السَّعي للآخرة.. إرادة ومسؤوليَّة

السَّعي للآخرة.. إرادة ومسؤوليَّة

يحدّثنا الله تعالى عن قضية الإيمان التي تدفع بالإنسان إلى تعقل خطواته وسلوكه، وضبط حركة شهواته، ووعيه لما يحمل من قيم، بغية ترجمة الإيمان في الدّنيا مزيداً من التقرب إلى الله تعالى، وصنع المصير الذي يليق بالإنسان المخلوق المكرَّم من الله تعالى الّذي أراد له أن يكون حرّاً أمام نزواته، صاحب إرادة مستقلّة، لا يخضع لضغوطات من هنا وهناك تفقده سيطرته على نفسه، وتجرفه في متاهات غير محسوبة النّتائج.

السَّعي الذي يبذله الإنسان بعمله الصّالح ومشاعره الطيّبة الطّاهرة، وفكره المنسجم مع خطّ الله وهداه، هو سعي مشكور من الله، بمعنى أنَّ الله يعطي هذا الإنسان مزيداً من الهدى والتأييد والثبات، ويشمله برحمته الواسعه، وألطافه المتنوّعة التي تعمّ كلّ مناحي الحياة. كما أنّ السّعي المشكور هو بوابة العبور للآخرة، واستحقاق الثّواب والغفران، وهذا هو الفوز العظيم الذي لا بدّ وأن يكون دأب كلّ إنسان مؤمن يخاف الله، ويسعى إليه جاهداً بكلّ همّة وإخلاص، ويجعل الآخرة نصب عينيه، ولا يقدّم عليها أية حسابات ذاتيه أو غيرها من الحسابات الدنيويّة التي تبعد عن رحمة الله تعالى.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}[الإسراء: 19].

ويعلّق العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) على هذه الآية الشّريفة بقوله:

"{وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، وهو الذي فهم الحياة الدنيا فهماً عميقاً خاصّاً، ينطلق من فهمه لمسألة الإيمان الّذي يرى في الدنيا مزرعة الآخرة، فليس المطلوب منه أن يترك طيّباتها وشهواتها ولذائذها، أو يبتعد عن قضاياها، بل المطلوب منه أن لا يستغرق فيها من خلال هواه، ولكن ينطلق فيها من خلال خوفه مقام ربّه، وملاحظته العلاقة بين الممارسة العمليّة في الدّنيا، وبين النتائج السلبيّة والإيجابية في الآخرة، ليظلّ في عملية اتّصالٍ دائمٍ وثيق بالخطّ المتوازن، من خلال ما يوحي به العقل ويتحرّك به المنطق، ما يجعل من الآخرة، التي يتمثل فيها رضوان الله ونعيم الجنّة، هدفاً لكلّ أعمال الدنيا، لتكون دنيا الإنسان الحسيّة آخرةً، بمعنى انطلاقها من رضوان الله.

ولكنّ المسألة ليست إرادةً تعيش في الأعماق، بل هي الإرادة التي تدفع نحو العمل، وتقود إلى الهدف، لتعيش الحركة الفاعلة المتصلة بالخطّ الذي يربط الدّنيا بالآخرة، حيث يتركّز الإيمان في عمق الشخصيّة، لأنّ السّعي إلى الآخرة من خلال طبيعة العمل الصّالح الذي ينسجم مع الخطّ الإيماني، هو الذي يحقّق الغاية التي حدّدها الله، إذ لا بدّ من أن يكون السّاعي إلى الآخرة مؤمناً، لأنّ المسألة في المفهوم القرآني، هي أن يكون الخطّ العملي منطلقاً من الخطّ الروحي والخطّ الفكري الإيماني، ليكون له جذوره الضّاربة في أعماق النفس الإنسانية.

{فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً}، فإنّ الله يشكر للمؤمن الذي يريد الحصول على رضاه في الدّنيا والآخرة، ويعمل في سبيل ذلك بكلّ ما يملكه من جهد وطاقة وإيمان، ويعطيه من فضله ما يريد دون تحديد، لأنّ الجزاء هنا يلتقي بالعمل، فلا ينقص حجمه عنه، بل قد يزيد عليه، إذ يمنح الله الإنسان فضلاً يضاعف له فيه الثّواب العظيم".[تفسير من وحي القرآن، ج 14، ص 76-77].

وحول هذه الآية أيضاً، يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(رض):

"{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}: من أراد الجنّة، فعليه أن يدفع الثّمن سلفاً، وقد حدّده سبحانه بقوله: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقّاً}[التّوبة: 111[، وأيضاً، حقّاً عليه سبحانه أن لا يُدخل الجنّة من دخل في جوفه شيء من الحرام. فقد روى القمّي في "سفينة البحار" عن المعصوم أنّه قال: "حبس شهيد على باب الجنّة بثلاثة دراهم ليهودي"، وإذا كانت هذه هي حال الشّهيد الذي يلقى الله مضرّجاً بدمه في سبيل الله، من أجل ثلاثة دراهم ليهودي، فكيف بمن يأكل الألوف المؤلَّفة من أموال المساكين الموالين للنبيّ وآله(ص)؟".[التفسير المبين، الشيخ مغنية].

السّعي للآخرة لا بدّ من أن يكون من خلال العمل الصّالح، والالتزام بالحقّ والخلق الكريم الّذي يحجز عن محارم الله، فلا نتكلّم بالكلام الّذي يؤدّي للفتنة بين النّاس، ولا نقف الموقف المساند لأهل الباطل والضّلال، ولا نأكل المال الحرام، ولا نعتدي على الأعراض والأنفس والحقوق.. السّعي المشكور هو تعبير عن إردة إيمانية قوية تلتزم الصّدق والأمانة والإخلاص في الحركة والموقف والعمل، لذا، فالمطلوب محاسبة للنّفس، ووعي لحركتنا في الحياة، حتى نكون فعلاً من السّاعين إلى الآخرة الّتي هي من صنع إرادتنا الحرّة وعملنا الصّالح.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

يحدّثنا الله تعالى عن قضية الإيمان التي تدفع بالإنسان إلى تعقل خطواته وسلوكه، وضبط حركة شهواته، ووعيه لما يحمل من قيم، بغية ترجمة الإيمان في الدّنيا مزيداً من التقرب إلى الله تعالى، وصنع المصير الذي يليق بالإنسان المخلوق المكرَّم من الله تعالى الّذي أراد له أن يكون حرّاً أمام نزواته، صاحب إرادة مستقلّة، لا يخضع لضغوطات من هنا وهناك تفقده سيطرته على نفسه، وتجرفه في متاهات غير محسوبة النّتائج.

السَّعي الذي يبذله الإنسان بعمله الصّالح ومشاعره الطيّبة الطّاهرة، وفكره المنسجم مع خطّ الله وهداه، هو سعي مشكور من الله، بمعنى أنَّ الله يعطي هذا الإنسان مزيداً من الهدى والتأييد والثبات، ويشمله برحمته الواسعه، وألطافه المتنوّعة التي تعمّ كلّ مناحي الحياة. كما أنّ السّعي المشكور هو بوابة العبور للآخرة، واستحقاق الثّواب والغفران، وهذا هو الفوز العظيم الذي لا بدّ وأن يكون دأب كلّ إنسان مؤمن يخاف الله، ويسعى إليه جاهداً بكلّ همّة وإخلاص، ويجعل الآخرة نصب عينيه، ولا يقدّم عليها أية حسابات ذاتيه أو غيرها من الحسابات الدنيويّة التي تبعد عن رحمة الله تعالى.

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}[الإسراء: 19].

ويعلّق العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) على هذه الآية الشّريفة بقوله:

"{وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ}، وهو الذي فهم الحياة الدنيا فهماً عميقاً خاصّاً، ينطلق من فهمه لمسألة الإيمان الّذي يرى في الدنيا مزرعة الآخرة، فليس المطلوب منه أن يترك طيّباتها وشهواتها ولذائذها، أو يبتعد عن قضاياها، بل المطلوب منه أن لا يستغرق فيها من خلال هواه، ولكن ينطلق فيها من خلال خوفه مقام ربّه، وملاحظته العلاقة بين الممارسة العمليّة في الدّنيا، وبين النتائج السلبيّة والإيجابية في الآخرة، ليظلّ في عملية اتّصالٍ دائمٍ وثيق بالخطّ المتوازن، من خلال ما يوحي به العقل ويتحرّك به المنطق، ما يجعل من الآخرة، التي يتمثل فيها رضوان الله ونعيم الجنّة، هدفاً لكلّ أعمال الدنيا، لتكون دنيا الإنسان الحسيّة آخرةً، بمعنى انطلاقها من رضوان الله.

ولكنّ المسألة ليست إرادةً تعيش في الأعماق، بل هي الإرادة التي تدفع نحو العمل، وتقود إلى الهدف، لتعيش الحركة الفاعلة المتصلة بالخطّ الذي يربط الدّنيا بالآخرة، حيث يتركّز الإيمان في عمق الشخصيّة، لأنّ السّعي إلى الآخرة من خلال طبيعة العمل الصّالح الذي ينسجم مع الخطّ الإيماني، هو الذي يحقّق الغاية التي حدّدها الله، إذ لا بدّ من أن يكون السّاعي إلى الآخرة مؤمناً، لأنّ المسألة في المفهوم القرآني، هي أن يكون الخطّ العملي منطلقاً من الخطّ الروحي والخطّ الفكري الإيماني، ليكون له جذوره الضّاربة في أعماق النفس الإنسانية.

{فَأُولَـئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً}، فإنّ الله يشكر للمؤمن الذي يريد الحصول على رضاه في الدّنيا والآخرة، ويعمل في سبيل ذلك بكلّ ما يملكه من جهد وطاقة وإيمان، ويعطيه من فضله ما يريد دون تحديد، لأنّ الجزاء هنا يلتقي بالعمل، فلا ينقص حجمه عنه، بل قد يزيد عليه، إذ يمنح الله الإنسان فضلاً يضاعف له فيه الثّواب العظيم".[تفسير من وحي القرآن، ج 14، ص 76-77].

وحول هذه الآية أيضاً، يقول العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(رض):

"{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}: من أراد الجنّة، فعليه أن يدفع الثّمن سلفاً، وقد حدّده سبحانه بقوله: {إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقّاً}[التّوبة: 111[، وأيضاً، حقّاً عليه سبحانه أن لا يُدخل الجنّة من دخل في جوفه شيء من الحرام. فقد روى القمّي في "سفينة البحار" عن المعصوم أنّه قال: "حبس شهيد على باب الجنّة بثلاثة دراهم ليهودي"، وإذا كانت هذه هي حال الشّهيد الذي يلقى الله مضرّجاً بدمه في سبيل الله، من أجل ثلاثة دراهم ليهودي، فكيف بمن يأكل الألوف المؤلَّفة من أموال المساكين الموالين للنبيّ وآله(ص)؟".[التفسير المبين، الشيخ مغنية].

السّعي للآخرة لا بدّ من أن يكون من خلال العمل الصّالح، والالتزام بالحقّ والخلق الكريم الّذي يحجز عن محارم الله، فلا نتكلّم بالكلام الّذي يؤدّي للفتنة بين النّاس، ولا نقف الموقف المساند لأهل الباطل والضّلال، ولا نأكل المال الحرام، ولا نعتدي على الأعراض والأنفس والحقوق.. السّعي المشكور هو تعبير عن إردة إيمانية قوية تلتزم الصّدق والأمانة والإخلاص في الحركة والموقف والعمل، لذا، فالمطلوب محاسبة للنّفس، ووعي لحركتنا في الحياة، حتى نكون فعلاً من السّاعين إلى الآخرة الّتي هي من صنع إرادتنا الحرّة وعملنا الصّالح.

إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية