"ولا تُطِعْ من أغفَلْنا قلبه"..

"ولا تُطِعْ من أغفَلْنا قلبه"..

يحدِّثنا القرآن الكريم عن أهميَّة أن يكون المؤمن حاضر الذِّهن يقظاً، وذلك من خلال ذكر الله الدَّائم، وطرد الغفلة من النفس والعقل والوجدان، بحيث يعمل على تأصيل الذّكر في الذّات، لينعكس ذلك تهذيباً وسموّاً وارتقاءً بها. والخطاب القرآني الموجَّه إلى الرّسول(ص)، هو خطابٌ موجَّه إلينا بألاّ ننساق إلى أصحاب القلوب القاسية الجافّة الخالية من ذكر الله، الغارقة في الغفلة المفرطة بحقّ الله وحق الناس.

يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28].

أيّها المؤمن، على قلبك أن يكون مشغولاً بذكر الله تعالى وحيّاً بهذا الذّكر، فإيّاك أن تكون من أصحاب القلوب الغافلة الميتة الّتي لا حياة فيها، والتي فرّطت في جنب الله، فتعدَّت على حقوقه وعلى حقوق الناس وخسرت وجودها كلّه.

أيّها المؤمن، عليك أن تكون صاحب روحيَّة متواضعة، تتواضع لله، وتتواضع للنّاس، وألا تكون ممّن انحرفت بهم الدّنيا وغرّتهم وخدعتهم بزخارفها وشهواتها وأطماعها، فاستغرقوا فيها، ونسوا ربهم وأنفسهم، والتزموا أوامر الشَّياطين من الإنس والجنّ، وأفسدوا بالتّالي الواقع من حولهم.

وفي تفسيره للآية المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} من هؤلاء الّذين استسلموا للغفلة في حركة وجدانهم الفكري والرّوحي، فلم ينفتحوا على الله من موقع الفكر والرّوح، ولم يصغوا بأسماع قلوبهم إلى الآية، وعاشوا أجواء اللامبالاة أمام كلّ دعوات الحقّ والإيمان، واستراحوا لما اعتادوه من أوضاعٍ وعاداتٍ وتقاليد، ولما حملوه من أفكارٍ ومشاعر، فلا يقبلون أيّ تغيير أو تبديل لذلك.

وهذا هو المراد من إغفال الله لقلوبهم عن ذكره، فليس المقصود أنَّ الله يريد ذلك لهم بطريقة الجبر الّذي لا يملكون معه الاختيار، بل المراد حصوله من خلال قانون السببيَّة الذي يجعل الغفلة نتيجةً حتميّة للسّلوك اللاهي المتمرّد على كلِّ دعوةٍ للفكر وللحوار.

لا تطع ـ يا محمَّد ـ هؤلاء الغافلين عن ذكر الله، الَّذين تقودهم غفلتهم إلى الاستغراق في المعاصي، والاستسلام للانحراف، ولا تُقبِل على أيّ واحد منهم، لأنّه بسلوكه يبتعد عن الله، ويقترب من الشّيطان، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، فلم ينطلق في حياته من قاعدة ثابتة تحكم كلّ تصرّفاته وأوضاعه، بل انطلق ذات اليمين وذات الشّمال، تبعاً لهواه الّذي يتغيّر حسب تغيّر الظّروف والأوضاع، {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، متجاوزاً لحدود الحقّ في أفكاره وأقواله وأفعاله، ومنحرفاً عن الصّراط المستقيم، فإنّ إطاعته والانسجام معه، يعني الالتزام بخطّ الانحراف الذي يمثّله، لأنّ التّفاصيل الجزئيّة تتبع القاعدة الكليّة في طبيعة الاستقامة والانحراف".[تفسير من وحي القرآن، ج:14، ص:313-314].

وجاء في تفسير الفخر الرّازي لهذه الآية، قوله: "{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، يدلّ على أنّ شرّ أحوال الإنسان أن يكون خالياً عن ذكر الحقّ، ويكون مملوءاً من الهوى الداعي إلى الاشتغال بالخلق. وتحقيق القول: أنَّ ذكر الله نور وذكر غيره ظلمة.. فالإعراض عن الحقّ هو المراد بقوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} والإقبال على الخلق هو المراد بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.

{فُرُطًا} أي مجاوزاً للحدّ، ومعناه أنّ الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به، وهو أمر دينه، يكون مخصوصاً بإيقاع التّفريط والتّقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه، وإنما عمله لدنياه، فبيّن تعالى من حال الغافلين عن ذكر الله التابعين لهواهم، أنهم مقصّرون في مهماتهم، معرضون عمّا وجب عليهم من التدبّر في الآيات، والتحفّظ بمهمات الدّنيا والآخرة. والحاصل: أنّه تعالى وصف أولئك الفقراء بالمواظبة على ذكر الله والإعراض عن غير ذكر الله، فقال: {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، ووصف هؤلاء الأغنياء بالإعراض عن ذكر الله تعالى، والإقبال على غير الله، وهو قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، ثم أمر رسوله(ص) بمجالسة أولئك والمباعدة عن هؤلاء".[التفسير الكبير للفخر الرازي، ج21، ص118].

نتعلَّم من آيات الله تعالى كيف نحافظ على تواضعنا وغنانا، من خلال التسلّح بذكر الله تعالى وعدم الغفلة عنه، وأن نكون المؤمنين أصحاب القلوب الحيَّة، والعقول المنفتحة على الحقّ، السّاعية إلى استخلاف الأرض استخلافاً حركيّاً ورساليّاً عنوانه الإخلاص لله تعالى...

يحدِّثنا القرآن الكريم عن أهميَّة أن يكون المؤمن حاضر الذِّهن يقظاً، وذلك من خلال ذكر الله الدَّائم، وطرد الغفلة من النفس والعقل والوجدان، بحيث يعمل على تأصيل الذّكر في الذّات، لينعكس ذلك تهذيباً وسموّاً وارتقاءً بها. والخطاب القرآني الموجَّه إلى الرّسول(ص)، هو خطابٌ موجَّه إلينا بألاّ ننساق إلى أصحاب القلوب القاسية الجافّة الخالية من ذكر الله، الغارقة في الغفلة المفرطة بحقّ الله وحق الناس.

يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28].

أيّها المؤمن، على قلبك أن يكون مشغولاً بذكر الله تعالى وحيّاً بهذا الذّكر، فإيّاك أن تكون من أصحاب القلوب الغافلة الميتة الّتي لا حياة فيها، والتي فرّطت في جنب الله، فتعدَّت على حقوقه وعلى حقوق الناس وخسرت وجودها كلّه.

أيّها المؤمن، عليك أن تكون صاحب روحيَّة متواضعة، تتواضع لله، وتتواضع للنّاس، وألا تكون ممّن انحرفت بهم الدّنيا وغرّتهم وخدعتهم بزخارفها وشهواتها وأطماعها، فاستغرقوا فيها، ونسوا ربهم وأنفسهم، والتزموا أوامر الشَّياطين من الإنس والجنّ، وأفسدوا بالتّالي الواقع من حولهم.

وفي تفسيره للآية المباركة، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):

"{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} من هؤلاء الّذين استسلموا للغفلة في حركة وجدانهم الفكري والرّوحي، فلم ينفتحوا على الله من موقع الفكر والرّوح، ولم يصغوا بأسماع قلوبهم إلى الآية، وعاشوا أجواء اللامبالاة أمام كلّ دعوات الحقّ والإيمان، واستراحوا لما اعتادوه من أوضاعٍ وعاداتٍ وتقاليد، ولما حملوه من أفكارٍ ومشاعر، فلا يقبلون أيّ تغيير أو تبديل لذلك.

وهذا هو المراد من إغفال الله لقلوبهم عن ذكره، فليس المقصود أنَّ الله يريد ذلك لهم بطريقة الجبر الّذي لا يملكون معه الاختيار، بل المراد حصوله من خلال قانون السببيَّة الذي يجعل الغفلة نتيجةً حتميّة للسّلوك اللاهي المتمرّد على كلِّ دعوةٍ للفكر وللحوار.

لا تطع ـ يا محمَّد ـ هؤلاء الغافلين عن ذكر الله، الَّذين تقودهم غفلتهم إلى الاستغراق في المعاصي، والاستسلام للانحراف، ولا تُقبِل على أيّ واحد منهم، لأنّه بسلوكه يبتعد عن الله، ويقترب من الشّيطان، {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، فلم ينطلق في حياته من قاعدة ثابتة تحكم كلّ تصرّفاته وأوضاعه، بل انطلق ذات اليمين وذات الشّمال، تبعاً لهواه الّذي يتغيّر حسب تغيّر الظّروف والأوضاع، {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}، متجاوزاً لحدود الحقّ في أفكاره وأقواله وأفعاله، ومنحرفاً عن الصّراط المستقيم، فإنّ إطاعته والانسجام معه، يعني الالتزام بخطّ الانحراف الذي يمثّله، لأنّ التّفاصيل الجزئيّة تتبع القاعدة الكليّة في طبيعة الاستقامة والانحراف".[تفسير من وحي القرآن، ج:14، ص:313-314].

وجاء في تفسير الفخر الرّازي لهذه الآية، قوله: "{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، يدلّ على أنّ شرّ أحوال الإنسان أن يكون خالياً عن ذكر الحقّ، ويكون مملوءاً من الهوى الداعي إلى الاشتغال بالخلق. وتحقيق القول: أنَّ ذكر الله نور وذكر غيره ظلمة.. فالإعراض عن الحقّ هو المراد بقوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} والإقبال على الخلق هو المراد بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}.

{فُرُطًا} أي مجاوزاً للحدّ، ومعناه أنّ الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به، وهو أمر دينه، يكون مخصوصاً بإيقاع التّفريط والتّقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه، وإنما عمله لدنياه، فبيّن تعالى من حال الغافلين عن ذكر الله التابعين لهواهم، أنهم مقصّرون في مهماتهم، معرضون عمّا وجب عليهم من التدبّر في الآيات، والتحفّظ بمهمات الدّنيا والآخرة. والحاصل: أنّه تعالى وصف أولئك الفقراء بالمواظبة على ذكر الله والإعراض عن غير ذكر الله، فقال: {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، ووصف هؤلاء الأغنياء بالإعراض عن ذكر الله تعالى، والإقبال على غير الله، وهو قوله: {أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}، ثم أمر رسوله(ص) بمجالسة أولئك والمباعدة عن هؤلاء".[التفسير الكبير للفخر الرازي، ج21، ص118].

نتعلَّم من آيات الله تعالى كيف نحافظ على تواضعنا وغنانا، من خلال التسلّح بذكر الله تعالى وعدم الغفلة عنه، وأن نكون المؤمنين أصحاب القلوب الحيَّة، والعقول المنفتحة على الحقّ، السّاعية إلى استخلاف الأرض استخلافاً حركيّاً ورساليّاً عنوانه الإخلاص لله تعالى...

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية