفسدين، يقول تعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}[الشّعراء: 152]، ويقول سماحته(رض) في تفسيره للآية المباركة:

الّذين أسرفوا على أنفسهم بالكفر والشّرك والانحراف عن طاعة الله، لتأكيد امتيازاتهم واستكبارهم وظلمهم للمستضعفين، وهم الطّبقة المترفة من أفراد المجتمع من أشراف القوم وساداتهم، الّذين أصرّوا على البقاء في مواقعهم الفكريّة والعمليّة، بعيداً عن التّغيير المنطلق من الدّليل والحجّة والبرهان {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}، من خلال أفكارهم الكافرة وعباداتهم المشركة وتقاليدهم المنحرفة، وعلاقاتهم الفاسدة وأفعالهم الشرّيرة، ما يؤدِّي إلى اختلال النّظام العام في الوجود الإنساني في الأرض، وإلى إفساد الحياة من حولهم مما يرفضه الله من كلّ عباده، إذ حمَّلهم مسؤوليّة الإصلاح في أنفسهم وفي النّاس، على مستوى الدّعوة والعمل، لينسجم النّظام الإنساني مع النّظام الكونيّ في عمليّة تكامل وتوافق وامتداد.

وإذا كان الله يريد الحياة على أساس إقامة النِّظام العام في حركة الإنسان، فلا بدَّ من أن يتحمّل النّاس البسطاء مسؤوليّة التمرّد على هؤلاء المسرفين المفسدين في الأرض. (تفسير من وحي القرآن ج 17 ص 144).

إن الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبِّر بالضرورة عن رأي الموقع ، وإنما عن رأي صاحبه .


اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية