الواقفونَ موقفَ الخزيِ يومَ القيامةِ

الواقفونَ موقفَ الخزيِ يومَ القيامةِ

يقول سبحانه وتعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}[النَّحل: 27].

يقفُ بعضُ النَّاس يوم القيامة بين يدي الله تعالى، وقد كانوا ممّن أشرَك بالله.. والشِّركُ ليس فقط شركُ العبادة والعقيدة، ولكنَّه قد يكونُ شركَ الطَّاعة، فأنتَ عندما تستغرقُ في إنسان وتُعطيه كلَّ حبِّك وطاعتِك، وتجعلُ إرادتكَ منحنيةً أمام أوامره ونواهيه، مبتعداً عن إرادة الله إذا تعارضت مع إرادته، فإنَّك بذلك تجعلُ لله شريكاً من خلقه..

وقد يكون الشِّركُ بالله في طاعة النّاس الذين يتحرّكون على خلاف طريقِ الله، أخطر من الشِّركِ بالله في عبادة الأصنام، لأنَّ عبادة الأصنام مسألةٌ تتَّصل بطقوسٍ خاصَّةٍ محدودة، فتسجدُ للصَّنم وتطلبُ منه ما تريد، من دون أن يتدخَّل الصَّنمُ في حياتك، لأنَّ الصَّنم لا يأكلُ ولا يُبصر ولا يتعب، ولذلك، فإنَّ مسألة الصّنميّة، مسألةٌ تتَّصل بمشاعرك الذاتية وبانفعالاتِك الخاصّة وطقوسِك العمليّة التي تعيش في دائرة محرابِ الصَّنم. أمّا عندما يكون الصنم من لحم ودم، ويملك موقعاً سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً منحرفاً، ثمَّ يبدأ ليخطِّط للفساد من خلال سلطته الَّتي يأمر من خلالها وينهى، فإنَّ عبادتَك وطاعتَك وخضوعَك لهذا الصَّنم البشريّ تمثِّل خطورة على مستوى الحياة كلّها، لأنَّك عندما تأتمر بأوامره الَّتي هي على خلاف أوامر الله، وتنتهي بنواهيه الَّتي هي على خلاف نواهي الله، وتركِّز حياتك على أساس مناهجِه وشرائِعه ومفاهيمِه ووسائله وغاياته، فمعنى ذلك، أنَّك تجعلُ لهذا الصَّنم البشريَّ حجم إدارةِ الحياة كلِّها، وبذلك تكونُ عبادتُك العمليَّة لهذا الصّنم خَطراً على الحياةِ كلِّها من حولك، وليس خطراً على نفسك وحسب.

ولذا، فإذا سمعنا حديث الله عن المشركين، علينا ألَّا نتجمَّد أمام صورة الإشراك في عبادة الوثن على الطّريقة البدائيَّة في الخضوعِ للأصنام الحجريّة والخشبيّة وما إلى ذلك، بل أن ننطلق لندرسَ وثنيَّة وصنميَّة مَنْ يؤمنُ بالله في ذهنِه وعقلِه، ولكنَّه يعبدُ الصَّنمَ في سلوكه وعمله.

ومن هنا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يطلب من هؤلاء الذين اتّخذوا من دون الله أرباباً من لحم ودم: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} أين هم الَّذين كنتم تتنازعون فيهم وتَجعلونهم شركاءَ لله، وتتحرّكون في المنازعة، عندما تُفضِّلون زعيماً على زعيم، وتتسابقون إلى رضاه، أو عندما تنحازون إلى دولة على أنّها الأفضل والأحسنُ والأكبر، على اعتبار أنَّ هناك صَنَماً أكبر وصَنَماً أصغر؟ هذا هو النِّداء: أين شركائي، اجلبوهُم لتوقفوهم أمام العظمة الإلهيَّة، ولِتَجْرُوا المقارنةَ بين العزّة الربّانيَّة وعزّتهم، أين هم الَّذين كنتم تُفضّلونهم في الطاعة، ويَحْدُث لأجلهم الشّقاقُ والنّزاع بينكم؟ ولا جواب، وعندها: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

وهؤلاء الكافرون كيف يموتون؟ {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النَّحل: 28]. تمتدُّ بهم الحياة، وكلُّ حياتهم لهو وعَبَثٌ وفجورٌ وفسقٌ وتمرّدٌ على الله تعالى وطاعةٌ للشَّيطان، تسيرُ بهم الحياة، وتسيرُ معهم المعاصي، ويأتيهم الموتُ وقد ظلَموا أنفسهم. وظلمُ النَّفس، إنَّما يحدُث عندما يُورِّط الإنسانُ نفسَه في الخطِّ الَّذي يؤدِّي به إلى الهلاك، فيعيش الكفر بكلِّ تفاصيله، والكفرُ نهايتُه جهنَّم، أو يورِّط نفسَه بالنِّفاق، والنِّفاقُ أيضاً نهايتُه جهنَّم، أو يورّط نفسَه بارتكاب الكبائر التي حرَّمها الله، وذلك نهايته جهنَّم.

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} تتوفَّاهم الملائكةُ وهم جالسون على طاولة قمار، أو أثناءَ شربِ كأس خمر، أو في حالة رقصٍ فاجر أو لهوٍ فاسق، أو ركونٍ أو إعانةٍ لظلم، {فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ}، استسلموا، لأنَّهم لا يستطيعون أنْ يواجهوا الملائكة، استسلموا وتحدّثوا على الطريقة التي كانوا يتحدّثون بها في الدّنيا، عندما يضبطهم المسؤولون وهم متلبّسون بمخالفة القانون أو بمخالفة رغبات الأقوياء، هؤلاء بمجرَّد أن تأتيَهم الملائكة في حالة كونهم {ظَالِمِي أَنفُسِهِم} يُلقون السَّلَم {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ}، ما كنّا نمارس السّوء على الإطلاق. وهم بهذا، يحاولون كما كانوا يحاولون في الدُّنيا، استعمال الطرق الملتوية، وإبراز العاطفة في محاولة للصفح عنهم، فلربّما تلين القلوب.

ولكنَّ هذه الطريقة لا تنفع مع الملائكة {بَلَى} مع مَنْ تتكلَّمون أنتم؟ أنتم تتكلّمون مع الملائكة، وهم رُسُل الله الَّذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] فمع مَنْ تتكلَّمون؟ {بَلَى} كنتم تعملون السّوء {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} هذه قضيَّةٌ لا تحتاج لأنْ يشهد فيها أحد، لأنَّ الشَّاهد هو الحاكم.. فالله تعالى، وهو الحاكم العدل، لا يحتاج إلى شهود، ولذا، فإنَّه يحكم في المسألة مباشرة {فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النَّحل: 29].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

يقول سبحانه وتعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}[النَّحل: 27].

يقفُ بعضُ النَّاس يوم القيامة بين يدي الله تعالى، وقد كانوا ممّن أشرَك بالله.. والشِّركُ ليس فقط شركُ العبادة والعقيدة، ولكنَّه قد يكونُ شركَ الطَّاعة، فأنتَ عندما تستغرقُ في إنسان وتُعطيه كلَّ حبِّك وطاعتِك، وتجعلُ إرادتكَ منحنيةً أمام أوامره ونواهيه، مبتعداً عن إرادة الله إذا تعارضت مع إرادته، فإنَّك بذلك تجعلُ لله شريكاً من خلقه..

وقد يكون الشِّركُ بالله في طاعة النّاس الذين يتحرّكون على خلاف طريقِ الله، أخطر من الشِّركِ بالله في عبادة الأصنام، لأنَّ عبادة الأصنام مسألةٌ تتَّصل بطقوسٍ خاصَّةٍ محدودة، فتسجدُ للصَّنم وتطلبُ منه ما تريد، من دون أن يتدخَّل الصَّنمُ في حياتك، لأنَّ الصَّنم لا يأكلُ ولا يُبصر ولا يتعب، ولذلك، فإنَّ مسألة الصّنميّة، مسألةٌ تتَّصل بمشاعرك الذاتية وبانفعالاتِك الخاصّة وطقوسِك العمليّة التي تعيش في دائرة محرابِ الصَّنم. أمّا عندما يكون الصنم من لحم ودم، ويملك موقعاً سياسياً أو دينياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً منحرفاً، ثمَّ يبدأ ليخطِّط للفساد من خلال سلطته الَّتي يأمر من خلالها وينهى، فإنَّ عبادتَك وطاعتَك وخضوعَك لهذا الصَّنم البشريّ تمثِّل خطورة على مستوى الحياة كلّها، لأنَّك عندما تأتمر بأوامره الَّتي هي على خلاف أوامر الله، وتنتهي بنواهيه الَّتي هي على خلاف نواهي الله، وتركِّز حياتك على أساس مناهجِه وشرائِعه ومفاهيمِه ووسائله وغاياته، فمعنى ذلك، أنَّك تجعلُ لهذا الصَّنم البشريَّ حجم إدارةِ الحياة كلِّها، وبذلك تكونُ عبادتُك العمليَّة لهذا الصّنم خَطراً على الحياةِ كلِّها من حولك، وليس خطراً على نفسك وحسب.

