تربية النفوس على التطلّع إلى ما هو باق لا يزول، ولما هو أصيل ويمتلك القيمة التي ترتفع بالإنسان في العالم الآخر، من الأمور التي تحدَّث عنها القرآن الكريم في أكثر من شاهد وآية قرآنيّة، بالنظر إلى ما لهذا التطلّع من أهميَّة في توجيه مشاعر الإنسان، ونماء فكره وانفتاح عقله، حتى يكون مترفّعاً عن كلّ الصَّغائر والمحدوديّة التي تعيق نضجه وسعيه الهادف إلى لقاء ربّه ونيل مرضاته.
كثير من فتن الدنيا تخنقنا بزينتها ومظاهرها؛ من أموال وأولاد وجاه ومواقع ومناصب وشهوات، والبعض يجعل كلّ همه في دنياه الحصول على كلّ ذلك، وبكلّ وسيلة، وهذا ما يحذّرنا الله منه وينّبهنا منه ومن الغفلة والانجراف وراء الشّهوات والأهواء،وتناسي العمل للدار الآخرة، حيث الاستمرارية والخلود. فالله تعالى يعلّمنا أنّ كلّ ما نحصل عليه، لا يمتلك صفة الخلود والدّيمومة، بل له نهاية، وأنَّ علينا أن نعدّ للبقاء الحقيقيّ، لأنّه عند الله، وما عند الله باق، من رضوان ونعيم ورحمة، فالتوكّل السّليم على الله والثّقة به، والإخلاص في العمل، ووعي قيمة الأشياء وحجمها في الدّنيا، هو ما يثبت إيماننا ويجعلنا من المتوكّلين الفائزين بألطاف الله ورحمته في الدّنيا والآخرة.
من الآيات التي تحدَّثت عن ذلك، قوله تعالى:
{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشّورى: 36].
ومن منطلق هذه الآية، يوضح العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) العديد من المفاهيم والقيم القرآنيَّة التي تستحثّنا على التوقّف عندها: "{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، الذي لا يملك ثباتاً ولا امتداداً، بل هو مجرّد حاجةٍ طارئةٍ لا تلبث أن تزول، ولذلك، كان من الضّروريّ أن لا يعتبر الناس متاع الدّنيا أساساً لطموحاتهم في أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم ونظرتهم العامّة إلى الحياة، بل أن يتعاملوا معه من موقعه الحقيقيّ كشيءٍ يتناوله الإنسان وهو في الطّريق.
{وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُواْ}، من رضوانه ونعيمه، فذلك هو الشّيء الثابت المستمرّ في خلود الموقع في الآخرة، ما يفرض على الإنسان أن يعتبره الطّموح الكبير أو الوحيد في وجوده الحركيّ، فيما يقوم به من حركته المنفتحة على الله وعلى الحياة، من خلاله.. ولكنّ ذلك ليس شيئاً يُنالُ بالتمنّيات، بل لا بدَّ من الجهد الفكري والرّوحي والعملي الذي يبني ـ على أساس مضمونه الذي يلتقي بالحقّ ـ شخصيّته، ويحرك ـ من خلاله ـ مشاريعه، ويركز عليه علاقاته، وهذا ما أشارت إليه الفقرات الآتية: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، فالإِيمان بالله الواحد، منهجٌ يتّسع لكلّ نشاطات الحياة وتطلّعاتها وأوضاعها، ويوجّه نظرة المؤمن إلى خطّ الاستقامة الذي يبدأ من الله وينتهي إليه، بحيث لا يرى إلّا الله في كلّ وجوده، فهو العنوان لكلّ علاقةٍ، وهو الوجه لكلّ عمل، وهو الأساس لكلّ مشروعٍ، وهو الأمل في كلّ مستقبلٍ، وهو الثقة المطلقة والأمان الشّامل في كلّ حالة اهتزازٍ أو موقعٍ للخوف. من هنا، فإنّ على المؤمن، عندما تزدحم حوله المشاكل، وتقف في وجهه العقبات، وتشتدّ في آفاق حياته العواصف، وتكثر حوله التّهاويل، وتطوف به الحيرة في كلّ موقف، أن يتجه إلى الله، بعد أن يحرك كلّ الوسائل التي يملكها لتحقيق ما يريد من النّتائج، فيتوكّل عليه، ويسلّم أمره إليه، ثقةً بأنّه الوليّ والمعين والحامي والمدافع عن عباده المؤمنين ضدّ كلّ ما يختزنه المجهول من مخاوف وتهاويل.
وبذلك، يؤكّد الإخلاص في الإيمان توكّل المؤمن على الله في شخصيّته وحركته، الذي يمنحه الثّقة بالمستقبل، من خلال الثّقة بالله".[تفسير من وحي القرآن، ج 20، ص189].
أمّا العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض)، فيقول: "{فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ}: كالجاه والمال والصحّة، {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: وزينتها، وهو حلال طيّب، تمتّعوا به هنيئاً مريئاً، بشرط واحد، وهو أن لا يؤدّي إلى الحرام. قال سبحانه: {قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ الله الّتي أخرجَ لعبادِهِ والطيّباتِ من الرّزقِ}[الأعراف: 32)، {وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}: وليس معناه أنَّ عدم المتاع خير من وجوده، بل معناه: أنفق منه في سبيل الله والصَّالح العام، لتنتفع به عند الله يوم تلقاه. {لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالله، أمّا الذين كفروا به، فأجرهم عند من عملوا له".[الشّيخ مغنيّة/ التفسير المبين].
والسؤال: هل أعددنا لدار الخلود ما يستحقّ من أعمال نافعة ومشاعر طيّبة؟ الفرصة متاحة حتى يعود النّاس إلى رشدهم، ويتعلّموا من كتاب ربهم، ويعدوا العدّة الصّالحة لأنفسهم، فيعمروا الحياة بالعمل الّذي يقبله الله، والموقف الذي يرتضيه الله، وبالحقّ والعدل والرّحمة.
إنّ الإيمان والتوكّل على الله مسؤوليّة علينا تحمّلها بكلّ أمانة وصدق، حتى نكون على مستوى التخلّق بأخلاق الله التي تدعونا للترفّع عن الصّغائر والكراهية والتعصّب والأنانيّة والفتنة ونبذ الأحقاد والمخاصمات، والتوحّد بالله ورسوله وعلى كتابه الكريم وسنّة نبيّه الصّافية.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.
تربية النفوس على التطلّع إلى ما هو باق لا يزول، ولما هو أصيل ويمتلك القيمة التي ترتفع بالإنسان في العالم الآخر، من الأمور التي تحدَّث عنها القرآن الكريم في أكثر من شاهد وآية قرآنيّة، بالنظر إلى ما لهذا التطلّع من أهميَّة في توجيه مشاعر الإنسان، ونماء فكره وانفتاح عقله، حتى يكون مترفّعاً عن كلّ الصَّغائر والمحدوديّة التي تعيق نضجه وسعيه الهادف إلى لقاء ربّه ونيل مرضاته.
كثير من فتن الدنيا تخنقنا بزينتها ومظاهرها؛ من أموال وأولاد وجاه ومواقع ومناصب وشهوات، والبعض يجعل كلّ همه في دنياه الحصول على كلّ ذلك، وبكلّ وسيلة، وهذا ما يحذّرنا الله منه وينّبهنا منه ومن الغفلة والانجراف وراء الشّهوات والأهواء،وتناسي العمل للدار الآخرة، حيث الاستمرارية والخلود. فالله تعالى يعلّمنا أنّ كلّ ما نحصل عليه، لا يمتلك صفة الخلود والدّيمومة، بل له نهاية، وأنَّ علينا أن نعدّ للبقاء الحقيقيّ، لأنّه عند الله، وما عند الله باق، من رضوان ونعيم ورحمة، فالتوكّل السّليم على الله والثّقة به، والإخلاص في العمل، ووعي قيمة الأشياء وحجمها في الدّنيا، هو ما يثبت إيماننا ويجعلنا من المتوكّلين الفائزين بألطاف الله ورحمته في الدّنيا والآخرة.
من الآيات التي تحدَّثت عن ذلك، قوله تعالى:
{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}[الشّورى: 36].
ومن منطلق هذه الآية، يوضح العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) العديد من المفاهيم والقيم القرآنيَّة التي تستحثّنا على التوقّف عندها: "{فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَىْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، الذي لا يملك ثباتاً ولا امتداداً، بل هو مجرّد حاجةٍ طارئةٍ لا تلبث أن تزول، ولذلك، كان من الضّروريّ أن لا يعتبر الناس متاع الدّنيا أساساً لطموحاتهم في أقوالهم وأفعالهم وعلاقاتهم ونظرتهم العامّة إلى الحياة، بل أن يتعاملوا معه من موقعه الحقيقيّ كشيءٍ يتناوله الإنسان وهو في الطّريق.
{وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُواْ}، من رضوانه ونعيمه، فذلك هو الشّيء الثابت المستمرّ في خلود الموقع في الآخرة، ما يفرض على الإنسان أن يعتبره الطّموح الكبير أو الوحيد في وجوده الحركيّ، فيما يقوم به من حركته المنفتحة على الله وعلى الحياة، من خلاله.. ولكنّ ذلك ليس شيئاً يُنالُ بالتمنّيات، بل لا بدَّ من الجهد الفكري والرّوحي والعملي الذي يبني ـ على أساس مضمونه الذي يلتقي بالحقّ ـ شخصيّته، ويحرك ـ من خلاله ـ مشاريعه، ويركز عليه علاقاته، وهذا ما أشارت إليه الفقرات الآتية: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}، فالإِيمان بالله الواحد، منهجٌ يتّسع لكلّ نشاطات الحياة وتطلّعاتها وأوضاعها، ويوجّه نظرة المؤمن إلى خطّ الاستقامة الذي يبدأ من الله وينتهي إليه، بحيث لا يرى إلّا الله في كلّ وجوده، فهو العنوان لكلّ علاقةٍ، وهو الوجه لكلّ عمل، وهو الأساس لكلّ مشروعٍ، وهو الأمل في كلّ مستقبلٍ، وهو الثقة المطلقة والأمان الشّامل في كلّ حالة اهتزازٍ أو موقعٍ للخوف. من هنا، فإنّ على المؤمن، عندما تزدحم حوله المشاكل، وتقف في وجهه العقبات، وتشتدّ في آفاق حياته العواصف، وتكثر حوله التّهاويل، وتطوف به الحيرة في كلّ موقف، أن يتجه إلى الله، بعد أن يحرك كلّ الوسائل التي يملكها لتحقيق ما يريد من النّتائج، فيتوكّل عليه، ويسلّم أمره إليه، ثقةً بأنّه الوليّ والمعين والحامي والمدافع عن عباده المؤمنين ضدّ كلّ ما يختزنه المجهول من مخاوف وتهاويل.
وبذلك، يؤكّد الإخلاص في الإيمان توكّل المؤمن على الله في شخصيّته وحركته، الذي يمنحه الثّقة بالمستقبل، من خلال الثّقة بالله".[تفسير من وحي القرآن، ج 20، ص189].
أمّا العلامة الشّيخ محمد جواد مغنيّة(رض)، فيقول: "{فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ}: كالجاه والمال والصحّة، {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: وزينتها، وهو حلال طيّب، تمتّعوا به هنيئاً مريئاً، بشرط واحد، وهو أن لا يؤدّي إلى الحرام. قال سبحانه: {قُلْ مَنْ حرَّمَ زينةَ الله الّتي أخرجَ لعبادِهِ والطيّباتِ من الرّزقِ}[الأعراف: 32)، {وَمَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى}: وليس معناه أنَّ عدم المتاع خير من وجوده، بل معناه: أنفق منه في سبيل الله والصَّالح العام، لتنتفع به عند الله يوم تلقاه. {لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالله، أمّا الذين كفروا به، فأجرهم عند من عملوا له".[الشّيخ مغنيّة/ التفسير المبين].
والسؤال: هل أعددنا لدار الخلود ما يستحقّ من أعمال نافعة ومشاعر طيّبة؟ الفرصة متاحة حتى يعود النّاس إلى رشدهم، ويتعلّموا من كتاب ربهم، ويعدوا العدّة الصّالحة لأنفسهم، فيعمروا الحياة بالعمل الّذي يقبله الله، والموقف الذي يرتضيه الله، وبالحقّ والعدل والرّحمة.
إنّ الإيمان والتوكّل على الله مسؤوليّة علينا تحمّلها بكلّ أمانة وصدق، حتى نكون على مستوى التخلّق بأخلاق الله التي تدعونا للترفّع عن الصّغائر والكراهية والتعصّب والأنانيّة والفتنة ونبذ الأحقاد والمخاصمات، والتوحّد بالله ورسوله وعلى كتابه الكريم وسنّة نبيّه الصّافية.
إنّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.