فلمَّا فصل طالوت بالجنود

فلمَّا فصل طالوت بالجنود

نبقى مع القصص القرآنيّ، حيث تتجلَّى إرادة الله وحكمته مع أنبيائه وأوليائه، كي نستزيد من تلك الدّروس والعِبَر التي تحصِّن إيماننا، وتزيدنا قرباً وانفتاحاً على مواطن الرّحمة الإلهيّة.

يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو الله كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 249].

إنّنا أمام قصّة نبيّ من أنبياء بني إسرائيل مع قومه، حيث التّأكيد على أهميّة الثبات والصبر على التّحدّيات والشهوات، وخلوص النيّات والإيمان، والتّضحية والجهاد في سبيل الله تعالى.

و"طالوت" هو اسم الملك الَّذي عيَّنه صموئيل أو شمعون أو يوشع على الجنود، بحسب الرّوايات.. والظّاهر أنّ من المعروف في مرحلة النبوّات عند بني إسرائيل، مسألة توزيع الأدوار بين النبوّة والملك، فللنبيّ دور التوجيه والتربية والدعوة، وللملك دور الحرب والقيادة والممارسة العملية. وطالوت هو الملك المعيّن من قِبَل الله تعالى على بني إسرائيل بنصّ القرآن الكريم: {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً... قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}[البقرة: 247].

وبدأت التَّجربة مع بني إسرائيل ليختبر إيمانهم ويضعهم أمام أنفسهم ومسؤوليَّاتهم، فقد اجتمع مع طالوت، بحسب الرّوايات، ثمانون ألفاً، وأوضح لهم أنّهم أثناء خروجهم من ديارهم سيصادفون نهراً يمرّون به على الطريق، وقيل يقع بين فلسطين والأردن، وأنّ عليهم ألا يشربوا منه إلا بمقدار غرفة اليد، مهما بلغ بهم العطش، ومن يتجاوز ذلك، فهو ليس من أهل الإخلاص والطّاعة.

وقد ابتلى الله تعالى هؤلاء القوم في أكثر من تجربة، ليعلّمهم الصَّبر بطريقة عمليّة، ليصبح قيمة متجذّرة في نفوسهم.. وكان الوقت قيظاً، فسلكوا مفازة، فسألوا الله أن يجري لهم نهراً، فقال: {إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم}، أي ممتحنكم فيه.. فمن زاد عن الغرفة فليس من أهل الدّين والطاعة والصَّبر، ومن لم يذقه من الأساس، وصبر على عطشه، وجاهد نفسه، فقد نجح في الاختبار، وكان من أهل التّقوى والطّاعة عبر الممارسة الفعليّة.

ويروي بعض المفسِّرين، كما ينقل فخر الدين الرازي في تفسيره (التفسير الكبير)، أنَّ أصحاب طالوت لما هجموا على النّهر بعد عطش شديد، وقع أكثرهم في النّهر، وأكثروا الشّرب، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى، فلم يزيدوا على الاغتراف. وأمّا الّذين شربوا وخالفوا أمر الله، فاسودّت شفاههم، وغلبهم العطش، ولم يرووا، وبقوا على شطّ النّهر، وجبنوا عن لقاء العدوّ، وأمّا الذين أطاعوا أمر الله تعالى، فقويت قلوبهم، وصحّ إيمانهم، وعبروا النَّهر سالمين.

يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ}، وانطلق طالوت، وهذا هو اسم الملك الّذي عيَّنه النّبيّ، ومضى معه جنوده، {قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ}، وبدأت التجربة بين القائد وجنوده، فقد أعلن لهم أنَّ الله قد ابتلاهم وامتحنهم ـ ليختبر انقيادهم ـ بالنّهر الذي يمرّون به، {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}[البقرة: 249]، فعليهم أن لا يشربوا منه إلا بمقدار غرفة، مهما بلغ عطشهم، وسقط الأكثرون في الامتحان، ووهنت عزائمهم، ودبَّ الضّعف فيهم، ووقف المؤمنون المخلصون ليكون النّصر لهم في نهاية المطاف". [تفسير من وحي القرآن، ج 4، ص 388].

بعض من كان مع طالوت، لما رأوا معسكر جالوت وجنوده، ضعفوا وقالوا لا طاقة لنا على مواجهتهم، فكانوا مهزومي الإيمان والإرادة، {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو الله كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 249]، أمّا المؤمنون الصّابرون المحتسبون الواثقون بنصر الله لهم في كلّ المواقع والظّروف، فلم يخافوا من عديد أهل الباطل وقوتهم، فالفئة القليلة المؤمنة الصَّابرة المتوكّلة على ربها المخلصة له، قادرة بروحها المعنويّة والإيمانيّة العالية على أن تهزم الفئة الكثيرة، مهما علا شأنها.

ومن كلّ ذلك، نتعلّم كيفيَّة التزوّد بالصّبر، والإخلاص، والثّقة بالله، والثّبات على الإيمان، في وجه كلّ الأعداء من داخل النّفس وخارجها.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

نبقى مع القصص القرآنيّ، حيث تتجلَّى إرادة الله وحكمته مع أنبيائه وأوليائه، كي نستزيد من تلك الدّروس والعِبَر التي تحصِّن إيماننا، وتزيدنا قرباً وانفتاحاً على مواطن الرّحمة الإلهيّة.

يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو الله كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 249].

إنّنا أمام قصّة نبيّ من أنبياء بني إسرائيل مع قومه، حيث التّأكيد على أهميّة الثبات والصبر على التّحدّيات والشهوات، وخلوص النيّات والإيمان، والتّضحية والجهاد في سبيل الله تعالى.

و"طالوت" هو اسم الملك الَّذي عيَّنه صموئيل أو شمعون أو يوشع على الجنود، بحسب الرّوايات.. والظّاهر أنّ من المعروف في مرحلة النبوّات عند بني إسرائيل، مسألة توزيع الأدوار بين النبوّة والملك، فللنبيّ دور التوجيه والتربية والدعوة، وللملك دور الحرب والقيادة والممارسة العملية. وطالوت هو الملك المعيّن من قِبَل الله تعالى على بني إسرائيل بنصّ القرآن الكريم: {إِنَّ الله قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً... قَالَ إِنَّ الله اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}[البقرة: 247].

وبدأت التَّجربة مع بني إسرائيل ليختبر إيمانهم ويضعهم أمام أنفسهم ومسؤوليَّاتهم، فقد اجتمع مع طالوت، بحسب الرّوايات، ثمانون ألفاً، وأوضح لهم أنّهم أثناء خروجهم من ديارهم سيصادفون نهراً يمرّون به على الطريق، وقيل يقع بين فلسطين والأردن، وأنّ عليهم ألا يشربوا منه إلا بمقدار غرفة اليد، مهما بلغ بهم العطش، ومن يتجاوز ذلك، فهو ليس من أهل الإخلاص والطّاعة.

وقد ابتلى الله تعالى هؤلاء القوم في أكثر من تجربة، ليعلّمهم الصَّبر بطريقة عمليّة، ليصبح قيمة متجذّرة في نفوسهم.. وكان الوقت قيظاً، فسلكوا مفازة، فسألوا الله أن يجري لهم نهراً، فقال: {إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم}، أي ممتحنكم فيه.. فمن زاد عن الغرفة فليس من أهل الدّين والطاعة والصَّبر، ومن لم يذقه من الأساس، وصبر على عطشه، وجاهد نفسه، فقد نجح في الاختبار، وكان من أهل التّقوى والطّاعة عبر الممارسة الفعليّة.

ويروي بعض المفسِّرين، كما ينقل فخر الدين الرازي في تفسيره (التفسير الكبير)، أنَّ أصحاب طالوت لما هجموا على النّهر بعد عطش شديد، وقع أكثرهم في النّهر، وأكثروا الشّرب، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى، فلم يزيدوا على الاغتراف. وأمّا الّذين شربوا وخالفوا أمر الله، فاسودّت شفاههم، وغلبهم العطش، ولم يرووا، وبقوا على شطّ النّهر، وجبنوا عن لقاء العدوّ، وأمّا الذين أطاعوا أمر الله تعالى، فقويت قلوبهم، وصحّ إيمانهم، وعبروا النَّهر سالمين.

يقول العلامة المرجع السيِّد محمّد حسين فضل الله(رض): "{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ}، وانطلق طالوت، وهذا هو اسم الملك الّذي عيَّنه النّبيّ، ومضى معه جنوده، {قَالَ إِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ}، وبدأت التجربة بين القائد وجنوده، فقد أعلن لهم أنَّ الله قد ابتلاهم وامتحنهم ـ ليختبر انقيادهم ـ بالنّهر الذي يمرّون به، {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}[البقرة: 249]، فعليهم أن لا يشربوا منه إلا بمقدار غرفة، مهما بلغ عطشهم، وسقط الأكثرون في الامتحان، ووهنت عزائمهم، ودبَّ الضّعف فيهم، ووقف المؤمنون المخلصون ليكون النّصر لهم في نهاية المطاف". [تفسير من وحي القرآن، ج 4، ص 388].

بعض من كان مع طالوت، لما رأوا معسكر جالوت وجنوده، ضعفوا وقالوا لا طاقة لنا على مواجهتهم، فكانوا مهزومي الإيمان والإرادة، {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو الله كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله وَالله مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 249]، أمّا المؤمنون الصّابرون المحتسبون الواثقون بنصر الله لهم في كلّ المواقع والظّروف، فلم يخافوا من عديد أهل الباطل وقوتهم، فالفئة القليلة المؤمنة الصَّابرة المتوكّلة على ربها المخلصة له، قادرة بروحها المعنويّة والإيمانيّة العالية على أن تهزم الفئة الكثيرة، مهما علا شأنها.

ومن كلّ ذلك، نتعلّم كيفيَّة التزوّد بالصّبر، والإخلاص، والثّقة بالله، والثّبات على الإيمان، في وجه كلّ الأعداء من داخل النّفس وخارجها.

*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنّما عن وجهة نظر صاحبها.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية