يحدّثنا القرآن الكريم في قصصه عن الأقوام الّذين تمرّدوا على إرادة الله واستكبروا وتجبّروا وطغوا على النّاس، وأفسدوا المجتمعات بغيِّهم وضلالاتهم الفكرية والسلوكية والعقيدية، ومن هؤلاء فرعون وقومه، حيث بالغوا في الكفر والتمرّد والعصيان لأوامر الله، ورفضوا كلّ الآيات والمعجزات التي أراهم إيّاها نبيّ الله موسى(ع)، لا بل سعوا إلى قتله وخنق دعوته في مهدها، عندما رأوا أنّه سيهدّد ملكهم وسلطتهم وغطرستهم.
ولكن الله تعالى يريد أن يوضح للنّاس، أنّ من جملة عقابه للبعض من الفاسدين والمنحرفين في التاريخ البشري، الردع عن التمادي في الغيّ والظّلم، وتأكيد خضوع الكون والإنسان لإرادة الله، والتّشديد على أنّ قوانين الله وسننه في العقاب هي من أجل أن يعود النّاس إلى صوابهم وإيمانهم ورشدهم.
يقول تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف: 133].
فلقد استحقَّ فرعون وقومه العذاب على ما قدَّموه للحياة من ظلمٍ وفسادٍ، وما مارسوه من قهر على المستضعفين، وما تعدّوا به على حقوق الله، وانحرفوا بالفطرة السويّة الداعية إلى التّوحيد والانفتاح على الخالق إلى عبادة الطّواغيت.
وحول تفسير هذه الآية، يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض): "{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، فأغرق كل شيء من الزرع والماشية وغيرهما، {وَالْجَرَادَ} الّذي أكل ثمراتهم، {وَالْقُمَّلَ} وهي دوابّ صغار كالقردان تركب البعير الهزيل، وهي حشرة معروفة تنزل الوباء، {وَالضَّفَادِعَ} التي يُقال إنها كانت تظهر في طعامهم وشرابهم فتنغّص عليهم حياتهم، {وَالدَّمَ} فقد تحوّل الماء عندهم إلى دم ـ كما يقال ـ وقيل إنهم أصيبوا بمرض الرّعاف، {آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} تنذرهم وتعطيهم فكرةً عن سخط الله وعقابه، {فَاسْتَكْبَرُوا} على الله ورسوله في ما يعيشونه من مشاعر الكبرياء والجبروت، {وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} فقد تأصّلت الجريمة في أفكارهم ومشاعرهم، فمنعتهم من الخضوع لأوامر الله ونواهيه".[من وحي القرآن، ج:10، ص:222 - 223].
وحول ما تقدَّم من آية، يقول الفخر الرازي في تفسيره: "قال ابن عباس: إنّ القوم لما قالوا لموسى: مهما أتيتنا بآية من ربّك، فهي عندنا من باب السّحر، ونحن لا نؤمن بها البتّة، فعند ذلك دعا عليهم، فاستجاب الله له، فأرسل عليهم الطّوفان الدّائم ليلاً نهاراً، سبتاً إلى سبت، حتى كان الرّجل منهم لا يرى شمساً ولا قمراً ولا يستطيع الخروج من داره، وجاءهم الغرق، فصرخوا واستغاثوا، فأرسل فرعون إلى موسى وقال اكشف عنّا العذاب، فقد صارت مصر بحراً واحداً، فإن كشفت هذا العذاب آمنَّا بك، فأزال الله عنهم المطر، وأرسل الرّياح فجفّت الأرض، وخرج من النّبات ما لم يروا مثله قطّ. فقالوا: هذا الّذي جزعنا منه خيرٌ لنا، لكنّنا لم نشعر. فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فنكثوا العهد، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل النّبات.. ولم يؤمنوا.. فأرسل الله بعد ذلك عليهم القمّل، سبتاً إلى سبت، فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الضّفادع بعد ذلك، فخرج من البحر مثل اللّيل الدّامس، ووقع في الثّياب والأطعمة.. فدعا موسى(ع) الله تعالى فأمات الضّفادع.. ثم أظهروا الكفر والفساد، فأرسل الله عليهم الدّم، فجرت أنهارهم دماً، فلم يقدروا على الماء العذب، ومكثوا سبعة أيّام في ذلك لا يشربون إلا الدّم.
وأمّا قوله تعالى: {آيات مفصّلات} ففيه وجوه: أحدها (مفصّلات)، أي مبيّنات ظاهرات، لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله الّتي لا يقدر عليها غيره، وثانيها (مفصّلات) أي فصل بين بعضها وبعض بزمان يمتحن فيه أحوالهم وينظر أيقبلون الحجّة".[التّفسير الكبير للفخر الرّازي].
نتعلَّم من هذه القصَّة، أنَّ المستكبرين والمعاندين للحقّ مصيرهم إلى الزوال، وأنهم لن يقدروا مهما بلغ حجم قوّتهم أن ينتصروا على أهل الإيمان الّذين يخلصون لله، وينفتحون عليه في كلّ أوضاعهم. ونتعلّم أيضاً قدرة الله وعظمته في خلقه، وأنَّ بيده الأمر كلّه، ولن يعجزه أحد في السّماوات والأرض، ونتعلّم أنّ علينا أن نزداد إيماناً وتقوىً وانفتاحاً على الخالق وتقرّباً منه بالصالحات من الأعمال والنّافع من الأقوال والأفكار والمشاعر والحركة والموقف...
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها].

يحدّثنا القرآن الكريم في قصصه عن الأقوام الّذين تمرّدوا على إرادة الله واستكبروا وتجبّروا وطغوا على النّاس، وأفسدوا المجتمعات بغيِّهم وضلالاتهم الفكرية والسلوكية والعقيدية، ومن هؤلاء فرعون وقومه، حيث بالغوا في الكفر والتمرّد والعصيان لأوامر الله، ورفضوا كلّ الآيات والمعجزات التي أراهم إيّاها نبيّ الله موسى(ع)، لا بل سعوا إلى قتله وخنق دعوته في مهدها، عندما رأوا أنّه سيهدّد ملكهم وسلطتهم وغطرستهم.
ولكن الله تعالى يريد أن يوضح للنّاس، أنّ من جملة عقابه للبعض من الفاسدين والمنحرفين في التاريخ البشري، الردع عن التمادي في الغيّ والظّلم، وتأكيد خضوع الكون والإنسان لإرادة الله، والتّشديد على أنّ قوانين الله وسننه في العقاب هي من أجل أن يعود النّاس إلى صوابهم وإيمانهم ورشدهم.
يقول تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ}[الأعراف: 133].
فلقد استحقَّ فرعون وقومه العذاب على ما قدَّموه للحياة من ظلمٍ وفسادٍ، وما مارسوه من قهر على المستضعفين، وما تعدّوا به على حقوق الله، وانحرفوا بالفطرة السويّة الداعية إلى التّوحيد والانفتاح على الخالق إلى عبادة الطّواغيت.
وحول تفسير هذه الآية، يقول المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض): "{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ}، فأغرق كل شيء من الزرع والماشية وغيرهما، {وَالْجَرَادَ} الّذي أكل ثمراتهم، {وَالْقُمَّلَ} وهي دوابّ صغار كالقردان تركب البعير الهزيل، وهي حشرة معروفة تنزل الوباء، {وَالضَّفَادِعَ} التي يُقال إنها كانت تظهر في طعامهم وشرابهم فتنغّص عليهم حياتهم، {وَالدَّمَ} فقد تحوّل الماء عندهم إلى دم ـ كما يقال ـ وقيل إنهم أصيبوا بمرض الرّعاف، {آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} تنذرهم وتعطيهم فكرةً عن سخط الله وعقابه، {فَاسْتَكْبَرُوا} على الله ورسوله في ما يعيشونه من مشاعر الكبرياء والجبروت، {وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} فقد تأصّلت الجريمة في أفكارهم ومشاعرهم، فمنعتهم من الخضوع لأوامر الله ونواهيه".[من وحي القرآن، ج:10، ص:222 - 223].
وحول ما تقدَّم من آية، يقول الفخر الرازي في تفسيره: "قال ابن عباس: إنّ القوم لما قالوا لموسى: مهما أتيتنا بآية من ربّك، فهي عندنا من باب السّحر، ونحن لا نؤمن بها البتّة، فعند ذلك دعا عليهم، فاستجاب الله له، فأرسل عليهم الطّوفان الدّائم ليلاً نهاراً، سبتاً إلى سبت، حتى كان الرّجل منهم لا يرى شمساً ولا قمراً ولا يستطيع الخروج من داره، وجاءهم الغرق، فصرخوا واستغاثوا، فأرسل فرعون إلى موسى وقال اكشف عنّا العذاب، فقد صارت مصر بحراً واحداً، فإن كشفت هذا العذاب آمنَّا بك، فأزال الله عنهم المطر، وأرسل الرّياح فجفّت الأرض، وخرج من النّبات ما لم يروا مثله قطّ. فقالوا: هذا الّذي جزعنا منه خيرٌ لنا، لكنّنا لم نشعر. فلا والله لا نؤمن بك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فنكثوا العهد، فأرسل الله عليهم الجراد فأكل النّبات.. ولم يؤمنوا.. فأرسل الله بعد ذلك عليهم القمّل، سبتاً إلى سبت، فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الضّفادع بعد ذلك، فخرج من البحر مثل اللّيل الدّامس، ووقع في الثّياب والأطعمة.. فدعا موسى(ع) الله تعالى فأمات الضّفادع.. ثم أظهروا الكفر والفساد، فأرسل الله عليهم الدّم، فجرت أنهارهم دماً، فلم يقدروا على الماء العذب، ومكثوا سبعة أيّام في ذلك لا يشربون إلا الدّم.
وأمّا قوله تعالى: {آيات مفصّلات} ففيه وجوه: أحدها (مفصّلات)، أي مبيّنات ظاهرات، لا يشكل على عاقل أنها من آيات الله الّتي لا يقدر عليها غيره، وثانيها (مفصّلات) أي فصل بين بعضها وبعض بزمان يمتحن فيه أحوالهم وينظر أيقبلون الحجّة".[التّفسير الكبير للفخر الرّازي].
نتعلَّم من هذه القصَّة، أنَّ المستكبرين والمعاندين للحقّ مصيرهم إلى الزوال، وأنهم لن يقدروا مهما بلغ حجم قوّتهم أن ينتصروا على أهل الإيمان الّذين يخلصون لله، وينفتحون عليه في كلّ أوضاعهم. ونتعلّم أيضاً قدرة الله وعظمته في خلقه، وأنَّ بيده الأمر كلّه، ولن يعجزه أحد في السّماوات والأرض، ونتعلّم أنّ علينا أن نزداد إيماناً وتقوىً وانفتاحاً على الخالق وتقرّباً منه بالصالحات من الأعمال والنّافع من الأقوال والأفكار والمشاعر والحركة والموقف...
[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها].