يقول تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ
مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطاً * هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ
عَلَيْهِمْ وَكِيلً}[النساء: 108 - 109].
نزلت هذه الآيات لتبرّئ يهوديّاً على الرّغم من يهوديّته، لأنَّ العدالة في الإسلام
لا تنظر إلى دين الشَّخص، أيّ دين يلتزم، ولكنّها تنظر إلى حقّ الشَّخص في أيّ مجالٍ
من المجالات، لتعطيه مهما كان دينه ومهما كان موقعه.
وعلى هذا الأساس تابعت الآيات: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}،
تقول إذا صدر عنكم شيء من هذا القبيل نتيجة عاطفة أو نتيجة حزبيّة أو نتيجة طائفيّة،
إذا صدر عنكم مثل هذا الشَّيء وتبتم، فإنَّ الله يتوب عليكم.
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ
اللهَ غَفُوراً رَّحِيم}[النساء: 110]، إذا تراجعت وقلتَ يا ربّ لقد أخذت
بالعاطفة، فدافعتُ عن مجرم على حساب بريء، يا ربّ لقد ظلمتُ نفسي ولقد عملت سوءاً
وأنا أستغفرك من ذلك، فالله يقول لك إذا صدقت نيّتك في التوبة، فإنّي أغفر لك.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ
عَلِيمًا حَكِيمً}[النساء: 111]، يعني عندما يسيء شخص من العشيرة أو من العائلة أو
شخص من الطَّائفة أو من حزب أو من أيّ جهةٍ كانت من التجمُّعات الموجودة في المجتمع،
إذا كسب إثماً، فلماذا تشعر العشيرة أو الطائفة أو الحزب أو الجماعة بأنَّ هذا
الأمر مشكلة كبيرة لها؟! إنّه لا ينال العشيرة شيءٌ من إثم فرد من العشيرة، ولا
ينال العائلة شيءٌ من إثم فرد من أفراد العائلة.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}، لأنَّ المسؤوليَّة
في الإسلام فرديَّة، أبوك لا يتحمّل إثمك، أنتَ تأثم، أمّا أبوك، فإنسان طاهر لا
يجوز لإنسان أن يتعرَّض له بكلمة سوء، وهكذا عندما يخطئ إنسان، فهو مَن يتحمَّل
مسؤوليَّة خطئه، هذا الشَّيء المتعارَف عند الناس، إذا انحرفت امرأة أو فتاة من
العائلة، فإنّهم يشعرون بأنَّ شرف العائلة قد تلطَّخ، ولهذا فإنّهم يعملون على قتل
هذه الإنسانة من دون دراسة الظّروف، الإسلام يقول: لكلّ إنسان شرفه الخاصّ، ليس
هناك شيء اسمه شرف العائلة، أمّا إذا انحرف فرد من العائلة أو أخطأ، فشرف العائلة
لم يدنَّس، لكنّ شرفه هو الذي يُدَنَّس، ولهذا لا بدَّ أن يعامَل معاملة على أساس
المسؤولية الفردية في هذا المجال.
هذه العقليّة الإسلاميّة العادلة التي تجعلك تواجه المسألة على أساس أنّ هذا
الإنسان هو مَن كَسَبَ الإثم، إذاً هو يعاقَب، ثمّ مَن الَّذي يعاقِب وكيف يكون
العقاب؟ هذه الأمور لا بدَّ أن تخضع لحدود ولا تنطلق في دائرة العصبية. ولعلَّ
العصبيَّة هي مجال عصبيّات ظالمة، والسبب أنّ المجتمع العشائريّ الآن يعتبر أنّ شرف
العشيرة يدنّس إذا أخطأت الفتاة، ولكنّ شرف العشيرة لا ينبغي أن يدافع عنه إذا أخطأ
الشّابّ، إذا أخطأت الفتاة فمعناه أنَّ هناك العار، ولكن إذا أخطأ الشابّ فعلينا أن
نوكل له محامياً، وعلينا أن نخوض في معركة للعشيرة ضدّ العشيرة الثانية حتّى نحميه
من اعتداء أهل البنت التي اعتدى عليها، أليس كذلك؟ لأنَّ المرأة ضعيفة، ولأنّ الشابَّ
يخدم العشيرة، المرأة لا تُقاتل، فإذا خسروا امرأة فإنّهم لا يخسرون بندقيّة، ولكنَّ
الشابّ يخسرون معه بندقية.. إذا كانت المسألة مسألة الشَّرف، فأيّ فرق بين أن يسيء
أحد إلى شرفك أو أن تسيء إلى شرف الآخرين؟ لكن إذا كانت المسألة مسألة جاهليّة، فإنَّ
الجاهليَّة تفرض نفسها على عقولنا حتّى لو كنّا مسلمين...