ولذا، فإذا سمعنا حديث الله عن المشركين، علينا ألَّا نتجمَّد أمام صورة الإشراك في عبادة الوثن على الطّريقة البدائيَّة في الخضوعِ للأصنام الحجريّة والخشبيّة وما إلى ذلك، بل أن ننطلق لندرسَ وثنيَّة وصنميَّة مَنْ يؤمنُ بالله في ذهنِه وعقلِه، ولكنَّه يعبدُ الصَّنمَ في سلوكه وعمله.

ومن هنا، فإنَّ الله سبحانه وتعالى يطلب من هؤلاء الذين اتّخذوا من دون الله أرباباً من لحم ودم: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} أين هم الَّذين كنتم تتنازعون فيهم وتَجعلونهم شركاءَ لله، وتتحرّكون في المنازعة، عندما تُفضِّلون زعيماً على زعيم، وتتسابقون إلى رضاه، أو عندما تنحازون إلى دولة على أنّها الأفضل والأحسنُ والأكبر، على اعتبار أنَّ هناك صَنَماً أكبر وصَنَماً أصغر؟ هذا هو النِّداء: أين شركائي، اجلبوهُم لتوقفوهم أمام العظمة الإلهيَّة، ولِتَجْرُوا المقارنةَ بين العزّة الربّانيَّة وعزّتهم، أين هم الَّذين كنتم تُفضّلونهم في الطاعة، ويَحْدُث لأجلهم الشّقاقُ والنّزاع بينكم؟ ولا جواب، وعندها: {قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ}.

وهؤلاء الكافرون كيف يموتون؟ {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النَّحل: 28]. تمتدُّ بهم الحياة، وكلُّ حياتهم لهو وعَبَثٌ وفجورٌ وفسقٌ وتمرّدٌ على الله تعالى وطاعةٌ للشَّيطان، تسيرُ بهم الحياة، وتسيرُ معهم المعاصي، ويأتيهم الموتُ وقد ظلَموا أنفسهم. وظلمُ النَّفس، إنَّما يحدُث عندما يُورِّط الإنسانُ نفسَه في الخطِّ الَّذي يؤدِّي به إلى الهلاك، فيعيش الكفر بكلِّ تفاصيله، والكفرُ نهايتُه جهنَّم، أو يورِّط نفسَه بالنِّفاق، والنِّفاقُ أيضاً نهايتُه جهنَّم، أو يورّط نفسَه بارتكاب الكبائر التي حرَّمها الله، وذلك نهايته جهنَّم.

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} تتوفَّاهم الملائكةُ وهم جالسون على طاولة قمار، أو أثناءَ شربِ كأس خمر، أو في حالة رقصٍ فاجر أو لهوٍ فاسق، أو ركونٍ أو إعانةٍ لظلم، {فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ}، استسلموا، لأنَّهم لا يستطيعون أنْ يواجهوا الملائكة، استسلموا وتحدّثوا على الطريقة التي كانوا يتحدّثون بها في الدّنيا، عندما يضبطهم المسؤولون وهم متلبّسون بمخالفة القانون أو بمخالفة رغبات الأقوياء، هؤلاء بمجرَّد أن تأتيَهم الملائكة في حالة كونهم {ظَالِمِي أَنفُسِهِم} يُلقون السَّلَم {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ}، ما كنّا نمارس السّوء على الإطلاق. وهم بهذا، يحاولون كما كانوا يحاولون في الدُّنيا، استعمال الطرق الملتوية، وإبراز العاطفة في محاولة للصفح عنهم، فلربّما تلين القلوب.

ولكنَّ هذه الطريقة لا تنفع مع الملائكة {بَلَى} مع مَنْ تتكلَّمون أنتم؟ أنتم تتكلّمون مع الملائكة، وهم رُسُل الله الَّذي {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر: 19] فمع مَنْ تتكلَّمون؟ {بَلَى} كنتم تعملون السّوء {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} هذه قضيَّةٌ لا تحتاج لأنْ يشهد فيها أحد، لأنَّ الشَّاهد هو الحاكم.. فالله تعالى، وهو الحاكم العدل، لا يحتاج إلى شهود، ولذا، فإنَّه يحكم في المسألة مباشرة {فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النَّحل: 29].

*من كتاب "من عرفان القرآن".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية