الله ينصر نبيّه ويهدي من يريد

الله ينصر نبيّه ويهدي من يريد

{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ} الذين اختزنوا الإيمان في عقولهم ومشاعرهم كحقيقةٍ للفكر وللعاطفة في دائرة التصوّر والالتزام، وعاشوه في ممارساتهم في دائرة المسؤوليَّة العمليَّة كخطٍّ للحياة؛ كان جزاؤهم {جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ينعمون بها في ساحة رضوانه {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، فهو الذي أراد لهم الكرامة، وهو الذي يحقّق إرادته في الواقع، ولا يستطيع غيره ذلك، لأنّه هو الذي يملك الأمر كلّه، ولا يملك غيره منه شيئاً..

{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا والآخرة}، والضمير في "يَنصُرَهُ" ـ كما قيل ـ راجع إلى النبيّ (ص) الذي كان المشركون في مكة يستهينون به، ويستصغرون دور رسالته، ويظنون أنه لا يملك حمل الناس على الإيمان بها، والدخول في دينه، واتساع سلطانه، لأن موقعه الاجتماعي لا يتيح له ذلك، ولأن رسالته تصدم العقيدة العامة للنّاس، لذا كانوا ينتظرون سقوطه وانتهاء دوره بين لحظةٍ وأخرى. ولكنّهم فوجئوا بانتصار رسالته، وتجسدها في الواقع، ودخول الناس في دينه أفواجاً، فغاظهم ذلك، وخُيِّب أملهم، فجاءت الآية لتواجههم بذلك، وتقول لمن لم يعجبه الأمر: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء}، وذلك بأن يمدّ حبلاً فيربطه بجذع شجرةٍ عالٍ، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل فيختنق به {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} مما لا يعجبه من نصرة الله لنبيّه؟! فكأنّ الآية تؤكّد، بأسلوب يشبه التحدي، أن من لا يعجبه ذلك، فلينتحر وليختنق بغيظه، لأنه لن يحقّق ما يحبه مهما فعل، فإما أن يقبل بالواقع وينسجم معه، وإمَّا أن ينسحب من الحياة.

وقد فسّره البعض بإرجاع الضمير إلى "مَن"، وهو الشّخص نفسه الذي يعيش عدم الثقة بالله وبتدبيره لخلقه، ودفعه الشرّ عنه وجلبه الخير له، والآية تدعو هذا الشّخص إلى الصعود إلى السماء بأيِّ سببٍ يملكه من وسائل الصعود، "ثم ليقطع المسافة، فلينظر هل ينفعه كيده في إزالة غيظه لما يدعى إليه من دين الله، فإنّ الذي حكم الله به لا يبطل بكيد الكائد".

ومن هنا، فهو لن يستطيع أن يحقّق شيئاً لنفسه في الدنيا والآخرة، لأنه لا يملك من الأمر شيئاً، فهو إن لم يكن واثقاً بأنّ الله هو القادر على رفع ما يمكن أن يحلّ به من بلاء الدنيا أو عذاب الآخرة، فليحاول أن يتوسّل الحلّ من قدرته الذاتيّة، بعيداً من الله، وسيرى أنه لن يقدر على شيءٍ من ذلك، لأنه مهما حاول الارتفاع صعوداً إلى السّماء، أو النزول هبوطاً إلى الأرض، فلن يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلا بالله. ولعلّ هذا الوجه أقرب إلى السياق العام للآيات من الوجه السابق، لأنّ إرجاع الضمير في "يَنصُرَهُ" إلى النبيّ (ص) لا ينسجم مع عدم ذكره في الآية من قريبٍ أو من بعيد، والله العالم.

{وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} توضح الفكرة، وتدلّ على طريق الهدى، بما تشتمل عليه من دلائل على الإيمان، وبراهين على قضاياه، وتأكيداً لعقلانية طروحاته، في مواجهة طروحات الكفر التي لا تثبت أمام النقد.

{وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ} الهداية، ممن انفتح عقله وقلبه على الحقّ النازل في كتاب الله، وعاش مسؤوليّة الهداية بمتابعته لكلّ مفرداتها التي يتحرك بها الفكر في موارد الحقّ ومصادره، وفي ما يتنزّل به الوحي من آيات الله وشرائعه. وربما كان المعنى أنّ الله يهدي من يريد هدايته، بما يهيّئ له من أسباب الهداية في نفسه وفي حياته، من خلال حركة الواقع من حوله على أساس قانون السببيّة، لأنّ من لم تتعلّق إرادته بهدايته، فلا هادي له، فلا تكفي الآيات البيّنات في هداية من سمعها أو تأمّل فيها ما لم يرد الله هدايته ـ كما يقول صاحب تفسير الميزان ـ.

ولكنّ إرادة الله اقتضت أن يكون سبيل الهداية خاضعاً لإرادة الإنسان، بانفتاح قلبه على الحقّ النازل من الله، وبانفتاح عينيه وأذنيه على ما يوضح له أسباب العظمة الإلهيّة، ووسائل الهداية الروحية والفكرية. وبذلك، فلا يكون هناك فرق بين التفسيرين في النتيجة..

ولا مانع من أن يكون الضّمير راجعاً إلى الله، وهو أمر جرى عليه الأسلوب القرآني، حيث يربط الأمور كلّها بإرادة الله، للإيحاء بأنّ كلّ شيءٍ صادر عنه، لإخضاعه النظام الكوني لعلاقة حتميّة بين المسبّبات وأسبابها.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن". 

{إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحاتِ} الذين اختزنوا الإيمان في عقولهم ومشاعرهم كحقيقةٍ للفكر وللعاطفة في دائرة التصوّر والالتزام، وعاشوه في ممارساتهم في دائرة المسؤوليَّة العمليَّة كخطٍّ للحياة؛ كان جزاؤهم {جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ينعمون بها في ساحة رضوانه {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}، فهو الذي أراد لهم الكرامة، وهو الذي يحقّق إرادته في الواقع، ولا يستطيع غيره ذلك، لأنّه هو الذي يملك الأمر كلّه، ولا يملك غيره منه شيئاً..

{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا والآخرة}، والضمير في "يَنصُرَهُ" ـ كما قيل ـ راجع إلى النبيّ (ص) الذي كان المشركون في مكة يستهينون به، ويستصغرون دور رسالته، ويظنون أنه لا يملك حمل الناس على الإيمان بها، والدخول في دينه، واتساع سلطانه، لأن موقعه الاجتماعي لا يتيح له ذلك، ولأن رسالته تصدم العقيدة العامة للنّاس، لذا كانوا ينتظرون سقوطه وانتهاء دوره بين لحظةٍ وأخرى. ولكنّهم فوجئوا بانتصار رسالته، وتجسدها في الواقع، ودخول الناس في دينه أفواجاً، فغاظهم ذلك، وخُيِّب أملهم، فجاءت الآية لتواجههم بذلك، وتقول لمن لم يعجبه الأمر: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء}، وذلك بأن يمدّ حبلاً فيربطه بجذع شجرةٍ عالٍ، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل فيختنق به {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} مما لا يعجبه من نصرة الله لنبيّه؟! فكأنّ الآية تؤكّد، بأسلوب يشبه التحدي، أن من لا يعجبه ذلك، فلينتحر وليختنق بغيظه، لأنه لن يحقّق ما يحبه مهما فعل، فإما أن يقبل بالواقع وينسجم معه، وإمَّا أن ينسحب من الحياة.

وقد فسّره البعض بإرجاع الضمير إلى "مَن"، وهو الشّخص نفسه الذي يعيش عدم الثقة بالله وبتدبيره لخلقه، ودفعه الشرّ عنه وجلبه الخير له، والآية تدعو هذا الشّخص إلى الصعود إلى السماء بأيِّ سببٍ يملكه من وسائل الصعود، "ثم ليقطع المسافة، فلينظر هل ينفعه كيده في إزالة غيظه لما يدعى إليه من دين الله، فإنّ الذي حكم الله به لا يبطل بكيد الكائد".

ومن هنا، فهو لن يستطيع أن يحقّق شيئاً لنفسه في الدنيا والآخرة، لأنه لا يملك من الأمر شيئاً، فهو إن لم يكن واثقاً بأنّ الله هو القادر على رفع ما يمكن أن يحلّ به من بلاء الدنيا أو عذاب الآخرة، فليحاول أن يتوسّل الحلّ من قدرته الذاتيّة، بعيداً من الله، وسيرى أنه لن يقدر على شيءٍ من ذلك، لأنه مهما حاول الارتفاع صعوداً إلى السّماء، أو النزول هبوطاً إلى الأرض، فلن يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلا بالله. ولعلّ هذا الوجه أقرب إلى السياق العام للآيات من الوجه السابق، لأنّ إرجاع الضمير في "يَنصُرَهُ" إلى النبيّ (ص) لا ينسجم مع عدم ذكره في الآية من قريبٍ أو من بعيد، والله العالم.

{وَكَذلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} توضح الفكرة، وتدلّ على طريق الهدى، بما تشتمل عليه من دلائل على الإيمان، وبراهين على قضاياه، وتأكيداً لعقلانية طروحاته، في مواجهة طروحات الكفر التي لا تثبت أمام النقد.

{وَأَنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ} الهداية، ممن انفتح عقله وقلبه على الحقّ النازل في كتاب الله، وعاش مسؤوليّة الهداية بمتابعته لكلّ مفرداتها التي يتحرك بها الفكر في موارد الحقّ ومصادره، وفي ما يتنزّل به الوحي من آيات الله وشرائعه. وربما كان المعنى أنّ الله يهدي من يريد هدايته، بما يهيّئ له من أسباب الهداية في نفسه وفي حياته، من خلال حركة الواقع من حوله على أساس قانون السببيّة، لأنّ من لم تتعلّق إرادته بهدايته، فلا هادي له، فلا تكفي الآيات البيّنات في هداية من سمعها أو تأمّل فيها ما لم يرد الله هدايته ـ كما يقول صاحب تفسير الميزان ـ.

ولكنّ إرادة الله اقتضت أن يكون سبيل الهداية خاضعاً لإرادة الإنسان، بانفتاح قلبه على الحقّ النازل من الله، وبانفتاح عينيه وأذنيه على ما يوضح له أسباب العظمة الإلهيّة، ووسائل الهداية الروحية والفكرية. وبذلك، فلا يكون هناك فرق بين التفسيرين في النتيجة..

ولا مانع من أن يكون الضّمير راجعاً إلى الله، وهو أمر جرى عليه الأسلوب القرآني، حيث يربط الأمور كلّها بإرادة الله، للإيحاء بأنّ كلّ شيءٍ صادر عنه، لإخضاعه النظام الكوني لعلاقة حتميّة بين المسبّبات وأسبابها.

*من كتاب "تفسير من وحي القرآن". 

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية