ينطلق القرآن الكريم ليواجه الحالات النفسيَّة الَّتي يعيشها النَّاس أمام كثرة الباطل وقلَّة الحقّ، فينهزمون نفسياً أمام ذلك، أو يخيَّل إليهم أنَّ الحقَّ في جانب الكثرة، فيحاول أن يربطنا بواقع الأشياء لننفذ إلى أعماقها، فنتعرَّف خصائصها، لنميِّز الخبيث من الطيِّب والحقَّ من الباطل.
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: 100].
ونلتقي - في هذا المجال - بحوار الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) مع بعض الأشخاص - وهو الحارث بن حوط - في موضوع حربه مع أهل الجمل في البصرة، فقد واجه هذا الرَّجلُ الإمامَ بهذا السّؤال: "أتراني أظنّ أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟".
قال الإمام (ع) - وقد عرف نقطة الضعف في فهمه للأشياء – "إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحِرت؛ إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف مَن أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه"(1).
فقد كان هذا الرَّجل خاضعاً لفكرة خاطئة تلحّ على فكره بقوَّة، وهي استبعاد ضلال الناس بمثل هذا العدد الكبير، فخيِّل إليه أنَّ مجرّد الكثرة كاف في رفض الحكم بالضَّلال والباطل عليهم. ولكنّ الإمام أجابه بالتركيز على المقياس الحقيقي للتَّمييز بين الحقِّ والباطل في حياة النَّاس، وذلك بمعرفة طبيعة الحقّ في ملامحه الفكريَّة، وطبيعة الباطل في خصائصه الذاتيَّة، بعيداً من عنصر الكثرة والقلَّة، وبذلك يستقيم له الحكم، فترتكز القناعات الفكريَّة على أساس الرؤية الواضحة المحدِّدة للمبادئ الَّتي تحكم الأشياء لتكون أساساً للتَّقييم في جانب القلّة والكثرة، لا على أساس النظر إلى طبيعة "الكمّ" لنأخذ منها المبادئ التي تحكم الحياة.
وقد كثرت - في القرآن الكريم - الآيات التي تصف الأكثريَّة بأنّهم لا يعلمون ولا يؤمنون ولا يشكرون، لأنَّ الغالب في أيِّ فكرة من الأفكار، أو أيِّ دين من الأديان، أن لا تستقطب النَّاس جميعاً - إلَّا بعد زمن طويل - فأراد القرآن أن يزيل من نفوس المؤمنين الشّعور بالضّعف والرَّهبة والوحشة، أو الاستسلام لنوازع الشّكِّ والحيرة فيما هم عليه إزاء كثرة الباطل وقوّته، ليعرفوا أنّ قضية الحقّ والباطل لا تخضع لحساب الأرقام في أيّ مجال من مجالات الحياة.
ولنقرأ بعض نماذج هذه الآيات الكريمة:
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 131].
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}[هود: 17].
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}[البقرة: 243].
{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}[الأعراف: 102].
وفي ضوء ذلك، فإنّنا لا نعتبر "الديمقراطية" التي يأخذ بها كثير من دول العالم، في نظام الحكم وأسلوبه، قاعدة ثابتة للتقييم والتقنين، لأنَّ الأكثرية الشعبية أو النيابية، لا تخضع لمقاييس الحقّ والباطل في تأييدها أو رفضها، بل ربّما تقع تحت مؤثّرات نفسيّة أو ماليّة أو شهوانيّة، أو غير ذلك من الحالات التي تنحرف بالموقف عن الخطّ السليم، ولا سيّما إذا عرفنا الأساليب التي يمارسها أصحاب المصالح السياسيَّة والشخصيَّة والاقتصاديَّة في جمع الأصوات المؤيّدة أو الرافضة لهذا التشريع أو ذاك، حيث تشهد العروض الكثيرة التي تطرح في سوق المزايدات الانتخابية في داخل "البرلمان" وخارجه، بالأثمان الماديّة والمعنويّة.
* من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".
