سُنَّةُ الله في أهل القرى..

سُنَّةُ الله في أهل القرى..

يحدِّثنا الله تعالى عن سننه في عباده الّذين يسيرون في خطِّ الانحراف والفساد، حيث يأخذهم الله بالعذاب لاستحقاقهم ذلك، وكي يعودوا إلى ذواتهم وقلوبهم وعقولهم، وينفتحوا على الحقّ والهداية، تحقيقاً للفائدة من وجودهم في طاعة الله وخدمة الحياة والمجتمع بالسّبُل النّافعة.

فكلّ قومٍ يستغرقون في الضّلالات والمفاسد، ويثقلون الحياة بالمتاعب والمشاكل والتّعقيدات، يصيبهم من الله الضرّاء والأذى جرّاء أفعالهم، والأهمّ أن يلتفتوا إلى حقّ الله عليهم، في أن يكونوا في خطّ الحقّ والصّلاح، كي يمدّوا الواقع بما يحتاجه من توازن في الحركة والموقف والسّلوك.

يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف: 94]. إنَّ الضرّاء والبلاءات دروس في الحياة تصقل جوهر الإنسان، وتجعله أمام التحدّي والاختبار في إيمانه وصبره، ليقف الموقف الأصيل والمطلوب لجهة الثّبات على خطِّ الله فيما أراد، وليثبت على تضرّعه وابتهاله إلى ربّه بالشَّكل الحيويّ والفاعل، وليتعرّف إلى حكمة الله وإرادته في كلّ ذلك.

وحول مسألة سنّة الله في النّاس، يشير المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض)، إلى أنَّ قضيّة الشدّة والرّخاء هي من سنّة الله في الوجود، إذ يقول: "فقد يكون صحيحاً أنَّ قضيّة الشدّة والرّخاء هي من سنّة الحياة، ولكنّها السنّة الّتي خلقها الله في نطاق الكون، ليسير على قاعدة ثابتة حكيمة.

وقد يهيِّئ الله الظروف الّتي تثيرها سُننه، من أجل أن يثير وضعاً معيَّناً هنا، ووضعاً معيَّناً هناك، ليكون ذلك امتحاناً للإنسان في أجواء الإيمان والكفر، وليتحرّك الإنسان وقت الضّيق ليبتهل إلى الله في رفع ذلك عنه، وليشعر ـ بعد الفرج ـ بنعمة الله عليه، ليكون الله هو الأساس في حالتي البلاء والعافية، ليشكر ولا يكفر.

ولهذا، فقد غضب الله على هؤلاء، لأنهم استكبروا على الله، واستخفّوا بالأنبياء، وكذّبوا الرّسالات، فأخذهم الله فجأةً بشكلٍ غير متوقَّع، وهم لا يشعرون.. وهذا ما ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، فيأخذ من كلّ ظاهرة من ظواهر الحياة التي تمرّ به من بلاءٍ وعافية، درساً ينفتح به على الله، فيعيش معه حالة التضرّع والابتهال والدّعاء، ويعيش في مجالٍ آخر حالة الشّكر والطاعة والرضى، فيبقى مع الله في كلّ شيء في جميع الظروف والأحوال، لأنّ ذلك هو المعنى العميق للإيمان في نفسه، في ما يتحرّك به الإيمان من مشاعر ومواقف في الحياة".[تفسير من وحي القرآن، ج:10، ص:190-191].

ويذكر الفخر الرّازي في تفسيره: "اِعلم أنّه تعالى لمّا عرَّفنا أحوال هؤلاء الأنبياء، وأحوال ما جرى على أممهم، كان من الجائز أن يُظَنّ أنّه تعالى ما أنزل عذاب الاستئصال إلا في زمن هؤلاء الأنبياء فقط، فبيَّن أنَّ هذا الجنس من الهلاك قد فعله بغيرهم، وبيّن العلّة التي بها يفعل ذلك، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}، وإنما ذكر القرية لأنها مجتمع القوم الّذين إليهم يُبعث الرّسل، ويدخل تحت هذا اللّفظ المدينة، لأنها مجتمع الأقوام..

وقوله (من نبي) فيه حذف وإضمار، والتقدير: من نبيّ فكُذِّب أو كذّبه أهلها، إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء. قال الزجّاج: البأساء كلّ ما نالهم من الشدّة في أحوالهم، والضرّاء ما نالهم من الأمراض. وقيل على العكس، ثم بيّن تعالى أنّه يفعل ذلك لكي يضرّعوا، معناه: يتضرّعوا. والتضرع هو الخضوع والانقياد لله تعالى، ولمّا علمت أنّ قوله (لعلّهم) لا يمكن حمله على الشّكّ في حقّ الله تعالى، وجب حمله على أنَّ المراد أنه تعالى فعل هذا الفعل لكي يتضرّعوا. قالت المعتزلة: وهذا يدلّ على أنّه تعالى أراد من كلّ المكلَّفين الإيمان والطّاعة.

وقال أصحابنا: لمّا ثبت بالدّليل أنّ تعليل أفعال الله وأحكامه محال، وجب حمل الآية على أنّه تعالى فعل ما لو فعله غيره، لكان ذلك شبيهاً بالعلّة والغرض. ثمّ بيَّن تعالى أنَّ تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمطٍ واحد، وإنما يدبّرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب، فقال: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}، لأنّ ورود النّعمة في البدن والمال بعد البأساء والضرّاء، يدعو إلى الاشتغال بالشّكر، ومعنى السيّئة والحسنة هنا الشدّة والرّخاء". [التفسير الكبير للفخر الرازي].

فالأنبياء بلّغوا دعوة الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأوضحوا سنن الله وتعاليمه، وحاولوا معالجة آفاق الإنسان العقيدية والسلوكية والروحية والأخلاقية، فإذا ما استجاب الإنسان للدّعوة والهداية، انتقل به الحال تلقائيّاً إلى إصابته بالضرّاء والبأساء، وهنا عليه أن يعود إلى التضرّع والابتهال والعودة المخلصة إلى الله، وكم في واقعنا من دعاة وعلماء ربّانيّين مخلصين عاملين، حاولوا إكمال مسيرة الأنبياء بدعوة النّاس بالموعظة الحسنة، والتّبليغ الأصيل والهادف، وكانوا محطّات مضيئة للنّاس كي يعكفوا على النّهل منها، والإفادة من تجاربها وعطاءاتها، وكي يؤكّدوا الارتباط بالله، ودوام التضرُّع إليه في الشدَّة والرَّخاء.

[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها].

يحدِّثنا الله تعالى عن سننه في عباده الّذين يسيرون في خطِّ الانحراف والفساد، حيث يأخذهم الله بالعذاب لاستحقاقهم ذلك، وكي يعودوا إلى ذواتهم وقلوبهم وعقولهم، وينفتحوا على الحقّ والهداية، تحقيقاً للفائدة من وجودهم في طاعة الله وخدمة الحياة والمجتمع بالسّبُل النّافعة.

فكلّ قومٍ يستغرقون في الضّلالات والمفاسد، ويثقلون الحياة بالمتاعب والمشاكل والتّعقيدات، يصيبهم من الله الضرّاء والأذى جرّاء أفعالهم، والأهمّ أن يلتفتوا إلى حقّ الله عليهم، في أن يكونوا في خطّ الحقّ والصّلاح، كي يمدّوا الواقع بما يحتاجه من توازن في الحركة والموقف والسّلوك.

يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ}[الأعراف: 94]. إنَّ الضرّاء والبلاءات دروس في الحياة تصقل جوهر الإنسان، وتجعله أمام التحدّي والاختبار في إيمانه وصبره، ليقف الموقف الأصيل والمطلوب لجهة الثّبات على خطِّ الله فيما أراد، وليثبت على تضرّعه وابتهاله إلى ربّه بالشَّكل الحيويّ والفاعل، وليتعرّف إلى حكمة الله وإرادته في كلّ ذلك.

وحول مسألة سنّة الله في النّاس، يشير المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض)، إلى أنَّ قضيّة الشدّة والرّخاء هي من سنّة الله في الوجود، إذ يقول: "فقد يكون صحيحاً أنَّ قضيّة الشدّة والرّخاء هي من سنّة الحياة، ولكنّها السنّة الّتي خلقها الله في نطاق الكون، ليسير على قاعدة ثابتة حكيمة.

وقد يهيِّئ الله الظروف الّتي تثيرها سُننه، من أجل أن يثير وضعاً معيَّناً هنا، ووضعاً معيَّناً هناك، ليكون ذلك امتحاناً للإنسان في أجواء الإيمان والكفر، وليتحرّك الإنسان وقت الضّيق ليبتهل إلى الله في رفع ذلك عنه، وليشعر ـ بعد الفرج ـ بنعمة الله عليه، ليكون الله هو الأساس في حالتي البلاء والعافية، ليشكر ولا يكفر.

ولهذا، فقد غضب الله على هؤلاء، لأنهم استكبروا على الله، واستخفّوا بالأنبياء، وكذّبوا الرّسالات، فأخذهم الله فجأةً بشكلٍ غير متوقَّع، وهم لا يشعرون.. وهذا ما ينبغي للإنسان أن يلتفت إليه، فيأخذ من كلّ ظاهرة من ظواهر الحياة التي تمرّ به من بلاءٍ وعافية، درساً ينفتح به على الله، فيعيش معه حالة التضرّع والابتهال والدّعاء، ويعيش في مجالٍ آخر حالة الشّكر والطاعة والرضى، فيبقى مع الله في كلّ شيء في جميع الظروف والأحوال، لأنّ ذلك هو المعنى العميق للإيمان في نفسه، في ما يتحرّك به الإيمان من مشاعر ومواقف في الحياة".[تفسير من وحي القرآن، ج:10، ص:190-191].

ويذكر الفخر الرّازي في تفسيره: "اِعلم أنّه تعالى لمّا عرَّفنا أحوال هؤلاء الأنبياء، وأحوال ما جرى على أممهم، كان من الجائز أن يُظَنّ أنّه تعالى ما أنزل عذاب الاستئصال إلا في زمن هؤلاء الأنبياء فقط، فبيَّن أنَّ هذا الجنس من الهلاك قد فعله بغيرهم، وبيّن العلّة التي بها يفعل ذلك، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}، وإنما ذكر القرية لأنها مجتمع القوم الّذين إليهم يُبعث الرّسل، ويدخل تحت هذا اللّفظ المدينة، لأنها مجتمع الأقوام..

وقوله (من نبي) فيه حذف وإضمار، والتقدير: من نبيّ فكُذِّب أو كذّبه أهلها، إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضرّاء. قال الزجّاج: البأساء كلّ ما نالهم من الشدّة في أحوالهم، والضرّاء ما نالهم من الأمراض. وقيل على العكس، ثم بيّن تعالى أنّه يفعل ذلك لكي يضرّعوا، معناه: يتضرّعوا. والتضرع هو الخضوع والانقياد لله تعالى، ولمّا علمت أنّ قوله (لعلّهم) لا يمكن حمله على الشّكّ في حقّ الله تعالى، وجب حمله على أنَّ المراد أنه تعالى فعل هذا الفعل لكي يتضرّعوا. قالت المعتزلة: وهذا يدلّ على أنّه تعالى أراد من كلّ المكلَّفين الإيمان والطّاعة.

وقال أصحابنا: لمّا ثبت بالدّليل أنّ تعليل أفعال الله وأحكامه محال، وجب حمل الآية على أنّه تعالى فعل ما لو فعله غيره، لكان ذلك شبيهاً بالعلّة والغرض. ثمّ بيَّن تعالى أنَّ تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمطٍ واحد، وإنما يدبّرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب، فقال: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}، لأنّ ورود النّعمة في البدن والمال بعد البأساء والضرّاء، يدعو إلى الاشتغال بالشّكر، ومعنى السيّئة والحسنة هنا الشدّة والرّخاء". [التفسير الكبير للفخر الرازي].

فالأنبياء بلّغوا دعوة الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأوضحوا سنن الله وتعاليمه، وحاولوا معالجة آفاق الإنسان العقيدية والسلوكية والروحية والأخلاقية، فإذا ما استجاب الإنسان للدّعوة والهداية، انتقل به الحال تلقائيّاً إلى إصابته بالضرّاء والبأساء، وهنا عليه أن يعود إلى التضرّع والابتهال والعودة المخلصة إلى الله، وكم في واقعنا من دعاة وعلماء ربّانيّين مخلصين عاملين، حاولوا إكمال مسيرة الأنبياء بدعوة النّاس بالموعظة الحسنة، والتّبليغ الأصيل والهادف، وكانوا محطّات مضيئة للنّاس كي يعكفوا على النّهل منها، والإفادة من تجاربها وعطاءاتها، وكي يؤكّدوا الارتباط بالله، ودوام التضرُّع إليه في الشدَّة والرَّخاء.

[إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبِّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية