يريد اللهُ تعالى للإنسان أن يحسمَ أمرَه في تقرير مصيره فيما ينتظرُه في المستقبل، عندما يلتقي في الآخرة مع حساب الله، ويريدُ للإنسان أن يكون واقعيّاً في وعيِه لمسؤوليَّته، ولكلِّ ما يعانيه في حركة المسؤوليّة.
ولذلك، يقول الله تبارك وتعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 5 - 6]. فإذا كان الإنسانُ يرجو لقاءَ ربِّه، لأنّه يؤمنُ بالله واليوم الآخر، ويرى أنَّ لكلِّ مخلوقٍ أجلاً لا بدَّ أنْ يَبْلغه صاحبُه فيما قُدِّر له، فإنَّ عليه أن يستعدَّ ويتهيّأ لأجلِه، ويوحي لنفسه على الدَّوام عندما يُصبح ويُمسي، بأنَّ أجَلَ الله لآت، فالأجل قد يأتيه صباحاً أو مساءً، وقد يأتيه نائماً أو في حالة اليقظة. ولذا، عليه ألَّا ينسَى أجله، لأنَّه إذا نسيَه، أطالَ أملَه ونسيَ عملَه. والإنسان الواعي لمسؤوليَّاتِه أمام الله، يعرف أنَّ هناك حساباً ينتظره، وأنَّ هناك عقاباً أو ثواباً سينالُه، أمَّا الإنسان الَّذي ينسى الموتَ والآخرة، فإنَّه يترُك العمل ويفكِّر في العمر والأمدِ الطَّويل، ويؤخِّر عمل اليوم إلى الغد، وعملَ الغدِ إلى ما بعدَ الغد.
وعلى هذا {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ} في أيّ وقت {فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ}، وهذا الأجلُ لن يَضِيعَ وسيأتي فيما قدَّره الله، {وَهُوَ السَّمِيعُ} الَّذي يسمع كلَّ كلماتِكم، {الْعَلِيمُ} الَّذي يعلم كلَّ نيّاتِكم وأعمالِكم وعلاقاتِكم. وإذا كان سبحانه يسمع كلَّ شيء، فكيف تتكلَّمون بكلامٍ لا يرضاه؟ وإذا كان سبحانه يعلم كلَّ شيء، فكيف تُفكِّرون فيما لا يرضاه وتعملون ما لا يرضاه؟
{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ}، فعليه أن يستعدَّ للقائِه، لأنَّ أجلَ الله سيأتي، ومَنْ كان يعرفُ أنَّ الله هو السَّميعُ العليم، عليه أنْ يتحفَّظ في أفكارِه وأعمالِه وخطواتِه وعلاقاتِه، ولا يُقْدِم على أيِّ أمرٍ لا يُرضي الله سبحانه وتعالى.
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} فمن جاهدَ في عمله ونشاطه وفكرِه وعبادتِه، فإنَّ عليه ألا يُمَنِّن ربَّه في ذلك، بل عليه أن يعتبر أنَّ عمله الَّذي يعمله، فإنَّ مردوده لنفسه وعلى نفسه {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}[الزمر: 41]، فإذا جاهدتَ في الخير والعبادة والعلم، فإنَّك تجاهد لنفسك، وحاول أن تزداد ممّا تعمل، لتزيد حصّة نفسك من ثواب الله ورضوانه.
{إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 6]، فالله لا يحتاج إلى صلاتكم لتزيد صلاتكم في مُلكه، ولا إلى حَجّكم وصومكم ليرفع ذلك من شأنه، ولا إلى زكاتِكم وخُمُسِكم ليزيد ذلك في ماله، فالله تعالى خلَقكم وخلقَ ما تُرْزَقُون وما تنتجون، فكلّكم لله وكلُّ ما عندكم له، فما حاجة الله بكلِّ ما تقدِّمونه؟ فالإنسان ما يعمل من خير أو شرٍّ يراه، فهو يَجني خيرَه ويجني شرَّه، وهو يحملُ على ظهره جنَّته حيث يصنعُها من خلال عمله، ويحمل على ظهره نارَه من خلال ما يُحرِق به حياته بسبب العمل الَّذي يُقدِم عليه.
وينطلق الخطاب القرآني بالبشرى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. أيُّها النّاس، آمنوا بالله، فالإيمانُ بالله هو حقيقةُ الحقائق، واعملوا صالحاً، فإنَّ العملَ الصَّالح هو معنى الحياة ومعنى المسؤوليَّة فيها، فإذا آمَنتم بالله كما يجبُ الإيمان، وعملتم الصَّالحات كما يُحِبُّ الله، أتعرفون ما الجائزة؟ {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}، ويَغفرُها لكم باعتبار أنَّ العمل الصَّالح يطردُ السيِّئ، وزيادةً على ذلك {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[العنكبوت: 7]، ليضاعفَ لهم أجرَهم وثوابهم {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ}[الأنعام: 160].
وعلى هذا، فلماذا يزهد الإنسان في ثواب الله، ويرغب في ثواب عباد الله؟ وما قيمةُ ثواب العباد؟ إنَّ ثوابَ الله هو الَّذي يَخْلُد، فلماذا يرغب الإنسان في الفاني ويترك الخالد الباقي؟!
*من كتاب "من عرفان القرآن".

يريد اللهُ تعالى للإنسان أن يحسمَ أمرَه في تقرير مصيره فيما ينتظرُه في المستقبل، عندما يلتقي في الآخرة مع حساب الله، ويريدُ للإنسان أن يكون واقعيّاً في وعيِه لمسؤوليَّته، ولكلِّ ما يعانيه في حركة المسؤوليّة.
ولذلك، يقول الله تبارك وتعالى: {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 5 - 6]. فإذا كان الإنسانُ يرجو لقاءَ ربِّه، لأنّه يؤمنُ بالله واليوم الآخر، ويرى أنَّ لكلِّ مخلوقٍ أجلاً لا بدَّ أنْ يَبْلغه صاحبُه فيما قُدِّر له، فإنَّ عليه أن يستعدَّ ويتهيّأ لأجلِه، ويوحي لنفسه على الدَّوام عندما يُصبح ويُمسي، بأنَّ أجَلَ الله لآت، فالأجل قد يأتيه صباحاً أو مساءً، وقد يأتيه نائماً أو في حالة اليقظة. ولذا، عليه ألَّا ينسَى أجله، لأنَّه إذا نسيَه، أطالَ أملَه ونسيَ عملَه. والإنسان الواعي لمسؤوليَّاتِه أمام الله، يعرف أنَّ هناك حساباً ينتظره، وأنَّ هناك عقاباً أو ثواباً سينالُه، أمَّا الإنسان الَّذي ينسى الموتَ والآخرة، فإنَّه يترُك العمل ويفكِّر في العمر والأمدِ الطَّويل، ويؤخِّر عمل اليوم إلى الغد، وعملَ الغدِ إلى ما بعدَ الغد.
وعلى هذا {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ} في أيّ وقت {فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ}، وهذا الأجلُ لن يَضِيعَ وسيأتي فيما قدَّره الله، {وَهُوَ السَّمِيعُ} الَّذي يسمع كلَّ كلماتِكم، {الْعَلِيمُ} الَّذي يعلم كلَّ نيّاتِكم وأعمالِكم وعلاقاتِكم. وإذا كان سبحانه يسمع كلَّ شيء، فكيف تتكلَّمون بكلامٍ لا يرضاه؟ وإذا كان سبحانه يعلم كلَّ شيء، فكيف تُفكِّرون فيما لا يرضاه وتعملون ما لا يرضاه؟
{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللهِ}، فعليه أن يستعدَّ للقائِه، لأنَّ أجلَ الله سيأتي، ومَنْ كان يعرفُ أنَّ الله هو السَّميعُ العليم، عليه أنْ يتحفَّظ في أفكارِه وأعمالِه وخطواتِه وعلاقاتِه، ولا يُقْدِم على أيِّ أمرٍ لا يُرضي الله سبحانه وتعالى.
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} فمن جاهدَ في عمله ونشاطه وفكرِه وعبادتِه، فإنَّ عليه ألا يُمَنِّن ربَّه في ذلك، بل عليه أن يعتبر أنَّ عمله الَّذي يعمله، فإنَّ مردوده لنفسه وعلى نفسه {فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}[الزمر: 41]، فإذا جاهدتَ في الخير والعبادة والعلم، فإنَّك تجاهد لنفسك، وحاول أن تزداد ممّا تعمل، لتزيد حصّة نفسك من ثواب الله ورضوانه.
{إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت: 6]، فالله لا يحتاج إلى صلاتكم لتزيد صلاتكم في مُلكه، ولا إلى حَجّكم وصومكم ليرفع ذلك من شأنه، ولا إلى زكاتِكم وخُمُسِكم ليزيد ذلك في ماله، فالله تعالى خلَقكم وخلقَ ما تُرْزَقُون وما تنتجون، فكلّكم لله وكلُّ ما عندكم له، فما حاجة الله بكلِّ ما تقدِّمونه؟ فالإنسان ما يعمل من خير أو شرٍّ يراه، فهو يَجني خيرَه ويجني شرَّه، وهو يحملُ على ظهره جنَّته حيث يصنعُها من خلال عمله، ويحمل على ظهره نارَه من خلال ما يُحرِق به حياته بسبب العمل الَّذي يُقدِم عليه.
وينطلق الخطاب القرآني بالبشرى {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. أيُّها النّاس، آمنوا بالله، فالإيمانُ بالله هو حقيقةُ الحقائق، واعملوا صالحاً، فإنَّ العملَ الصَّالح هو معنى الحياة ومعنى المسؤوليَّة فيها، فإذا آمَنتم بالله كما يجبُ الإيمان، وعملتم الصَّالحات كما يُحِبُّ الله، أتعرفون ما الجائزة؟ {لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}، ويَغفرُها لكم باعتبار أنَّ العمل الصَّالح يطردُ السيِّئ، وزيادةً على ذلك {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}[العنكبوت: 7]، ليضاعفَ لهم أجرَهم وثوابهم {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَ}[الأنعام: 160].
وعلى هذا، فلماذا يزهد الإنسان في ثواب الله، ويرغب في ثواب عباد الله؟ وما قيمةُ ثواب العباد؟ إنَّ ثوابَ الله هو الَّذي يَخْلُد، فلماذا يرغب الإنسان في الفاني ويترك الخالد الباقي؟!
*من كتاب "من عرفان القرآن".