ينطلق القرآن الكريم ليواجه الحالات النفسيَّة الَّتي يعيشها النَّاس أمام كثرة الباطل وقلَّة الحقّ، فينهزمون نفسياً أمام ذلك، أو يخيَّل إليهم أنَّ الحقَّ في جانب الكثرة، فيحاول أن يربطنا بواقع الأشياء لننفذ إلى أعماقها، فنتعرَّف خصائصها، لنميِّز الخبيث من الطيِّب والحقَّ من الباطل.
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: 100].
ونلتقي - في هذا المجال - بحوار الإمام عليّ أمير المؤمنين (ع) مع بعض الأشخاص - وهو الحارث بن حوط - في موضوع حربه مع أهل الجمل في البصرة، فقد واجه هذا الرَّجلُ الإمامَ بهذا السّؤال: "أتراني أظنّ أنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟".
قال الإمام (ع) - وقد عرف نقطة الضعف في فهمه للأشياء – "إنّك نظرت تحتك ولم تنظر فوقك فحِرت؛ إنّك لم تعرف الحقّ فتعرف مَن أتاه، ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه"(1).
فقد كان هذا الرَّجل خاضعاً لفكرة خاطئة تلحّ على فكره بقوَّة، وهي استبعاد ضلال الناس بمثل هذا العدد الكبير، فخيِّل إليه أنَّ مجرّد الكثرة كاف في رفض الحكم بالضَّلال والباطل عليهم. ولكنّ الإمام أجابه بالتركيز على المقياس الحقيقي للتَّمييز بين الحقِّ والباطل في حياة النَّاس، وذلك بمعرفة طبيعة الحقّ في ملامحه الفكريَّة، وطبيعة الباطل في خصائصه الذاتيَّة، بعيداً من عنصر الكثرة والقلَّة، وبذلك يستقيم له الحكم، فترتكز القناعات الفكريَّة على أساس الرؤية الواضحة المحدِّدة للمبادئ الَّتي تحكم الأشياء لتكون أساساً للتَّقييم في جانب القلّة والكثرة، لا على أساس النظر إلى طبيعة "الكمّ" لنأخذ منها المبادئ التي تحكم الحياة.
وقد كثرت - في القرآن الكريم - الآيات التي تصف الأكثريَّة بأنّهم لا يعلمون ولا يؤمنون ولا يشكرون، لأنَّ الغالب في أيِّ فكرة من الأفكار، أو أيِّ دين من الأديان، أن لا تستقطب النَّاس جميعاً - إلَّا بعد زمن طويل - فأراد القرآن أن يزيل من نفوس المؤمنين الشّعور بالضّعف والرَّهبة والوحشة، أو الاستسلام لنوازع الشّكِّ والحيرة فيما هم عليه إزاء كثرة الباطل وقوّته، ليعرفوا أنّ قضية الحقّ والباطل لا تخضع لحساب الأرقام في أيّ مجال من مجالات الحياة.
ولنقرأ بعض نماذج هذه الآيات الكريمة:
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف: 131].
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}[هود: 17].
{وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ}[البقرة: 243].
{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}[الأعراف: 102].
وفي ضوء ذلك، فإنّنا لا نعتبر "الديمقراطية" التي يأخذ بها كثير من دول العالم، في نظام الحكم وأسلوبه، قاعدة ثابتة للتقييم والتقنين، لأنَّ الأكثرية الشعبية أو النيابية، لا تخضع لمقاييس الحقّ والباطل في تأييدها أو رفضها، بل ربّما تقع تحت مؤثّرات نفسيّة أو ماليّة أو شهوانيّة، أو غير ذلك من الحالات التي تنحرف بالموقف عن الخطّ السليم، ولا سيّما إذا عرفنا الأساليب التي يمارسها أصحاب المصالح السياسيَّة والشخصيَّة والاقتصاديَّة في جمع الأصوات المؤيّدة أو الرافضة لهذا التشريع أو ذاك، حيث تشهد العروض الكثيرة التي تطرح في سوق المزايدات الانتخابية في داخل "البرلمان" وخارجه، بالأثمان الماديّة والمعنويّة.
* من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".