وهكذا نجد في حياة الناس السياسيّة والاجتماعيّة، عندما تخطئ شخصية كبيرة، فإنَّ كلّ
الناس يتبرّعون للدفاع عنه ولحمايته، حتّى لو كان في مستوى الجريمة، وعندما يخطئ
عنصر بسيط، فإنّ كلّ قوانين العالَم تنزل على رأسه لتدافع عن الحريَّة وعن العدالة
وعن الحقوق: "إِنَّما أهلك مَن كان قبلكم، أنّهم كانوا إذا سَرَقَ الشَّريف تركوه،
وإذا سرق الضَّعيف أقاموا عليه الحدّ، والله لو سَرَقَتْ فاطمة بنت محمَّد
لَقُطِعَت يدها".
هذا هو منطق الإسلام {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
بَرِيئ}، أنتَ تفعل فعلتك، أو قريبك، ثمّ تلصقها ببريء مستغلاً قوّتك الماليّة أو
قوّتك الإعلاميّة أو قوّتك السياسيّة أو قوّتك العشائريّة، لأنَّ الناس يقبلون منك
ولا يقبلون من الآخر، فتلصق التهمة به {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَان}. البهتان هو
أن تنسب إلى إنسان ما لم يفعله، {وَإِثْماً مُّبِين}[النساء: 112] إثماً واضحاً
يعاقبه الله عليه يوم القيامة.
فهناك حقَّان؛ حقّ خاص وحقٌّ عام، حقّ هذا الإنسان لأنّك اتّهمته بدون حقّ، والحقّ
العام هو حقّ الله، لأنّك كذبت وظلمتَ إنساناً في ما لا يجوّز لكَ الله ذلك.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".

يقول تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ
مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا
يَعْمَلُونَ مُحِيطاً * هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ
عَلَيْهِمْ وَكِيلً}[النساء: 108 - 109].
نزلت هذه الآيات لتبرّئ يهوديّاً على الرّغم من يهوديّته، لأنَّ العدالة في الإسلام
لا تنظر إلى دين الشَّخص، أيّ دين يلتزم، ولكنّها تنظر إلى حقّ الشَّخص في أيّ مجالٍ
من المجالات، لتعطيه مهما كان دينه ومهما كان موقعه.
وعلى هذا الأساس تابعت الآيات: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ}،
تقول إذا صدر عنكم شيء من هذا القبيل نتيجة عاطفة أو نتيجة حزبيّة أو نتيجة طائفيّة،
إذا صدر عنكم مثل هذا الشَّيء وتبتم، فإنَّ الله يتوب عليكم.
{وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ
اللهَ غَفُوراً رَّحِيم}[النساء: 110]، إذا تراجعت وقلتَ يا ربّ لقد أخذت
بالعاطفة، فدافعتُ عن مجرم على حساب بريء، يا ربّ لقد ظلمتُ نفسي ولقد عملت سوءاً
وأنا أستغفرك من ذلك، فالله يقول لك إذا صدقت نيّتك في التوبة، فإنّي أغفر لك.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللهُ
عَلِيمًا حَكِيمً}[النساء: 111]، يعني عندما يسيء شخص من العشيرة أو من العائلة أو
شخص من الطَّائفة أو من حزب أو من أيّ جهةٍ كانت من التجمُّعات الموجودة في المجتمع،
إذا كسب إثماً، فلماذا تشعر العشيرة أو الطائفة أو الحزب أو الجماعة بأنَّ هذا
الأمر مشكلة كبيرة لها؟! إنّه لا ينال العشيرة شيءٌ من إثم فرد من العشيرة، ولا
ينال العائلة شيءٌ من إثم فرد من أفراد العائلة.
{وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ}، لأنَّ المسؤوليَّة
في الإسلام فرديَّة، أبوك لا يتحمّل إثمك، أنتَ تأثم، أمّا أبوك، فإنسان طاهر لا
يجوز لإنسان أن يتعرَّض له بكلمة سوء، وهكذا عندما يخطئ إنسان، فهو مَن يتحمَّل
مسؤوليَّة خطئه، هذا الشَّيء المتعارَف عند الناس، إذا انحرفت امرأة أو فتاة من
العائلة، فإنّهم يشعرون بأنَّ شرف العائلة قد تلطَّخ، ولهذا فإنّهم يعملون على قتل
هذه الإنسانة من دون دراسة الظّروف، الإسلام يقول: لكلّ إنسان شرفه الخاصّ، ليس
هناك شيء اسمه شرف العائلة، أمّا إذا انحرف فرد من العائلة أو أخطأ، فشرف العائلة
لم يدنَّس، لكنّ شرفه هو الذي يُدَنَّس، ولهذا لا بدَّ أن يعامَل معاملة على أساس
المسؤولية الفردية في هذا المجال.
هذه العقليّة الإسلاميّة العادلة التي تجعلك تواجه المسألة على أساس أنّ هذا
الإنسان هو مَن كَسَبَ الإثم، إذاً هو يعاقَب، ثمّ مَن الَّذي يعاقِب وكيف يكون
العقاب؟ هذه الأمور لا بدَّ أن تخضع لحدود ولا تنطلق في دائرة العصبية. ولعلَّ
العصبيَّة هي مجال عصبيّات ظالمة، والسبب أنّ المجتمع العشائريّ الآن يعتبر أنّ شرف
العشيرة يدنّس إذا أخطأت الفتاة، ولكنّ شرف العشيرة لا ينبغي أن يدافع عنه إذا أخطأ
الشّابّ، إذا أخطأت الفتاة فمعناه أنَّ هناك العار، ولكن إذا أخطأ الشابّ فعلينا أن
نوكل له محامياً، وعلينا أن نخوض في معركة للعشيرة ضدّ العشيرة الثانية حتّى نحميه
من اعتداء أهل البنت التي اعتدى عليها، أليس كذلك؟ لأنَّ المرأة ضعيفة، ولأنّ الشابَّ
يخدم العشيرة، المرأة لا تُقاتل، فإذا خسروا امرأة فإنّهم لا يخسرون بندقيّة، ولكنَّ
الشابّ يخسرون معه بندقية.. إذا كانت المسألة مسألة الشَّرف، فأيّ فرق بين أن يسيء
أحد إلى شرفك أو أن تسيء إلى شرف الآخرين؟ لكن إذا كانت المسألة مسألة جاهليّة، فإنَّ
الجاهليَّة تفرض نفسها على عقولنا حتّى لو كنّا مسلمين...
وهكذا نجد في حياة الناس السياسيّة والاجتماعيّة، عندما تخطئ شخصية كبيرة، فإنَّ كلّ
الناس يتبرّعون للدفاع عنه ولحمايته، حتّى لو كان في مستوى الجريمة، وعندما يخطئ
عنصر بسيط، فإنّ كلّ قوانين العالَم تنزل على رأسه لتدافع عن الحريَّة وعن العدالة
وعن الحقوق: "إِنَّما أهلك مَن كان قبلكم، أنّهم كانوا إذا سَرَقَ الشَّريف تركوه،
وإذا سرق الضَّعيف أقاموا عليه الحدّ، والله لو سَرَقَتْ فاطمة بنت محمَّد
لَقُطِعَت يدها".
هذا هو منطق الإسلام {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
بَرِيئ}، أنتَ تفعل فعلتك، أو قريبك، ثمّ تلصقها ببريء مستغلاً قوّتك الماليّة أو
قوّتك الإعلاميّة أو قوّتك السياسيّة أو قوّتك العشائريّة، لأنَّ الناس يقبلون منك
ولا يقبلون من الآخر، فتلصق التهمة به {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَان}. البهتان هو
أن تنسب إلى إنسان ما لم يفعله، {وَإِثْماً مُّبِين}[النساء: 112] إثماً واضحاً
يعاقبه الله عليه يوم القيامة.
فهناك حقَّان؛ حقّ خاص وحقٌّ عام، حقّ هذا الإنسان لأنّك اتّهمته بدون حقّ، والحقّ
العام هو حقّ الله، لأنّك كذبت وظلمتَ إنساناً في ما لا يجوّز لكَ الله ذلك.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".