نهيُ المؤمنينَ عن اتِّخاذِ الكافرينَ أولياء

نهيُ المؤمنينَ عن اتِّخاذِ الكافرينَ أولياء

يقول الله سبحانه وتعالى في موقع النَّهي مخاطباً المؤمنين: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}.

فالله سبحانه يطلق المسألة على أساس التحريم القوي القاطع في أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بحيث يعطون الكافرين ولاية أمورهم، وتدبير أوضاعهم، وتقنين قوانينهم، وتحريك أوضاعهم في اتجاه الحرب والسِّلم، أو في اتجاه القضايا في خطوطها السياسيَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة.

ثم يأتي التَّهديد لمن يفعل ذلك: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمران: 28]، أي أنّ الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فيولّونهم أمورهم، فإن هؤلاء ستنقطع العلاقة بينهم وبين الله؛ لأنَّ الارتباط بالله يفرض انطلاق الموقف من القاعدة الإيمانيّة المنفتحة عليه، والمرتكزة على التواصل مع الذين يؤكِّدون في سلوكهم القوّة للإيمان، ما يفرض على المؤمنين الانفصال عن القوّة المضادّة التي تتبنّى الكفر كقوّة فكريّة وعمليّة وسلطويّة في مقابل الإيمان، ويفرض عليهم أيضاً الأخذ بأسباب القوّة للمؤمنين، والضّعف للكافرين، فيكون اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين مضادّاً للخطّة الإيمانيّة التي يرضاها الله.

وهنا، لا بدَّ لنا من أن ندرس هذا الخطَّ الإسلامي؛ هل إنَّ الإسلام يريد من المؤمنين أن يقاطعوا الكافرين، فلا يتعاملوا معهم، ولا يتواصلوا معهم؟ وهل يريد أن ينفصل المؤمنون عن الكافرين انفصالاً كلياً، في الوقت الَّذي نعرف أنَّ الواقع الإنسانيّ عموماً، ومنه الواقع الإسلامي، هو واقع يتداخل فيه المجتمع الكافر مع المجتمع المسلم، فقد يحتاج المسلمون إلى الكافرين فيما يملكون من مال، وقد يحتاجونهم فيما يملكونه من علم أو خبرة أو ما إلى ذلك، وقد تفرض الأوضاع على المسلمين في صراعاتهم المتنوّعة مع هذا الشَّعب وذاك الشَّعب، بأن يتحالفوا جزئياً مع هؤلاء الكفرة أو أولئك من دون أن يسقطوا أمامهم؟ هل يريد الإسلام من المسلمين أن يقاطعوا الكافرين، أو أنَّ المسألة تختلف عن ذلك؟

إنّنا نستوحي من هذه الآيات، ومن آيات أخرى، أنَّ القرآن يريد أن يؤكِّد دعوته للارتباط العضوي بين أفراد الجماعة الإسلاميَّة من موقع الإيمان الواحد، فعندما يرتكز المؤمنون على قاعدة الإيمان في عقيدته وشريعته وخطوطه الفكرية والثقافية، فستكون القاعدة الإيمانيَّة هي التي تجمعهم، وهي الَّتي تربط بعضهم ببعض، وهي التي ينفتحون عليها في علاقات بعضهم مع بعض، بحيث ينطلقون من الخطوط التي يؤمنون بها على مستوى العلاقات والمعاملات والتواصل فيما بينهم هنا وهناك، لأنَّ المسألة هي مسألة القاعدة الفكرية التي توحِّد المسلمين فيما يعتقدونه وفيما يفكّرون فيه وفيما يلتزمونه، بحيث إنَّهم يعتبرون أنفسهم موقعاً واحداً، لا فواصل فيه بين مسلم ومسلم فيما يؤمن به وفيما يعتقده. وعلى ضوء هذا، فإنهم عندما يلتزمون بالقاعدة الإيمانيَّة في كلِّ عناصرها الفكرية، وفي كلِّ مفاصلها العملية، فإنَّ من الطبيعي جداً أن ينفصلوا عن الذين تختلف قاعدتهم عن قاعدتهم...

وما كانت الآية السابقة بصدده، هو أنَّ الاختلافات الجوهريّة التي يخضع لها الواقع الإنسانيّ كلّه، والإسلاميّ كلّه، تؤدّي - بطبيعتها - إلى الانفصال بين المسلمين والكافرين في الواقع الثقافي والخطّ العملي الحركي. ولكن هناك فرقاً بين ذلك، وبين الاختلاف في القضايا التفصيلية التي تتصل ببعض القضايا الجزئية هنا وهناك، ببعض ما نأكل أو نشرب أو نلبس أو ما إلى ذلك، مما لا يمثل أساساً للقيم الإنسانية بين الناس، فإنَّ الله لم يحرِّم على المسلمين أن يتعاملوا مع الكافرين، بل إنه أباح لهم ذلك، فمن الممكن للمسلمين أن يقيموا علاقات تجاريَّة أو ثقافيَّة معهم، أو أن ينفتحوا على بعض العلاقات الأمنيَّة بما لا يسقط الواقع الإسلامي، حيث لا مانع على مستوى العلاقات من أن يقوم ذلك كلّه، وذلك هو قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الممتحنة: 8-9). ولكن لا بدَّ للمسلمين، عندما يحرّكون العلاقات معهم، أن لا يفقدوا القاعدة الإيمانيَّة التي ينطلقون منها في معنى إيمانهم، لأنَّ الله يريد للمسلمين البقاء في خطِّ القاعدة الإيمانيَّة، بحيث لا يجتاحهم واقع الكفر في ما يعتقدون وفي ما يلتزمون.

لذلك، لا بدَّ للمسلمين مـن أن يحافظوا على تركيز الخطوط العقائديـَّة فـي ما هي العقيدة، والخطوط الثقافيَّة في ما هـي مفاهيم الثَّقافة، والخطوط الحركيَّة في ما هـي خطوط الحركة، وأن ينطلقوا على أساس أن يبقى لهم إيمانهم وإسلامهم، وأن لا يذوبوا فيما يأخذ به الكافرون من قواعدهم الفكريَّة ومن التزاماتهم العمليَّة.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

يقول الله سبحانه وتعالى في موقع النَّهي مخاطباً المؤمنين: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}.

فالله سبحانه يطلق المسألة على أساس التحريم القوي القاطع في أن يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، بحيث يعطون الكافرين ولاية أمورهم، وتدبير أوضاعهم، وتقنين قوانينهم، وتحريك أوضاعهم في اتجاه الحرب والسِّلم، أو في اتجاه القضايا في خطوطها السياسيَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة.

ثم يأتي التَّهديد لمن يفعل ذلك: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ}[آل عمران: 28]، أي أنّ الذين يتَّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فيولّونهم أمورهم، فإن هؤلاء ستنقطع العلاقة بينهم وبين الله؛ لأنَّ الارتباط بالله يفرض انطلاق الموقف من القاعدة الإيمانيّة المنفتحة عليه، والمرتكزة على التواصل مع الذين يؤكِّدون في سلوكهم القوّة للإيمان، ما يفرض على المؤمنين الانفصال عن القوّة المضادّة التي تتبنّى الكفر كقوّة فكريّة وعمليّة وسلطويّة في مقابل الإيمان، ويفرض عليهم أيضاً الأخذ بأسباب القوّة للمؤمنين، والضّعف للكافرين، فيكون اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين مضادّاً للخطّة الإيمانيّة التي يرضاها الله.

وهنا، لا بدَّ لنا من أن ندرس هذا الخطَّ الإسلامي؛ هل إنَّ الإسلام يريد من المؤمنين أن يقاطعوا الكافرين، فلا يتعاملوا معهم، ولا يتواصلوا معهم؟ وهل يريد أن ينفصل المؤمنون عن الكافرين انفصالاً كلياً، في الوقت الَّذي نعرف أنَّ الواقع الإنسانيّ عموماً، ومنه الواقع الإسلامي، هو واقع يتداخل فيه المجتمع الكافر مع المجتمع المسلم، فقد يحتاج المسلمون إلى الكافرين فيما يملكون من مال، وقد يحتاجونهم فيما يملكونه من علم أو خبرة أو ما إلى ذلك، وقد تفرض الأوضاع على المسلمين في صراعاتهم المتنوّعة مع هذا الشَّعب وذاك الشَّعب، بأن يتحالفوا جزئياً مع هؤلاء الكفرة أو أولئك من دون أن يسقطوا أمامهم؟ هل يريد الإسلام من المسلمين أن يقاطعوا الكافرين، أو أنَّ المسألة تختلف عن ذلك؟

إنّنا نستوحي من هذه الآيات، ومن آيات أخرى، أنَّ القرآن يريد أن يؤكِّد دعوته للارتباط العضوي بين أفراد الجماعة الإسلاميَّة من موقع الإيمان الواحد، فعندما يرتكز المؤمنون على قاعدة الإيمان في عقيدته وشريعته وخطوطه الفكرية والثقافية، فستكون القاعدة الإيمانيَّة هي التي تجمعهم، وهي الَّتي تربط بعضهم ببعض، وهي التي ينفتحون عليها في علاقات بعضهم مع بعض، بحيث ينطلقون من الخطوط التي يؤمنون بها على مستوى العلاقات والمعاملات والتواصل فيما بينهم هنا وهناك، لأنَّ المسألة هي مسألة القاعدة الفكرية التي توحِّد المسلمين فيما يعتقدونه وفيما يفكّرون فيه وفيما يلتزمونه، بحيث إنَّهم يعتبرون أنفسهم موقعاً واحداً، لا فواصل فيه بين مسلم ومسلم فيما يؤمن به وفيما يعتقده. وعلى ضوء هذا، فإنهم عندما يلتزمون بالقاعدة الإيمانيَّة في كلِّ عناصرها الفكرية، وفي كلِّ مفاصلها العملية، فإنَّ من الطبيعي جداً أن ينفصلوا عن الذين تختلف قاعدتهم عن قاعدتهم...

وما كانت الآية السابقة بصدده، هو أنَّ الاختلافات الجوهريّة التي يخضع لها الواقع الإنسانيّ كلّه، والإسلاميّ كلّه، تؤدّي - بطبيعتها - إلى الانفصال بين المسلمين والكافرين في الواقع الثقافي والخطّ العملي الحركي. ولكن هناك فرقاً بين ذلك، وبين الاختلاف في القضايا التفصيلية التي تتصل ببعض القضايا الجزئية هنا وهناك، ببعض ما نأكل أو نشرب أو نلبس أو ما إلى ذلك، مما لا يمثل أساساً للقيم الإنسانية بين الناس، فإنَّ الله لم يحرِّم على المسلمين أن يتعاملوا مع الكافرين، بل إنه أباح لهم ذلك، فمن الممكن للمسلمين أن يقيموا علاقات تجاريَّة أو ثقافيَّة معهم، أو أن ينفتحوا على بعض العلاقات الأمنيَّة بما لا يسقط الواقع الإسلامي، حيث لا مانع على مستوى العلاقات من أن يقوم ذلك كلّه، وذلك هو قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الممتحنة: 8-9). ولكن لا بدَّ للمسلمين، عندما يحرّكون العلاقات معهم، أن لا يفقدوا القاعدة الإيمانيَّة التي ينطلقون منها في معنى إيمانهم، لأنَّ الله يريد للمسلمين البقاء في خطِّ القاعدة الإيمانيَّة، بحيث لا يجتاحهم واقع الكفر في ما يعتقدون وفي ما يلتزمون.

لذلك، لا بدَّ للمسلمين مـن أن يحافظوا على تركيز الخطوط العقائديـَّة فـي ما هي العقيدة، والخطوط الثقافيَّة في ما هـي مفاهيم الثَّقافة، والخطوط الحركيَّة في ما هـي خطوط الحركة، وأن ينطلقوا على أساس أن يبقى لهم إيمانهم وإسلامهم، وأن لا يذوبوا فيما يأخذ به الكافرون من قواعدهم الفكريَّة ومن التزاماتهم العمليَّة.

* من كتاب "النَّدوة"، ج 16.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية